التفاؤل الاخضر .. بقلم أزهر اللويزي
حياتنا ليست سهلة يسيرةرغم جمالها ونظرتها ، بل تعترك فيها الأحلام بالصعاب والهمم بالمشاق والطموح بالتحدي فيتمخّض عن ذلك النجاح للبعض والإخفاق للآخر .
المتفائل يرى الحياة كما ينبغي أن تكون مع توقّع الأجمل والأفضل ، والمتشائم لا يرى إلا السواد وخيبة الأمل .
العظماء كلهم متفائلون ، فلا تجد عظيمآ في الأرض إلا متفائلآ ومُحصّنآ من فيروس التشاؤم .
التفائل من أجمل عبادات القلوب ومن أروع مهارات الحياة ، يتحصّن بها الناجحون في مشوارهم وكفاحهم ، من معاول التشاؤم التي تقتلع جذور السكينة وتنسف الطمأنينة وتحيل القلوب إلى خراب .
لمّا إقترب عبد الرحمن الداخل من الأندلس بعث خادمه بدرآ من أجل أن يستنفر بعض القبائل العربية والموالين لبني أمية والأمازيغ لنصرته هناك .
وكعادته نجح بدر في إتمام المهمة بجدارة ، فبعث رسولآ إليه يقول له : إن الوضع أصبح جاهزاً لاستقباله هناك .
وحينما وصل المبعوث إليه سأله عن اسمه قال : تمام .
قال : وما كنيتك ؟
قال : أبو غالب .
قال صقر قريش : الله أكبر ! الآن تمَّ أمرنا وغَلَبْنَا بحول الله تعالى وقوته ، وهذا ما قد حصل فقد توسّم الخير وتبسّم للصعاب وحقّق المُبتغى .
ألم أقل لك أنّ العظماء كلهم متفائلون ولو ضاقت عليهم الأرض بما رحبت واشتدت الصعاب وازدحمت بالهموم ؟
ولك أن تتخيّل اليوم كم يضرب التشاؤم والقلق والإكتئاب الناس بسيل جارف ويقتلعهم ؟
فتجد الخائف على وظيفته وآخر من الفشل وثالث من الفقر ، وأخرى من تأخّر الزواج ، وصحيح معافى من المرض ، وحي من الموت ومهجّر من اللاعودة وتستمر الحكاية المؤلمة .
عقل الإنسان مثل الحديقة إما أن تزرع فيها الورود والأزهار وإما أن تنبت فيها أعشاب وحشائش ضارة .
فيا تُرى ما الذي يملأ رؤوس الناس اليوم ويتحكّم فيها ؟ هل التفائل الأخضر أم التشاؤم الأسود ؟
أسألك أخي الكريم من الذي بيده مقاليد السماوات والأرض ؟ ومن المتصرّف في شؤون الكون ؟ ومن الذي يُطعم ويسقي ويشفي ؟
أليس الله تعالى ؟ بلى .. إذاً فلنتوكل عليه ونتقرّب إليه بعبادة التفاؤل وحُسن الظن والثقة .
وفي السيرة النبوية الشريفة لما هاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم من مكة إلى المدينة أعلنت قريش عن مكافأة مالية قدرها مائة ناقة لمن جاء برسول الله حياً أو ميتاً .
انطلق مشركو مكة ولعابهم يسيل من أجل الظفر بالجائزة الثمينة فبدأوا يُمشِطون الصحراء ويُنقّبون جبال مكة وكهوفها حتى وقفوا فوق الغار .
فقال أبو بكر الصديق رضي الله عنه وهو يهمس لرسول الله صلى الله عليه وسلم : يا رسول الله لو نظر أحدهم تحت أقدامه لرآنا !
فيجيبه رسول الله صلى الله عليه وسلم واثقاً : ” يا أبا بكر ما ظنك بإثنين الله ثالثهما ” . رواه البخاري ومسلم
ها هو سيد المتفائلين يعلمنا درساً في الثقة بالله تعالى والتفاؤل الجميل الأخضر في أحلك الظروف وأصعبها وأمرّها .
فنحن بحاجة مُلحّة وعاجلة من أن نتحرر من مشاعر التشاؤم وأوهام القلق ومطبّات الإكتئاب ، ونملأ حياتنا بالتفاؤل والأمل وحُسن الظن والتوكل على الله .
التفاؤل هو الذي يدفعنا إلى الأمام كلما وقفنا ، وهو الذي يجعل صخور الحياة سلالم نرتقي عليها ، وهو الذي يجعل عثرات الطريق قصصآ نتسلّى فيها .
أخي الحبيب تسلّح بالتفاؤل من داء التشاؤم الذي إنتشر بشكل مرعب ومخيف في مجتمعاتنا وعلى مختلف الأصعدة .
فكم من هدف قُتل وحلم وئد وحماس فتر ، بسب كلمات الآخرين التي نضحت بسموم التشاؤم والتثبيط ؟
اشحن نفسك بالتفاؤل المعقول الذي لا يصدمك من الواقع ولا يُحبطك مما هو قادم ، ففي بعض الأحيان يخبو نورنا ثم يعود إلى التوهّج من جديد .
-أزهر اللويزي ( azhrmosa88m@gmail.com )