المظهر والتصرف : المقال الخامس من مقالات سحر الشخصية

المظهر والتصرف

المظهر والتصرف  : سحر الشخصية مقالات في تطوير الذات ، وهذا هو المقال الخامس بعنوان  المظهر والتصرف

في 1553 كلمة و 50 فقرة ويستغرق 5 دقائق و 34 ثانية للقراءة بصمت 8 دقائق و 31 ثانية  للمسموعة

المظهر والتصرف

للمظهر العام الذي يظهر به الشخص هيكله الجسمي, إلى هندامه, إلى طريقة لباسه, كما لتصرفه في الكلام, في الجلوس, وفي القعود, في الإصغاء, في المشي, كل التأثير في تكوين سحره الشخصي.”

“هذه الدقائق هي التي يستند إليها الناس عن وعي وغير وعي في بناء أفكارهم عنه, واعطاء آرائهم فيه, وهي التي ينبغي لك أن تعنى بإدراكها عناية خاصة, لتخرج إلى مسرح الحياة منسجماً مع الأدوار التي لا مفر لك من تمثيلها, سواء رضيت أم أبيت.

الهيكل الجسمي

ما من أحد في هذه الدنيا يختار, قبل أن يولد, مكان ولادته, ولا العصر الذي ينشأ فيه, ولا مركز أهله وأجداده في الحياة العامة, ولا صفاتهم وميولهم واتجاهاتهم وعقليتهم.

كذلك لم يقدر لأحد قط, أن يختار طول قامته, ولون عينيه, ودورة وجهه, ومقدار حجمه المادي. ولكن يمكن ايلاء هذه الأشياء كلها ضرباً من الانسجام والتناسق, عن طريق الجهد والفن, يجعلهما ذات رونق وهيبة وجمال.

إن اتباع القواعد الصحية العامة, واداء التمارين الرياضية, وتحقيق الهدوء النفسي, وإزالة الغضون من الوجه, وانتظام السير اليومي في العمل والراحة والنوم الهانئ, والاجتهاد في القيام بكل ما تتطلبه النظافة, أمور تفضي حتماً بمن ينفذها بدقة وضبط, إلى جعله شخصية ساحرة.

أما ذوو العاهات الجسمية, فعليهم أن لا يرزحوا تحت نيرها, وأن لا يرهقهم أمرها, فإنهم إذا عزموا, وجدوا واجتهدوا, تحولت عاهاتهم نفسها إلى وسيلة من وسائل النجاح والتوفيق.
كان أبو العلاء المعري أعمى, وبلغ مع ذلك من رفعة القدر وبعد الصيت ما جعله إمام معاصريه.

المظهر

المظهر والتصرف : وإذا كانت قسمات الوجه, وتقاطيع الجسم “”معطيات”” ناتجة عن ضرب من القضاء والقدر يسبق وجودنا, فإن إظهار هذه القسمات والتقاطيع, وإيداعها الانسجام والقوة والجمال, أمران يدخلان في حيز الإدارة البشرية والعناية وحسن التدبر وبعد النظر والذوق المصقول المرهف.

قيادات الذات

لا شيء يجعل انسجام التصرف سهلاً يسيراً, مثل التفكير الدقيق, المتواصل, في استعمال كل يوم من أيام الأسبوع, ووضع منهج للأعمال اليومية, والسير في تطبيقه بدقة وروية.”
“ذلك يجنبك كل تسرع يثير في داخلك القلق والاضطراب, ويحملك في الخارج, على تصرفات تزعجك ويضيق بها الآخرون, وقد ألححنا من البدء, على أولوية الهدوء في بناء الشخصية الساحرة.

وإذا أنت قضيت, لدى كل مساء, بضع دقائق في تصور مشاغل الغد, وتركيز فكرك في واجباتك العلمية والاجتماعية, انتهيت, بعد زمن, إلى تجنب كل تعب, والتخلص من كل اضطراب, وقوي تأثيرك وعظم نفوذك على نفسك, وعلى الآخرين من حولك, الذين يشاهدون في حياتك النظام والانسجام.

إن ذوي “”الأمزجة المتغيرة”” ممن يبدو عليهم دوماً فراغ الصبر, وسرعة الحدة, وينساقون مع نوبات الغضب أو الانشراح, يقودون أنفسهم في وجه معاكس كل المعاكسة لما يتطلبه سحر الشخصية وملكة التأثير. هؤلاء يحملون أعصاب غيرهم ما لا تطيق, ويجعلون انطباعاته عنهم مؤلمة, كئيبة, مقلقة, تولد فيه النفرة والكراهية. فإن من لا يضبط نفسه, ولا يتحمل ما قد يؤذيه, محافظة منه على شعور الآخرين وكرامتهم, لا يستطيع أن يحظى باعتبار صحيح, واحترام عميق.

الترصن

المظهر والتصرف : يستطيع المرء بقليل من الانتباه, أن يتوصل إلى حذف الصيغ والكلمات والتعابير, من أسلوبه الخاص في الكلام, التي يكررها الناس في مختلف المناسبات, دون أن يقدروا معناها الحقيقي, وقيمتها الفاعلة.

ذلك بأن ما تواضع عليه الأكثرية, أو اعتادوا بيانه, ولا يوافق عقلية السامع، ولا يتكيف معها بذوق ومرونة، فيصبح، والحالة هذه، من الأفضل أن تعتاض عن الجملة التي “”تحضرك عفواً”” بكلمات انتقيتها أنت ووزنتها وفكرت في صداها وأثرها، إلى أن تكوَن لنفسك بنفسك أسلوبا خاصاً، و “”لغة”” أو بياناً خاصاً.

اسهر إذن على “”أن لا يفوت منك”” ما لا ترضاه، على أن لا يمر لشفتيك لفظ لم تفكر به قبل التلفظ، وزن الألفاظ بحسك، بذوقك، فأنت تستطيع أن تقول كل ما تريد أن تقول دون أن تؤذي سمع أحد، أو تصدم أحداً.

هذا لا يعني أننا نريدك على أن تتكلف وتتصنع أو تتحذلق.”

“لا…..وإنما نوصيك دوماً أن تكون واضحاً وبسيطاً، والبساطة والوضوح لا ينفيان الأصالة والابتكار، فالفروق الدقيقة بين التعابير، هي المهمة، وهي الخطيرة.

وإذا أنت أصغيت إلى البارعين في الخطابة ممن عرفوا بذاربة اللسان، وقوة العارضة،وحللت عوامل تأثيرهم في السامعين, أدركت ما لا نستطيع أن نصفه لك, أو نرشدك إليه.
الموقف

قلنا, ونؤكد أن “”الانهماك”” تصرف غير حميد, إن لم يكن ذميماً. وهو يختلف عن “”إسداء المعونة”” الذي يحمده, بل يجب القيام به في كثير من الظروف.

الفرق بين الموقفين

والفرق بين الموقفين: الانهماك وإسداء المعونة, إن الأول ينطوي ضمناً على شيء من العبودية, بينما الثاني يتطلب استعانة موجهة إليك, أو رغبة في تدخلك. ومتى حكمت أن من اللائق أن تتدخل فاعمل دون أن تعلق على تدخلك أدنى أهمية, ثم إياك أن تمنَّ بمعونة أسديتها, أو تشعر الآخرين بها, أو بقيمتها في نفسك, ولا تحتفظ بضغينة ـ حتى ولو بحق ـ على أي كان.

سجل أساليب كل امرئ أو امرأة في التصرف واتخاذ المواقف, بغية أن تستخرج منها الإلهامات التي تفيدك في مسلك تجاهه أو اتجاها, في المستقبل. ولا يغب عن بالك أن تسعة أعشار الناس يفكرون ويتصرفون بشكل آلي يحتمه عليهم تكوينهم النفسي الداخلي الذي لم ينتخبوه. فالتبعة فيه لا تقع على عاتقهم, وهذه التبعة تنزل أحياناً إلى درجة الصفر. فلنكن إذن متسامحين معهم, في الوقت الذي نأخذ فيه أقصى ما نستطيع من احتياطات في علاقاتنا بهم, وتقدير كمية الثقة التي نوليها لكل منهم.

يجب أن تقف متماسكاً, هادئاً, حيال أي شخص بالغاً ما بلغ منك الاستياء منه, وبالغاً ما بلغ خذلانه لك, فإنك تبذر طاقتك النفسية, على غير طائل, حين تظهر الغضب أو البغض…

التهذيب والتأثير الشخصي

المقصود عادة من كلمة “”تهذيب”” يتلخص في أن يطبق الشخص سلوكه على القواعد التي يراد منها تجنب الاصطدامات, ومراعاة شعور الآخرين, وعدم مضايقتهم وإزعاجهم إجمالاً في الحياة الاجتماعية.”

“هناك لياقات تعارف الناس على العمل بها, يمكن للشخص أن يكتشفها, ويلاحظها, ويدرسها, ويمضي في تطبيقها إلى أن يملك أسرارها الخفية مع الزمن, ويصبح قادراً على ولوج أية بيئة, وأي محفل, دون ارتباك, أو اضطراب, أو انزعاج.

إن المهذب, ذا الحساسية الدقيقة, يستطيع أن يتصرف بمرونة وصفاء ذهن, حين يُعمِل ذوقه, ويستجيب لما يمليه عليه حسن الترصن, في كل موقف من الموقف, دون أن يطالع الكتب الخاصة بالتهذيب أو يطلع على “”فن الحياة””.

ثم أن التهذيب يزيد في قيمة المهذب, ثم يزيد في نفوذه على الآخرين, فليراقب المرء في نفسه الحركات والإشارات والمظاهر والألفاظ التي تسيء إلى فكرة الناس عن تهذيبه ودرجة تهذيبه.

روح النضال

المظهر والتصرف : مراس الثقافة النفسية يعني “”إرجاع التيار””, التيار الذي يسوق المرء على غير هدى, وينساق فيه من لم يؤت روحاً نضالية كافية ليقاوم اللجج, ويأخذ الوجهة التي يعرف أنها هي اللازمة.
لا ريب أن الاستعاضة عن التصرف الآلي, بتصرفات موزونة, واعية, أمر عسير. فالمعتاد, أو الطبيعي, يجنح بالإنسان دوماً إلى إبقاء القديم على قدمه, فهو يعود, ويعود, ويصر على العودة كلما تراخي المرء في مقاومته, واسترسل مع تهاويله.

لذلك, لابد من الثبات في حومة النضال, والوقوف الصلب الشديد في وجه العادات القديمة, والحركات الآلية, والمضي في تنفيذ القرارات الجديدة التي يتخذها الإنسان لتحقيق الهدوء, وتربية النفس, واصلاح الجسم, وتنظيم الوقت, والانصراف إلى العمل والإنتاج.”

“يجب أن تنزع من ذهنك كل ما سبق إليه ورسا فيه عن “”الطبع”” و””العادة”” و “”الأساس النفسي””, فكل شيء في الطبيعة الإنسانية قابل للتغير والتحول والتبدل, فمحاولاتك التي بدأتها في تحصيل النفوذ الشخصي والسيطرة على نفس, وتحويل مجرى حياتك اليومية لما فيه خيرك المقبل, وسعادة وطنك وقومك أمتك, موفقة لا محالة … وأن تعثرت خلال سيرها بما يشل نشاط الضعاف الذين لا يثبتون في المعركة, ولا يستمرون في الكفاح.

قف في وجه التيار الذي يحاول أن يجرك إلى الماضي, واثبت أمام الصعاب, وثابر على بلوغ الأهداف التي رسمتها بعد الدرس والمذاكرة, ولاتهمنك العثرات أو السقطات التي قد تؤخر سيرك, أو تضعف همتك.

لا تتوان في النضال, ولا تخسر ثقتك بنفسك, مهما كانت تعثراتك وتردداتك, فما من عظيم حقق عظمته إلا بعد زلات وأخطاء كثيرة, وسر عظمته أنه تجاوز نفسه, وثبت في المعمعة.

اعتراض مردود على موضوع المظهر والتصرف

سيقول القارئ في سره: … (ولكن هذه المراقبة الأبدية, المستمرة للذات, وهذا الجهد المتصل الذي لابد من بذله في الإشراف على سير النفس وتوجيهها, ليس مما يجذب أو يفرح. والمؤلم المزعج في الأمر, هو هذا الانضباط, والامتناع عن طلب الشهرة, والتخلي عن إفشاء أسرار النفس, وتجنب التعاطف مع الآخرين.

هذا اعتراض مردود, فإن ما يبدو مؤلما ـ بادئ الأمر على الأقل ـ في تطبيق مبادئ التأثير الشخصي, وقواعد الانتظام الذاتي, ليس قائماً فيما يتطلب هذا التطبيق من انتباه وحذر واحتياط وانطواء على النفس, وإنما تتركز الصعوبة في تغيير العادات, والاستعاضة عن التصرفات الآلية في بناء الكيان الحيوي العريقة في القدم إلى سنين متطاولة, بتوجيه جديد, يعاكس التيار القديم.

كل تغيير, يمر خلال تحقيقه, بدور تكيف عسير على النفس, شديد في معاملتها, أية كانت جاذبيته, وأياً كان إغراؤه.”

“تغلب على شدة هذا الدور وعسره, واثبت وانتقل منه إلى غيره, لا يلبث أن تتعود, ويصبح من العسير عليك أن ترجع إلى أيامك وعاداتك.

أن الذي يمارس الرياضة البدنية اليومية, لا يشعر أو تمرسه بغير التعب والاسترخاء, حتى إذا قضي فيها بضعة أسابيع, أصبحت حاجة لا غنى عنها, ووجد فيها لذة كلما وصل إلى وقتها الذي خصصه لها, في الصباح.

كذلك هو شأن كل من يحمل نفسه على تغير ما فيها من هنات واضطرابات, فإنه يجد بعد أن يجتاز مرحلة التكيف, متعة لا تعدها متعة, في محاسبة نفسه, والتشدد تجاهها في كل ما يصدر عنها من حركات وتصرفات عفوية. وعندما يصل إلى قطف الثمار, من شعور بالثقة, إلى هدوء, إلى راحة ضمير, إلى إنتاج مادي ومعنوي, إلى استقلال في الرأي والتصرف, يدرك أن اعتراضاته لم تكن في محلها, وأن السعادة هي ما حققته وانتهى إليه.

انتقال

ننتقل الآن من المظاهر إلى الجوهر, أي من التأثير المنظور إلى اللامنظور, إلى سحر الشخصية الذي يتمثل في أعمال النفس, لا في إطلالة الشخص.

هنا, لن يقف الأمر عند إخضاع مظاهرك المنظورة لقواعد دقيقة فحسب, وإنما يتعداه إلى “”أعظم فتح”” يمكن لامرئ تحقيقه على أديم هذه الأرض, إلا وهو “”حكم الحياة النفسية”” والسيطرة على الذات الخفية, أي على الفكر, بعبارة موجزة. وهذا ما سنتناوله في الفصل القادم..

 

من مقال سحر الشخصية : المظهر والتصرف

 

تربية النظر ، المقال الرابع من مقالات سحر الشخصية

الهدوء والاضطراب ، المقال الثالث من مقالات سحر الشخصية

التأثير الشخصي . المقال الثاني من مقالات سحر الشخصية

سحر الشخصية مقالات في تطوير الذات ، المغناطيس الشخصي

 

المصدر : كتاب صنع القرار بثقة

Be the first to comment on "المظهر والتصرف : المقال الخامس من مقالات سحر الشخصية"

تعليقك يثري الموضوع