كيف يتم التأثير على عقول الجماهير؟
في كتاب “معركة السطوة” الذي سيصدر قريبا عن دار الماهر للنشر لمؤلفه صلاح الدين حفافصة يتطرق للحديث على الاستراتيجيات والأساليب التي تقوم بها الدول والهيئات أو بالأحرى “القوى المؤثرة” كما يصفها المؤلف،
يحوي الكتاب على عشرة فصول تدور حول فهم كيفية التلاعب بعقول الجماهير وكشف الحيل المستخدمة في ذلك، سنحاول عرض قراءة للكتاب بشكل مختصر نتقصّى خلالها الأفكار التي يعرضها.
كيف تفكر الجماهير؟
االجماهير تتعرض لوابل من الأفكار والتيارات التي تتسلط عليها وتؤثر في تشكيل وعيها خلال فترات طويلة من الزمن، والتي تندرج ضمن العقل اللاواعي لتلك الجماهير بعد مرورها بمراحل سنذكرها فيما بعد حتى تصبح تلك الأفكار قناعات ومسلّمات تضحّي الجماهير في سبيلها، وهذا ما يجعلها في كثير من الأحيان تقوم بأمور خطيرة أو غير متوقعة ومتقلبة نتيجة الحماس المفرط واللالتزام اتجاه القانون.
لقد لعبت الجماهير دورا مهما في تغيير عجلة التاريخ، وهي اليوم تلعب دورا أكثر أهمية، بسبب تعدد وتعقّد المحرّضات الممارسة عليها، ومعرفتنا لطبيعة الضمير الجمعي والعقل اللاواعي عندها يعتبر أحد مفاتيح السيطرة على تلك الجماهير وفق استراتيجيات مضبوطة تراعي الحالة المتطورة الآنية وتغيّر الزمان وعقليات الناس.
الحرب النفسية
يمكننا القول أنّ الحرب النفسية هي “حرب العصر”، حيث أنها حرب تغيير السلوكات والقناعات وميدانها الشعوب والأفراد مدنيين كانوا أم عسكريين،
وهي من أخطر الأسلحة لأنها تقوم على اضعاف معنويات الخصم وتحطيم ارادته وهنا مكمن قوتها،
اضافة لذلك فقد أصبح من الصعب على الدول –حتى العظمى منها- تحمل تكاليف الحرب العسكرية المباشرة التي تستنزف طاقاتها المالية والاقتصادية بشكل هائل، خاصة مع ترّدي الوضع المالي والاقتصادي لأكبر الدول في العالم،
اضافة الى رفض معظم شعوب تلك الدول بالزج بأبنائها في أتون الحروب المشتعلة،
فلذلك اختارت تلك الدول أن تهزم أعدائها وتحكم سيطرتها عليهم من خلال ممارسة الحرب النفسية، فأنشؤوا في سبيل ذلك مكاتب تكون تابعة لأجهزة الاستخبارات عادةً، شغلها الشاغل التخطيط ووضع الاستراتيجيات لهذا النوع من الحروب، وهمّها نشر الشائعات وزرع الفتن،
والترصد والتضليل ضد أعدائها لحماية أمنها القومي على المدى البعيد كهدف رئيسي قبل كل شيء،
وقد نجحت تلك الدول في أغلب الأحيان في تحقيق أهدافها بدون النزول الى الأرض أو تعريض جنودها للخطر، ولكن في بعض الأوقات الأخرى تكون الحرب النفسية مقدمة للحرب العسكرية مثلما وقع في العراق مثلا،
فيتم اطلاق الترسانة الاعلامية، والعمل في الخفاء، لتعبيد الطريق للقوات المهاجمة بعد ذلك ..
نظرية المؤامرة
المؤامرة بشكل مبسط هي عمل يخرج عن الاطار القيمي سواء كان قانونيا أو أخلاقيا وتتم في الخفاء بشكل مرتب وسري بغية تحقيق أهداف مدروسة مسبقا، وعادة ما تكون المؤامرة موجهة نحو الدول والأفراد بغرض زعزعة الصفوف وتغليب أطراف معينة على أطراف أخرى،
وليس كل حدث سياسي مفاجئ أو اضطراب اقتصادي أو تغيير اجتماعي يطلق عليه مؤامرة، فمن شروط تحقق المؤامرة وجود نوايا خلفها لتحقيق هدف معين، والا فلا تسمى مؤامرة..
وفي التاريخ نجد أنّ اغتيال يوليوس قيصر روما تم عبر اتفاق سري وبمؤامرة داخلية كانت تهدف للقضاء عليه والاستحواذ على السلطلة، ولكن ما حدث أنّ الامبراطورية الرومانية سقطت وتفكّكت في النهاية،
فالمؤامرة هنا ليست تفكيك الامبراطورية ولكن القضاء على القيصر وجاء التفكك كرد فعل للمؤامرة وليس هو المؤامرة في حدّ ذاتها، فالمؤامرة البسيطة يمكن أن تحدث تأثيرات ضخمة،
ولا تسمى الآثار الناجمة عنها مؤامرة لأنه لم يتم التخطيط لها أو وضعها في الحسبان، وهذه نقطة مهمة ينبغي التوقف عندها.
وفي الواقع فانه لا يوجد مجتمع بعيد عن المؤامرات التي تُحاك في الخفاء مهما كان المجتمع متحضرا ومتطورا، فمن سمات المجتمع البشري وجود الصراع بين الأفكار والتوجهات،
ولا يمكن تحييدها بشكل كامل بأي حال من الأحوال، وفي ظل صراع تلك الأطراف فلا بد من وجود تأثير خارجي وداخلي عليها قصد تغليب طرف على الآخر لتنفيذ أجندات تقوي مصالح القوى العظمى أو الشخصيات ذات النفوذ الواسع.
البروباجاندا
تبدو كلمة بروباجاندا غريبة من ناحية النطق وتظهر على أنها تدل على شيء مفاجئ وخاطف،
وبالفعل هي كذلك الا أن لها شكلا آخر تتأخذ فيه البروباجاندا سمة البطئ في عرض الأفكار مع التركيز على القولبية والنمطية لسحر عقول الجماهير بما يوافق أجندات أصحاب المصالح العليا..
البروباجاندا تعني الترويج والدعاية فهي مصطلح متلوّن وسيظهر بيان ذلك خلال عرض السياق التاريخي للبروباجاندا،
فأصل هذه الكلمة أتى من اللاتينية “كونغريغاتيو دي بروباجاندا فيدي” والتي تعني “مجمّع نشر الايمان” وهو مجمّع قام بتأسيسه البابا “غريغوري” الخامس عشر في عام 1622،
ويعمل هذا المجمّع على نشر الديانة الكاثوليكية، ويظهر لنا جليا الارتباط بين أصل كلمة بروباجاندا وبين التبشير بالنصرانية.
والبروباجاندا كلمة يعني نشر المعلومات بطريقة أحادية المنظور وتوجيه مجموعة مركزة من الرسائل بهدف التأثير على آراء أو سلوك أكبر عدد ممكن من الأفراد، وهي مناقضة للموضوعية في تقديم المعلومات.
كيف تجد الحقيقة؟
اصبر وستظهر الحقيقة
غالبا بعد انتشار الأخبار المزيفة حول قضية ما، ما يلبث حتى تظهر الحقيقة كاملة بعد مدة من الزمان، فيجب أن لا تتسرع وتنقاد خلف الأخبار المضللة المنتشرة، فإننا كثيرا ما نرى خبرا ينتشر اليوم ويُكذّب في اليوم الموالي.
لا تنخدع بالمصطلحات
لقد قيل ذات يوم عن الذين يدافعون عن أرضهم في العراق أنهم “متمردون”، وتقول إسرائيل عن المقاومة في غزة “إرهابيين” على الرغم من أننا كلنا نعلم أن هؤلاء المتمردين العراقيين يقاتلون في العدو الصائل الغازي لأرضهم وعرضهم،
بينما الإرهابيون الفلسطينيون يدافعون عن أرضهم ومقدساتهم التي تُنتهك، أنها حرب مصطلحات غالبا ينساق لها المسلمون ويقعون في الفخ الذي نُصب لهم من قبل الأعداء.
لا تثق بالأخبار المُبهمة وغير مكتملة التفاصيل
هناك قاعدة تقول: الحقيقة واضحة ومحددة، أما الكذبة فهي عاتمة بدون تفاصيل..
الى هنا نكون قد عرضنا بعض الأفكار التي تضمنتها فصول الكتاب والذي يهدف أساسا الى هيكلة الرأي العام للقارئ بغية بناء قاعدة ميتنة من العقلانية والموضوعية تنأى به عن خوض غمار حرب العقول والتلاعب بها.
صلاح الدين حفافصة
Be the first to comment on "كيف يتم التأثير على عقول الجماهير؟"