أشهر الوصايا في العصر الجاهلي . من بحث وصايـا الآبـاء فـي الشّعـر الجاهلـيّ والإسلامي للدكتور فتحي إِبراهيم خضر
أشهر الوصايا في العصر الجاهلي
وصايـا الآبـاء فـي الشّعـر الجاهلـيّ والإسلامي
د.فتحي إِبراهيم خضر
جامعة النّجاح الوطنيّة، قسم اللغة العربيّة، أُستاذ مساعد
ملخّص البحث
يأمُلُ هذا البحثُ أَن يُظهر عناية الشّعراء الآباء في العصر الجاهليّ بتربية أَبنائهم، والسّمو بهم، وغَرْس القيم السّلوكيّة العُليا في نفوسهم، ليَظْهَر كلّ واحد من هؤلاء الأَبناء أَمام مجتمعه بصورة الرّجل الكريم، وهي الصّورة، التي كان العربيّ – وما يزال – يحرص عليها. لعلّني أستطيع من خلال هذا المأمول أن أُقدّم أَهمّ القيم التّربويّة التي وجّهتْ تفكيرهم، وحَرَصوا على بثّها في نفوس أبنائهم، ليصنعوا منهم رجالاً أَفذاذا.
وصايا الآباء في الشّعر الجاهليّ والإسلامي
مقدّمة:
يُطلعنا هذا التّراث الشّعريّ على الأنماط السّلوكيّة، التي كانت سائدة في العصر الجاهلي، وعلى رؤية المجتمع للأدب على أنّه “وسيلة لتطهير النّفس، وتهذيب الخُلُق”([1])، إِذ ليس ثمّة غاية للأدب أسمى وأجلّ من صقل النّفوس، وتهذيبها، وبثّ القيم السّلوكيّة العُليا في نفوس مُتَلقّيه؟
لقد فَهِمَ الشّاعر الجاهليّ الأدب على أَنّه رسالة سامية، تقوّم بما فيها من قيم نفسيّة وأخلاقيّة وإنسانيّة، على نحو ما نطالع هذه الرّؤية في قول حسان بن ثابت([2]):
لَكِ الخيرُ، غُضّي اللّومَ عنّي، فإِنّنـي أُحبُّ من الأَخلاقِ مـا كـان أَجمـلا
ألم تعلمي أنــي أرى البُخْـلَ سُبّـةً وأَبـغـضُ ذا اللّوْنـيـن والمتنقّـلا
وبهذه الرّؤية للأدب يكون الكلاسيكيون قد رأوا عند الشاعر الجاهلي بغيتهم إلى استخدام الأدب في تصوير الفضائل النّبيلة، وفي هذا يقول مُنظّر الكلاسيكيّة، النّاقدُ الفرنسيُّ “بوالو”: “لا تقدّموا نفوسكم و عاداتكم في أعمالكم الأدبية إلاّ في صورة نبيلة”([3]).
لقد كان الشّاعر الجاهليّ “مُعلّم القبيلة ومُرْشدها”([4])، فقد حَرَص في إِطار مَهمّات الشّعر التّربويّة على نشر القيم والمُثُل، التي تشكّل الشخصيّةَ المثاليّةَ، كما يراها المجتمع([5]).
وكان هذا التّراث الشّعري الجاهليّ – بما حوى من قيم سلوكيّة ومُثُل عُليا – مادّة التّأديب في ذلك العصر، وظلّتْ له منزلة رفيعة بين موادّ التّأديب الأُخرى في العصور الإسلامية. فعمَرُ بْنُ الخطّاب، رضي الله عنه، كان يدرك قيمةَ الشّعر التّربويةَ، وأهدافَهُ السّلوكيةَ، مما جعله يكتب إلى أبي موسى الأشعري([6]): “مُرْ من قِبَلِكَ بتعلّم الشّعر، فإنّه يدلّ على معالي الأخلاق، وصواب الرّأي، ومعرفة الأنساب”. وتوجيهاتُ عُمَرَ تدلّ على فَهْم عميق، لِدَوْر الشّعر في صقل النّفس والسّمو بها، فيؤكّد هذا المعنى بقولـه([7]): “تحفّظوا الأشعـار، وطالعـوا الأخبار، فإنّ الشّعر يدعو إلى مكارم الأخـلاق، ويعلّم محاسن الأعمال، ويبعث على جميل الأفعال، ويشحذ القريحة، ويحدو على ابتناء المناقب، وادّخار المكارم، وينهى عن الأخلاق الدّنيئة، ويزجر عن مواقعة الرِّيَبِ، ويحضّ على معالي الرّتب”.
حِرْص الشّاعر الجاهليّ على تربية الأبناء:
يدلّ ما بين أيدينا من شعر جاهليّ دلالة قاطعة على عناية الشّعراء الجاهليّين بتربية أبنائهم، وصَقْل نفوسهم، وغَرْس القيم السّلوكيّة فيها. وتأخذ هذه التربيةُ شَكْل وصايا شعرية يصدرها الآباء إلى الأبناء، بعد أن بَلوا الحياة وخبروها، وامتلأتْ جِعابهم بتجارِبَ إنسانيةٍ، فينقلون هذه التجاربَ إلى الأبناء، ويغلب على هذه الوصايا أن تكون عند إحساس الشّاعر بدنوّ الأَجَل، على نحو ما نجد ذلك في وصايا ذي الإصبع العدواني([8])، وعبد قيس بن خُفاف البُرْجُميّ([9])، وعمرو بن الأهتم([10])، وقيس بن عاصم المِنْقَريّ([11])، وصِرْمَة بن أبي أنس([12])، وعَبَدَة بن الطّبيب([13])، وغيرهم، وهي وصايا طويلة، حَرَص كلّ واحد من هؤلاء الشّعراء على أَنْ يرسم لابنه أو أبنائِه صورة البطل الكامل، والإنسان الأُنموذج، وهذا كلّه “يدلّ دلالة قاطعة على عناية هؤلاء القوم بتربية أبنائهم، وحرصهم على السّموّ بهم”([14]).
وصرّح كثير من الشّعراء بأنّ تلك القيم الأخلاقيّة التي يتحلَّوْن بها قد تلَقَّوها مباشرة عن آبائهم. وتأتي هذه الوصايا مقرونة بصيغ الأَمْر، أو ما يشبهها، ليتمسّك بها الأبناء.
وها هو أعشى بني طرود يفخر بأوامر أبيه التي جعلتهُ يحوز المكارم، قال([15]):
إنّي حَوَيْتُ على الأقــوامِ مكرمــةً قِدْمـاً وحـذّرنـي مـا يتّقـون أبـي
وقال لي قَــوْلَ ذي عِلْـم وتجرِبـةٍ بسالفـاتِ أُمـور الدّهـر والخُطـبِ:
أَمرتُكَ الخيرَ فَافْعَـلْ ما أُمِـرتَ بِـه فـقـد تـركتُـكَ ذا مـالٍ وذا نَسَـبِ
وَاتْرُكْ خلائقَ قــومٍ لا خـلاقَ لهـم واعمِدْ لأخلاقِ أهـل الفضـلِ والأدبِ
وإنْ دُعيــتَ لغـدرٍ أو أُمـرتَ بـه فاهربْ بنفســك عنـه أَيّـدَ الهـربِ
ويزهو مالك بن حريم الهمدانيّ بجوده الذي تلقّاه وصايا من أَبيه، يقول([16]):
أَجـودُ على العانـي، وأحـذرُ ذَمَّـهُ إِذا ضـنّ بالمعــروفِ كـلُّ بخيـلِ
بذلك أوصانــي حَريـمُ بـنُ مالـكٍ بـأنّ قليـلَ الـذمِّ غـيـرُ قـلـيـلِ
ويفخر الأعشى؛ ميمون بن قيس، بأنّه كان متسامياً في حياته، عاش بين وصيّتين: واحدة ورثها عن أَبيه، وثانية ورّثها لابنه. وقد كثّفتْ الوصيّة الأولى نظرة أبيه إلى الحياة([17]):
إنّ الأعـزّ أبـانـا كـان قـال لنـا: أُوصـيكُـمُ بثـلاثٍ إنّنــي تلــفُ
الضّيـفَ أوصيكُـمُ بالضّيف إنّ لـه حـقّـا عـلـيّ فأُعطيـه وأعتـرفُ
والجــارَ أوصيكُـمُ بالجـار إنّ لـه يومـاً من الدّهر يثنِيــهِ فينصـرفُ
وقاتلــوا القـوم إنّ القتـلَ مكرمـةٌ إذا تلوّى بكـفّ المعصَـمِ العُــرُفُ
لقد سجّل الأعشى باعتزاز كبير ما تلقّاه عن أبيه من وصايا تحضّ على إكرام الضّيف، وحفظ الجار، والاستبسال في القتال.
أما وصيّة الأعشى لابنه فقد كثّفتْ نظرته إلى الحياة من خلال حكمة الشيخوخة([18]):
سأُوصي بَصيرا إنْ دنوتُ من البلــى وصاةَ امرئ قاسى الأُمورَ وجـرّبـا
بأنْ لا تُبَـغّ الـوُدّ مـن متبـاعــد ولا تَنْءَ عن ذي بِغْضَة إنْ تقرّبـا
فـإنّ القـريـبَ مـن يقـرّبُ نفسَـهُ لَعَمْرُ إبيكَ الخيــرَ لا مَنْ تنسّبــا
ويحْطَـمْ بظلـم لا يـزال يـرى لـه مصارعَ مظلـومٍ مَجَـرّا ومَسْحَبـا
وتـدفنُ منه الصّالحــاتُ وإنْ يُسـئْ يكنْ ما أساء النارَ في رأسِ كوكبـا
وليس مُجيرا إِنْ أتـى الحـيَّ خائـفُ ولا قـائــلا إلاّ هـو المتعيّبــا
فقد أَوصى ابنه بَصيراً بألاّ يلتمس الوُدّ ممّن يتباعد، وإِنْ قَرُبَتْ قرابته، ولا ينأى عن المتودّد المتقرّب، وإِنْ سبقتْ عداوته. وليس القريب مَنْ تربطك به صلة النّسب، ولكنّ القريب الحقّ مَنْ قرّب نفسه بالوُدّ، وأَخلصه.
ويشكو الأعشى من فساد العلاقات الإنسانية، فهو في زمن لا يرعى فيه أَحَدٌ قرابةً ولا نَسَبا، يغترب المرء عن أهله، فإذا هو وحيد بين قوم يعتزون بأنصارهم من رهطهم، لا يجد مَنْ يغضب له، أو ينصره إذا خاصم أحدهم … فَهُمْ يَدٌ واحدة عليه، يحطمونه بجَوْرهم، ولا يزال كلّ يوم صريع ظُلْم جديد، يتقاذفه القوم جرّا وسحبا.
ويطلعنا عبد قيس بن خُفاف البُرجميّ على أنّ جود حاتم الطّائي كان استجابة لوصايا أبيه وأجداده. وآية ذلك أَنّه أتى حاتما الطّائيّ في دماء حملها عن قومه، فأسلموه فيها، وعجز عنها، فقال: واللّه لآتينّ مَنْ يحملها عنّي، وكان شريفا شاعرا، فلمّا قدم عليه قال: إِنّه وقعتْ بيني وبين قومي دماء فتواكلوها، وإنّي حملتُها في مالي وأَملي، فقدّمتُ مالي، وكنتَ أَملي، فإن تحملْها فرُبّ حقّ قد قضيتَهُ، وَهَمٍّ قد كفيتَهُ، وإنْ حال دون ذلك حائل لم أَذْمُمْ يومك، ولم أَيْأس من غدك، ثمّ قال([19]):
حَمَلْـتُ دمـاءً للبـراجــم جمّــةً فجئتُــكَ لمّـا أسلمتْنـي البَراجـمُ
وقالـوا سِفـاهـا: لِمْ حَمَلْتَ دماءَنـا؟ فقلتُ لهـم: يكفـي الحمالـةَ حاتـمُ
متـى آتِـهِ فيها يَقُـلْ لـي مـرحبـا وأهـلاً وسهـلا أخطأتْـكَ الأشائـمُ
فيحملهـا عـنّـي، وإنْ شئتُ زادنـي زيادةَ مَـنْ حلّـتْ عليـه المكـارمُ
إلى أن يقول:
بـذلـك أوصـاهُ عـديٌّ وحَشْـرَجٌ وسَعْــدٌ وعبـد الله تلـك القماقـمُ
فقال له حاتم: إنْ كنتُ لأُحبُّ أن يأتيني مثلُكَ من قومك، هو ذا مِرْباعي من الغارة على بني تميم، فَخُذْهُ وافرا، فإنْ وفّى بالحمالة، وإلاّ أكملتُها لك، وهو مئتا بعير سوى نيبها وفِصالها([20]).
أهمّ القيم السّلوكية التي أوصى بها الآباء أبناءهم:
اقتضتْ حكمة الله تعالى أن يبعث الأنبياء الكرام، ليرسموا للبشريّة طريق الحقّ والهداية، وليصحّحوا خطّ سَيْرِ البشريّة بعد انحرافه عن مسلك التَّوحيد، الذي كان يشكّل سِمَةً واضحة في دَعَوات الأنبياء، وركنا أساسيّا من الأركان التي قامتْ عليها الرّسالات.
وكان الموحّدون يشكّلون قاعدة الانطلاق، التي أَخذتْ على عاتقها مسؤولية الاستعداد الفكريّ لتقبّل الحدث العظيم، واستقبال الرّسالة الإسلاميّة.
ويحدّثنا ابن هشام عن طائفة من هؤلاء الموحّدين، الذين كانوا ينتشرون في مكّةَ وأنحاءٍ أُخرى من الجزيرة([21])، وقد انطبعتْ في أَذهانهم فكرةُ عبادة الإله الواحد، فكانوا يسخرون من الأصنام وعبادتها، ويترفّعون عن تقديسها.
وها هو صِرْمَةُ بْنُ أَبي أَنَسٍ، الذي ترهّب في الجاهليّة، ولَبِسَ المُسوحَ، يضع لأَبناء عصره دستورا خُلُقيا صاغه من القيم الدّينية والاجتماعيّة، ويحثّهم على الإيمان باللّه، وبرّ الوالدين، والتقوى([22]):
يقول أبو قيـس وأصبــح غاديــا: ألا ما استطعتُمْ من وَصاتـي فافعلـوا
فَأُوصيــكُــمُ بالله والبـرّ والتّقـى وأعـراضِـكُــمْ والـبـرّ بالله أوّلُ
وكان لهذا الاتّجاه التوحيدي أثر في السّلوك العام وضَبْط إيقاع الحياة، فنراه يُطلّ على أبنائه، وأبناء مجتمعه بوصايا أُخَرَ، يدعوهم فيها إلى صلة الأرحام، وتقوى الله، وعدم أكل مال اليتيم، ويحذّرهم من صروف الدّهر، ويدعوهم إلى أن يُجمعوا أمرهم على البرّ والتقوى، ويبثُّ فيهم قيم التّوحيد([23]):
يـا بَنـيّ، الأرحـامَ لا تقطعـوهـا وَصِـلُـوها قصيــرةً مــن طِـوالِ
واتّقـوا الله فـي ضعـاف اليتامـى ربّمـا يُستحــلّ غَـيْـرُ الـحــلالِ
واعـلمــوا أنّ لليتيــم وَلـيّــا عالمــاً يهتـدي بغيـر السّــؤالِ
ثُـمّ مـالَ الـيـتـيـم لا تـأكلـوه إنّ مـال اليتيـم يـرعــاه والـي
يـا بَـنـيّ الأيـامَ لا تـأمـنـوهـا واحـذروا مَكْرَهـا ومَـرَّ الليالــي
واجمعـوا أمركـم علـى البرّ والتّقـ ـوى وترك الخنـا وأخـذ الحـلالِ
ويدلّ ما بين أيدينا من شعر جاهليّ على أنّ هذه الصّفوة المفكّرة قد آمنَتْ بالله ربّا، وأنّهم كانوا يتوجّهون بالتقرّب إليه، وانطلقوا يحثّون أبناءهم وأبناء مجتمعهم على التمسّك بهذه القيم، قال خَداش بن زهير موصياً أبناءه([24]):
رأيـتُ الله أكـبـرَ كــلّ شــيء مُحاولـةً وأكـثـرهـم عـديــدا
تَـقُـوهُ أيّـهـا الـفـتـيـانُ إِنّـى رأيـتُ الله قـد غَـلَـبَ الجــدودا
وأبــرح مــا أدام الله قـومــي بحمـد الله مـنـتـطـقـا مجيــدا
وكانت أوّل وصيّة أَوصى بها عَبْدُ قيس بن خُفاف البُرجميّ ابنه جُبَيْلا تقوى الله، لأنّها المعيار الأخلاقيّ الأسمى، الذي يجعل المرءَ يشعر بالسّعادة([25]):
اللهَ فـاتّـقِــهِ وأَوْفِ بـنـــذرهِ وإذا حَلَفْـتَ مُـمـاريـا فتحلّـــلِ
وأوصى عَبَدَةُ بنُ الطّبيب أَبناءه بتقوى الله، وبرّ الوالدين([26]):
أُوصـيـكُـمُ بتُقـى الإلـــه فإنّـه يُعطـي الرّغائـبَ مَـنْ يشـاءُ ويمنَعُ
وببـرّ والـدكـم وطـاعــةِ أَمْـرِهِ إنّ الأبَـرّ مـن البنيــنَ الأَطْــوَعُ
ولم يجِدْ أَعشى باهلة ما يوصي به ابنه خيراً من تقوى الله، لأنّها خير زاد([27]):
عليـكَ بتقــوى الله في كُـلّ إِمْـرَةٍ تجدْ غبّهـا يـوم الحسـابِ المطـوّلِ
ألا إنّ تـقـوى الله خَـيْــرُ مَغَبّـةٍ وأفـضــلُ زاد الظّاعـنِ المتحمّـلِ
ولا خَيْرَ في طول الحيـاة وعَرْضِهـا إذا أنـت منهـا بـالتّقـى لم تَرَحّـلِ
ويدعو أُميّةُ بْنُ أبي الصّلْت أَبناءه وأبناء مجتمعه إلى تطهير النّفس من النوازع الشرّيرة، وينْهاهم عن خلط الخبيث بالطيّب ويخاطبهم قائلاً([28]):
لا تخلطَــنَّ خبيثــاتٍ بطيّبـــةٍ وَاخْلَـعْ ثيابـك منها وَانْجُ عُرْيانــا
كُلُّ امرئ سوف يجزى قَرْضَه حَسَنـا أو سَيّئـا ومدينـا كالــذي دانــا
ويبدو أَنّ الاتّجاه التّوحيديّ، الذي عرفتْهُ الجزيرة العربيّة، قد ترك أَثراً واضحاً في نفوس أبناء المجتمع في عصر ما قبل الإسلام، ونلمس هذا الأَثر فيما أَوْصَتْ به سُبَيْعَةُ بنتُ الأَجَبّ ابنها خالدا، إذ شَرَعتْ تبيّن له مكانة مكة وحرمتها، وتأمره بالابتعاد عن الظلم والبغي فيها، موضّحة له ما سيؤول إليه أمر الظالم، ضاربة المثل بتُبّع وما حلّ به([29]):
أَبُـنَـيّ، لا تـظـلـمْ بـمـكّـــة لا الـصّـغـيــرَ ولا الـكـبـيـرْ
واحـفـظْ مـحـارمـهـا بُـنَــيَّ ولا يَـغُــرَّنْـــكَ الـغـــرورْ
أَبـنـيَّ مَـنْ يـظـلــمْ بـمـكّـَةَ يَـلْــقَ أَطـــرافَ الـشّــرورْ
إلى أن تقول:
ولـقــد غـزاهــا تُـــبّــعٌ فكـســا بنـيّـتـهـا الحـبـيـرْ
وأَذلّ ربــــيّ مُــلْــكَـــهُ فـيـهـا وأوفــى بـالـنّــذورْ
فهذه السيّدة الفاضلة تبيّن لابنها مكانة مكّة وحُرْمَتَها، وتأمره بالابتعاد عن الظّلم والبغي فيها، موضّحة له ما سيؤول إليه أَمْرُ الظالم، ضاربةً المثلَ بتُبّعٍ وما حلّ به.
وقد دفعهم إحساسُهم اليائسُ من ردّ الموت والوقوف إِزاءه إلى الحثّ على مواجهته بالتّرحاب، فها هو عبيد بن الأبرص يوصي بنيه وأعمامه، حيث تقدّمتْ سنّه، فلم يَعُدْ للحياة كبير معنى عنده، ولذا استوت الحياة والوفاة عنده، يوصيهم قائلاً([30]):
فـأَبْـلــغْ بَـنـيّ وأَعْـمـامَـهُـمْ بـأنّ المنـايـا لَـهُــمْ راصــدةْ
لـهــا مُــدّةٌ فـنـفـوسُ العبـاد إلـيـهـا وإنْ جَـهَـدوا قـاصـدة
فواللهِ إنْ عـشـتُ مـا ســرّنــي وإنْ مـتُّ مـا كـانـت العــائـدةْ
ومما ينبئ باعتقادهم بالبعث والحساب أنّ بعضهم كان يوصي أبناءه بأن يدفنوا معه ناقته كي لا يسير إلى المحشر راجلاً، فيفعلون ذلك، كما قال عمرو بن زيد المتمنّي يوصي ابنه([31]):
أَبُـنـيَّ، زوّدْنـي إذا فـارقْتَـنــي فـي القبر راحلـةً برحـل قاتـرِ
للبعـث أركبهـا إذا قيــل: اظعنـوا مستوثقين معـاً لحشـر الحاشـرِ
مَـنْ لا يـوافـيـه عـلـى عَثَراتِهِ فالخَلْــقُ بيـن مُدَفّـعٍ أو عاثـرِ
وكانوا يعتقدون أَنّ الرّجل إذا مات، ولم تربط ناقته على قبره، ليركبها إلى المحشر يوم البعث، حُشر راجلاً، وهذا يدلّ على عقوق الأبناء لآبائهم، أو العشيرة لأبنائها([32])، لذا كان الرجل إذا مات عمدوا إلى راحلته التي ركبها، فيوقفونها على قبره معكوسة، رأسها إلى يدها، ملفوفة الرّأس في وَلِيَّتها، فلا تُعلف ولا تُسقى حتّى تموت، ليركبها إذا خرج من قبره، وكانت تلك النّاقةُ التي يُفعل بها هذا تُسمّى “البليّة”([33])، فقد أَوصى جُرَيْبَةُ بْنُ أَشْيَمَ الفَقْعَسيّ ابنه سَعْدا ألاّ يترك أباه دونما ناقة يركبها إلى المحشر، فخاطبه بقوله([34]):
الأَقـربُ يـا سـعـدُ، إِمّـا أهلكـنّ فـإنّنـي أُوصيـكَ إنّ أخـا الوصـاةِ
لا تـتـركـنّ أبـاكَ يعثُـرُ راجـلاً في الحشـر يُصـرعُ لليديـن وينكـبُ
واحـمـلْ أبـاكَ على بعيـر صالـحٍ وَابْغِ المـطـيّــةَ إنّ ذلـك أًصْـوبُ
ولـعـلّ لـي ممّـا تركـتُ مطيّـةً في الحَشْرِ أركبهـا إذا قيـل: اركبـوا
وأوصى عُوَيْمر النبّهانيّ ابنه قائلاً([35]):
أَبنـيَّ، لا تنْـسَ البليّـــة إنّـهــا لأبـيـكَ يـومَ نُشـوره مـركــوبُ
وكان العرب ينحرون على قبور الموتى النّوقَ، ويبلّلونها بالدّم، وربّما كان هذا من الشّعائر الدينيّة والعقائد الجاهليّة التي لها علاقة بأرواح الموتى([36])، فقد أوصى جُرَيْبَة بن الأَشْيَمَ ابنه بأن يعقر مطيّته على قبره، وخاطبه قائلاً([37]):
إذا مِـتُّ فَادْفِنّـي بحـرّاءَ مـا بهـا سوى الأصرخَيْـن أو يفـوّزَ راكــبُ
فإِنْ أَنت لم تعقــرْ علـيّ مطيّتــي فلا قام في مــالٍ لك الدّهـرَ حالـبُ
ولا تدفننّـي فـي صُـوى وادفنّنـي بديمـومـة تنـزو عليهـا الجـنـادبُ
وكان إكرام الضّيف من أبرز القيم التي أوصى بها الشّعراء الجاهليّون أَبناءهم، فقد كان أبناء ذلك العصر على حال من العيش تعنف كثيراً، وتلين قليلاً،
فما أشدّ اضطرابهم بين العنف الكثير واللّين القليل! كانت صبابات الصّحراء من الرّزق موزّعة توزيعاً فرضتْهُ القوّة، ولم تفرضْهُ الرّحمة. والنّاظر في بِنْيَةِ ذلك المجتمع يرى فيه أغنياء قَليلين، وفقراءَ كثيرين،
وما كانَ ثَمّةَ شِرْعةٌ أو قوّةٌ تأخذ من الغنيّ لتعطيَ الفقيرَ، فكان الفقير لذلك في مرارة وهَوْل، على نحو ما نجد تعبيرا لذلك في شعر الصّعاليك.
ومن رَحِم المعاناة في تلك الفيافي الواسعة وُلدتْ هذه القيمةُ الإنسانيّةُ، وهذا الخلُقُ النّبيلُ، ليكون مظهراً من مظاهر التّعاون على ظروف حياتهم القاسية،
ومن ثَمَّ فَهُمْ معرّضون في أثناء رِحْلاتهم الدّائبة في مجاهل الصّحراء إلى أن يَنْفَدَ ما مَعَهُم من زاد،
و”إِذا لم يعمل الكرماء على نجدة هؤلاء الذين امتُحنوا بنفاد زادهم، أو ضَلّوا طريقهم، وتقطّعتْ بهم السّبل تعطّلت الحياة في الصّحراء”([38]).
لقد كَثُرَ دورانُ وصيّة إكرام الضّيف في الشّعر الجاهليّ، فالكرم في قوم حبيبة بنت عبد العُزّى قيمة خلقيّة، يتواصى بها الآباء والأجداد، قالت([39]):
إِنّي وربِّ الرّاقصـاتِ إلـى مِنــى بجُـنُـوب مكّـة هَدْيُهُـنّ مـقـلّــدُ
أُولــي علـى هُلْـك الطّعـامِ أليّـةً أَبـدا ولـكـنّـي أُبيـنُ وأنـشُـــدُ
وصّـى بهـا جـدّي وعلّمنـي أَبـي نَـفْـضَ الـوعـاءِ وكــلّ زاد ينفـدُ
فَاحْفَظْ حميِتَـكَ لا أبا لـك واحتـرسْ لا تخـرقَـنْـهُ فـأرة أو جُـدْجُـــدُ
ويُقري الأسودُ بنُ يَعْفُرَ النّهشليُّ الضّيفَ، التزاماً بوصيّة أَبيه([40]):
وإنّي لأُقري الضّيفَ وصّى به أَبــي وجارُ أَبي تَيْحــانَ ظـمآنُ جائــعُ
ويوصي عبد قيس بن خُفاف البُرجميّ ابنه جُبَيْلا بإكرام ضيفه([41]):
حـقٌّ، ولا تـكُ لُـعْـنَـةً للـنــزّلِ والضّـيـفَ أكْـرِمْـهُ فـإنّ مبيتَـهُ
بمبيـتِ ليلتـه وإنْ لــم يُـسْـــأَلِ وَاعْـلَـمْ بـأنّ الضّيفَ مُخْبرُ أهلِـهِ
فإكرام الضّيف حقّ، لا يجوز التّفريط فيه ولا التّهاون، لأنّ التقصير في هذا الحقّ يُلحق به لعنة مدى الدّهر،
ولأنّ الضّيف يُشيع هذه الأخبار بين أهله وأبناء مجتمعه سواء سألوه أم لم يسألوه.
ولإكرام الضّيف عند عمرو بن الأَهْتم بُعْدٌ أَخلاقيّ، فيوصي ابنه رِبْعيّا بإكرام ضيفه وقت الشدّة، حين يشحّ الزّادُ، ويضنّ الآخرون([42]):
وجـاري لا تُهينَـنْــهُ وضَيــْفـي إِذا أَمـسـى وراءَ الـبـيـتِ كــورُ
يـؤوبُ إِلـيـك أَشـعـثَ جـرّفتْـهُ عـوانٌ لا يـنـهـنـهـهـا الفـُتـورُ
أَصِـبْـهُ بالكـرامـة واحتفـظْــهُ عـلـيـك فـإنّ مـنـطـقـه يَسيـرُ
ويرتبط الجود عند الحارث بن حلّزة بموقف فكريّ مؤدّاه أنّ الإنسان يجب أن يبذل ما لديه للآخرين،
لأنّه لا يدري ما سيحدث فيما عنده من المال، فلربّما صار ماله بعد حياته نَهْباً مقسّما بين الوارثين يعيثون فيه.
وفي ضوء هذا الفهم خاطب ابنه عمرا وأوصاه بأن يحلب الألبان للأضياف، وألاّ يدّخر شيئاً من ذلك([43]):
قُـلْـتُ لـعـمـرو حيـنَ أَبصرتُـهُ وقـد حـبـا مـن دونـهـا عـالــجُ
لا تـكْـسَـعِ الشَّـوْلَ بـأغبـارهـا إِنّـك لا تـدري مــن الـنّـاتـــجُ
واحـلُـبْ لأَضيـافـك ألـبـانـهـا فـإنّ شـرّ الـلّـبــن الـوالــــجُ
إلى أن يقول:
بَيْـنـا الفتـى يَسْعــى ويُسْعى لَـهُ تــاحَ لَـهُ مـن أمـره خـالـــجُ
يتـرُكُ مـا رقّــح مـن عيشــه يـعـيــثُ فـيـه هَـمَـجٌ هامـجُ
وكانتِ المحافظةُ على الجار مظهراً آخَرَ من مظاهر البطولة الاجتماعيّة لدى الفارس العربيّ في العصر الجاهليّ، الذي كان حريصاً على أَنْ يحميَ الضّعيف، ويدفعَ عنه الظّلم،
ويتمثّل هذا الخُلُقُ الكريمُ في إِسباغ الحماية على فردٍ أو جماعة هي في حاجة إليها.
لقد كان قانون الجوار من أكثرِ قوانينِ المجتمع الجاهليّ ونُظُمِهِ شُيوعاً وأهميّةً في حياتهم الاجتماعيّة.
ولا يكاد القارئ يطالع خَبَرا من أَخبارهم، ولا شعرا من أشعارهم إلاّ أَلْفاهم يتحدّثون عن الجار، ويحثّون أبناءهم على احترامه، والمحافظة عليه، وكأنّه فرد من أفراد الأسرة.
ولم يكن في الجزيرة العربيّة في العصر الجاهليّ حكومة مركزيّة، تستطيع من خلال قوانينها المفروضة، ومؤسّساتها المختلفة، أن تبسط الأَمْن،
وتُشيعَ العدالة في حياة النّاس، فتقف في وجه الظّالم، وتردعه عن ظُلْمه، وتساعد الضّعيف، وتأخذ بيده، وتعيد له حقّه من ظالمه،
فنشأ هذا النّظام الذي “أَوجدتْهُ ضرورات الحياة العربيّة قبل الإسلام، كبديل للسّلطة المركزيّة.
وهو بديل، مهما كان ناقصاً، استطاع على نحو أو آخر، وبدرجة أو بأُخرى أن يؤدّي وظائف السّلطة العامّة، وأن يوفّر للنّاس قدراً من الأمن والطمأنينة، وأنْ يدفع عنهم بعضاً من الظّلم والاضطهاد، وأن يُعيدَ إليهم حقوقاً مغتصبة، وأموالاً منتهبة([44]).
واحترم المجتمع الجاهليّ هذا النّظامَ لما له من أهميّة بالغة في حياتهم اليوميّة، حتّى غدا التمسّكُ به قيمةً أخلاقيّةً عُلْيا، فالآباء يوصون أبناءهم بهذا الخُلُق الحميد، ويحرصون على غَرْس هذه القيمة السّلوكيّة في نفوسهم.
فقد تلقى مالك بن حريم بزهو كبير عن أبيه حمايةَ الجارِ وإِكرامَهُ، كي يظلّ في جواره عزيزاً منيع الجانب، يدفع عنه الضّيْم، ويذود عنه، لا سيّما إذا عزّتْ عليه الحمايةُ([45]):
وأَوصـانـي الحريــمُ بعزّ جـاري وأَمـنـعُـهُ ولـيـس بــه امتنــاعُ
وأدفـع ضَـيْـمَـهُ وأذودُ عـنــه وأمـنـعُــهُ إذا امـتـنـع المنــاعُ
وأوصى مالك بن فَهْم بَنيه بالمحافظة على الجار، قائلاً([46]):
عــزّ مَــنْ كـان مالِـكٌ له جـارُ لَسْـتَ في الأَزْدِ إنْ حَلَلْــتَ غريبــا
كـان فَـهْـمٌ أوصــى بَنيه وصـاةً حفظـوهـا وكــان فيهـم مُصيـبـا
أكـرمـوا الضّيف، واحفظوا حُرْمـة الجـار، وكونـوا ممّـن أحبّ قريبــا
وأَوصى عمارة بن عوف العدواني ابنته بالحفاظ على الجار، والدّفاع عنه([47]):
قلتُ لها، والجــودُ مـن شيمتــي: آمُــرُكُــمْ فــي العُسْـر واليُسْــرِ
بـضـيـفـكـم إِنّ لـه حُــرْمـةً فاقْــروا ضيـوفـي قَـحَــدَ الجُـزْرِ
وارْعَــوْا لجـار البيت ما قد رعـى قـبـلـكـــم ذاك بـنـو عـمــرو
قـومــوا لضيـف جاءكم طارقــا وجــاركُــمْ بــالـنـيّ والخَمْــرِ
وذَبّـبـوا مَـنْ رامَ جيـرانَــكُــمْ بـالـسّـوء بـالبُـتْــرِ وبـالـسُّمْـرِ
وأوصى الأعشى ابنه بَصيراً بأن يَشْدُدَ أَزْرَ المستجير به، وأنْ يدافع من دونه، موقداً نار حرب تسفع الوجوه([48]):
وكُنْ من وراءِ الجارِ حِصْنا مُمنّعــا وَأَوْقِدْ شهـابا يسفَعُ الوجْــهَ حاميــا
لقد كان المجتمع الجاهليّ حريصاً على ألاّ يُنتهك عِرْضُ الجار، وعلى أن تبقى الجارة مصونة بعيدة عن الاعتداء عليها،
فقد كان من أكرم صفات الإنسان العربيّ في كلّ زمان ومكان أنْ يحافظ على شرف جاراته.
وجاء شعرهم يحكي سموّهم عن الجارة، وابتعادهم عنها، وتعظيم حرمتها، حيث أوصى الأعشى ابنه قائلاً([49]):
ولا تـقْـربَـنّ جـارةً إنّ سِـرّهـا عليــكَ حَــرامٌ فانكحَـنْ أو تأبّــدا
ويؤكّدُ هذه الوصيّةَ مرّة أخرى في موقع آخَرَ من ديوانه قائلاً([50]):
وجارةَ جَنْبِ البَيْتِ لا تَبْغِ ســرّهــا فإِنّــك لا تخفـى علـى الله خافيــا
وهذا رَأْيُ الأعشى فيما يتعلّق بحقّ الجارة، على الرّغم ممّا عُرف عنه من غرام بهذا الجانب.
ويوصي لبيد بن ربيعة ابنه بأَنْ يعفف عن الجارات، وأَن يكرمهنّ([51]):
واعـفِـفْ عـن الجـاراتِ وامْنحْـ ـهُــنّ مـيـســرَك السّـمينــا
وابـذُلْ سَـنـــامَ الــقـــدر إِ نّ سـواءَهــا دُهْـمـا وَجـونــا
ذا القـدرَ إنْ نَـضِـجَـتْ وعـجّــ ـلْ قـبـلَـهْ مـا يـشـتـويـنــا
تـلـك الـمـكـارمُ إن حـفـــظْ ـــتَ فـلـن تُـرى أبــدا غبينـا
إنّ الجانب الإنسانيّ يبرز في نفس العربيّ بشكل خاصّ في علاقاته مع جيرانه والمستجيرين به، ولعلّنا لا نجانب الصّواب إذا قُلْنا: لم تعرف أُمّة من الأُمم – دونما استثناء – حُرمةً، كالحرمة التي عرفها العرب للجيرة.
ويخيّل إليّ أنْ ليس في أدب أُمّة من الأمم ما يرفع الجيرةَ إلى مصافّ المآثر العظام مثلما رفعها الأدب العربيّ.
وليس غريباً أن يكون هذا النظام – الجوار – أوّل ما نشأ في سبيل حماية الضّعيف من بطش القويّ، وإنصاف المظلوم من الظّالم،
فاستطاع هذا النّظام أن يَحدّ من شهوة البطش، وغريزة الانتقام.
كان التمسّك بهذه القيم الأخلاقية قد دفع تميما لتقاتل بني عامر بن صعصعة يوم رحرحان([52])، لأنهم أجاروا الحارث بن ظالم المرّي، الذي كان قد قتل زعيمهم خالد بن جعفر الكلابي عند النعمان بن المنذر.
ولا شكّ أنّ جواب هانئ بن مسعود الشيباني حين أجار النعمان بن المنذر وبناته جواب رائع يعلق بالأذهان، حين قال:
“هُنّ في ذمّتي لا يُخلص إليهن حتى يُخلص إلى بناتي”([53])،
ولا يمكن للمرء أن ينسى جوابه الرائع لكسرى حين طلب منه تسليم ما بذمته من مال ونساء،
فوقف الرجل وقفة عزّ وشموخ وكبرياء محافظاً على القيم العربية الأصيلة التي تربّى عليها، وقال:
“أنا رجل استودع أمانة، فهو حقيق أن يردّها على مَنْ أودعها، ولن يسلّم الحرّ الأمانة([54]).
لقد حافظ المجتمع الجاهلي –بصورة عامة- على الجار، فصوّر قيس بن زهير حقوق الجار وما يجب أن ينعم به، وما يجب أن يتمتع به من برّ ومعاملة بالمساواة، وردّ كل أذى يتعرض له بالدّفاع عنه([55]).
ويتابع قوم عمرو بن الأهتم الجار، ويتبعونه بالكرامة حيثما أقام([56])،
وزهير بن أبي سلمى يطمئن جاره على ماله، ويضمنه له، ويخاطبه قائلاً:
إن نما المالُ وزاد في ديارنا فله المال والزيادة، وإنْ أصابه نقص أديناه إليه كاملاً([57]).
وكان العرب يولون من ينزل في جوارهم أهمية بالغة، وينزلونه في مرتبة الأهل، ويعدونه من العيال([58])، وكانوا يخلطونهم بالنفوس([59]).
وأسهمت هذه القيم في التخفيف من حدّة المعاناة اليومية في ظلّ غياب حكومة مركزية تأخذ على يد الظالم وتردعه، وتأخذ بيد الضعيف وتنصفه، فكانت هذه القيم النبيلة قوّة موازية للقانون.
وجاء الإسلام، فوجد في العرب فضائلَ خُلُقيةً، وقيما نفسيّةً، أقرّ كثيراً منها، وعدّل جوانب منها،
وصاغها على نحو يتناسب وتعاليمَ الدّين. وكان نظام الجوار من النّظم التي أقرّها الإسلام،
وحثّ المسلمين على المحافظة على الجار في كثير من الآيات الكريمة، منها قوله تعالى([60]):
{واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا وبالوالدين إحسانا وبذي القربى واليتامى والمساكين والجار ذي القربى و الجار الجُنُب والصَّاحب بالجنب وابن السبيل و ما ملكَتْ أيمانكم}.
وقد أفاد المسلمون في بداية الدّعوة من هذا النّظام؛ إذ كانوا ضعافاً قليلي العدد، فاستجار عثمان بن مظعون بالوليد بن المغيرة([61])،
واستجار سعد بن عبادة بمطعم بن جُبَيْر، أحد المشركين، وذلك عندما أخذه رجال من قريش بعد أن بايع الرسول، r، وأخذوا يضربونه([62]).
واستجار الرّسول، صلى الله عليه و سلم بمطعم بن عديّ، بعد عودته من الطائف([63]).
ويأذن الله – سبحانه وتعالى – للرسول – صلى الله عليه و سلم – أن يُجير المشركين،
ويضع للمسلمين توجيهاً عالياً، فقال جلّ من قائل([64]):
{وإنْ أَحَدٌ من المشركينَ استجارك فأجِرْهُ حتّى يسمع كلام الله ثمّ أبْلغْهُ مأمنه ذلك بأنّهم قوم لا يعلمون}.
ويحثّ الرّسول r المسلمين على الجار، فيقول r([65]):
“ما زال جبريل يوصيني بالجار، حتّى ظننتُ أَنّه سيورّثه”. ويقول صلى الله عليه و سلم([66]):
“واللهِ لا يؤمن، واللهِ لا يؤمن، والله لا يؤمن! قيل: مَنْ يا رسول الله؟ قال: الذي لا يأمن جاره بوائقه”.
وحَرَص الشاعر الجاهلي على نقاء المجتمع، لتظلّ شبكة العلاقات الإنسانية نقيّة ومُعافاة.
وتُعدّ الغَيْبَة والنّميمة من أشدّ الآفات الاجتماعيّة فَتْكا بالمجتمع، وتدميرا لبنيته الاجتماعية،
فتنبّه الشاعر إلى خطورتها، وبَذَلَ جهوداً لمكافحتها، فتناول عَبَدَةُ بنُ الطّبيب شخصيّة النمّام، الذي يسعى بسمومه بين النّاس،
وقد شبّه كلامه بالعقارب، إذا لَسَعَتْ أَثارتْ حربا، وبعثتْ فتنة، كما يبعث الأخدع عروقه.
وضرب مثلاً زَيْدَ بْنَ مالكٍ و قومَهُ، الذين يُغَذّون أَبناءهم سموم العداوة، وهم وِلدان صغار،
واستعار لهؤلاء القوم ومشيهم بالنّميمة صورةَ القنفذ، الذي يسعى مستخفيا تحت جنح الظّلام،
ويُعرّج بعد ذلك على ذكْر زَيْدٍ، الذي أَفسد أَمر قومه، وبثّ بينهم العداوة، فشتّتهم ومزّق وَحْدَتهم، وخاطب الشاعر أبناءه محذّراً([67]):
وَدَعُوا الضّغينة لا تكُنْ من شـأنكــم إِن الضّغـائـن للقـرابــة توضَـعُ
وَاعْصُوا الذي يُزْجي النّمائمَ بينـكــم متنصّحـا ذاك السّـمـامُ المنْـقَــعُ
يُزجي عقاربَــهُ ليبعــثَ بينكــم حَرْبـا كما بَعَــثَ العُروقَ الأَخـدعُ
لا تأمنوا قومــا يشــبُّ صبيُّهــم بيـن القوابــل بالعــداوة ينشَــعُ
قَـوْمٌ إذا دَمَـسَ الظّـلامُ علَيـهــم حَـدَجـوا قنـافـذَ بالنّميمـة تمـزَعُ
أمثـالُ زيـدٍ حيـن أَفســد رهطَـهُ حتّـى تشتّـت أمـرُهُـمْ فتصدّعـوا
إِنّ الـذيـن تَرَوْنهـم إخــوانَكــم يَشْفي غليلَ صدورهم أنْ تُصْـرَعـوا
وقد وقف الجاحظُ على القيمةِ السّلوكيّة لهذه القصيدة، وعلّق عليها بقوله([68]): “وهذا الشّعر من غُرر الأشعار، وهو ممّا يحفظ”.
وأدرك الشّاعر الجاهليّ الأسباب التي تؤدّي إلى تفسّخ بنية المجتمع، وتخلخل نسيجه الاجتماعيّ،
فبثّ في أَبنائه، وأَبناء مجتمعه، قيما سلوكيّة عُلْيا، تؤدّي المحافظة عليها إلى استقرار العلاقات الاجتماعيّة، فيغدو المجتمع قويّا متماسكاً.
ووعى كعب بن زهير أهميّة المحافظة على الأَسرار، وما يترتّب على التّفريط بها من تفسّخ العلاقات الإنسانيّة، فيصوغ خلاصة تجاربه في الحياة فكرا اجتماعيّا يوصي به ابنه قائلاً([69]):
لا تُـفْـشِ سِـرَّكَ إِلاّ عنـد ذي ثِقَـةٍ أَوْ لا فَأَفضلُ ما استَودَعْتَ أَسْــرارا
صَـدْرا رحيبـا وقلْبـا واسعا صَمِتـا لم تَخْشَ منه لما استَوْدَعْتَ إِظْهــارا
وإذا كان بعض النّاس يجدون راحة نفسيّة في إِطلاع الآخرين على أَسرارهم، لعلّهم يقدّمون لهم ما يخفّف عنهم الضّغط النّفسيّ،
فعليهم أَنْ يحذروا من إِفشاء أَسرارهم إلى ذي نَميمة، وفي هذا يوصي دعامة بن زيد الطّائيّ ابنه قائلاً([70]):
ولا تُفْشِيَـنْ سِـرّا إلى ذي نميـمــةٍ فـذاك إذاً ذَنْـبٌ برأسِـكَ يُعْصَـبُ
إذا مـا جعلـتَ السِـرَّ عند مُضَيَّـعٍ فـإنّـك ممّـن ضيّـعَ السرَّ أَذْنَـبُ
إِنّ انخفاض منسوب القيم في نفوس بعض أبناء المجتمع كان وما يزال سبباً رئيساً في معاناة الإنسانيّة،
فكثيرا ما اكتوى المجتمع بنيران هؤلاء الذين لم يحافظوا على هذه القيمة الخُلُقية، ممّا دفع العقلاء والمفكّرين إلى القول: صدرك أوسع لسرّك.
ويبهرنا دعامة بن زيد الطّائيّ بحرصه على تحلّي ابنه بالآداب العامّة في المجالس، فيوصيه قائلاً([71]):
لا تـقـطـعـنَّ مقالةً في مجلــسٍ لا تستطيعُ، إذا مَضَــتْ، إدراكَهـا
قِسْ كُلَّ أَمْـرِكَ قَبْـلَ جهـرِكَ بالتـي فاتَـتْ ولمّـا تستطِــعْ إِمْساكَهـا
واهتمّ الشّاعر الجاهليّ برسم ملامح السّلوك الاجتماعيّ، على نحو ما نجد تعبيراً لذلك في وصيّة عديّ بن زيد الِعباديّ، الذي أَسَرَنا بقوله([72]):
إِذا أَنْتَ فاكَهْـتَ الرّجـالَ فـلا تَلَـعْ وَقُـلْ مثْـلَ مـا قالـوا ولا تتزنّـدِ
وإيــاكَ مـن فَـرْط المـزاح فإنّـه جديـرٌ بتسفيـهِ الحليــمِ المُسَـدّدِ
لقد صدق عديّ بن زيد، وكان صائباً في وَصاته، فالإفراط في المزاح يُفقد الرّجل الكريم كرامته، ويذهب بهيبته، ويؤدّي إلى قلّة الاحترام بين النّاس.
ويدعو أبناءه أو أبناء مجتمعه إلى الصّفح والتّسامح، ويخاطبهم بقوله([73]):
إذا مــا رَأَيْتَ الشَرَّ يبعــثُ أَهلَـهُ وقـام جُنـاةُ للشَـرّ بالشَـرّ فاقْعُـدِ
ويأمرهم بالعدل والبعد عن الجَوْر([74]):
وبالعَدْلِ فانطِقْ إنْ نَطَقْـتَ ولا تَلُمْ وذا الذَمّ فاذْمُمْهُ وذا الحَمْدِ فاحْمَــدِ
ومدّ الشّاعر الجاهليّ بصره إلى أَهمّ مؤسّسة من مؤسّسات المجتمع الجاهليّ، ألا وهي مؤسسة قيادة القبيلة،
فتبوّأ هذا المنصب، وكان إذا حضره الموتُ، ورأى ابنه جديراً بالسّيادة أوصاه بوصايا ترشده في رئاسته القادمة،
فقد رُوي أن الحارث بن كعب، سيّدَ القبيلةِ التي كانت تُسمّى باسمه، أوصى ابنه أشعثَ بأن يكون جريئا مقداما([75]):
أَبنـيَّ إِنّ أبـاكَ يـومـا هـالــكٌ فاحفَـظْ أبـاك ريـاســةً وتقلّبــا
وإذا لـقـيـتَ كـتـيـبةً فتقدّمــا إنّ المقـدّم لا يـكــون الأخيبــا
تَلْقـى الرّياسـة أَو تمـوتُ بطعنـة والموتُ يأتـي مَـنْ نـأى وتجنَّبـا
ويوصي المرار الفقعسيّ ابنه، الذي كان يطمح للوصول إلى هذا المنصب المرموق، يوصيه بالحلم، والبعد عن التسرّع والشّتم([76]):
إذا شئـتَ يومـا أَنْ تسـودَ عشيـرةً فبالحِلْـم سُدْ لا بالتّسـرع والشَّتْــمِ
ولَلْحِلْْـمُ خَيْـرٌ، فاعْلَمَـنّ، مغـبّــةً من الجهل إلاّ أَنْ تشمّس مِـنْ ظُلْـمِ
وحَرَص الشّاعر الجاهليّ في وصاياه لأبنائه على تعزيز صلتهم بالقبيلة، وبيان واجباتهم، وما يجب أن ينهضوا به في الملمّات.
فقد أوصى صِرْمَةُ بن أبي أَنَسٍ أبناءه، وفصّل لهم حقوق قبيلتهم عليهم، وخاطبهم قائلاً([77]):
وإِنْ قومُكُمْ سـادوا فـلا تحسدنّهــم وإن كنتُمُ أَهْــلَ الرّياسـةِ فاعـدلـوا
وإِنْ نزلتْ إحدى الدّواهــي بقومكـم فأنفسَــكُـمْ دونَ العشيـرةِ فاجعلـوا
وإنْ نابَ غُــرْمٌ فــادحٌ فارفُقُوهُـمُ وما حمّلوكم فـي الملمّـات فاحملـوا
وأوصى الأعشى ابنَهُ بَصيراً بأَنْ يشارك سادة الحيّ فيما ينوب من مغارم([78]):
وآسِ سَراةَ الحــيّ حيــثُ لقيتَهُـمْ ولا تكُ عن حَمْل الرّباعــة وانيــا
وأوصاه بألاّ يتخلّى عن قومه إِنْ مَسَّهم ضُرّ، لأنّ تلك المشاركة سبيل إلى المجد([79]):
ولا تخذلنّ القَــوْمَ إنْ نـابَ مَغْـرَمٌ فإنّك لا تعدم إلــى المجـد داعيــا
ويُشيدُ كعب بن زهير بما وصّاه به أبوه، قائلاً([80]):
وبالعَفْـو وصّانـي أَبي وعشيرتــي وبالـدّفْـع عنهـا فـي أُمـور تَريبُهـا
وقـومَـكَ فاسْتَبـقِ المـودّةَ فيهــم ونـفـسَـكَ جنّبهـا الـذي قـد يَعيبُهـا
ويدلّ استقراء شعر كعب على أنّه دافع عن قبيلته مُزَيْنَةَ في مواقف عديدة،
و”كان لا بُدّ له من أن يخوض مشكلات واقعها القبليّ، ويذود عنها بدافع من الالتزام بوصايا أبيه”([81]).
وأَوصى قيس بن عاصم بَنيه بأن يُسوّدوا كبارهم وحلماءهم، ويحافظوا على حقوق صغارهم([82]):
وَذَوو الحِـلْـمِ والأَكـابـرُ أَولــى أنْ يُـرى مـنـكُـمُ لَـهُـمْ تسويــدُ
وعليكُمُ حِفْـظَ الأصـاغـرِ حتّــى يـبـلُـغَ الحِنْـثَ الأصغـرُ المجهـودُ
وأوصى عبد قيس بن خُفاف البُرْجُميّ ابنه جُبَيْلا أن يشارك قومه فقرهم وضيقهم، وخاطبه بقوله([83]):
وإذا لقيــتَ الباهشيـن إلـى النّـدى غُـبُـرا أكـفُّـهُـمُ بقـاعٍ مُمْحـــلِ
فـأعِـنْـهُـمُ وَايْسِرْ بما يَسَروا بــهِ وإذا هـمُ نـزلـوا بـضَـنْـكٍ فانـزِلِ
وإذا ما لحق جُبَيْلا ذُلّ وهوان في مكان إقامته، أو من أحد من أفراد قبيلته فعليه أن يتحوّل عن ذلك المكان([84]):
وَاتْرُكْ محلّ السَّــوْءِ لا تحلُـلْ بـه وإذا نـبـا بــكَ منــزلٌ فتـحـوّلِ
دارُ الهَــوانِ لمــن رآهــا دارَهُ أَفراحِلٌ عنهـا كَـمَـنْ لـم يـَرْحَــلِ
وقد يتنازع الإنسانَ موقفان: أحدهما يدعوه إلى مقابلة الشرّ بالشرّ، والآخر يدعوه إلى الصّفح الجميل،
فيأسرنا عبد قيس بن خُفاف البُرجميّ بهذه القيم الإنسانيّة التي تجعل من ابنه رجلاً فذّا([85]):
وإذا هَمَمْــتَ بأَمْـرِ شـرّ فَاتّـئـدْ وإذا هَمَمْـتَ بأَمْـر خَـيْـر فـافْـعَـلِ
وإذا تـشـاجـر فـي فـؤادك مـرّةً أَمران فاعْمِـــدْ للأعــفّ الأجمــلِ
ولَعَمْري، فهذا هو الأدب الرّفيع، الذي يغرس القيمَ السّلوكيةَ في نفوس الأبناء ويصقلها، ويعدّهم إِعداداً نفسيّاً ووجدانيّاً واجتماعيّاً، ويجعلهم قادرين على النّهوض بواجباتهم نحو مجتمعهم، ويخلق منهم مواطنين صالحين.
وعلى الآباء أنْ يعزفوا هذه الأناشيد أمام الأبناء دونما مَلَلٍ ولا كَلَل، لأَنّ الأُمّة التي تسودها هذه القيمُ هي أُمّة متحضّرة، لديها حضارةٌ نفسيّةٌ عريقةٌ تزهو بها وتعتزّ.
وهذا ذو الإصبع العدواني أَحَدُ حكماء العرب في الجاهليّة، خاض غمار الحياة، وعرف ما فيها من خير وشرّ،
وعُمِّر طويلاً حتّى ملّ الحياة، وعلم أَنّه مهما عاش فلا بُدّ من الموت، فَلْيتركْ لابنه خيراً ومأثرة وهدى، إذ أراده أن يكون سيّد قومه وحكيمهم، فشرع يوصيه بهذه الوصية([86]):
“يا بُنَيّ إنّ أباك قد فني وهو حيّ، وعاش حتّى سئم العيش، وإِنّي موصيك بما إِن حفظتَهُ، بلغْتَ في قومك ما بَلَغْتُهُ، فاحفظْ عنّي:
أَلِنْ جانبك لقومك يحبّوك، وتواضَعْ لهم يرفعوك، وابسُطْ لهم وجهك يطيعوك،
ولا تستأثرْ عليهم بشيء يسوّدوك، وأَكْرِمْ صغارهم كما تكرمُ كبارهم، يكرمْكَ كبارُهم،
واسْمَحْ بمالك، واحْمِ حريمك، واعْزُزْ جارك، وأعِنْ مَن استعان بك،
وأكرمْ ضَيْفَك، وأسرع النّهضة في الصّريخ، فإنَّ لك أجَلا لا يعدوك،
وصُنْ وجهك عن مسألة أحد شيئا، فبذلك يتمّ سؤدُدُك”.
ولم يكتفِ ذو الاصبع بالمنثور، بل أنشأ على الفَوْر قصيدة رائعة ضمّنها وصايا أُخَرَ،
فأمَرَ ابنه أُسَيْداً باصطفاء الكرام ومؤاخاتهم، مدركاً بذلك أَثَر صحبة الأخيار في تربية الخلُق، وتقويم النّفس.
فالإنسان مولع بالتّقليد، فمثلما يقلّد مَنْ حَوْلَهُ في الملبس والمسكن، يقلّدهم في الخُلُق، ويتخلّق بأخلاقهم،
فقد قال أحد الحكماء: “نبّئني عمّن تُصاحب أُنبئك مَنْ أنت”([87]).
فمعاشرة الرّجل الكريم تُلقي في نفس الإنسان المروءة والنّخوة، لذا يأمر هذا الأبُ ابنه بأن يلزم صداقة الكرام، وأنْ يشرب بكأسهم، ولو شربوا به سُمّا ناقعاً،
وأن يكون وَصولا لهم وَدودا، لأنّ في صداقتهم فضلاً له([88]):
آخِ الــكــرامَ إِنِ اسْـتَـطَـعْــ ــتَ إلــى إِخـائـهـمُ سـبـيـلا
واشــربْ بـكـأسـهــــم وإنْ شـربـوا بــه الـسمّ الـثّـمـيـلا
أَهِــنَ الـلّـئــامَ ولا تَـكُـــنْ لإخــائـهـم جَـمـــلا ذَلــولا
إِنّ الـكـــرامَ إذا تُـــــــؤا خـيـهــمْ وجـدتَ لـهـم فضـولا
وَصِـلِ الـكـرامَ وَكُــنْ لِـمَــنْ تـرجــو مَــوَدّتـــه وَصــولا
ويدعو ابنه أُسَيْدا إلى أنْ يستشرفَ ويقيمَ في الأماكن العالية، وأن يحلّ على الأَيْفاع، لتكون ناره بارزة، يهتدي بها الضّيوف، ويلجأ إليه كلّ طالب معروف، ويأمره قائلاً([89]):
وابـذلْ لـضـيـفـك ذاتَ رَحْـــ ـلِـكَ مُـكْـرِمـا حـتّــى يــزولا
واحْـلُـلْ عـلـى الأَيْفـاع للعـــ ـا فـيـن وَاجْـتَـنـبِ الـمـسـيـلا
ويرسم لابنه سياسة ماليّة، قائمة على أن يتصرف في المال تصرّفا جميلا، وأن يكون مسيطرا على المال،
وألاّ يكون المال مسيطرا عليه، فالمال وسيلة لبناء المجد، والبذل، لا ليكدّس في الخزائن،
لأنّ المال – حينئذ – لا يبكي صاحبه، الذي جدّ في جمعه، وربّما جمعه بطرق شائنه([90]):
أَأُسَـيْــدُ إِنْ مــالاً مـلـكْــــ ـتَ فَـسِـرْ بـه سَـيْــرا جميــلا
أَبُـنَــيّ إنّ الـمـــــــالَ لا يـبـكـي إذا فَـقَــدَ البـخـيـــلا
وَابْـسُــطْ يـمـيـنَــكَ بالنّـدى وامــدُدْ لـهـا بـاعــا طـويــلا
وَابْـسُــطْ يَـدَيْـكَ بـما ملكْـــ ـتَ وشـيّــدِ الـحَـسَـبَ الأَثـيـلا
ويدعوه إلى أن يكون جريئا مِقْداما، ينقضّ على خصمِهِ كما ينقضّ اللّيث على فريسته، ويدعوه إلى مواجهة أفدح الأُمور بِجَلَدٍ وصَبْر([91]):
وإذا الـقُــرومُ تَـخـــاطَــرَتْ يومــا وأرعــدتِ الـخَـصـيــلا
فـاهصِـرْ كهصْـرِ اللّيثَ خَضّـــ ــبَ مـن فـريـسـتـه الـتّـلـيلا
وانــزِلْ إلـى الـهـيـجـــا إذا أبـطالُـهـا كـرهـــوا الـنُّــزولا
وإذا دُعـيــتَ إلـى الـمُـهِـــ ــمّ فـكُـنْ لـفـادحـه حَــمــولا
ويحثّه على المحافظة على الصّديق([92]):
أَأُسَـيْـدُ إِنْ أَزمـعــتَ مــــن بَـلَــدٍ إلــى بَــلَـدٍ رحــيــلا
فاحـفــظْ وإنْ شَـحَـطَ الـمــزا رُ أَخــا أَخـيــك أو الـزّمـيــلا
وتأخذ القيم التّربوية عند حسّان بن ثابت بُعْداً أخلاقيّا متميّزا، يبهَرُ القارئ، وينزع إعجابَهُ.
فنرى الشّاعر حريصاً على إِعداد ابنه إِعداداً نفسيّاً، فيأمره بألاّ يصغيَ إِلى ما هو قبيح، فضلا عن عدم جواز النّطق به أصلا،
وإنْ جلس في مجلس، ونطق أحد فيه كلاما قبيحا، فعليه أن يصمّ أُذنيه، وأن يتغافل عن ذلك، كي تظلّ نفسيته نقيّة.
وينهى فتاه عن الإلحاح في السُّؤال، ويأمره بمجالسة الكرام، وعليه أن يُحسن انتقاءهم واختيارهم.
ويدعوه إلى قيم نفسيّة كالجود، والحثّ على الطّاعة، وكسب الفضائل، وعدم تناول الخمرة، أو عدم الإدمان عليها، كي لا يصبح موبوءا، ينفر منه الأسوياء الأصحّاء،
وقد ضمّن هذه الفضائل النفسيّة قوله([93]):
أَعْرِضْ عن العـوراءِ إِنْ أُسْمِعْتَهــا واقْعُــدْ كأَنّــك غافِــلُ لا تَسْمَــعُ
وَدَعِ السّـؤالَ عن الأُمـورِ وحفرهـا فَلَرُبَّ حافرِ حفــرة هــو يُصْــرَعُ
والــزَمْ مجالســةَ الكرامِ وفعلَهُـمْ وإذا اتّبعــتَ فأَبْصِـرَنْ مَـنْ تتبَــعُ
لا تَتْبَعَــنَّ غَــوايــةً لصبابــة إنّ الغـوايـة كُـلَّ شــرّ تَـجْمَــعُ
والقـومُ إنْ نزروا فَزِدْ في نَزْرهــمْ لا تقْعُــدَنّ خـلالـهــم تتسَمّـــعُ
والشّــربَ لا تدْمِنْ وَخُذْ معروفَــهُ تَـخْـرُجْ صحيـحَ الرأسِ لا تتصـدّعُ
واكــدَحْ لِنَفْسكَ لا تكلّـف غيرَهــا فبدينهــا تجــزى وعنهــا تدفَــعُ
ويصوغ عمرو بن الأهتم لابنه رِبْعيّ دستورا أَخلاقيّا، يضمّنه خلاصة تجارِبِهِ في الحياة، كانت المحافظة على المجد أبرز ما فيه([94]):
لقد أَوْصَيْتُ ربعيَّ بْـــنَ عمــروٍ: إِذا حَـزَبَــتْ عشيرتَــكَ الأُمــورُ
بأنْ لا تُفْسدَنْ مـــا قــد سَعَيْنــا وحـفـظُ الـسُّـورةِ العُليــا كبيــرُ
وإنّ الـمـجـدَ أَوّلُــهُ وُعـــورٌ ومـصـدرُ غـِبّـهِ كــرمٌ وخِيــرُ
وإنّك لـن تنــالَ المجــدَ حتّــى تـجـودَ بـا يضـنُّ بـه الضّميــرُ
بنفســك أو بمـالــك في أُمــورٍ يهابُ ركوبَهــا الــوَرِعُ الدَّثَــورُ
وَحَرَص قيس بن عاصم على تعزيز العلاقات الإنسانيّة بين أبنائه، وهي قضيّة – كانت وما تزال – تشغل بالَ الآباء، وتؤرّقهم.
فلّا حضرتْهُ الوفاةُ، جمع بَنيه، وقال لهم: فَلْيأتني كلّ واحد منكم بعود، فاجتمع عنده عيدان، فجمعها وشدّها، وقال: اكسروها، فلم يُطيقوا ذلك، ثم فرّقها فكسرها،
فقال: هذا مثلكم في اجتماعكم وتفرّقكم، ودعاهم إلى الاتّحاد وإصلاح ذات بينهم،
لأنّ فيه طولَ بقائهم، وسرَّ قوّتهم وتماسُكَهم، ودعاهم إلى أن يُحبّ بعضهم بعضا، ثمّ خاطبهم بقوله([95]):
بصلاحِ ذاتِ البَيْن طولُ بقــائكُــمْ إنْ مُدَّ في عُمْــري وإنْ لم يُمْــدَدِ
حتّى تليــنَ جلودُكُــمْ وقلوبُكُــمْ لمسوّد منكـــم وغيــرِ مُسَــوّدِ
إِنّ القِــداحَ إِذا جُمَعْـنَ فـرامَهــا بالكَسْرِ ذو حَنَــقٍ وبَطْـشٍ أيّــدِ
عَزّتْ فلم تُكْسَرْ وإن هــيَ بُــدّدَتْ فالـوَهْــنُ والتّكسيــر للمتبــدّدِ
ويشغل الحرص على مستقبل الأبناء بالَ قيس ويؤرّقه مرّة أُخرى. فنراه – كما تدلّ رواية صاحب الأغاني – يجمع أبناءه مرّة ثانية، ليطمئن على متانة علاقاتهم بعد وفاته،
وكان قد جمع ثمانين سَهْما، ربطها بوتَر، ثمّ قال: اكسروها، فلم يستطيعوا، ثمّ قال: فَرّقوا.
ففرّقوا، فقال: اكسروها سهما سهما، فكسروها،
فقال: هكذا أنتم في الاجتماع وفي الفُرْقة، ثم خاطب أبناءه، مرّة أُخرى، داعيا إلى وَحْدتهم([96]):
وثـلاثـون يـا بَـنـيَّ إذا مـــا جَمَعَتْهُـمْ في النّـائبـاتِ الـعُـهـودُ
كثـلاثـيـن مـن قِـداحٍ إذا مــا شـدّهـا للـزّمـانِ قِـدْحٌ شـديــدُ
لَــمْ تـكسّـرْ وإنْ تفـرّقـتِ الأسـ ـهُـمُ أودى بجمعهـا الـتـبـديــدُ
وحثّ أبناءه على السَّيْر على سنن الآباء، وإعلاء بنيان المجد، الذي أرسى دعائمه([97]):
إِنّما المجدُ ما بنـي والــدُ الصّــد قِ وأحـيـا فَـعـالَـهُ المَـوْلــودُ
وتمــام الفضـلِ الشّجاعـةُ والحِلْـ ــمُ إذا زانَـهُ عَفـــافٌ وجــود
وأوصى النّمر بن تَوْلَب فتاه بأنْ يبني مجده بيديه، وألاّ يعتمد على غيره، لأنّ الناس لا يبنون له ما يهدمه بيديه، ويجنّب نفسه الخيانة، وينأى عن الإثم([98]):
وأُوصـــي الفتــى بابتناء العَـلا ءِ: أَلاّ يـخــونَ ولا يَـأْثَــمـــا
ويَلْبَـسَ لـلـدّهــرِ أَجْــلالَــهُ فـلــن يـبـنـيَ النّاسُ ما هدّمــا
وأَوْصى ابنه بألاّ يطلق لعواطفه العنان، فلا يغرق في الحبّ أو الكره، وإنّما يجب أن يعتدل في ذلك، لأنّ الزّمان قد يدور، فينقلب الصّديق عدوّا، وقد ينقلب العدوّ صديقا، فخاطب ابنه قائلاً([99]):
وَاحْـبِـبْ حـبيبَـكَ حُبّـا رويــدا لئـلا يعـولَـكَ أنْ تَصْــرِمـــا
وَابْغُـضْ بغيضَـكَ بُغْضـا رويــدا إذا أنـــت حاولــتَ أن تحكُمــا
وكان الحفاظ على الأمانة من أهمّ القيم السّلوكية التي حرص نُفَيْلُ بْنُ مرّةَ العبديّ على تعزيزها في نفس ابنه، فحثّه على التمسّك بقيم الوفاء([100]):
بُنَيَّ استمـعْ منّـي هُديـتَ وصاتيـا ولا تَـكُ عَنْهـا مُـدّة الدّهر ساهيــا
إذا ما امــرؤ أَهـدى إليـك أمانـةً فـأوْفِ بهـا إنْ مـتَّ سُمّيِـتَ وافيـا
ويرسل قيس بن مسعود الشّيبانيّ وصايا لأَبنائه – وهو في السّجن يحثّهم فيها على الصّلح([101]):
ليُذكَرَ معـروفٌ ويُدْحــضَ جاهــلُ وأُوصيهُـمُ بالله والصّلــح بينَهــم
على الدّهرِ والأيــامِ وهــي غوائـلُ وصاةَ امرئ لو كان فيهــم أَعانَهُـمْ
ويوصي العُدَيْل بن الفرخ قبائل ربيعة ومُضَرَ، بالكفّ عن القتال بينهم بعد أن ذكَر ما جرّتْهُ الحروب عليهم من ويلات،
ويحثّهم على التواصل والتّعاضد، ويحذّرهم من التقاطع والتّدابر، لأنّ ذلك يؤدّي إلى ضعفهم واجتراء الخصم عليهم.
ويذكّرهم بما في صلة الرحم من الأجر، وبما في قطيعته من الإثم، وخاطبهم قائلاً([102]):
فأوصيكما يا ابنَيْ نزار فتابِعا وصيّة مُفضي النُّصْح والصّدْقِ والوُدِّ
فلا تعلمنّ الحربَ في الهام هامتي ولا ترميا بالنبل ويحكما بعدي
أما ترهبان النارَ في ابني أبيكما ولا ترجوان الله في جنّة الخلدِ
ويوصي عبد المطلب ابنه زُبيرا بالمحافظة على حلف خزاعة، لمحافظتهم عليه، ويحثّ ابنه على الابتعاد عن الظّلم والغدر([103]):
سأُوصي زُبَيْـرا إنْ توافـتْ منيّتـي بإمساك ما بيني وبين بنـي عمــرو
وأن يحفظ الحلفَ الـذي بيـنَ شيخـه ولا يَـلْحَـدَنْ فيـه بظلـم ولا غـدرِ
هُمُ حفظـــوا الإلَّ القديـمَ وحالفـوا أبــاكَ فكانـوا دون قومك من فِهْـرِ
وفي مجال العلاقات الإنسانية يوجّه الأضبط بن قريع ابنه إلى صياغة علاقاته بأبناء مجتمعه على مبدأ المعاملة بالمثل،
فيصل حبال الوُدّ للبعيد، إنْ وَصَلَها، ويقطع حبال الودّ مع القريب، إن قطعها، ويحثه على القناعة في العيش([104]):
وَصِلْ وصالَ البعيد ما وَصَلَ الـ ـحَبْلَ وأَقْصِ القريبَ إنْ قَطَعَهْ
واقْبَلْ من الدّهر ما أتاك به مَنْ قرّ عَيْنا بعيشه نَفَعَهْ
ويزهو هبيرة بن عمرو بن جرثومة النّهدي بما كان أبوه قد أوصى به أبناءه،
وكان قد أوصاهم بأن يدافعوا عن ديارهم، حتى لا تستباح، وأن يظلّوا مستعدّين للقتال،
فإنْ أوقدتْ نار الحرب كانوا شهابها، إذْ لا يذود عن النّاس إلاّ سيوفهم ورماحهم([105]):
وأَوصى أَبونا فاتّبعنا وصاتَهُ وكلّ امرئ موصٍ أبوه وذاهبُ
إذا أوقدتْ نارُ العدوّ فلا يَزَلْ وحامُوا كما كنّا عليها نضاربُ
يفرّجُ عن أبنائنا ونسائنا شهابٌ لكم تُرْمى به الحربُ ثاقبُ
وما ذادَ عنّا النّاسَ إلاّ سيوفُنا وخطيّةٌ ممّا يترّص زاعبُ
ويحرص النهديون على تعزيز هذه القيم النبيلة في نفوس أبنائهم،
فنرى عمرو بن مرّة ابن مالك النّهدي يشدو بما أوصاه به زؤيّ بن مالك، الذي كان قد أوصاهم بألاّ تستباح ديارهم، وعليهم أن يدافعوا عنها، ويغالوا بأخذ المكرمات([106]):
بذلك أوصاني زُؤيّ بن مالكٍ ونَهْدُ بن زيدٍ في الخطوبِ الأوائلِ
وأوصى بألاّ تُستباح دياركم وحاموا عليها تنطقوا في المحافلِ
وغالوا بأخذ المكرماتِ فإنّها تفوز غداةَ السّبق عند التفاضلِ
ويُظهر يزيد بن الحكم الثقفي حرصاً شديداً على إعداد ابنه بدر إعداداً نفسيّاً ووجدانياً،
فيضع بين يديه منظومة متكاملة من القيم السّلوكية، ضمّنها خلاصة تجاربه في الحياة. فيأمر ابنه بدراً بأن يحافظ على الصّديق،
وأن يرعى حقّ الجار، وأن يحسن إلى الضيف، لأنّه سوف يحمد أو يلوم([107]):
يا بدرُ والأَمثالُ يَضْـ ـربُها لذي اللُبّ الحكيمُ
دُمْ للخليل بودّه ما خَيْرُ وُدّ لا يدومُ
واعرفْ لجارك حقّه والحقّ يعرفه الكريمُ
وَاعْلَمْ بأنّ الضَّيْفَ يَوْ ما سوفَ يَحْمَدُ أَو يلومُ
والنّاس مبتنيان محـ ـمودُ البناية أو ذميمُ
ويدعوه إلى الانتفاع بما يعلم، والتدبّر في عواقب الأمور، وتقديرها تقديراً سليماً قبل الشّروع فيها:
واعْلَمْ بُنَيَّ فإنّه بالعلم ينتفعُ العليمُ
أن الأُمورَ دقيقُها ممّا يهيجُ له العظيمُ
ويحذّره من البغي والظّلم:
والبغيُ يصرع أهلَهُ والظّلْمُ مرتعُهُ وخيمُ
ويصوغ له خلاصة رؤيته للعلاقات الإنسانية:
ولقد يكونُ لَكَ الغريـ ـبُ أَخا ويقطعُكَ الحميمُ
ويرسم له سياسة مالية، يدعوه فيها إلى ادّخار المال مع حسن التدبير، لأن كرامة المرء متسببّة عن غناه:
والمرء يُكْرَمُ للغنى ويُهانُ للعَدَمِ العَديمُ
قد يُقْترُ الحَوِلُ التّقـ ـيُّ ويُكثر الحمِقُ الأثيمُ
يُمْلى لذاك ويُبتلى هذا فأيّهما المضيمُ
ويحثه على النهوض بالحقوق والبعد عن البخل، واستمداد العبرة والموعظة من التاريخ، لأنّ مَنْ مضى قبله من الأمم بادَ وهلَكَ، والكلّ صائر إلى الزّوال:
والمرء يبخل في الحقو قِ وللكلالةِ ما يُسيمُ
ما بُخْلُ مَنْ هو للمنو نِ ورَيْبها غَرَضٌ رجيمُ
ويرى القرون أمامَهُ همدوا كما هَمَدَ الهشيمُ
ويخرّبُ الدّنيا فلا بُؤْسٌ يدومُ ولا نعيمُ
كلّ امرئ سَتئيمُ مِنْـ ـهُ العِرْسُ أو منها يئيمُ
ما علْمُ ذي وَلَدٍ أَيَثْـ ـكلُهُ أم الولدُ اليتيمُ
موقف الأبناء من وصايا الآباء:
كان الأبناء يتلقَّوْن هذه الوصايا باعتزاز كبير، ويُصْغون إلى آبائهم، وهم يعزفون لهم هذه الألحان، فتلقّفوها سُنَنا لا يحيدون عنها، وحفظوها كأنّها أَناشيد قوميّة،
قال أَدْهَمُ بْنُ حازم، أحد شعراء ضبّةَ يهجو بني عامر ويزهو بمعاملة الأسرى معاملة إنسانية كريمة، استجابة لوصايا أبيه التي افتخر باحترامها([108]):
فَما نَسْلُبُ القتلـى كمـا قَـدْ فَعَلْتُــم ولا نمنـع الأَسْرى من الأَكْلِ والشُّرْبِ
وسَلْـبُ ثيـابِ الميْـتِ عـارٌ وذِلّـةٌ ومَنْـعُ الأسيرِ الزّادَ من أَقْبَـحِ السَـبِّ
بذلك أَوْصانــا أبونـا ولـم نكُــنْ لِنَتْرُكَ ما وصّاهُ في الخِصْبِ والجـدْبِ
وقال أَوْسٌ العَبْدِيُّ يمدح مالِكَ بْنَ فَهْمٍ، ويبيّن حفظ أبنائه ما أَوْصاهُمْ به([109]):
كــان فَهْـمٌ أوصـى بنيه وصــاةً حـفـظـوهـا وكان فيهـم مُصيبـا
وكان زهير بن أبي سُلْمى، كما مرّ معنا، قد أوصى ابنه كعبا بأن يكرّس وقته لخدمة العشيرة، وأَنْ يدافع عنها، وأنْ يجعل علاقته بقومه قائمة على المودّة، فتقع هذه الوصايا في قلب هذا الفتى، ويحفظها، ويعمل بها([110]):
ولقد حفظتُ وصاةَ مَنْ هــو ناصـح لـي عـالـمٌ بـمـآقـط الخُــلاّنِ
ونرى حسان بن ثابت وأبناءه يرحّبون بما أوصى به جدُّهم مالكٌ،
وكان قد أوصاهم بأن يدافعوا عن أعراضهم بسيوفهم وأموالهم، فيهتف مرحّبا بما أَمر([111]):
أَوصى أبونــا مالـكٌ بوصـاتــه عَمْـراً وعَـوْنـا إذْ تـجهّـز غاديـا
بـأن اجعلـوا أموالكـم وسيـوفكـم لأعـراضكــم مـا سلّـم الله واقيـا
فقلْنـا لـه إذ قـال مـا قال: مرحبـا أَمَرْتَ بمعــروف وأَوْصَيْـتَ كافيـا
ويزهو طرفة بن العبد البكري بما فيه من قيم نفسيّة، تلقّاها أوامرَ من أبيه، فعمل بمقتضاها وأمضاها([112]):
قَدَ امْضَيْتُ هذا من وصيّـة عَبْــدَلٍ ومثلُ الذي أوصى به عَبْدَلٌ أُمضــي
وبَعْدُ:
فالوصيّة هي خلاصة حياة المرء، وآخِرُ ما يقدّمه إلى أَبنائه أو أبناء مجتمعه في حياته أو نهايتها، بعد أن اختبر الحياة بكلّ ما فيها من حلوٍ ومُرّ.
فأوصاه بإعزاز الجار، وحماية الضعيف، وإعانة الملهوف، وقرى الضّيف، وغير ذلك من القيم الإنسانية والنفسيّة، التي تصنع من الأبناء رجالاً أفذاذا.
ويَلفتُ نظرَ الدارسِ لهذه الوصايا أَنّه لم يَجِدْ أحداً من الموصين أوصى ابنه بالعكوف على عبادة الأوثان والأصنام،
كما لم يَجِدْ أحداً أوصى ابنه بوأد البنات، ولا بشرب الخمرة، ممّا يدل على أنّها كانت عاداتٍ مكروهةً عند عقلاء المجتمع ومفكّريه([113]).
وجاء الإسلام فأقرّ الوصيّة بعد أن أضاف إليها التّركة، وكيفيّة قسمتها، بَعْدَ إيفاء الدَّيْن، وإعطاء ذي القُرْبى منها وتبرئة ذِمّة صاحبها، وأُلزم الموصى له بتنفيذها وعدم تبديل شيء منها، فقال جَلّ من قائل([114]):
{كُتبَ عليكم إذا حضَرَ أحدَكُمُ الموتُ إنْ تركَ خَـيْـرا الوصيّةُ للوالدين والأقربـيـن بالمعروف حقّا على الـمتّـقيـن} وقال جَلْ وعلا([115]): {من بعد وصيّة توصون بها أو دَ يْـن}.
هوامــش البحــث:
([1]) الحاوي، إيليّا: في النّقد والأدب، 1/90.
([2]) ديوان حسان بن ثابت، ص271-272.
([3]) دعبيس، سعد: قراءة متعاطفة مع الشّعر الجاهلي، ص172.
([4]) الجندي، درويش: ظاهرة التكسّب وأثرها في الشّعر العربي ونقده، ص9.
([5]) الرّاوي، مصعب: الشّعر العربي قبل الإسلام بين الانتماء القبلي والحسّ القومي، ص23.
([6]) القيرواني، أبو علي الحسن بن رشيق: العمدة في محاسن الشّعر وآدابه ونقده، 1/10.
([7]) العلوي، المظفّر بن الفضل: نضرة الإغريض في نصرة القريض، ص356.
([8]) الأصفهاني، أبو الفرج: الأغاني، 3/99-100.
([9]) الضبّي، أبو عكرمة المفضّل بن محمد بن يعلى: المفضليّات، ق116، ص384-385.
([10]) المصدر نفسه: ق123، ص409-410.
([11]) العسكري، أبو هلال: ديوان المعاني، 1/149.
([12]) ابن حجر العسقلاني، أبو الفضل أحمد بن علي: الإصابة في تمييز الصّحابة، 2/183.
([13]) المفضليّات: ق27، ص145-147.
([14]) المصدر نفسه، ص385 (الهامش).
([15]) الغندجاني، أبو محمد الأَعرابي: فرحة الأَديب، ص62.
([16]) البكري، عبد الله بن عبد العزيز: فَصْل المقال في شرح كتاب الأمثال، ص241.
([17]) ديوان الأعشى الكبير ميمون بن قيس، ق62، ص359.
([18]) المصدر نفسه، ق14، ص163.
([19]) القالي، أبو عليّ إسماعيل بن القاسم: كتاب ذيل الأمالي والنّوادر، ص21.
([20]) المصدر نفسه، ص22.
([21]) ابن هشام: أبو محمد عبد الله: سيرة النّبي صلّى الله عليه وسلّم، 1/222.
([22]) المصدر نفسه، 2/156.
([23]) ابن عبد البَرّ، أبو عمر يوسف بن عبد الله: الاستيعاب في معرفة الأصحاب، 4/1736.
([24]) يعقوب، عبد الكريم: أَشعار العامريّين الجاهليّين، ص27.
([25]) المفضليّات، ق116، ص384.
([26]) المصدر نفسه، ق27، ص146.
([27]) البحتري، أبو عبادة الوليد بن عُبَيْد: حماسة البحتري، ص160.
([28]) ابن أَبي الصَلْت، أُميّة: ديوان أُميّة بن أبي الصّلْت، ص63.
([29]) ابن هشام: سيرة النبي صلى الله عليه وسلم، 1/21-22.
([30]) ديوان عبيد بن الأبرص، ص55.
([31]) الآلوسي، محمود شكري: بلوغ الأرب في معرفة أحوال العرب، 2/309.
([32]) العتوم، علي: قضايا الشعر الجاهلي، ص438.
([33]) البغدادي، أبو جعفر محمد بن حبيب: المحبّر، ص323.
([34]) الشّهرستاني، أبو الفتح محمد عبد الكريم بن أبي بكر: المِلَل والنِّحَل، 3/89.
([35]) الآلوسي، محمود شكري: بلوغ الأرب في معرفة أحوال العرب، 2/309.
([36]) علي، جواد: المفصّل في تاريخ العرب قبل الإسلام، 6/130.
([37]) الآلوسي؛ محمود شكري: بلوغ الأرب في معرفة أحوال العرب، 2/309 فوّز الرّجل: مات. الصّوى: الأعلام من الحجارة، الواحدة صّوة.
([38]) الدّسوقي، عمر: الفتوّة عند العرب، ص60.
([39]) أبو تمّام، حبيب بن أوس: ديوان الحماسة، 4/1635-1636.
الحميت: زقّ السّمن. الجدجد: دويبة تشبه الجراد. والمعنى احفظ السمن في الزقّ للأضياف والطارقين.
([40]) ديوان الأسود بن يعفر، ص45.
أبو تيحان هو ابن بَلْج بن جرول بن نهشل، كان بينه وبين الأسود بن يعفر، مهاجاة. الديوان: 44.
([41]) المفضليّات، ق116، ص384.
([42]) المفضليّات، ق123، ص410.
الكور: كور الرّحل، وهو خشبته وأدواته، يقول: احفظ جارك وضيفك في الوقت الذي لا يحفظ فيه جار، ولا يقرى ضيف، لشدّة الزمان، فيرمي بأكوارهم وراء البيت.
الأشعث: اليابس، وأصله من جفوف الشّعر، لفقد الدهن.
جرّفته: أَذهبتْ ماله. العوان: التي ليست بأوّل، يعني مصيبة نزلتْ به مرّة بعد مرّة. لا ينهنهها: لا يردّها، الفتور: السكون. يسير: يسير قوله في النّاس.
([43]) المصدر نفسه، ق127، ص430.
حبا: دنا واعترض. من دونها: من دون الإبل. عالج: رمل بين الشّأم والكوفة. الكَسْع: أن يضع على ضرعها الماء البارد ليرتفع اللبن، لتسمن الإبل. الشّول: الإبل التي شوّلتْ ألبانها، أي ارتفعت. الغبر: بقية اللبن في الضّرع. النّاتج: الذي يلي نتاج الإبل وغيرها.
الوالج: الذي يلج في ظهورها من اللّبن.
تاح: عرض. خالج: موت يخلجه، يذهب به. الترّقيح: إصلاح المال. يعيث: يفسد. الهمج: البعوض.
([44]) زناتي، محمود سلام: نُظُم العرب قبل الإسلام، ص113.
([45]) الحموي، الشيخ الإمام شهاب الدين أبو عبد الله ياقوت: معجم البلدان، مادّة “أُجَيْرَة”، 1/106.
([46]) السّمرة، محمود وآخرون: الأدب العربي من العصر الجاهلي حتى نهاية العصر العباسي، ص411.
([47]) السّجستاني، أبو حاتم: المعمَّرون والوصايا، ص38.
([48]) ديوان الأعشى الكبير، ميمون بن قيس، ق66، ص381.
([49]) المصدر نفسه، ق17، ص187.
([50]) المصدر نفسه، ق66، ص381.
([51]) العامري، لبيد بن ربيعة: شرح ديوان لبيد بن ربيعة العامري، ص324-326.
([52]) أبو عبيدة؛ معمر بن المثنى: كتاب النقائض، نقائض جرير والفرزدق، 2/654.
([53]) جاد المولى؛ محمد أحمد: أيام العرب في الجاهلية، 23.
([54]) المرجع نفسه: 25.
([55]) الأصفهاني؛ أبو الفرج: الأغاني، 9/57.
([56]) عبد الجابر؛ سعود: شعر الزبرقان بن بدر وعمرو بن الأهتم، 98.
([57]) “شعر زهير بن أبي سلمى، 140.
([58]) أنظر في ذلك:
ديوان دريد بن الصمّة الجشمي، 97.
ديوان الحماسة، شرح التبريزي، 1/114.
فقد رسم عديّ بن يزيد السكوني لوحة آسرة، تخلب اللبّ، صوّر فيها رعاية بني شيبان للجار، واهتمامهم به، ومراعاة حالته النفسية …
ديوان بشر بن أبي خازم الأسدي، 148-149.
فقد صوّر بشر بن أبي خازم جار أوس بن حارثة الطائي أكثر أمنا من وعل متحصّن في رؤوس الجبال.
ديوان الحطيئة، 201-202.
([59]) – القالي، أبو علي اسماعيل بن القاسم: كتاب الأمالي، 2/98.
ديوان الطفيل الغنوي: 98
يدعو الطّفيل الغنوي الله أن يجزي بني جعفر خير الجزاء لوقوفهم إلى جانب الغنويين، حين زلجت أقدامهم، فرحّبوا بمقدمهم، وأحسنوا وفادتهم، وأكرموا مثواهم، وأسكنوهم في حجرات، أدفأتهم شتاءً، وأظلّتهم صيفاً، وخلطوهم بالنفوس، وساووهم بساداتهم، فانعقدت بينهم الألفة، وازدادت المحبة، وتحمّلوهم فترة إقامتهم بين ظهرانيهم، ولو أنّ أُمّهم لاقت في سبيل ذلك ما لاقاه بنو جعفر لملّت إقامتهم، ولسئمت مكثهم …
([60]) سورة النّساء، آية 36.
([61]) ابن هشام: سيرة النّبي صلى الله عليه وسلم، 1/391.
([62]) المصدر نفسه، 1/391.
([63]) المصدر نفسه، 1/406.
([64]) سورة التّوبة، آية 6.
([65]) الإمام النووي الدمشقي، أبو زكريّا يحيى بن شرف: رياض الصّالحين، ص152.
([66]) المصدر نفسه، ص153.
([67]) المفضليّات، ق27، ص146-147.
([68]) الجاحظ، أبو عثمان عمرو بن بحر: الحيوان، 4/167.
([69]) ديوان كعب بن زهير، ص188.
([70]) نجمة سعيد زايد: حركة الشّعر في قبيلة طيء في العصر الجاهلي، ص124.
([71]) المرجع نفسه، ص124.
([72]) ديوان عدي بن زيد العبادي، ص105.
فاكَهْتَ: ما زحتَ. لا تَلَعْ: لا يَجزع، ولا تضجر. تزنّد: ضاق بالجواب، ورجل مزنّد: سريع الغضب.
([73]) المصدر نفسه، ص107.
([74]) المصدر نفسه، ص107.
([75]) السّجستاني، أبو حاتم: المعمّرون والوصايا، ص122.
([76]) ديوان الحماسة، شرح المرزوقي، 3/1119.
([77]) ابن هشام: سيرة النبي صلى الله عليه وسلم، 2/156.
([78]) ديوان الأعشى الكبير، ميمون بن قيس، ق66، ص379.
([79]) المصدر نفسه، ق66، ص381.
([80]) ديوان كعب بن زهير، ص209.
([81]) الجادر، محمود عبد الله: شعر أَوس بن حجر ورواته الجاهليّين دراسة تحليليّة، ص468.
([82]) الأصفهاني، أبو الفرج: الأَغاني، 14/82.
([83]) المفضليّات، ق116، ص385.
([84]) المصدر نفسه.
([85]) المصدر نفسه.
([86]) الأصفهاني، أبو الفرج: الأغاني، 3/100.
([87]) أَمين، أَحمد: كتاب الأخلاق، ص73.
([88]) الأصفهاني، أبو الفرج: الأغاني، 3/100.
الثّميلا: السُمّ الناقع. الفضول: جمع فضل.
([89]) الأصفهاني، أبو الفرج: الأَغاني، 3/100.
([90]) المصدر نفسه، 3/100.
([91]) المصدر نفسه، 3/101.
القَرْم: من الفحول الذي يترك من الركوب والعمل ويودع للضّراب. والقَرْم من الرّجال: السيّد المعظمّ، والجمع قُروم. خطر في مشيته: اهتزّ، وتبختر، وخطر بذنبه: رفعه مرة وخفضه أخرى. تخاطرت الفحول بأذنابها: حركتها للتّصاول. الخصيل: الذّنب. هصر فلان الشيء: كسره. وهصر الحيوانُ رأس الفريسة: افترسها. التّليل: العنق، والجمع تُلُل وتلائُل. الفادحة: النازلة.
([92]) المصدر نفسه، 3/101.
شحط: بعد. الزّميل: الرّفيق في العمل أو السفر.
([93]) ديوان حسّان بن ثابت، ص278.
([94]) المفضليّات، ق123، ص409.
([95]) العسكري، أبو هلال: كتاب جمهرة الأمثال، 1/71.
([96]) الأصفهاني، أبو الفرج: الأغاني، 14/82.
([97]) العسكري، أبو هلال: ديوان المعاني، 1/149.
([98]) الأخفش الأصغر: كتاب الاختيارين، ص277.
([99]) المصدر نفسه: ص277-278.
([100]) البحتري، أبو عبادة الوليد بن عبيد: حماسة البحتري، ص103.
([101]) الأندلسي، ابن سعيد: نشوة الطّرب في تاريخ جاهليّة العرب، 2/608.
([102]) شرح ديوان الحماسة، 2/737-738.
([103]) ديوان حسّان بن ثابت، ص79.
([104]) السّجستاني؛ أبو حاتم: المعمرّون والوصايا، 132.
([105])البكري؛ عبد الله بن عبد العزيز: معجم ما استعجم من أسماء البلاد والمواضع، 1/33.
يترّص: يسوّي
([106])المصدر نفسه: 1/33-34.
([107]) ديوان الحماسة، شرح المرزوقي: 3/1190 وما بعدها.
([108]) ناجي، حمدي محمود: حركة الشّعر في قبيلة ضبّة في الجاهليّة وصدر الإسلام، ص106.
([109]) السّمرة، محمود وآخرون: الأدب العربي من العصر الجاهلي حتى نهاية العصر العباسي، ص414.
([110]) ديوان كعب بن زهير، ص68.
([111]) ديوان حسّان بن ثابت، ص282.
([112]) البكري، طرفة بن العبد: ديوان طرفة بن العبد، ص170.
([113]) حرّم كثير من عقلاء المجتمع الجاهلي الخمرة على أنفسهم، أنظر:
المحبر: 237-240. والأمالي 1/204-205.
([114]) سورة البقرة، آية 180.
([115]) سورة النّساء، آية 11.
مصـادر البحث ومراجعـه:
- القرآن الكريم.
- الآلوسي، محمود شكري: “بلوغ الأَرب في معرفة أَحوال العرب”، شَرْح وضَبْط محمّد بهجة الأَثري، الطبعة الثانية، دار الكتب العلميّة، د.ت.
- ابن الأَبرص، عَبيد: “ديوان عَبيد بن الأَبرص”، دار صادر، بيروت، د.ت.
- الأخفش الأَصغر: “كتاب الاختيارين”، تحقيق د. فخر الدين قباوة، الطّبعة الثّانية، مؤسّسة الرّسالة، بيروت، (1984).
- الأَصفهاني، أَبو الفرج: “الأَغاني”، تحقيق أحمد زكي صفوت، القاهرة، دار الكتب المصريّة، نشرت أجزاؤه (1938-1958).
- الأَعشى الكبير، ميمون بن قيس: “ديوان الأَعشى الكبير ميمون بن قيس”، شرح وتعليق د. محمد محمد حسين، دار النهضة العربية للطباعة والنشر، بيروت، (1972).
- أَمين، أَحمد: “كتاب الأخلاق”، الطّبعة الرابعة، دار الكتب المصريّة، القاهرة، (1933).
- الأَندلسي، ابن سعيد: “نشوة الطّرب في تاريخ جاهليّة العرب”، تحقيق نصرت عبد الرّحمن، مكتبة الأَقصى، عمّان – الأردن، (1982).
- البحتري، أبو عبادة الوليد بن عبيد: “حماسة البحتري”، دار إِحياء الكتاب العربي، بيروت، (1967).
- البغدادي، أبو جعفر محمد بن حبيب: “المحبّر”، رواية أبي سعيد السكّري، وقد اعتنى بتصحيح هذا الكتاب الدكتوره إيلزه ليختن شتيتر، منشورات دار الآفاق الجديدة، بيروت، د.ت.
- البكري، طرفة بن العبد: “ديوان طرفة بن العبد”، شَرْح الأَعْلَم الشَّنْتَمرَيّ، تحقيق دريّة الخطيب ولطفي الصقّال، مطبوعات مجمع اللغة العربية بدمشق، مطبعة دار الكتاب، (1975).
- البكري، عبد الله بن عبد العزيز: “فصل المقال في شرح كتاب الأمثال”، تحقيق د. إحسان عبّاس، مؤسّسة الرّسالة، (1981).
- معجم ما استعجم من أسماء البلاد والمواضع، حقّقه وضبطه مصطفى السقّا، عالم الكتب، بيروت، ط 3، 1983.
- ابن ثابت، حسّان: “ديوان حسّان بن ثابت”، تحقيق د. سيّد حنفي حسنين، دار المعارف بمصر، د.ت.
- الجاحظ، أبو عثمان عمرو بن بحر: “الحيوان”، تحقيق عبد السّلام محمد هارون، الطّبعة الثّالثة، دار الكتاب العربي، بيروت، (1969).
- الجادر، محمود عبد الله: “شعر أوس بن حجر ورواته الجاهليّين دراسة تحليلية”، دار الرّسالة للطّباعة، بغداد، (1979).
- الجندي، درويش: “ظاهرة التكسّب وأَثرها في الشّعر العربي ونقده”، دار نهضة مصر للطباعة والنّشر، الفجالة – القاهرة، (1970).
- الحاوي، إيليّا: “في النّقد والأدب”، دار الكتاب اللبناني، بيروت، (1979).
- ابن حجر العسقلاني، أبو الفضل أَحمد بن عليّ: “الإِصابة في تمييز الصّحابة”، تحقيق محمد علي البجّاوي، بيروت، الطبعة الأولى، (1962).
- الحطيئة: ديوان الحطيئة، رواية ابن حبيب، شرح أبي سعيد السكري، دار صادر، بيروت، د.ت.
- الحموي، الشيخ الإِمام شهاب الدين أبو عبد الله ياقوت: “معجم البلدان”، تحقيق فريد عبد العزيز الجندي، الطبعة الأُولى، دار الكتب العلميّة، بيروت – لبنان، (1990).
- الدّسوقي، عمر: “الفُتُوّة عند العرب”، لجنة البيان العربي، القاهرة، (1951).
- ابن أبي خازم، بشر: ديوان بشر بن أبي خازم الأسدي، عُني بتحقيقه د.عزة حسن، دمشق، 1960.
- دعبيس، سعد: “قراءة متعاطفة مع الشّعر الجاهلي”، الطّبعة الأولى، الصّدر لخدمات الطّباعة، مدينة نصر، (1989).
- الرّاوي، مصعب: “الشّعر العربي قبل الإسلام بين الانتماء القبلي والحسّ القومي”، الطّبعة الأُولى، (1989).
- زايد، نجمة سعيد: “حركة الشّعر في قبيلة طَيّء في العصر الجاهلي”، رسالة ماجستير، الجامعة الأردنية، (1976).
- زناتي، محمود سلام: “نُظُم العرب قبل الإسلام”، د.م، (1992).
- ابن زهير، كعب: “ديوان كعب بن زهير”، صنعة الإمام أبي سعيد الحسن بن الحسين السكّري، قدّم له ووضع هوامشه وفهارسه د. حنّا نصر الحتّي، الطبعة الثانية، دار الكتاب العربي، (1996).
- السّجستاني، أَبو حاتم: “المعمَّرون والوصايا”، تحقيق عبد المنعم عامر، دار إِحياء الكتب العربية، القاهرة، (1961).
- ابن أبي سُلمى، زهير: شعر زهير بن أبي سملى، صنعة الأعلم الشنتمري، تحقيق د.فخر الدين قباوة، ط1، دار الكتب العلمية، بيروت- لبنان، 1992.
- السّمرة، محمود وآخرون: “الأدب العربي من العصر الجاهلي حتّى نهاية العصر العبّاسي”، الطبعة الثّانية، سلطنة عُمان، وزارة التّربية والتّعليم والشّباب، (1990).
- ابن أَبي الصّلْت، أُميّة: “ديوان أُميّة بن أَبي الصّلْت”، جمعه ووقف على طبعه بشير يموت، الطبعة الأُولى، المكتبة الأهليّة، بيروت، (1934).
- ابن الصمّة الجشمي؛ دريد: ديوان دريد بن الصمة الجشمي، جمع وتحقيق محمد خير البقاعي، دار قتيبة، 1981.
- الشّهرستاني، أبو الفتح محمد عبد الكريم بن أبي بكر، “المِلَل والنِّحَل”، تحقيق عبد العزيز محمد الوكيل، القاهرة، مؤسّسة الحلبي وشركاه للنّشر والتّوزيع، د. ت.
- الضبّي، أبو عكرمة المفضّل بن محمد بن يعلى: “المفضليّات”، تحقيق وشرح أحمد محمد شاكر وعبد السّلام محمّد هارون، الطّبعة الثامنة، دار المعارف بمصر.
- العامري، لبيد بن ربيعة: “شرح ديوان لبيد بن ربيعة العامري”، حقّقه وقدّم له د. إِحسان عبّاس، الكويت، (1960).
- العبادي، عديّ بن زيد: “ديوان عدي بن زيد العبادي”، تحقيق وجمع محمد جبّار المعيبد، شركة دار الجمهورية للنّشر والطّبع، بغداد، (1965).
- ابن عبد البَرّ، أبو عمرو يوسف بن عبد الله: “الاستيعاب في معرفة الأَصحاب”، تحقيق علي محمد البجّاوي، مكتبة نهضة مصر، القاهرة، د.ت.
- عبد الجابر؛ سعود: شعر الزبرقان بن بدر وعمرو بن الأهتم، دراسة وتحقيق، بيروت، مؤسسة الرسالة، 1984.
- أبو عبيدة؛ معمر بن المثنى: كتاب النّقائض نقائض جرير والفرزدق، ليدن، 1905، طبعة مصوّرة بالأوفست.
- العسكري، أبو هلال: “ديوان المعاني”، شرحه وضبط نصّه أحمد حسن بسج، دار الكتب العلمية، بيروت – لبنان، (1994).
- “كتاب جمهرة الأمثال”، حقّقه وعلّق حواشيه ووضع فهارسه محمد أبو الفضل إبراهيم وعبد المجيد قطامش، الطّبعة الثانية، دار الجيل، بيروت، (1998).
- العلوي، المظفّر بن الفضل: “نضرة الإغريض في نصرة القريض”، تحقيق د. نهى عارف الحسن، دمشق، (1976).
- علي، جواد: “المفصّل في تاريخ العرب قبل الإسلام”، الطّبعة التّاسعة، دار العلم للملايين، بيروت، (1976).
- الغندجاني، أبو محمد الأَعرابي، “فرحة الأديب”، تحقيق محمد علي سلطاني، دار قتيبة، د.ت.
- القالي، أبو علي إسماعيل بن القاسم: “كتاب ذيل الأَمالي والنّوادر”، دار الآفاق الجديدة، بيروت، د.ت.
– كتاب الأمالي، دار الفكر، بيروت، د.ت.
- القيراوني، أبوعلي الحسن بن رشيق: “العمدة في محاسن الشّعر وآدابه ونقده”، تحقيق محمد محيي الدين عبد الحميد، القاهرة، (1956).
- جاد المولى؛ محمد أحمد: أيّام العرب في الجاهلية، مطبعة عيسى الحلبي، مصر، د.ت.
- الميداني، أبو الفضل أَحمد بن محمد بن إبراهيم النيسابوري: “مجمع الأَمثال”، حقّقه وفصّله وضبط غرائبه وعلّق حواشيه محمد محيي الدين عبد الحميد، دار المعرفة، بيروت، د.ت.
- ناجي، حمدي محمود: “حركة الشّعر في قبيلة ضبّة في الجاهلية وصدر الإسلام”، رسالة دكتوراه، الجامعة الأردنية، (1990).
- الإمام النّووي الدّمشقي، أبو زكريّا يحيى بن شرف: “رياض الصّالحين”، حقّقه وخرّج أحاديثه عبد العزيز رباح وأحمد يوسف الدقّاق، راجعه الشيخ سعيد الأرناؤوط، دار المأمون للتّراث، طبعة ثانية منقّحة، دمشق، د.ت.
- ابن هشام، أَبو محمد عبد الله: “سيرة النبي r”، راجع أُصولها وضبط غريبها، وعلّق حواشيها، ووضع فهارسها المرحوم الشيخ محمّد محيي الدين عبد الحميد، دار الفكر للطباعة والتوزيع، د.ت.
- ابن يعفر، الأسود: “ديوان الأسود بن يعفر”، صنعة نوري حمّودي القيسي، وزارة الثقافة والإعلام، بغداد، (1970).
- يعقوب، عبد الكريم: “أشعار العامريّين الجاهليّين”، الطّبعة الأُولى، دار الحوار، سوريا – اللاّذقية، (1982).
تعليقك يثري الموضوع