بيئة الإسلام الأولى التي اختارها الله لمولد خاتم رسله وظهور أكمل رسالاته للعلامة #محب_الدين_الخطيب
، مقال في السيرة النبوية استعرض فيه الكاتب بتسلسل موضوعي جميل بعض مواقف السيرة للنبي صلى الله عليه وسلم والصحابة مبيناً فضل العرب
المقال من 1693 كلمة و 141 فقرة ، يستغرق للقراءة الصامتة 9 دقائق و 25 ثانية ، تكررت فيه عبارات ( رسول الله ، بني هاشم ) وكلمات ( قريش ، مكة ، الإسلام ، العرب ، النبي ، الأمم )
بيئة الإسلام الأولى التي اختارها الله لمولد خاتم رسله وظهور أكمل رسالاته للعلامة محب الدين الخطيب
بيئة الإسلام الأولى التي اختارها الله لمولد خاتم رسله وظهور أكمل رسالاته (1) للعلامة محب الدين الخطيب
بلدة لا كالبلاد لجيل لا كالأجيال من أمة لا كالأمم…
بلدة اختارها الله _ في الدهر الأول _ لأول بيت قام في الأرض
لتوحيد الله والعبادة الخالصة والنسك السليم: [إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكاً وَهُدًى لِلْعَالَمِينَ (96) فِيهِ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ مَقَامُ إِبْرَاهِيمَ وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آمِناً وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنْ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنْ الْعَالَمِينَ] آل عمران:96_ 97.
قال الحسن بن أبي #الحسن_البصري : كان الرجل قبل الإسلام يَقتل
فيضع في عنقه صوفة ويدخل أرض الحرام
فيلقاه ابن المقتول
فلا يهيجه حتى يخرج من حدود الحرم.
وقد وصف الله في سورة (العنكبوت الآية: 67) هذه الميزة لبيت الله الحرام
ومنَّ بها على أهله فقال: [أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا حَرَماً آمِناً وَيُتَخَطَّفُ النَّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ أَفَبِالْبَاطِلِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَةِ اللَّهِ يَكْفُرُونَ].
وفي سورة (القصص: 57_ 59) _ وهي مكية _ نعى الله على الحارث بن عامر ابن نوفل بن عبد مناف وأمثاله من رجالات قريش وشبابهم أنهم تخوَّفوا من إقامة الحق بالدخول في الإسلام يوم كانت مكة هي بيئةَ الإسلام الأولى ومشرقَ دعوته
[وَقَالُوا إِنْ نَتَّبِعْ الْهُدَى مَعَكَ نُتَخَطَّفْ مِنْ أَرْضِنَا أَوَلَمْ نُمَكِّنْ لَهُمْ حَرَماً آمِناً يُجْبَى إِلَيْهِ ثَمَرَاتُ كُلِّ شَيْءٍ رِزْقاً مِنْ لَدُنَّا وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ (57)
وَكَمْ أَهْلَكْنَا مِنْ قَرْيَةٍ بَطِرَتْ مَعِيشَتَهَا فَتِلْكَ مَسَاكِنُهُمْ لَمْ تُسْكَنْ مِنْ بَعْدِهِمْ إِلاَّ قَلِيلاً وَكُنَّا نَحْنُ الْوَارِثِينَ (58)
وَمَا كَانَ رَبُّكَ مُهْلِكَ الْقُرَى حَتَّى يَبْعَثَ فِي أُمِّهَا رَسُولاً يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آيَاتِنَا وَمَا كُنَّا مُهْلِكِي الْقُرَى إِلاَّ وَأَهْلُهَا ظَالِمُونَ].
ومما خاطب الله قريشاً _ فيما أنزله من القرآن بمكة _ ومنَّ عليهم بهذه الميزة الكبرى لبلدتهم دون بلاد الأرض كلها قوله _ جلَّ ثناؤه _: [فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ (3) الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ(4)] قريش.
بيئة الإسلام الأولى : حرم مكة
إن حرم مكة الآمن لا ينحصر في حرم الكعبة
ولا يقتصر على البلدة كلها بل يعم أرض الحرم إلى مسافات بعيدة أقيمت لها أعلام في كل ناحية من نواحيها
فما كان خارج هذه الأعلام يسمى الحل وما هو في داخل نطاقها يسمى الحرم
وفي الحرم تأمن الطير _أيضاً_ كما يأمن الإنسان فلا تنفر عن أوكارها ويأمن فيه حتى الوحش فلا يحل اصطياده.
بل من جملة تحريمها تحريمُ قطع شجرها وقلع حشيشها.
وقد خطب رسول الإنسانية الأعظم _ صلوات الله عليه _ يوم فتح الله عليه مكة
فقام على باب الكعبة يقول لقريش ومن وراءها من جماهير الناس
ولكتائب الفتح من المهاجرين والأنصار:
إن الله حرَّم هذا البلد يوم خلق السموات والأرض
فهو حرام بحرمة الله إلى يوم القيامة
وإنه لم يحلَّ القتال لأحد قبلي
ولم يحلَّ لي إلا في ساعة من نهار
فهو حرام بحرمة الله إلى يوم القيامة
لا يعضد شوكه ولا يُنَفَّرُ صيدُه ولا يلتقط لقطته إلا من عَرّفها ولا يختلى خلاه.
فقال عمه العباس: يا رسول الله إلا الإذخر _ وهو نبات طيب الرائحة ينتفعون به _ فقال “: إلا الإذخر.
وقد حيل بين من يلجأ إلى الحرم من المجرمين وبين حقوق الله والناس بما رواه سعيد بن جبير عن عبدالله بن عباس أن القاتل إذا عاذ ببيت الله في مكة أعاذه البيت
ولكن ليس على أحد من ساكني الحرم أن يؤويه أو يطعمه ويسقيه
حتى يضطر إلى الخروج من حدود الحرم فإذا خرج أخذ بذنبه.
ومن أعجب ما امتازت به مكة عن بلاد الله جميعاً بين زمن مولد حامل أكمل رسالات الله وزمن هجرته_ أنها بلدة لم يشعر أهلها بحاجتهم إلى حكومة
ولم تمس حاجتهم إلى إقامة شرطة تحمي أهل العافية فيهم من أهل البغي والشر
لأنهم قلما عرفوا فيهم مُواطناً من أهل مكة تنزع نفسه إلى البغي والشر(2)
مطل المدين
وأكثر ما كان يقع فيهم الباطل أن يمطل المدين دائنه في وفاء ما في ذمته له
فكان يستعين عليه بأهل العافية
فيحصل منه على حقه بلا حاجة إلى قضية أو محكمة.
ولأجل هذا انعقد في بيت وجيه من وجهاء مكة وشريف من أشرافها وهو عبدالله بن جدعان التيمي _ من أسرة أبي بكر الصديق _ حِلْفٌ اشترك فيه طائفة من أهل الفُتُوَّة والمروءة في قريش
وتعاقدوا على ألا يجدوا بمكة مظلوماً من أهلها أومن غيرهم ممن دخلها من سائر الناس إلا قاموا معه
وكانوا على مَنْ ظلمه حتى تُرَدَّ عليه مظلمته.
وكان رسول الله “لا يزال يومئذ فتى
روى طلحة الندى _ وهو طلحة ابن عبدالله عوف الزهري قاضي مكة في القرن الأول للإسلام _ أن رسول الله”قال: لقد شهدت في دار عبدالله بن جدعان حلفاً ما أحب أن لي به حُمْرَ النعم
ولو أُدعى به في الإسلام لأجبت.
إن الناس هم الناس وفيهم الطيب والوسط والخبيث تشترك في ذلك الأمم كلها
غير أنها تتفاضل بنسبة أهل هذه الأصناف الثلاثة بعضهم إلى بعض
فمن الأمم من تطغى نسبة الخبيث من أهلها على من فيها من الطيبين والعنصر الوسط فهي من شر الأمم
ومنها من يكثر فيها العنصر الطيب وتكون له الكلمة النافذة والتوجيه المطاع في المجتمع فهي من أكرم الأمم معدناً
ومنها من تعظم فيها نسبة الطبقة الوسطى فيعم فيها الخير ويستتب الاستقرار.
يقول النبي ” فيما قرره من حقائق: الناس معادن كمعادن الذهب والفضة
خيارهم في الجاهلية خيارهم في الإسلام إذا فقهوا.
بيئة الإسلام الأولى : الذهب والفضة
وقد علق شيخ الإسلام ابن تيمية على هذا الحديث في كتابه منهاج السنة (2: 260_261) بقوله: فالأرض إذا كان فيها معدن ذهب
ومعدن فضة كان معدن الذهب خيراً لأنه مظنة وجود أفضل الأمرين فيه
فإن قُدِّر أنه تعطل ولم يخرج ذهباً كان ما يخرج الفضة أفضل منه
فالعرب في الأجناس _ وقريش فيها
ثم هاشم من قريش _ مظنةُ أن يكون فيهم الخير أعظم مما يوجد في غيرهم
ولهذا كان في بني هاشم النبي “الذي لا يماثله أحد في قريش
فضلاً عن وجوده في سائر العرب وغير العرب.
وكان في قريش الخلفاء الراشدون وسائر العشرة
وغيرهم ممن لا يوجد له نظير في العرب وغير العرب.
وكان في العرب السابقين الأولين مَنْ لا يوجد له نظيٌر في سائر الأجناس
فلا بد أن يوجد في الجنس الأفضل ما لا يوجد مثله في المفضول
وقد يوجد في المفضول ما يكون أفضل من كثير مما يوجد في الفاضل
كما أن الأنبياء الذين ليسوا من العرب أفضل من العرب الذين ليسوا بأنبياء
والمؤمنون المتقون من غير قريش أفضل من القرشيين الذين ليسوا مثلهم في الإيمان والتقوى
وكذلك المؤمنون المتقون من قريش وغيرهم أفضل ممن ليس مثلهم في الإيمان والتقوى من بني هاشم
فهذا هو الأصل المعتبر في هذا الباب
دون من ألغى فضيلة الأنساب مطلقاً
ودون من ظن أن الله _ تعالى _ يفضل الإنسان بنسبه على من هو أعظم إيماناً وتقوى منه
فكلا القولين خطأ وهما متقابلان
بل الفضيلة بالنسب فضيلةُ جُمْلَة وفضيلةٌ لأجل المَظِنَّةِ والسببِ
والفضيلةُ بالإيمان والتقوى فضيلةُ تعيينٍ وتحقيق وغاية
فالأول يَفْضُل به لأنه سببٌ وعلامة ولأن الجملة أفضل من جملة تساويها في العدد
والثاني يفضل به لأنه الحقيقة والغاية ولأن من كان أتقى لله كان أكرم عند الله
والثواب من الله يقع على هذا لأن الحقيقة قد وجدت فلا يعلق الحكم بالمظنة
ولأن الله يعلم بالأشياء على ما هي عليه فلا يستدل بالأسباب والعلامات.
بيئة الإسلام الأولى : التوازن بين الأمرين
بهذا فسر ابن تيمية حديث معادن الناس
وكان ينظر _ وهو يعالج هذا الموضوع الدقيق _ إلى آية الحجرات 13 [إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ]
كما ينظر إلى حديث عبدالله بن عمر قال: إنا لقعود بفناء رسول الله”إذ مرت امرأة
فقال بعض القوم: هذه ابنة محمد ” _ والحقيقة أنها كانت درة بنت أبي لهب
وكانت زوجة للحارث بن نوفل
ثم تزوجها دحية الكلبي _ فقال رجل: إن مثل محمد ” في بني هاشم مثل الريحانة في وسط النتن
فانطلقت المرأة فأخبرت النبي ” فجاء _ عليه السلام _ يُعرَفُ في وجهه الغضب
ثم قام على القوم فقال: ما بال أقوام تبلغني عن أقوام؟ إن الله _ عز وجل _ خلق الخلق فاختار من الخلق بني آدم
واختار من بني آدم العرب واختار من العرب مضر واختار من مضر قريشاً واختار من قريش بني هاشم واختارني من بني هاشم فأنا خيار من خيار
فمن أحب العرب فبحبي أَحَبَّهم ومن أبغض العرب فببغضي أبغضهم.
قال الحافظ العراقي: وهو حديث حسن
أخرجه الحاكم في المستدرك على الصحيحين
ورواه من غير هذا الإسناد _أيضاً_ وروى نحوه من حديث أبي هريرة
ورواه الطبراني في المعجم الأوسط وقال: حديث صحيح.
فالتفاضل بالتقوى هو الأصل
وهو الحقيقة والغاية
وكرم المعدن فضيلةُ جملةٍ
ومظنة أن يوجد فيه الخير أكثر مما يوجد في غيره.
إن البيئة التي ولد فيها خاتم رسل الله
وهي قريش سكان شعاب مكة وبطاحها _ قد تفاوت رجالها ونساؤها في سرعة الاستجابة لدعوة الإسلام
فهذا عمر بن الخطاب كان من مشركي قريش يوم كان أبو بكر أول رجل من قريش استجاب لهذه الدعوة
وأخذ يحببها بحكمته ورجاحة عقله ودماثة خلقه إلى طائفة من أعز شباب قريش في بطحاء مكة
من أمثال عثمان والزبير وعبدالرحمن بن عوف وطلحة بن عبيد الله وسعد بن أبي وقاص وغيرهم من مسلمي الرعيل الأول
فهل أزرى بعمر أن تأخر إسلامه عن إسلام هؤلاء وعن إسلام أخته وصهره؟.
بيئة الإسلام الأولى : خالد بن الوليد
وهذا خالد بن الوليد كان في وقعة أحد قائد خيل المشركين
وكان المفروض فيه لما عاد من غزوة أحد إلى مكة أن يكون ثملاً بخمرة ما اتفق له من فوز
فيكون ذلك أبعد له عن الاستجابة لنداء الحق.
لكننا رأيناه في أوائل السنة الثامنة للهجرة يزهد في عظيم الجاه الذي كان لأبيه وبيته في أم القرى
ويخرج متوجهاً إلى المدينة
ليلتحق بدعوة الحق
فالتقى في الطريق بين مكة والمدينة بعمرو بن العاص السهمي
وعثمان بن طلحة أحد بني عبدالدار سدنة الكعبة
قال عمرو: فقلت لخالد: إلى أين يا أبا سليمان؟
قال خالد: والله لقد استقام المنسم
وإن الرجل لنبي
إني أذهب والله لأسلم
فحتى متى؟.
قال عمرو: وأنا والله ما جئت إلا لأسلم.
وقال صاحب مفتاح بيت الله الحرام مثل مقالتهما.
فلما دخلوا على رسول ” ونظر إليهم من بعيد قال لأصحابه: لقد رمتكم مكة بأفلاذ كبدها.
قال عمرو: فتقدم خالد فأسلم وبايع
ثم دنوت فقلت: يا رسول الله
إني أبايعك على أن تغفر لي ما تقدم من ذنبي.
فقال “: يا عمرو بايع
فإن الإسلام يجبُّ ما قبله
وإن الهجرة تجبُّ ما قبلها.
ونقل الحافظ ابن حجر في الإصابة عن الزبير بن بكار أن رجلاً سأل عمرو ابن العاص: ما أبطأ بك عن الإسلام
وأنت أنت في عقلك؟
فأجابه: إنا كنا مع قوم لهم علينا تقدُّم
وكانوا ممن توازن حلومهم الجبال
فلما بعث النبي ” فأنكروا عليه قلدناهم
فلما ذهبوا وصار الأمر إلينا نظرنا وتدبرنا
فإذا حقٌّ بَيِّنٌ
فوقع في قلبي الإسلام
فعرفت قريش ذلك من إبطائي عما كنت أسرع فيه من عونهم عليه
فبعثوا إليَّ فتى منهم فناظرني في ذلك
فقلت: أنشدك الله ربك ورب آباءك من قبلك ومن بعدك أنحن أهدى
أم فارس والروم؟
قال: بل نحن أهدى _ أي أعقل وأعظم بصيرة وإدراكاً لحقائق الأمور_.
نهاية مقال بيئة الإسلام الأولى
الهوامش
(1) مع الرعيل الأول ص18 _ 24.
(2) أين الكاتب من الحال في هذه الأزمان والله المستعان (م).
#اسماء_مقالات_مميزة
#مقالات_في_السياسة_والإجتماع
#محب_الدين_الخطيب
اسماء مقالات مميزة : المقالات المختارة لأبرز كتّاب المقالة العربية المجموعة الثانية
اقرآ الكتاب على موقع المكتبة العربية الكبرى
Be the first to comment on "بيئة الإسلام الأولى التي اختارها الله لمولد رسوله للعلامة محب الدين الخطيب"