تهدف بعض الدول العربية من خلال رؤيتها 2030 إلى تحقيق مبادئ وأهداف التنمية المستدامة في كافة المجالات وتوطينها بأجهزة الدولة المختلفة للارتقاء بجودة حياة المواطن العربي وتحسين مستواه المعيشي في مختلف نواحي الحياة من خلال عدة محاور أهمها تعزيز الاستثمار في البشر وبناء قدراتهم الإبداعية من خلال الحث على زيادة المعرفة والبحث العلمي والتحفيز على الابتكار والإصلاح الإداري وتحسين كفاءة وفاعلية الأجهزة الحكومية وترسيخ الشفافية ودعم نظم الرصد والتقييم والمتابعة ، إلا أن هذه الأهداف السامية قد يحول بينها وبين تحقيقها البعض من الأنماط الإدارية المتسلطة عندما تكون غير مؤهلة لتحقيق هذه الأهداف بعنادها وافتقادها إلى المرونة ، وسعيها إلى تسخير جميع الأدوات بنطاق العمل لتحقيق المزيد من التسلط ، فإن عدمت هذه الأدوات سعت إلي امتلاكها بغض النظر عما تخلفه من تدمير العلاقات الوظيفية ، فهدفها الأول هو فرض وجهة نظرها ومعتقداتها وتفسيراتها وتصوراتها ، ولا تأبى بسلب حقوق الغير ، وهي غالباً ما تتصف بالتعصب وتتسم إدارتها بالقسوة وافتقادها للإنسانية غير عابئة بما تخلفه من آثار سلبية على بيئة العمل.
ويبدو أن صفة الإنسان النرجسي المتسلط قد عانت منها البشرية منذ قديم الأذل ، لذا سرعان ما وضعت لهذه الصفة الذميمة القواعد التي تحد من استفحالها للتمكن من تهذيبها لما تخلفه وراءها من أضرار وخسائر وتقويض وحطام ، وعلى الرغم من ذلك فإن هذه الصفة الذميمة التي تتصف بها بعض المستويات الإدارية أثبت الواقع أنها لا يمكن تقيدها على الدوام ، إذا سرعان ما تسعى إلى التمكن من التخلص من القيود المفروضة عليها والانطلاق من جديد ، والتسبب في اضطراب بيئة العمل وبث روح السلبية .
والواقع أن تحقيق الهيمنة والتسلط في بيئة العمل لها وسائلها التي تتحقق بها والتي تأبي إلا أن تطغى على القيم الإنسانية ، فالمدير المتسلط لا يسمع ولا يري ألا ما يحقق أهدافه ورؤيته ، فإذا سارت الأمور إلى ما يهوي ارتقى إلى مرتبة الغرور ليصبح مصدر تهدد لوجود المنظمة التي يعمل بها ، وإذا لم تسر الأمور على نحو ما أراد أهدر وقت العمل ليحيك المؤامرات وتحين الفرص لكي يصل إلى مبتغاه.
ولا شك أن مثل هؤلاء بنطاق العمل سواء أكان حكومياً أو خاصاً يعرقلون أهداف التنمية و يتسببون في إقصاء الكفاءات وينحرفون عن مسار الإدارة الحديثة بكل ما تحمله من مفاهيم ، و كأنهم بعثوا من القرون الوسطى وانقضوا على مؤسساتهم وفرضوا عليها قضبان تحول بينهم وبين الحداثة والابتكار تحيزاً لأرائهم المتكئة على قناعتهم بأن مرؤوسيهم لا جدوى منهم ويفتقدون إلى الذكاء وأنهم الوحيدون القادرون على الإصلاح ، بما ينعكس على معاملة مرؤوسيهم كقطيع من الماشية ، فما عليهم من سبيل سوى إطاعة الأوامر والاستسلام للنواهي دون تفكير أو رأي ، فهم مسخرون فقط لأداء عملهم كالآلات ..وغالباً ما يجري ذلك تحت مناخ عمل خانق يملئوه الشكوك ، بما يتسبب في تراجع الهمم وعدم الرغبة في التطوير أو الإصلاح ويحد من سير قافلة العمل والإنتاج .. إن هؤلاء يجب الانتباه لمكمن خطورتهم والإسراع إلى اكتشافهم بتطبيق معايير الرصد والتقييم التي يمكن من خلالها إناطة اللثام عنهم من خلال متابعتهم والتأكد بإلمامهم وتطبيقهم لمفاهيم الإدارة الحديثة وتقويمهم حتى لا يؤثرون على ما تسعى إلي تحقيقه الدول العربية من ترسيخ وتحقيق مبادئ وأهداف التنمية المستدامة.
Be the first to comment on "المدير المتسلط !!!"