ارطغرل بين الحقيقة التاريخية والدراما التركية.

ارطغرل

يعد مسلسل ” قيامة #أرطغرل ” ، من أشهر وأهم أعمال الدراما التاريخية التركية فى العصر الحديث ،

واستطاع استقطاب ملايين المشاهدين فى العالم ،

وأنفق عليه الكثير فربما تكلفت الحلقة الواحدة منه تقريبا 360 ألف دولار، ودخل عامة البيوت العربية،

وأصبح تأثيره ظاهرا على الكبير قبل الصغير، كثرحوله اللغط وانتشرت الإشكالات وتعددت الآراء واختلفت التحليلات ،

ومن مميزاته :

– تعزيز الهوية الإسلامية لدى المشاهد المسلم خاصة ،

وتعزيز رابطة وفكرة الوحدة الإسلامية أمام الفكرة القومية والطائفية والمذهبية ،

كما يعزز قضية القيم الاجتماعية والشرعية ، والأخلاقيات والسلوكيات العامة ، والفهم الاقتصادى والسياسى للدولة ،

كما كان أداء الممثلين على درجة كبيرة من الحرفية فى أداء الأدوار خاصة فى أدوار المعارك واستخدام السيوف والفروسية

والأداء الرائع فى التعبير عن المشاعر من خلال ملامح الوجه القوية لكل تعبير ،

ويعد هذا العمل رسالة عن التاريخ التركى وتقديرا للجهود الجبارة التى سبقت تأسيس الخلافة العثمانية ،

ومعالجة للأعمال الفنية التركية ذات التوجه العلمانى المشوه لجوانب التاريخ العثمانى خاصة .

ولكن يجرى عليه مايجرى على كل عمل بشرى من بعض القصور والمخالفات الشرعية والتاريخية مما نوضح لاحقا .

– الخلافة العثمانية :

تنسب الخلافة العثمانية لعثمان بن أرطغرل مؤسس الدولة العثمانية التي أعادت للمسلمين خلافتهم القوية بعد سقوط الدولة العباسية على يد التتار ،

ولد- عثمان – يوم الخميس الرابع من شهر جمادى الأولى، الموافق التاسع من شهر مايو سنة ست وخمسين وستمائة هـ،

وهو العام الذي سقطت فيه بغداد في أيدي التتار،

وكأن الله سبحانه وتعالى قدر أن يولد في نفس اليوم الذي قُتل فيه آخر الخلفاء العباسيين من يعيد الخلافة شابة فتية بعد أن هرمت وضعفت.

أرطغرل بن سليمان شاه :

والد السلطان عثمان الأول مؤسس الدولة العثمانية ،

وأرطغرل تعنى الطير الجارح الذكر، أو ذكر العقاب ، المولود حوالي عام 1191م – والمتوَفى عام 1281م بمدينة سكود بالأناضول، عن عمر يزيد على 90 عاماً ،

وهو قائد قبيلة قايى من أتراك الأوغوز، وتولى زعامة قبيلته من عام ( 1230 – 1281م ) ،

دفن بتربة أرطغرل غازي بسكود فى تركيا ، وهو مسلم سنى على المذهب الحنفى ، تزوج من ” حليمة خاتون ” ، وأنجب ” عثمان، وكندز بك، وسارو باطو صاووجي بك ” ، وأمه ” هيماه خاتون ” .

وكان سبب ظهور أسرته على الساحة وصعودهم للملك أن السلاجقة –

وهم الترك الذين يقيمون في الصحراء الشاسعة التي تمتد من حدود الصين حتى شواطئ بحر قزوين،

وقد عُرفوا باسم “الغُزّ” (يطلقون عليهم في المسلسل اسم “الأوغوز”) ولاحقا باسم “التركمان”، – لما تركوا وطنهم من فتنة جنكيز خان ملك التتار،

ومالوا إلى جانب بلاد الروم وهم من أتراك الأوغوز ولم يكن همهم غير الغزو والغارة والصيد وركوب الخيل ومقارعة الأبطال وطلب الغنائم وتدويخ البلدان،

وصار ذلك هو صناعتهم وتجارتهم ولذّتهم وفخرهم وحديثهم وسمرهم، فلما كانوا كذلك صاروا في الحرب كاليونانيين في الحكمة، وأهل الصين في الصناعات ،

وكانو قد نزحوا من شرق إيران إلى الأناضول هرباً من الغزو المغولي جاء معهم أرطغرل، وكان رجلا شجاعاً،

وبصحبته نحو ثلاثمائة وأربعين رجلاً من بني جنسه،

فعمل في خدمة السلطان علاء الدين كيقباد بن كيخسرو بن قلج أرسلان بن طغرل السلجوقي -سلطان بلاد قرمان- فأعجب به لشجاعته، وقربه إليه،

ثم زاد في عطائه ومِنَحه بعد أن فتحت على يديه كثير من البلاد “[سمط النجوم العوالي في أنباء الأوائل والتوالي: (ج 2 / ص 312)..].

بعد موت أبيه

وقيل: إن أرطغرل هذا كان راجعًا إلى بلاد العجم -أي فارس وما حولها- بعد موت أبيه غرقا عند اجتيازه أحد الأنهر فارا من أمام التتار فشاهد جيشين مشتبكين،

فوقف على مرتفع من الأرض ليمتع نظره بهذا المنظر المألوف لدى الرحل من القبائل الحربية،

ولما آنس الضعف من أحد الجيشين وتحقق انكساره وخذلانه دبت فيه النخوة الحربية،

ونزل هو وفرسانه مسرعين لنجدة هذا الجيش المهزوم، وهاجم الجيش الآخر بقوة وشجاعة عظيمتين،

حتى وقع الرعب في قلوب الذين كادوا يفوزون بالنصر، وأعمل فيهم السيف والرمح ضربا ووخزا، حتى هزمهم شر هزيمة..

وكان قائد هذا الجيش الذي قام بمساعدته هو الأمير علاء الدين كيقباد،

وقد قام بمكافأته على هذا الفعل النبيل بإقطاعه عدة أقاليم ومدن،

وصار بعد ذلك لا يعتمد في حروبه مع مجاوريه إلا عليه وعلى رجاله،

وكان عقب كل انتصار يقطعه أراضي جديدة، ويمنحه أموالا جزيلة،

ثم لقب قبيلته بمقدمة السلطان لوجودها دائما في مقدمة الجيوش.

الجهاد والرباط

وأمضى أرطغرل بعد ذلك باقي عمره في الجهاد والرباط؛ حتى سمي في المصادر التاريخية بـ”غازي الثغور”

وبعد وفاته كتب السلطان علاء الدّين لعثمان بن أرطغرل بموافقة السلطنة،

وأرسل إِليه خلعة وسيفا وخصّه بالغزو على الكفار فرأى السلطان علاء الدّين جِدّه وجهده في الجهاد

وعلم قابليته ونجابته في فتح أطراف البلاد فأكرمه وأمّره وأمده بأنواع الإعانة والإمداد وأرسل الراية السلطانية إليه.

كتب السلطان علاء الدين لابنه عثمان بالإمارة من بعده،

وأرسل إليه خلعة وسيفا كعادته عند تثبيت الأمراء [ظ سمط النجوم العوالي في أنباء الأوائل والتوالي: (ج 2 / ص 312)..].

وكان عثمان خير خلف لأبيه، إذ قاد قبيلته وواصل بها غزواته حتى فتح الله له قلعة ” قره ” سنة 688 هجرية الموافقة سنة 1289 ميلادية،

وبعدها منحه السلطان علاء الدين لقب بك، وأقطعه جميع الأراضي التي فتحها،

وأجاز له ضرب العملة باسمه، وأن يذكر اسمه في خطبة الجمعة، وبذلك صار عثمان ملكا بالفعل لا ينقصه إلا اللقب ،

وأعلن تأسيس الدولة العثمانية 699هـ / 1299م والتي استمرت إلى 1343هـ / 1924م.

الإشكاليات التاريخية والفنية :

– الكاتب هو مؤلف قصص وروايات تليفزيونية ، واعتماده على نسج الخيال فى الكثير من المواقف ،

وأن فريق العمل هو فريق فنّي متخصص في الأعمال الدرامية وليسوا باحثين في التاريخ العثماني ،

أخذ قصة بطل تاريخي صحيحة، وأدخلها على ماكينة تفصيل الأعمال الدرامية مستفيدا في ذلك من كتب مشهورة عند الأتراك بعنوان (الحكايات الشعبية)،

ليخرج لنا في النهاية هذا العمل الذي أحسب أنه أرقى عمل فني في زماننا .

– السرد التفصيلى والممل والغير مثبت تاريخيا لكثير من الأحداث ، مما أدى إلى كثرة حلقات وأجزاء المسلسل .

– نويان قائد المغول وأن نهايته كانت بيد أرطغرل بعد جولات وصولات بينهما ، بينما نويان كان من كبار قادة هولاكو ،

وشارك فى مقتل الخليفة العباسى والقضاء على الدولة العباسية ، وكان مقتله فى عين جالوت بقيادة قطز سنة 658هـ .

– لم يذكر المسلسل الدولة العباسية بأى شكل من الأشكال خلال المسلسل .

– لم يتحدث المسلسل عن إسلام قبيلة الكايى ، وكيف دخلوا الإسلام ومتى .

– المبالغة فى إظهار قوة أرطغرل الخارقة التى لاتستقيم مع العادة ولاتتوافق مع طبائع المعارك والمواجهات ،

وربما لم يذكر مثلها فى حياة الصحابة والتابعين .

– المبالغة فى إبراز قوة الأتراك على قوة المغول ،

وبالتالى إبراز النزعة القومية التركية الواضحة فى كثير من الحلقات على حساب النزعة الإسلامية الخالصة .

– تجاهل المسلسل تمام ذكر العرب فى مدينة حلب ،

والخليفة العباسى ووضعه، وتجاهل ذكر أحفاد صلاح الدين بها ، وأظهرها كأنها مدينة تركية خالصة .

– غلبة الفكرة الصوفية على المسلسل ، وارتباط بطل المسلسل أرطغرل بعلم من أعلام الصوفية الشيخ ” محيى الدين اين العربى ” ،

ولهذا الارتباط دلالته ورمزيته فى التراث التركى ، و” محيي الدين محمد بن علي بن محمد الطائي ” ،

أحد أشهر المتصوفين، والملقب عندهم بـ (الإمام الأكبر والكبريت الأحمر أو إمام العارفين محيي الدين ابن العربي).

محيي الدين

(محيي الدين) وهو المقصود في المسلسل رغم وجود بعض الإشكالات،

فقد توفي عام 638هـ عن عمر يناهز الثمانين عاما، أي أنه عاصر أرطغرل بالفعل،

وسافر إلى حلب وأقام مدة في قونية (عاصمة الدولة السلجوقية وقتها) وتزوج فيها والدة صدر الدين القونوي،

مما يقوي احتمال اللقاء بينهما، لكن الإشكالات تكمن في تقوية العلاقة بين أرطغرل وابن العربي بدرجة مبالغ فيها،

بحيث يعجز الباحث في كتب التاريخ عن إيجاد شواهد أو قرائن فضلا عن أدلة عليها.

فابن العربي الذي مات عام 638هـ أي بعد وفاة سليمان شاه بعامين فقط،

مازال موجودا في المسلسل رغم مرور عدة سنوات على وفاة سليمان شاه، والمتابع لعمر جوندوز ابن أرطغرل يلحظ هذا بوضوح، كما أن عثمان ابن أرطغرل الذي هو على وشك الولادة في المسلسل، قد ولد عام 656هـ أي بعد وفاة ابن العربي بثمانية عشر عاما،

فإذا أضفنا إلى ذلك أن المشهور في ترجمة ابن عربي أنه قد قضى آخر خمسة عشر عاما من حياته في دمشق يكتب ويصنف ويُدرّس لطلابه، يظهر لنا قدر المبالغة الشديدة التي تم تصويرها في المسلسل عن علاقة أرطغرل بابن العربي،

والذي يبدو أن المؤلف استفاد من احتمالية اللقاء بين أرطغرل وابن العربي،

ونسج من وحي خياله هذه العلاقة والرابطة التي تمثل مرجعية روحية دينية للمجاهد أرطغرل” .

تصوير المجاهد أرطغرل على أنه لم ينتصر إلا بمعجزات وخوارق كان ابن العربي هو السبب فيها من شأنه أن يؤثر سلبا في نفوس الشباب المتطلع للجهاد حاليا .

الاستغناء عن مشاهد الخرافة

والمسلسل كان بإمكانه الاستغناء عن مشاهد الخرافة والشعوذة من أفعال ابن العربي،

خاصة أن المجتمع التركي حاليا وإن كان متمسكا بالنهج الصوفي عموما، لكنه مستنكر لهذه الشطحات غير قابل لها،

وهذا ملاحظ حتى على عموم المسلمين في شتى بقاع الأرض،

وإن تمسك بها القليلون الذين نراهم كالشواذ من القاعدة العامة.

لاقترحت أن نضع مكان هذه المشاهد أعمالًا وعبادات خَفِيّةً بين أرطغرل وجنوده وبين ربهم تبارك وتعالى،

تكون سببا في حفظهم ونجاتهم وانتصاراتهم على سبيل الكرامة التي يمنحها الله عز وجل للمخلصين الصادقين من عباده، والتي هي متاحة لكل عبد في أي زمان ومكان طالما أنه حصّل أسبابها واستجمع مقوّماتها،

ولا مانع من الاستفادة بدعوات المشايخ .

وعلى العموم فإن هذا المسلسل له وعليه ، ويكاد يحصد الأغلبية فى اعتباره من أقوى الأعمال الفنية والدرامية والتاريخية التركية .

نهاية المقال : ارطغرل بين الحقيقة التاريخية والدراما التركية.

Be the first to comment on "ارطغرل بين الحقيقة التاريخية والدراما التركية."

تعليقك يثري الموضوع