سر كوة القبة الخضراء

سر كوة القبة الخضراءسر كوة القبة الخضراء

سر كوة القبة الخضراء مقال للكاتب د.طارق الغنام تناول فيه نبذة تاريخية عن القبة الخضراء التي تعلو المقام الشريف في المسجد النبوي

سر كوة القبة الخضراء

دكتور طارق فهمي الغنام..

عندما تتوجه إلى الحرم النبوي بالمدينة المنورة وتتنفس عبق المكان في رحاب رسول الله (صلى وعليه وسلم ) وتهيم روحك حول جنبات وأروقة الحرم،

فإنك إذا توجهت إلى الفناء الخارجي للمسجد ووجهت نظرك إلى أعلى ونظرت إلى القبة الخضراء التي تعلو المقام الشريف ستجد كوة في أعلى القبة من جهة القبلة،

قد لا تلاحظها عندما تنظر نظرة عبارة أما اذا امعنت النظر اليها فإنك ستلاحظها بوضوح،

فهى عبارة عن شكل شبه مستطيل من جهة القبلة ..

وسوف تسأل نفسك حينها ما سر هذه الكوة الصغيرة ؟

الواقع أنك إذا أردت الإجابة على هذا السؤال فإنه لا مناص من ضرورة العودة لاسترجاع الأحداث التاريخية المرتبطة بها .

فعندما ألم برسول الله (صلى الله عليه وسلم) مرض الموت وكان يتمرض في بيت السيدة عائشة رضى الله عنها والذي كان يتكون من غرفة واحدة وحجرة،

واشتدت به الآلام بعد أصابته بالحمى لدرجة أنَّ الصحابة كانوا يجدون سَورة هذه الحمى من فوق العصابة التي كانوا يعصبونَ بها رأسه

لذا رقد الحبيب بحجرة السيدة عائشة كون تلك الحجرة تتميز بسقفها المكشوف وبالتالي فدرجة حرارتها أقل من الغرفة،

والدليل على أن سقف هذه الحجرة كان كذلك أنه ثبت في الصحيحين عن عائشة رضى الله عنها أن النبي (صلى الله عليه وسلم) كان يصلى العصر والشمس في حجرتها لم يظهر الفئ،

وعندما أسلم المصطفى روحه الطاهرة إلى بارئها، أختلف المسلمون في مسألة الدفن

حتى جاء أبو بكر وقال أنه سمع رسول الله يقول: «إنه لم يدفن نبي قط إلا حيث قبض».

فقام الصحابي أبو طلحة زيد بن سهل الأنصاري ـ رضي الله عنه بحفر القبر الشريف

ودفن رسول الله (صلى الله عليه وسلم ) بحجرة السيدة عائشة،

وظلت الحجرة غير مسقوفة لا حاجز يحجبها عن السماء ،

وبقيت السيدة عائشة على حالها بغرفتها،

وعندما توفي أبوها أبو بكر الصديق رضى الله عنه دفن إلى جوار رسول الله (صلى الله عليه وسلم)

ولم يتبق سوى مكان واحد ادخرته السيدة عائشة لنفسها

ولكن عندما أوشكت روح عمر بن الخطاب أن تفيض إلى بارئها إثر قيام أبو لؤلؤة المجوسي بطعنه وهو يصلى طلب من السيدة عائشة أن يدفن إلى جوار صاحبيه فوافقت،

وكان عمر قبل وفاته قد بنى جدارا قصيراً بدلاً الحائط المكون من الجريد ومسوح الشعر بقبر الرسول

فكان أول من بنى عليه جدار،

ثم أعقبته السيدة عائشة بجدار آخر ليفصل بين القبور و بيتها،

فقسمت البيت إلى قسمين قسم جنوبي وفيه القبور، وقسم شمالي لسكنها، وفيما بعد تم سقف الغرفة النبوية،

وعندما قحط أهل المدينة قحطاً شديدا فشكوا إلى السيدة عائشة،

فقالت أنظروا قبر النبي (صلى الله عليه وسلم) فاجعلوا منه كوة إلى السماء حتى لا يكون بينه وبين السماء سقف

ففعلوا فمطروا مطراً حتى نبت العشب وسمنت الأبل حتى تفتقت من الشحم

فسمى عام الفتق ( أخرجه بن حجر العسقلاني في تخريخ مشكاه المصابيح،

وقال عنه حسن رقم 362/5) وومن وقتها اعتاد أهل المدينة على فتح الكوة من عند الجدب ( كتاب نزهة الناظرين للسيد جعفر برزنجي- نقلاً عن زين الدين المراغي )

وظلت الكوة حتى وقع حريق كبير العام 654 هـ في شهر رمضان حيث اتي على سقف المسجد وسقف الغرفة النبوية،

فتم إعادة بنائهما من جديد في عهد الخليفة المستنصر العام 655 هـ

ولم يكتمل البناء لسقوط الخلافة العباسية على يد التتار،

ولكن تم استكمل البناء على عهد الملك المنصور نور الدين( عروة التوثيق في النار والحريق للقطب القسطلاني)،

ولم يَرِيد في كتب التاريخ ما يشير إلى تخلي المسلمين عند إعادة بناء سقف الغرفة النبوية عن تلك الكوة ( موقع تراثيات)

وفي العام 886 هـ حدث الحريق الثاني للحرم النبوي الشريف في عهد السلطان قايتباي

فقام بتجديد قبة الغرفة النبوية والتي كان قد بناها الملك قلاوون الصالحي العام 678 هـ

حيث كانت أول قبة تبنى أعلى الغرفة النبوية ،

وقد عنى المماليك عناية كبيرة بترميم وتجديد هذه القبة،

فكانوا يقومون بترميمها وتجددها كلما احتاجت إلى ذلك،

فتم تجديدها في عهد السلطان حسن بن محمد بن قلاوون،

وفي العام 765 هـ تم تجديدها على عهد السلطان شعبان بن حسن بن محمد ..

وكان يراعى وجود الكوة عند كل تجديد،

ويلاحظ أن السلطان قايتباي عند تجديده القبة النبوية بنى فوقها قبة أخرى تحويها، فأصبح للغرفة النبوية قبتان،

ولكن حينما أصاب القبة العلوية الوهن وتشققت أعاليها، ولم يُجد ترميمها، أمر السلطان قايتباي بهدم أعاليها وعيدت مُحكمة البناء بالجبس الأبيض العام 892 هـ ، وكان بها تلك الكوة من جهة القبلة.

وظلت القبة على حالها هذا إلى عهد السلطان محمود العثماني حينما تشققت القبة العليا مرة أخرى فأمر بهدم أعاليها وإعادة بناءها. إلا أنه وبعد عدة قرون،

ظهرت شقوق في أعلى القبة زمن السلطان عبد الحميد الثاني،

فأصدر أمره بتجديدها، فهدموا أعاليها وأعادوها من جديد العام 1233 هـ.

وفي العام 1253 هـ صدر أمر السلطان عبد الحميد الثاني بصبغ القبة باللون الأخضر

وكانت وقتها مصبوغة باللون الأزرق، ولم يتم التخلى عن الكوة بالقبة الفيحاء،

أما في العهد السعودي فقد عني آل سعود بعمارة المسجد النبوي الشريف عناية كبيرة

وتم على عهدهم ترميم القبة الخضراء كلما اقتضى الأمر ذلك ولم يتخلوا عن الكوة إلى وقتنا هذا .

Be the first to comment on "سر كوة القبة الخضراء"

تعليقك يثري الموضوع