مصادر الفكر التربوي عند اليهود في زمن العصر النبوي. من بحث مصادر ومؤسسات التربية لدى أهل الكتاب زمن العصر النبوي د. احمد حسن لبابنه ود. عصام حمد عبابنه
مصادر الفكر التربوي عند اليهود في زمن العصر النبوي
1. التوراة: وهي كلمة عبرية معناها الشريعة أو التعاليم الدينية.
وقد كانت التوراة موجودة مع اليهود زمن الرسول صلى الله عليه وسلم فحينما استولى المسلمون على حصن خيبر وأخذوا منه ما أخذوا، كان من جملة ما أخذوه كتب التوراة.
فأمر الرسول صلى الله عليه وسلم بردها إلى اليهود.(زيدان،1975 )
وهذا يدل على أن اليهود كانوا يتلقون تعليمهم من كتاب التوراة. وقد ذكر الله تعالى ذلك في القرآن الكريم. قال تعالى ( نَزَّلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ وَأَنزَلَ التَّوْرَاةَ وَالإِنجِيلَ {3} (سورة آل عمران، 3).
قال تعالى( وَمُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَلِأُحِلَّ لَكُم بَعْضَ الَّذِي حُرِّمَ عَلَيْكُمْ وَجِئْتُكُم بِآيَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ فَاتَّقُواْ اللّهَ وَأَطِيعُونِ {50} (سورة آل عمران،50)
وذكر (ابن هشام،2005) أن الرسول صلى الله عليه وسلم دخل بيت المدراس على جماعة من يهود فدعاهم إلى الله.
فقال له النعمان بن عمرو، والحارث بن زيد: على أي دين أنت يا محمد؟
قال: على ملة إبراهيم ودينه، قالا: فإن إبراهيم كان يهوديا، فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فهلُمّا إلى التوراة فهي بيني وبينكم، فأبيا عليه،
فأنزل الله تعالى فيهما قال الله تعالى: أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوْتُواْ نَصِيبًا مِّنَ الْكِتَابِ يُدْعَوْنَ إِلَى كِتَابِ اللّهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ يَتَوَلَّى فَرِيقٌ مِّنْهُمْ وَهُم مُّعْرِضُونَ {23} ( سورة آل عمران، 23)
وفي قصة رجوع اليهود إلى الرسول صلى الله عليه وسلم في شأن المرأة التي زنت،
والتي ذكرها ابن هشام في باب ( رجوعهم إلى انبي صلى الله عليه وسلم في حكم الرجم ) أن الرسول صلى الله عليه وسلم قد أنشد ابن صوريا – وهو أعلم رجل بالتوراة في ذلك الزمان – بالله، وذكره بأيام الله عند بني إسرائيل،
وقال له صلى الله عليه وسلم هل تعلم أن الله حكم فيمن زنى بعد إحصانه بالرجم في التوراة ؟ فقال –ابن صوريا- اللهم نعم. (السهيلي،1997)
وذكر ابن هشام أن سيدنا أبي بكر الصديق قد دخل على بيت المدراس، على رجل يقال له فنحاص، وكان من علمائهم وأحبارهم، ومعه حبر من أحبارهم، يقال له: أشيع، فقال أبو بكر لفنحاص: ويحك يا فنحاص ! اتق الله وأسلم.
فو الله إنك لتعلم أن محمدا لرسول الله، قد جاءكم بالحق من عنده تجدونه مكتوبا عندكم في التوراة. (السهيلي،1997)
مما سبق نستنتج أن التوراة كانت من أهم المصادر التربوية والدينية لدى اليهود زمن الرسول صلى الله عليه وسلم.
كما تشير إلى إقرار الرسول صلى الله عليه وسلم بوجودها والتعامل بها من أجل الحكم بها فيما يخص اليهود، كما تشير إلى الحرية الدينية التي كان اليهود يتمتعون بها،
إذ أن الرسول صلى الله عليه وسلم لم ينكر عليهم تعاملهم بالتوراة وإقامة شعائرهم وتعليمهم التوراة لأبنائهم.
بل الذي أنكره عليهم الرسول صلى الله عليه وسلم هو تعطيل العمل في التوراة، كما في قصة الرجم.
وقد ورد لفظ التوراة في القرآن الكريم في (15) موضعاً ما بين سورٍ مكية ومدنيةٍ.
وهذه السور هي (سورة آل عمران، الآيات: 3، 50، 65، 93) و(سورة المائدة، الآيات: 43، 44، 46، 66، 68) و(سورة الأعراف، أية 157) و(سورة التوبة، آية111) و( سورة الفتح، آية 29) و(سورة الصف، آية6) و(سورة الجمعة، آية 5)
2. الأحبار: وهم رجال الدين اليهود وعلمائهم وممن لديهم اطلاع واسع في العقيدة اليهودية.
وقد وردت لفظة الأحبار في عدد من السور القرآنية في أكثر من خمس مواضع منها ومن هذه المواضع: سورة التوبة الآيتان(34،31) وسورة المائدة الآيتان(44، 63).
ومنها قول الله تعالى: اتَّخَذُواْ أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِّن دُونِ اللّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُواْ إِلاَّ لِيَعْبُدُواْ إِلَـهًا وَاحِدًا لاَّ إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ {31} (سورة التوبة،31)
وقوله تعالى: إِنَّا أَنزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُواْ لِلَّذِينَ هَادُواْ وَالرَّبَّانِيُّونَ وَالأَحْبَارُ بِمَا اسْتُحْفِظُواْ مِن كِتَابِ اللّهِ وَكَانُواْ عَلَيْهِ شُهَدَاء فَلاَ تَخْشَوُاْ النَّاسَ وَاخْشَوْنِ وَلاَ تَشْتَرُواْ بِآيَاتِي ثَمَنًا قَلِيلاً وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ فَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ {44} (سورة المائدة،44)
كما كان الرسول صلى الله عليه وسلم – يكلم رؤساء الأحبار – كما ورد في ابن هشام – ومنهم عبد الله بن صوريا الأعور وكعب بن أسد، فقال لهم يا معشر اليهود اتقوا الله وأسلموا، فو الله إنكم لتعلمون الذي جئتكم به الحق، قالوا: ما تعرف ذلك يا محمد، فجحدوا ما عرفوا وأصروا على الكفر.(السهيلي،1997)
فأنزل الله تعالى فيهم ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ آمِنُواْ بِمَا نَزَّلْنَا مُصَدِّقًا لِّمَا مَعَكُم مِّن قَبْلِ أَن نَّطْمِسَ وُجُوهًا فَنَرُدَّهَا عَلَى أَدْبَارِهَا أَوْ نَلْعَنَهُمْ كَمَا لَعَنَّا أَصْحَابَ السَّبْتِ وَكَانَ أَمْرُ اللّهِ مَفْعُولاً {47} (سورة النساء،47)
مما تقدم تتبين لدينا أن الذين كانوا يقومون بمهمة تعليم اليهود أمور دينهم ودنياهم هم علماؤهم وأحبارهم وربانيتهم، قال تعالى: لَوْلاَ يَنْهَاهُمُ الرَّبَّانِيُّونَ وَالأَحْبَارُ عَن قَوْلِهِمُ الإِثْمَ وَأَكْلِهِمُ السُّحْتَ لَبِئْسَ مَا كَانُواْ يَصْنَعُونَ {63} (سورة المائدة 63)
ومن هؤلاء الربانيون والأحبار عبد الله بن سلام – رضي الله عنه – وعبد الله بن صوريا الأعور الذي قيل عنه: إنه لم يكن بالحجاز في زمانه من هو أعلم بالتوراة منه.(طنطاوي،1997)
3. التلمود: يعتبر التلمود مرجعا مقدسا، عند أكثرية اليهود، وهو القانون أو الشريعة الشفهية التي كان يتناقلها الحاخامات من اليهود سرا جيلا بعد جيل. (أمين، 1979)
ويعني التلمود في الاصطلاح: الكتاب الذي يحوي مجموع التعاليم اليهودية، التي نقلها الأحبار اليهود، تفسيراً لـ( العهد القديم)، واستنباطا من أصوله، بحيث يغطي كل جوانب الأنشطة الدينية والدنيوية في الحياة اليهودية.(سوسه،1988 )
غير أن كلمة التلمود لم ترد في القرآن وكتب الحديث أو السيرة، وقد يكون السبب في ذلك عدم اكتمالها، غير أن المعروف عن التلمود احتوائه على الكثير من الخرافات والتحريفات والأكاذيب.
وقد أشار القرآن إلى مثل ذلك قال تعالى: فَوَيْلٌ لِّلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هَـذَا مِنْ عِندِ اللّهِ لِيَشْتَرُواْ بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً فَوَيْلٌ لَّهُم مِّمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ وَوَيْلٌ لَّهُمْ مِّمَّا يَكْسِبُونَ {79} ( سورة البقرة، 79)
والتلمود يتألف من قسمين:
أ. المشنا أو المشنة – أي المثنى أو المكرر وهو الأصل أو المتن.( طويلة، 2004) وهي مجموعة الأحكام التي يزعم اليهود أنها نزلت مشافهة على موسى عليه السلام.(الزغيبي،1998)
ويعتبر المشنا أول لائحة قانونية وضعها اليهود لأنفسهم تفسيرا للشريعة، وتقع في ثلاثة وستين سفرا،
وهي عندهم مصدر من مصادر التشريع يأتي مباشرة بعد التوراة، بل يزعمون أنها ترتفع إلى موسى – عليه السلام – ولذلك كانوا يسمونها التوراة الشفوية. (طويلة، 2004)
ب. الجمارا: أي الشروح والتعليق أو التكملة – وهو شرح للمشنا- وهي عبارة عن حواشي وتعليقات وتفسيرات للمشناة.( طنطاوي،1997) ومن نصوص (المشنا ) وشروحها (الجمارا) ظهر ما يعرف بالتلمود.
وعليه يمكن القول أن التحريف الذي كان اليهود يقومون به ويدعون أنه من عند الله، قد يكون المقصود بها فيما عرف بعد بالتلمود.
مؤسسات التربية عند اليهود في العهد النبوي:
1. المِدراس: كان لليهود الذين سكنوا الجزيرة العربية، مدارس يتدارسون فيها أمور دينهم وأحكام شريعتهم، وأيامهم الماضية، وأخبارهم الخاصة برسلهم وأنبيائهم، كما كانت لهم أماكن خاصة يقيمون فيها عبادتهم وشعائر دينهم.
وكانت هذه الأماكن تسمى(المدراس) أي المكان الذي تدرس فيه نصوص التوراة، وأمور الشريعة.(طنطاوي،1997) وما جاء في المشنا.
عرفت هذه الأماكن بين الجاهلين بـ(المدراس) و(بيت المدراس) و(المدراش). (علي،1978)
ويقصد بالمدراش، درس نصوص التوراة وشرحها وتفسيرها وإيضاح الغامض منها وأسرارها، وينهض بذلك المفسر الشارح (درشن)، ولكل طريقته وأسلوبه، وقد نجمت عن هذه الدراسة ثروة أدبية ودينية طائلة للعبرانيين.(غضبان،1993)
ولم يكن المدراس (المدراش) موضع عبادة وصلوات فحسب، بل كان إلى ذلك دار ندوة لليهود يجتمعون فيه أوقات فراغهم لاستئناس بعضهم ببعض، وللبحث في شؤونهم، وللبت في القضايا الجسيمة الخطيرة على اختلاف درجاتها.
فهو إذن مجمع الأحبار، ومجمع الرؤساء والسادات وأصحاب الشرف فيهم، وإليه كان يقصد الجاهليون حين يريدون الاستفسار عن شيء يريدون الوقوف عليه.(علي،1978)
وفي ذلك يقول ابن خلدون “إذا تشوقت العرب إلى معرفة شيء بما تتشوق إليه النفس البشرية في أسباب المكونات، وبدء الخليقة، وأسرار الوجود،
فإنما يسألون عنه أهل الكتاب قبلهم ويستفيدون منهم، وهم أهل التوراة من اليهود ومن تبع دينهم من النصارى “.(ابن خلدون، 2005)
2. دور العبادة: أطلق الجاهليون على الموضع الذي يتعبد اليهود فيه (الكنيس) و(كنيسة اليهود) وقد ذكر بعض علماء اللغة أن الكنيسة كلمة معربة من (كنشت) وهي لليهود، والبيعة للنصارى.( ابن منظور،1993 )
وعرفت مساجد اليهود، أي المواضع التي كانوا يصلون فيها، بالمحاريب جمع محراب، وقد كان يقوم على هذا الدور مجموعة من الأشخاص كالأحبار والربانيين والرئيس والحزّان والشيلحصبور.(غضبان،1993)
كذلك كان لليهود تشريعاتهم ونظمهم الخاصة بهم، فيما يتعلق بالذبائح، والقرابين والقصاص، والميراث والاعتراف والتطهير،
وغيرها من التشريعات التي أخذها عن كتبهم وبعضها وضعه لهم كهانهم وأحبارهم من عند أنفسهم.(طنطاوي،1997)
مصادر ومؤسسات التربية لدى أهل الكتاب زمن العصر النبوي
د. احمد حسن لبابنه
استاذ مساعد
جامعة البلقاء التطبيقية
كلية إربد الجامعية
د. عصام حمد عبابنه
وزارة التربية والتعليم
المجلس الأعلى للتعليم
أبو ظبي
Be the first to comment on "مصادر الفكر التربوي عند اليهود في زمن العصر النبوي"