يا ابني للشيخ علي الطنطاوي

يا ابني للشيخ علي الطنطاوي

يا ابني للشيخ علي الطنطاوي رسالة في معرض رده على مراهق شكى له وقدة في أعصابه من ضَرَم الشهوة

يا ابني(١) للشيخ علي الطنطاوي

(إلى السيد  م.أ+ من  الإسماعيلية  بمصر الذي كتب إليَّ، واستحلفني أن أقرأ كتابه، وأن أرد عليه).

لماذا تكتب إليَّ على تردد واستحياء؟

أتحسب أنك أنت وحدك الذي يحس هذه الوقدة في أعصابه من ضَرَم الشهوة، وأنك أنت وحدك الذي اختُصَّ بها دون الناس أجمعين؟

لا، يا ابني، هوِّن عليك؛ فليس الذي تشكو داءك وحدك،

ولكنه (داء الشباب)، وقد كتبت فيه قديماً وحديثاً،

ولولا أني لا أحب الحديث المعاد، ولا أقتني _ مع الأسف _ إلا الأقل من مقالاتي القديمة لنقلتها إليك، أو لأحلتك عليها.

ولئن أرَّقك هذا الذي تجد وأنت في السابعة عشرة فلطالما أرَّق كثيرين غيرك، صغاراً وكباراً،

ولطالما نفى عن عيونهم لذيذ الكرى،

ولطالما صرف عن درسه التلميذَ، وعن عمله العامل، وعن تجارته التاجر.

وما الحب الذي افتنَّ في وصفه الشعراء، وفي تحليله الأدباء إلا ما تجده أنت سواء بسواء،

ولكنك أخذته مجرداً مكشوفاً، فعرفه الناس، فلم يخدعوا عنه،

وأخذوه فلفوه بمثل الورق (الشكلاطة)؛ ليخدعوا عن حقيقته الناس.

وشربت بفيك من الينبوع، وشربوا بالكأس المذهبة الحواشي.

والماء في كأس أبي نواس التي أقام في قرارتها كسرى كالماء في ساقية،

والشهوة في رسالتك إليَّ كالشهوة في غزل الشعراء، وشعر الغزليين، ولوحات المصورين، وألحان المغنين،

ولكن الضمير هاهنا بارز ظاهر، والضمير هنالك مستتر خفي، وشر الداء ما خفي واستتر!

إنه ما أشرف على مثل سنك أحد إلا توقّد في نفسه شيء كان خامداً،

فأحس حرَّه في أعصابه، وتبدلت في عينه الدنيا غير الدنيا،

والناس غير الناس فلم يعد يرى المرأة على حقيقتها إنساناً من لحم ودم، له ما للإنسان من المزايا، وفيه ما فيه من العيوب،

ولكن أملاً فيه تجتمع الآمال كلها، وأمنيَّة فيها تلتقي الأماني،

ويلبسها من خيال غريزته ثوباً يخفي عيوبها، ويستر نقائصها، ويبرزها تمثالاً للخير المحض، والجمال الكامل،

ويعمل منها ما يعمل الوثني من الحجر:

ينحته بيده صنماً، ثم يعبده بطوعه ربَّاً!

إن الصنم للوثني رب من حجر، والمرأة للعاشق وثن من خيال!

كل هذا طبيعي(٢) معقول، ولكن الذي لا يكون أبداً طبيعيَّاً ولا معقولاً، أن يحس الفتى بهذا كله في سن خمس عشرة، أو ست عشرة سنة،

ثم يضطره أسلوب التعليم إلى البقاء في المدرسة إلى سن العشرين أو خمس وعشرين.

فماذا يصنع في هذه السنوات، وهي أشد سنين العمر اضطرام شهوة، واضطراب جسد، وهياجاً وغلياناً؟

ماذا يصنع؟

هذه هي المشكلة!

أما سنة الله، وطبيعة النفس فتقول له: تزوج.

وأما أوضاع المجتمع وأساليب التعليم فتقول له: اختر إحدى ثلاث كلها شر،

ولكن إياك أن تفكر في الرابعة التي هي وحدها الخير، وهي الزواج…

الهوامش

(١) نشرت عام 1955م، انظر كتاب (صور وخواطر) ص156_162.

(٢) طبيعي هي الدائرة على أقلام البلغاء من القدم، وإن كان القياس طبعي.

Be the first to comment on "يا ابني للشيخ علي الطنطاوي"

تعليقك يثري الموضوع