أيها المسلمون !(1) للأديب مصطفى صادق الرافعي
نهضت فلسطين تَحِلُّ العقدة التي عُقِدَت لها بين السيف، والمكر، والذهب.
عقدةٌ سياسية خبيثة، فيها لذلك الشعب الحرِّ قتلٌ وتخريبٌ، وفقر.
عقدة الحكم الذي يحكم بثلاثة أساليب: الوعد الكذب، والفناء البطيء، ومطامع اليهود المتوحشة.
أيها المسلمون! ليست هذه محنة فلسطين، ولكنها محنة الإسلام، يريدون ألاَّ يثبت شخصيته العزيزة الحرة.
كل قرش يُدفع الآن لفلسطين، يذهب إلى هناك؛ ليجاهد هو أيضاً.
أولئك إخواننا المجاهدون، ومعنى ذلك أن أخلاقنا هي حلفاؤهم في هذا الجهاد.
أولئك إخواننا المنكوبون، ومعنى ذلك أنهم في نكبتهم امتحانٌ لضمائرنا نحن المسلمين جميعاً.
أولئك إخواننا المضطَهَدون، ومعنى ذلك أن السياسةَ التي أذلتهم تسألنا نحن: هل عندنا إقرار للذل؟
ماذا تكون نكبة الأخ إلا أن تكون اسماً آخر لمروءة سائر إخوته أو مذلتهم؟
أيها المسلمون! كل قرش يدفع لفلسطين يذهب إلى هناك؛ ليفرض على السياسة احترام الشعور الإسلامي.
ابْتَلوهم باليهود يحملون في دمائهم حقيقتين ثابتتين: من ذل الماضي، وتشريد الحاضر.
ويحملون في قلوبهم نقمتين طاغيتين: إحداهما من ذهبهم، والأخرى من رذائلهم.
ويخبؤون في أدمغتهم فكرتين خبيثتين: أن يكون العرب أقليَّة، ثم أن يكونوا بعد ذلك خدم اليهود.
في أنفسهم الحقد، وفي خيالهم الجنون، وفي عقولهم المكر، وفي أيديهم الذهب الذي أصبح لئيماً؛ لأنه في أيديهم.
أيها المسلمون! كل قرش يدفع لفلسطين يذهب إلى هناك؛ ليتكلم كلمة تردُّ إلى هؤلاء العقل.
ابتلوهم باليهود يمرُّون مرور الدنانير بالربا الفاحش في أيدي الفقراء.
كل مائة يهودي على مذهب القوم يجب أن يكون في سنة واحدة مائة وسبعين…
حسابٌ خبيث يبدأ بشيء من العقل، لا ينتهي أبداً وفيه شيء من العقل.
والسياسة وراء اليهود، واليهود وراء خيالهم الديني، وخيالهم الديني هو طردُ الحقيقة المسلمة.
أيها المسلمون ! كل قرش يدفع لفلسطين يذهب إلى هناك؛ ليثبِّت الحقيقة التي يريدون طردها.
يقول اليهود: إنهم شعبٌ مضطهد في جميع بلاد العالم.
ويزعمون: أن من حقهم أن يعيشوا أحراراً في فلسطين، كأنها ليست من جميع بلاد العالم…
وقد صنعوا للإنجليز أسطولاً عظيماً لا يسبح في البحار، ولكن في الخزائن…
وأراد الإنجليز أن يطمئنوا في فلسطين إلى شعب لم يتعود قط أن يقول: أنا.
ولكن لماذا كنستكم كل أمة من أرضها بمكنسةٍ أيها اليهود؟
أجهلتم الإسلام؟ الإسلام قوة كتلك التي توجد الأنياب والمخالب في كل أسد.
قوةٌ تخرج سلاحها بنفسها؛ لأن مخلوقها عزيز لم يوجد، ليؤكل، ولم يُخلق؛ ليَذلّ.
قوةٌ وراء قلب مشتعل كالبركان، تتحول فيه كل قطرة دم إلى شرارة دم، ولئن كانت الحوافر تهيئ مخلوقاتها ليركبها الراكب إن المخالب والأنياب تهيئ مخلوقاتها لمعنى آخر.
لو سُئلتُ ما الإسلامُ في معناه الاجتماعي؟ لسَألتُ: كم عدد المسلمين؟ فإن قيل: ثلثمائة مليون، قلت: فالإسلام هو الفكرة التي يجب أن يكون لها ثلثمائة مليون قوة.
أيجوع إخوانكم أيها المسلمون وتشبعون؟ إن هذا الشِّبعَ ذنبٌ يعاقب الله عليه.
والغني اليوم في الأغنياء الممسكين عن إخوانهم هو وصف الأغنياء باللؤم لا بالغنى.
كل ما يبذله المسلمون لفلسطين يدل دلالاتٍ كثيرة، أقلها سياسة المقاومة.
كان أسلافكم أيها المسلمون يفتحون الممالك، فافتحوا أنتم أيديكم.
كانوا يرمون بأنفسهم في سبيل الله غيرَ مكترثين، فارموا أنتم في سبيل الحق بالدنانير والدراهم.
لماذا كانت القِبلة في الإسلام إلا لتعتاد الوجوه كلها تتحول إلى الجهة الواحدة؟.
لماذا ارتفعت المآذن إلا ليعتاد المسلمون رفع الصوت في الحق؟
أيها المسلمون ! كونوا هناك، كونوا هناك مع إخوانكم بمعنىً من المعاني.
أيها المسلمون ! هذا موطنٌ يزيد فيه معنى المال المبذول فيكون شيئاً سماويَّاً.
كل قرش يبذله المسلم لفلسطين يتكلم يوم الحساب يقول: يا ربِّ، أنا إيمانُ فلان !
(1) وحي القلم 2/240_243
Be the first to comment on "أيها المسلمون ! للأديب مصطفى صادق الرافعي"