إلى كوخ التشرد مقال للكاتب أزهر اللويزي يتناول فيه الكلام عن قصة المطربة العراقية سهى عبدالأمير ورحلتها من النجومية والشهرة إلى التشرد والجنون
إلى كوخ التشرد
بقلم أزهر اللويزي
كلنا يعرف نظرياً أن دوام الحال من المُحال ، ولكن على أرض الواقع الغالبية السادرة لا تعي ذلك غالباً إلا بعد فوات الأوان .
من أقسى لحظات الحياة وأشدها مرارة وألماً وخيبة ، أن يفقد الإنسان عقله آلة الإدراك والفهم ،
وتذهب مكانته اللائقة بعدما كان يُشار إليه بالبنان .
المطربة العراقية سهى عبد الأمير التي لمعت في سماء الفن العراقي خلال فترة الثمانينات ، كانت متزوجة من ضابط عراقي وأنجبت منه أطفالاً ،
لكن القوانين العسكرية حينذاك خيّرته بين التسريح من سلكها أو الطلاق ، فأختار الخيار الأخير .
كان وقع الطلاق عليها وذهاب أبنائها منها كطعنة خنجر غادر إستقرَّ في خاصرتها ولم تشفَ منه ،
فكانت بداية النهاية لنجومية لمعت سنوات طويلة في فضاء الفن العراقي .
ومع مرور الوقت غاب عنها الدعم والمساندة في محنتها العسيرة والحرجة ،
فانطفأت نجوميتها ، واختلَّ عقلها وسكت غناؤها إلى الأبد ، وأستقرّت في مكان موحش معزول !
فما حصل معها ليس كابوساً يمكنها الخلاص منه بالإستيقاظ ،
ويكون كل شيء بعد ذلك على ما يرام ، لكنه حقيقة مؤلمة أطاحت بها .
وكثيرآ ما نتسائل ما أغرب الحياة الدنيا وما أسرع تقلّباتها ؟
ولكن الحقيقة أنبأتنا أنها جُبلت على رفع قوم وخفض آخرين ، وأنها لا أمان لها ولا عهد !
لو إنعطف بنا الزمان
لو إنعطف بنا الزمان إلى الوراء قليلاً ، لوجدنا المطربة سهى تقف على المسرح بقوامها الجميل ، محاطة بالفرقة الموسيقية ،
وأمامها آلاف الناس مُحتشدين ، ويبرق وجهها من السرور وهي تغني بصوتها الآسر الرخيم :
خلاني حُبّك حايره .. لا حاطه ولا طايره
شكد إسألت عنك .. وماكو خبر منك
وما صايره ولا دايره
نعم والله لقد صدقتِ يا سهى ، ما صايره ولا دايره أن لا يسأل عنكِ أحد ،
وتُلقين في بئر الإهمال ولا تُمد لكِ حبال النجاة ،
وتألفين حياة التشرّد والضياع ،
ويا للعجب بعد النجومية اللامعة إلى كوخ التشرّد !
وكأنَّ ابن المرزبان البغدادي يقصد تشخيص حالتكِ البائسة حينما قال :
ذهب الذين إذا رأوني مُقبلاً .. .. سُرُّوا وقالوا مرحباً بالمُقبلِ
وبَقي الذين إذا رأوني مُقبلاً .. .. عبسوا وقالوا ليته لم يُقبِلِ
وها هي الدنيا تكشف خباياها .. إن أقبلت باض الحمام على الوتد ، وإن أدبرت بال الحمار على الأسد .
نعم هكذا هي يا صديقي .. تُجلس ملوك الأمس على الحصير وتُحوت الأمس على الحرير !
لا تستغرب ، لا تتفاجأ ، لا تندهش ،
لا تتسع أحداقك يا صديقي ، ألم أقل لك تكشف خباياها وها قد فعلت ؟!!
يقول الله تعالى في كتابه الكريم : ” وتلك الأيام نداولها بين الناس ” . 140_ آل عمران
فهي كفيلة بكشف كل مخبوءات النفوس والأحداث والوقائع وفق قدر محكم ، تجعله مكشوفاً للجميع .
ومداولة الأيام مشهد يتكرر كثيراً بين الناس على إختلاف ألسنتهم وأشكالهم وأعراقهم وأجناسهم ،
فتكون لهؤلاء يوماً ولآخرين يوماً ،
وفي كل ذلك إختبار وإمتحان لهم في هذه الحياة العجيبة الغريبة من قبل خالقهم عزّ وجل .
على الإعلام والصحف والمجلات والمنظمات الخيرية وأصحاب الشأن أن يرحموا عزيز قومٍ ذلّ ،
وعقلاً ذكياً إختل ، ووجهاً جميلاً ذبل ،
وكلها متوفرة وحاضرة في المطربة المتألقة سابقاً سهى عبد الأمير .
أزهر اللويزي
Be the first to comment on "إلى كوخ التشرد"