الحضور الزائف مقال للكاتبة د. نيرمين ماجد البورنو تتحدث فيه عن بعض المظاهر الاجتماعية السلبية وكيفية التعامل معها
الحضور الزائف
د. نيرمين ماجد البورنو
هكذا هيا الحياة مليئة بالمفاجآت والظروف والأزمات والأحداث المتسارعة والدروس والعبر تكشف لنا معادن الناس وقت الشدة والرخاء, بعضهم يخيب فيهم الظن و بعضهم أجمل مما كنا نظن ونتوقع ,
فالأزمات تعلم صاحبها أن يعتز بنفسه ولا يتنازل عن كرامته أبدا فهي أغلى ما يملك على وجه البسيطة,
وأن الأزمات تكشف لك معدن الصديق وتكشف عبارة الصديق وقت الضيق فالبعض يعتبر نفسه صديق ولا يهمه ماذا يحل بك وهناك القريب الذي يتخلى عنك في هذا الوقت العصيب الذي أنت بأمس الحاجه ليد حانية لتمد وتنتشلك من ضيقك وكربك ولقلب يحتويك ولكلمة حانية طيبة تشفيك,
والبعض قد يبهرك بوقفته وطيبته وطيب أصله معك وفاق كل التوقعات بوقت الأزمات,
وهناك من يقف متفرج مكتوف الأيدي وقت الشدة مجرد حضور زائف بلا معني فلا يغرك اذن كثرتهم حولك فمعضهم أرقام بلا فائدة,
ولقد صدق الإمام الشافعي رضى الله عنه في وصف الأزمات: جزى الله الشدائد كل خير وإن كانت تغصصني بريقي, وما شكري لها إلا لأني عرفت بها عدوي من صديقي.
أقنعة مزيفة
بتنا نصادف في حياتنا عينات كثيرة من البشر دون أن نعي حقيقة ما يخفونه في نفوسهم, فأصبح المعدن الأصيل عملة نادرة وأصبحت كلمة معدنك أصيل ومن ذهب تستخدم بندره,
كل ذلك سببه ارتداء الأقنعة المزيفة فقد يرتدي البعض أقنعة متنوعة ومتلونه يوميا,
فهناك مثلا من يرتدي قناع الإيمان والتقوي وهو أبعد ما يكون عنه, وهناك من يرتدي قناع المحبة والبشاشة وقلبه مليء بالكره والحقد,
وهناك من يرتدي قناع الصداقة وهو في المقابل يضمر الحقد والحسد والغيرة والكره,
ولكن ما يكشف حقيقة معادن الناس ويظهر جوهر ما تكنه نفوسهم من أصالة أو خساسة وما تحمله شخصيتهم من قيم مثل الصدق والشجاعة والوفاء والحلم والشهامة ومبادئ راقية أو مصالح ومطامع ومنافع مادية بحتة هي الشدائد والمحن والمصائب,
وقد يحمل البعض قناع الأصالة والحب بدون أقنعة مزيفه بل بوجهه ومرآة قلبه وروحة النقية الطاهرة,
إن الحرباء إذا كانت على غصن الشجرة ينقلب لونها إلى لون غصن الشجرة
كذلك بعض البشر يتلونون حسب مصالحهم الشخصية وحسب المكان المتواجد فيه الفريسة مبتغاه فقط المصلحة والصعود على أكتاف الغير والتسلق ليصل الى مصالحة الغير شريفة واللاأخلاقية ,
فشكرا للمواقف الصعبة والمريرة بمقدار ما تسببها من وجع وألم لكنها تسقط الأقنعة وتعري النفوس,
حينها يتغير حالك فتصبح تتفحص الوجوه لعلك تكتشف الحقيقة قبل أن يسقط القناع وتتساءل هل هذه الأقنعة حقيقية أم انها وجوه من ورق تهوى بها الريح فترميها ,
لذا يجب ان لا نتنازل عن الثوابت والقيم وان لا نرخص أنفسنا ونبدل قيمنا ونتحول من أناس عادلين الي ظالمين طغاة متجبرين,
والأخطر الا نتحول من وطنيين الي منتفعين من وراء الوطن والقضية.
انطواء محمود
قد يلجأ البعض الى الانطواء والاكتئاب لأنه اشبع ارهاق من وجوده مع أناس مزيفين ولأنه تم استغلاله بطريقة بشعة, فقد تجده لا يشارك في المناسبات ولا يجامل فينطوي على نفسه لعدم تحمله المشاعر الزائفة التي يتظاهر بها أغلب المتواجدين,
ولأن فطرته وبذرته الصالحة الطيبة النقية لم تعتد تحتمل الألم والخديعة,
وقد يعاني من ردة فعل سلبية تجاه الكثير من الأمور وسيطرة الأفكار السلبية على دماغه وبالتالي يؤدي الى نفور الشخص المكتئب من كافة الناس المحيطين به كما يتملكه شعور بالإحباط واليأس وقد تسبب الحالة العديد من الأمراض الصحية كانعدام الشهية وفقر الدم والهزلان.
المواقف وحدها تكشف الأقنعة, والتعامل هو من يكشف الحقيقة فمن رام معرفة الحقيقة كاملة فليتأمل في المواقف وليس في الوجوه,
فلا يغرك الكثرة والبراءة في محياهم فللحياة وجوه وللناس أقنعة,
التساؤل الذي يراودني دوما وأتعجب منه الا يخجل أصحاب الوجوه من أنفسهم وهما يتلونون يوميا,
اما ملوا من تبديلها والتمثيل على المسرح! رغم قسوة أصحاب الأقنعة لكني أشعر بالإشفاق عليهم لانهم في خضم انشغالهم بارتداء الأقنعة تاهت منهم وجوههم الحقيقية,
فقناعهم ما هو الا ستار لشخصية مهزوزة,
وكيف يقنعون أنفسهم أنهم أناس طبيعيين! وعلى من يقع اللوم على أصحاب القلوب الطيبة أم على أصحاب الوجوه المزيفة! وهل يشعرون باللذة عند ايذاء الآخرين !
وهل يبررون لأنفسهم انه اذا انكشفوا وسقطت اقنعتهم سوف يصدمونا بالحقيقة وسنري الفكر الضائع والعقل المغيب والضمير الميت والإنسانية المعدومة والنفوس المريضة المهزوزة والشهادات العلمية المضروبة.
الحذر في التعامل مع البشر
الأرواح مختلفة والقلوب غير متشابهة, فلا تهتم بجوهر الآخرين ولا بمزاياهم ولا تدقق بعيوبهم ولا تكترث بما يحققون من مصالح لك أو بما يسببونه من مشاكل فقط تقبلهم كما هم وحسب,
وأعلم انه الواقع المؤلم الذي نعيشه عندما يخبئ لك الاخرين ما في صدورهم من غل وحقد وحسد,
وليبق الحذر في التعامل مع البشر لأنه خير وسيلة لعدم الوقوع في إساءه الظن,
البشر ليسوا بسطاء ولا طيبين في أكثريتهم، لكن العالم لا زال بهيا وجميلا و رائعا,
فلا تقلق ولا تكتئب مع انكشاف الزيف فلما الخوض في غمار تلك الرحلة, أليس الأفضل أن نقتنع من البدء, بأن ذلك الشخص هو هكذا ولن يتبدل.
ابتسم للحياة فالدنيا لا تستحق العناء
لنغذي قلوبنا بالحب ونعودها على الطهارة ونبتسم ولنبدأ بأنفسنا ونغسل قلوبنا ونحلق يدا بيد لنتماسك ولتشرق الشمس من جديد معلنه عن بداية جميلة مختلفة كليا عن السابق
لان الزمن مليء بما فيه الكفاية بالأحزان والمصائب والكوارث والحروب والأزمات والصراعات وأصحاب الوجوه المتعددة
فكل ثانية تمر تنقص من أعمارنا وأرواحنا وصحتنا ولن تعود أبدا,
ولنبتسم للحياة لان الدنيا لا تستحق كل هذا العناء لأننا في نهاية الأمر سندرك أن لكل شيء نهاية وحتى للحزن,
ولنعود أنفسنا أن نتوقع كل شيء بمعني أن كل شيء ممكن حدوثه ولا نرفع سقف توقعاتنا بالبشر,
فطعنه ظهر من قريب لا تزعجك ولا تقهقر عزيمتك,
تقبل الناس كما هم ولا تنزعج وأعذرهم,
ولنعش بقلوب طيبة نفيسة نسلم وننعم.
تعليقك يثري الموضوع