طارق صبي السجن للكاتب بولنوار قويدر – الجزائر ، قصة السجين طارق الذي دخل السجن جنيناً في بطن أمه
طارق صبي السجن …
بولنوار قويدر – الجزائر
ليست المرة الاولى التي يقابل فيها طارق قاضي محكمة (القدس) …من كثرة إقامته بالسجن التي تربو عن ال17سنة إقامة بسجن الرملة.
فهو يعرف زنزانتها وحراسها وحتى أسماء الحراس بالاسم واللقب وتوقيت العمل .
17 سنة إقامة بسجن الرملة ,
يعرف بعميد السجناء, والكل من في السجن بما فيهم الحرّاس ينادون عليه “بصبي السجن ” ,
لأنّه تربى فيه وقد قدم إليه وهو نطفة مخلّقة في رحم أمه, نتيجة عملية فدائية جريئة لأبيه وعلى إثرها استشهد,
وقامت قوات الاحتلال بحملة مضادة ضد أهله فسجنت أمه وهو في بطنها,
فجاءها المخاض وقد فتح “طارق “عينه بغرفة متهالكة بعيادة السجن,
فكانت صرخة ميلاده أكيد ضد المغتصب و ابتسامتة الـولى هدية لأمه ليزرع فيها الامل…
في هذه المدة كان يزور مع أمه المحكمة وهو في رحمها, أو نائما متوسد صدرها ,أو ماشيا متعلقا بثوبها,
حتى فصل عنها ذات مساء ليخبروه في الصباح أنّه بقى وحيدا بلا أم لأنّها ماتت البارحة من غير أن يعرف السبب .
كان صغيرا لم يعرف للبكاء سبيلا, ولا للحزن طريقا.
وعاش في زنزانة أمّه وحيدا يأتيه خبزه اليابس وماؤه الساخن دون أن يتمرد, لأنّه لم يعرف بعد هول المصاب والجرم المرتكب في حق أمه وأبيه ….
الناطق الرسمي
بلغ من العمر 6سنوات ,ولم يعرف للمدرسة سبيلا, ولا للحرف نطقا, ولا لرسمه تلوينا.
كل ما تعلمه كلام خليط بين الفحش والسب, و”لكنة “في النطق للهجة فرضت عليه فرضا.
بينما لسانه طري بكلمات قد حفظها عن أمه وهو بالحضن ثم بالسرير وعلى صدرها تنشدهن له من أجل أن ينام قرير العين ,أو حين ملاطفته ومداعباته…
تدخلت اسرته لتطلب من السلطات المعنية التعجيل في الفصل في قضيته بإطلاق سراحه, و تخصيص لطارق مقعد بالمدرسة …
لكن السلطات تماطلت في الرد عن انشغال الأسرة, ومرد ذلك لأنّ مدة أمه في السجن لم تنتهي.
مع العلم أنّه جاء ببطنها ولذا الحكم يلزمه بعد أمّه…
مشكلة عويصة, لم يعرف لها حل ولا أمل لتسريع النظر في هذا القرار المتعجرف…
تدخلت بعض الجهات الانسانية والحقوقية لدفع بالطفل ليعيش مع بقية المعتقلين, ولا يترك
وحيدا بالزنزانة خوفا من عواقب نفسية قد تصيبه…. وقد استجابت سلطات السجن لتحويله إلى جناح الاطفال
وقد كانت له فرصة لتعلم مبادئ القراءة والكتابة وحفظ بعض النصوص ,
وقد لوحظ عليه تفوق وسرعة في التقبل والتحصيل, ممّا شجّع زملاءه بتزويده بالكتب المناسبة من أجل التمكين لمعارفه .
وقد اشتهر بين أقرانه أنّه كان الناطق الرسمي لهم مع حرّاس السجن بحكم معرفته وإتقان لغتهم…
يوم البشرى
بعد 11 سنة, جاءه البشير أن غدا سوف تحاكم , حضّر نفسه جيّدا, وودّع أصدقاءه متمنيّا لهم الافراج العاجل…
ومع بزوغ الفجر دخلت سيارة السجن لتحمل أفرادا سوف يحاكمون اليوم, ومن بينهم “طارق صبي السجن”.
طبعا لقد أغمضوا عيونهم ,وقيّدوا أيدهم ,وأغلقوا باب الشاحنة بإحكام, وتوجهت بهم صوب المحكمة ,
أثناء السير بدأت همسات الموقفين تنساب بينهم:( هل مازال الوصول؟) ,
لا جواب عن السؤال سوى تمتمات وأدعية بسرعة التفريج…
توقفت الشاحنة, وبدأ الحرس ينزلون في الافراد واحدا واحدا, حتى أخرهم وأدخلوهم قاعة شديدة الظلام,
وهناك فكّ قيدهم تحت حراسة مشدّدة…
مرت الساعات وإذا بهم يدخلونهم قاعة المحكمة بعد الاجراءات الروتينية لاستقبال رئيس المحكمة.
بدأت المناداة عن المتهمين مع ذكر الجرم المنسوب إليه وكان أول من نودي عليه “طارق” بعد تقديم معلومات عن اسمه ولقبه ولقب أبيه وأمّه ,
توقف القاضي ولم يذكر سبب التهمة ولا التهمة, ولكن ذيّل كلامه 🙁 ما جناه أبواك تحصده ومادام أنّك لم تشارك في جرم أبيك ولكن كنت منه فقد قررت المحكمة أن تزيدك 10سنين فقط ,ثمّ تخلي سبيلك )…
أعطاه القاضي فرصة للدفاع عن نفسه… نهض طارق مبتسما, وخاطب القاضي بلغته قائلا:
وهل يمكنك أن تبقى أنت 10سنوات تصدر هكذا أحكام ؟ طبعا لا.
ليكن في علمك دائما بعد الظلام تشرق الشمس…طأطأ القاضي رأسه برهة من الزمن,
ثمّ قال له : (من علّمك هذا الكلام ؟ )
طارق : (مدرسة الظلم واللاعدالة وسجونكم هي إلهامنا ومنبع الحرية…) أمره بالانصراف إلى مكانه.
وواصل المناداة عن البقية…
بعد استكمال المحاكمات, أسرعوا بنا نحو الشاحنة ومن غير العادة لم يكبلونا إمّا عمدا أو نسيانا .
وفي داخل الشاحنة سمع طارق الحارس الداخلي للشاحنة يتكلم مع زميل له بالهاتف أن الطريق الذي نريد نسلكه محفوف بالمخاطر ,
ونريد ان نسبقهمقبل وقوع مشادات.
ففهمت أنّها السرعة والخوف من المجهول….
رد الاعتبار
في الطريق لقد غفا الحارس, وراح يغط في نومه ,نظرا لأنّه نهض باكرا ولم ينم أو لعلّه بات ساهرا…
هناك تخمّرت الفكرة في ذهن “طارق” 17 +10تساوي 27 ماذا بقي لي من العمر أن أعيش ؟؟
ودون وعي منه قفز على سلاح الحارس فخطفه منه ,
فنهض مفزوعا فأمره أن ينزع ثيابه فنزعها ,
وامر أحد الرفاق أن يشدد حراسته, فلبس ثيابه وتأبط سلاحه وودّع رفاقه ,
وقبل ذلك قيّد الحارس وكمّم فاهه.
أكيد عند توقف الشاحنة في الطريق بموجب إشارة المرور -الضوء الاحمر وزحمة المواصلات- نزل طارق بعدما فتح الباب بصعوبة,
وغادر الشاحنة التي لم تبتعد كثيرا عن المحكمة, كما نزل البقية ليتفرقوا عبر شوارع المدينة كل إلى وجهته…
أمّا “طارق “فقد دخل المحكمة متنكرا في لباس حارس سجن .
وتوسط القاعة وكان القاضي مازال ينزل في الاحكام على الحاضرين.
تقدّم نحوه وناداه : (يا قاضي كم عمرك؟ )
وقبل أن يجيبه, سمع من ورائه جلبة فعرف مصدرها فأفرغ خزّان البندقية في صدر القاضي ومن كان حوله.
ولكن أيادي الغدر لم تشفع له فصبّوا عليه وابل خزّانتهم فأردوه شهيدا.
وقد لحق بأبيه وأمّه شهداء…
بولنوار قويدر -الجزائر-
Be the first to comment on "طارق صبي السجن"