الأنظمة الإسلامية يؤيد بعضها بعضاً (1) للأستاذ عبدالباقي نعيم سرور
كان النظام الإسلامي ـ يوم كان قائماً ومعمولاً به ـ يحمي بعضه بعضاً؛
فالتكاليف الخاصة بإقامة حكومة عادلة، وبالأخوة الإسلامية، وبالتواصي بالحق والصبر، وبالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وبحماية الدعوة الإسلامية،
وصيانة الشريعة من العبث بها، وردِّ عاديةِ المعتدين عليها كان من شأنها أن تحمي التكاليف الفردية،
وهي العقائد والعبادات؛ فكل اعتداء يقع على العقائد، أو يصيب العبادات كان يدفع عنهما بما سنه الإسلام من أنظمة؛ حماية الشريعة، وصيانة الملة.
في الإسلام تكاليف موجهة إلى الأفراد، وتكاليف موجهة إلى الأمة، ومجموع التكاليف هو النظام الإسلامي، فالعقائد، والصلاة، والصيام، تكاليف موجهة إلى الأفرادِ، وحمايةُ الشريعةِ وصيانتُها تكاليف موجهة إلى الأمة.
كانت الأمة الإسلامية عزيزة الجانب يوم كانت قائمة بالتكاليف التي وجهت إليها من إعداد العدة، وأخذ الحذر واليقظة، ومن فهم سياسة العدو، ومن إقامة الجهاد، ومن نشر الدعوة الإسلامية، ومن جعل أمرهم بينهم شورى،
ومن إقامة حكومة عادلة تسوس أمرهم وتحمي شريعتهم،
ومن جعل العلائق بين المؤمنين قائمة على الولاء والمودة، ومبنية على المناصرة والمؤازرة،
ومن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وإقامة العدل، وتقرير المساواة.
كانت هذه التكاليف مطلوبة من الأمة؛ لتكون أمة قوية عزيزة ذات حكومة شورية عادلة،
وكان مما طولبت به الحكومة ـ التي هي نائبة عن الأمة في القيام به ـ حماية الشريعة، وصيانة الملة من هجوم الهاجمين، واعتداء المعتدين،
وكانت التكاليف الفردية ـ أي العقائد والعبادات ـ في حرز منيع؛ لأن الأمة ساهرة، والحكومة حامية،
فالنظام الإسلامي يؤيد بعضه بعضاً، ويدفع بعضه عن بعض.
مر على المسلمين زمن أهملوا فيه العناية بالتكاليف الموجهة إلى الأمة؛ فضعف هذا الجانب،
وأخذت الأمة تنحدر كلما أهملت فرضاً من فروض الكفاية الموجهة للمجموع،
ووصل الانحدار غايته حينما قام بفكر المسلمين أن المسلم متى قام بالتكاليف الفردية؛ فآمن بالعقائد،
وأدى العبادات ـ فقد فرغ من التكاليف، وأصبح من عباد الله الصالحين، وإن كان قد أغفل جميع التكاليف التي خوطب المجموع بها.
ساد هذا الاعتقاد في القرون الأخيرة؛ فضعف أمر الجهاد أو زال، وضعف الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وضعفت العناية بالشورى، وضعفت حماية الشريعة،
وذهبت العناية بصيانة الملة، وفُقِدَ الاهتمام بفروض الكفاية؛ فضعف شأن المسلمين، وذهب من بينهم الولاء والتناصر،
وذهبت بذهاب هذا كله وحدتهم، فلم يعودوا أمة كما كانوا في الصدر الأول،
بل صاروا أفراداً متخاذلين وشيعاً متفرقين؛ فجاءهم العدو، فوجد قوة فانية، وضعفاً قاتلاً، وأفراداً لا تعرف معنى التناصر؛
فاحتل ديارهم، واستعمر بلادهم، وشرعت أنظمته تحتل الأنظمة الإسلامية.
فحينما ظهر الملحدون ونعق ناعقوهم وشرعوا يهاجمون التكاليف الفردية،
وتناولوا العقائد بالجرح، والتشهير، واستهزؤوا بالعبادات _ أخذ المسلمون يتلفتون وراءهم كيما يجدوا نظاماً يحمي عقائدهم وعباداتهم، فلم يجدوا شيئاً…
لم يجدوا النظام الذي يقرر حماية الملة، وصيانة الشريعة؛ لأن النظام الأوروبي احتل مكانه،
وهو لا يريد حماية العقيدة الإسلامية، وليس موضوعاً لذلك، وليس في طبيعته ما يدعوه إلى حماية نظام إسلامي، وليس بينه وبين العقائد الإسلامية رحم وقربى.
فرَّط المسلمون يوم أهملوا العناية بالتكاليف الموجهة إلى الأمة، ويوم سمحوا بضياع التكاليف التي تجعل منهم أمة عزيزة غيورة على دينها وملتها.
لم تكتف الأنظمةُ الغربية باحتلال الأمكنة التي كانت تشغلها الأنظمة الإسلامية،
بل فكرت، وسعت في مطاردة التعليم الديني من المدارس المدنية، وعلَّمت على أن يخرج التلميذ المسلم من المدرسة وهو يجهل العقائد والعبادات الإسلامية،
وبذلك تكون قد حاربت التكاليف الفردية _ أيضاً _ كما حاربت التكاليف الاجتماعية والسياسية والتشريعية، فيتم الغزو الأوروبي للإسلام في جميع مظاهره.
فإذا لم يتنبه المسلمون، ويجتمع المفكرون منهم للنظر في تلك الحالة ووضع علاج لها،
وإذا لم يعملوا على إحياء التكاليف الاجتماعية من النظام الإسلامي في الوطن الإسلامي الذي لا يزال محتفظاً باستقلاله _ فإنه يخشى على البقية الباقية أن تزول.
إن الخطر شديد، وإن العدو قد طرق جميع الأبواب، إنه يعمل بيقظة وانتباه، والمسلمون نائمون متفرقون، وأخشى أن
يصدق عليهم قول الله _ عزَّ وجلَّ _: [ذَرْهُمْ يَخُوضُوا وَيَلْعَبُوا حَتَّى يُلاقُوا يَوْمَهُمْ الَّذِي يُوعَدُونَ].
نسأل الله أن يوفق رجالات العالم الإسلامي لإنقاذه من هذا الخطر؛ إنه على ما يشاء قدير(2).
(1) الحديقة 5/ 182 _ 187، عام 1349هـ
(2) لو قال: على كل شيء قدير (م).
تعليقك يثري الموضوع