تحرير مفهوم أهل السنة والجماعة مقال للكاتب يزن الغانم أورد فيه مقدمات في شرح مفهوم أهل السنة والجماعة وضابط الخروج عن هذا المسمى
تحرير مفهوم أهل السنة والجماعة
بقلم يزن الغانم
المقدمة: بسم الله والحمد لله، وبعد: هذه مقدمات في شرح مفهوم أهل السنة والجماعة وضابط الخروج عن هذا المسمى.
وهذه مقدمات قد لا تجدها مجتمعة إلا في كثير من الكتب والمواضع، وفائدة جمعها في مكان واحد هو الحاجة إلى ربطها لفهم هذه المسألة المهمة التي يكثر عنها الحديث ويقع فيها اللغط والغلط،والله أسأل أن يتقبلها وينفع بها.
المقدمة الأولى:
في معنى “أهل السنة والجماعة”
سموا أهل السنة: لاتباعهم سنة النبي صلى الله عليه وسلم وترك الابتداع.
عن الإمام الحسن البصري رحمه الله قال: السُّنة والذي لا إله إلا هو بين الغالي والجافي، فاصبروا عليهما رحمكم الله فإن أهل السنة كانوا أقل الناس فيما مضى، وهم أقل الناس فيما بقي، الذين لم يذهبوا مع أهل الإتراف في إترافهم، ولا مع أهل البدع في بدعهم، وصبروا على سنتهم حتى لقوا ربهم، وكذلك إن شاء الله، فكونوا. إغاثة اللهفان (٧٠/١).
– وعن الإمام الأوزاعي رحمه الله قال: اصبر نفسك على السنة، وقِف حيث وقف القوم، وقل بما قالوا، وكف عما كفوا عنه، واسلك سبيل سلفك الصالح، فإنه يسعك ما وسعهم.رواه اللالكائي في شرح اعتقاد أهل السنة (١٥٤/١)، والبيهقي في المدخل (٢٢٣) والآجري في الشريعة (٥٨).
وسموا الجماعة: لأنهم اجتمعوا على الحق ولم يتفرقوا فيه.
قال ابن مسعود رضي الله عنه:الجماعة ما وافق الحق،ولو كنت وحدك.
رواه اللالكائي في شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة(١٢٢/١)، وصحح سنده الشيخ الألباني كما في تعليقه على مشكاة المصابيح: (٦١/١)، ورواه الترمذي في سننه(٤٦٧/٤).
قال ابن تيمية رحمه الله تعالى: أهل السنة والجماعة، هم سلف الأمة وأئمتها،ومن تبعهم بإحسان. مجموع الفتاوى(٢٤١/٢٤).
-فأهل السنة والجماعة: هم من كان على مثل ما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه قولاً وعقيدتاً وعملا.
المقدمة الثانية:
ينبغي أن يعلم أن مصطلح أهل السنة والجماعة يطلق ويراد به معنيان:
المعنى الأول:
المعنى الأعم وهو على قسمين :
الأول: كونه في مقابل طوائف معينة.
الثاني:كونه في مسائل اعتقادية معينة.
١- المعنى الأعم في مقابل الطوائف المعينة: وهو ما يقابل الشيعة فيقال : المنتسبون للإسلام قسمان،السنة والشيعة.
ففي مقابل الشيعة يدخل في معنى أهل السنة والجماعة، ما سوى الشيعة كالأشاعرة والماتردية ونحوهم.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى:فلفظ السنة يراد به من أثبت خلافة الخلفاء الثلاثة، فيدخل في ذلك جميع الطوائف إلا الرافضة.منهاج السنة(١٣٢/٢).
٢- المعنى الأعم في مقابل المسائل المعينة:
قال العلامة ابن باز رحمه الله تعالى :
كما أنه لا مانع أن يقال: إن الأشاعرة ليسوا من أهل السنة في باب الأسماء والصفات، وإن كانوا منهم في الأبواب الأخرى.تنبيهات على ما كتبه الصابوني.(٣٨،٣٧)
وقال في الفتاوى : الأشاعرة عندهم شيءٌ من مذهب أهل السنة، وعندهم شيءٌ من مخالفة السنة، فهم مع أهل السنة فيما وافقوا فيه أهل السنة.
وقال ابن عثيمين:
الأشاعرة من أهل السنة والجماعة فيما وافقوا فيه أهل السنة والجماعة ، وهم مخالفون لـ أهل السنة والجماعة في باب الصفات…(٢٠/٦) لقاء الباب المفتوح.
المعنى الثاني :
المعنى الأخص: وهو ما يقابل المبتدعة وأهل الكلام.
فبهذا الاعتبار لا يطلق أهل السنة والجماعة إلا على أهل الحديث والأثر، فيخرج بذلك الأشاعرة والماتردية وجميع الطوائف إلا من كان على ما كان عليه السلف.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية:
أنهم أهل الحديث والأثر، أهل السنة المحضة، فلا يدخل فيهم إلا من أثبت الصفات لله تعالى، وقال: إن القرآن غير مخلوق، وأن الله يرى في الآخرة، وأثبت القدر، وغير ذلك من الأصول المعروفة عند أهل الحديث والسنة.(١٣٢/١).
المقدمة الثالثة:
ضابط الخروج عن مسمى أهل السنة والجماعة.
هو المخالفة لأصل من أصول أهل السنة والجماعة من مثل أصل الإيمان والقدر والأسماء والصفات والصحابة وغيرها من الأصول.
قال الإمام الشاطبي رحمه الله تعالى
:وذلك أن هذه الفرق إنما تصير فرقاً بخلافها للفرقة الناجية في معنىً كلي في الدين وقاعدة من قواعد الشريعة لا في جزئي من الجزئيات إذ الجزئي والفرع الشاذ لا ينشأ عنه مخالفة يقع بسببها التفرق شيعاً و إنما ينشأ التفرق عند وقوع المخالفة في الأمور الكلية لأن الكليات تقتضي عدداً من الجزئيات غير قليل و شأنها في الغالب أن لا يختص بمحل دون محل ولا باب دون باب.(١٧٧/٣).
-وكما يدل على هذا المعنى كلام شيخ الإسلام ابن تيمية،آنفاً.
وهذا تحرير مهم في هذه المسألة:
قال العلامة الشيخ صالح آل الشيخ –حفظه الله تعالى- الشذوذ مرتبتان:
المرتبة الأولى:
أن ينفرد ويشذ في أصل من الأصول؛ يعني في الصفات، في الإيمان، في القدر، فهذا بانفراده في الأصل يخرج من الاسم العام المطلق لأهل السنة والجماعة.
المرتبة الثانية:
أن يوافق في الأصول؛ لكن يخالف في فرع لأصل أو في فرد من أفراد ذلك الأصل.
مثلا يؤمن بإثبات الصفات وإثبات استواء الرب – جل جلاله – على عرشه وبعلو الرب – جل جلاله – وبصفات الرحمن سبحانه وتعالى، لكن يقول: بعض الصفات أنا لا أثبتها، لا أثبت صفة الساق لله – عز وجل -، أو لا أثبت صفة الصورة لله – عز وجل -، أو أثبت أن لله أعينا، أو أثبت لله – عز وجل – كذا وكذا مما خالف به ما عليه الجماعة.
فهذا لا يكون تاركا لأهل السنة والجماعة؛ بل يكون غلط في ذلك وأخطأ ولا يتبع على ما زل فيه بل يعرف أنه أخطأ، والغالب أن هؤلاء متأولون في الإتباع.
وهذا كثير في المنتسبين للسنة والجماعة كالحافظ ابن خزيمة فيما ذكر في حديث الصورة، وكبعض الحنابلة حينما ذكروا أن العرش يخلو من الرحمن – جل جلاله – حين النزول، وكمن أثبت صفة الأضراس لله , وأثبت صفة العضد أو نحو ذلك مما لم يقرره أئمة الإسلام.
فإذا من شذ في ذلك في هذه المرتبة، يقال: غلط وخالف الصواب؛ ولكن لم يخالف أهل السنة والجماعة في أصولهم؛ بل في بعض أفراد أصل وهو متأول فيه.
وهذا هو الذي عليه أئمة الإسلام فيما عاملوا به من خالف في أصل من الأصول في هذه المسائل، وكتب ابن تيمية بالذات طافحة بتقرير هذا في من خالف في أصل أو خالف في مسألة فرعية ليست بأصل…
فالخلاصة : يجب أن نفرق بين من وقع في بدعة أو خطأ من علماء السلف -أهل السنة والجماعة- الذين ينطلقون في استدلالهم من الحديث والأثر وبين من وقع في بدعة من أهل الأهواء والبدع الذين ينطلقون من أصول وقواعد مبتدعة أو منهج غير منهج أهل السنة و الجماعة.
المقدمة الرابعة:
س: هناك علماء عرفوا بالسنة وصدق القدم في الأمة،كالإمام البيهقي والنووي وابن حجر ،فهل هم خارجون عن مسمى أهل السنة والجماعة بسبب مخالفتهم في بعض مسائل الصفات وغيرها؟
ج: يقال أن هؤلاء العلماء الأجلاء وأمثالهم لم ينتسبوا للفرق الكلامية،ولا كان منطلقهم علم الكلام والأقيسة الفاسدة.
فمنهجهم العام هو الإنطلاق من الحديث والأثر،وقد خالفوا أهل البدع في كثير من المسائل، ولم يجعل الله العصمة إلا لنبيه صلى الله عليه وسلم،ولعل خطأهم غير مقصود ومغفور بما قدموه من خدمة عظيمة للسنة وعلومها.
وكانوا من أشد الناس مجانبة للكلام والتحذير منه.
لذلك لا يصح أن يُنسب إلى مذهب الأشاعرة ، إلا من التزم منهجهم في العقيدة ، أما من وافقهم في بعض المسائل دون بعض ، فلا يُنسب إليهم.
قال الشيخ ابن عثيمين في معرض كلامه عن الحافظين النووي وابن حجر :
وهل يصح أن ننسب هذين الرجلين وأمثالهما إلى الأشاعرة ، ونقول: هما من الأشاعرة ؟
الجواب :
لا ، لأن الأشاعرة لهم مذهب مستقل ، له كيان في الأسماء والصفات والإيمان وأحوال الآخرة ، وما أحسن ما كتبه أخونا سفر الحوالي عما علم من مذهبهم ، لأن أكثر الناس لا يفهم عنهم إلا أنهم مخالفون للسلف في باب الأسماء والصفات ، ولكن لهم خلافات كثيرة .
فإذا قال قائل في مسألة من مسائل الصفات ، بما يوافق مذهبهم ، فلا نقول : إنه أشعري ، أرأيتم لو أن إنسانا من الحنابلة اختار قولا للشافعية ، فهل نقول إنه شافعي ؟.
شرح الأربعين النووية(ص ٢٩٠).
وسئل الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله :
بالنسبة للعلماء الذين وقعوا في بعض الأخطاء في العقيدة ، كالأسماء والصفات ، وغيرها ، تمر علينا أسماؤهم في الجامعة حال الدراسة ، فما حكم الترحُّم عليهم ؟ .
الشيخ : مثل مَن ؟ .
السائل : مثل : الزمخشري ، والزركشي ، وغيرهما .
الشيخ : الزركشي في ماذا ؟ .
السائل : في باب الأسماء والصفات .
فأجاب :
على كل حال ، هناك أناس ينتسبون لطائفة معينة شعارها البدعة ، كالمعتزلة مثلاً ، ومنهم الزمخشري ، فالزمخشري مُعتزلي ، ويصف المثْبِتِين للصفات بأنهم : حَشَوِية ، مُجَسِّمة ، ويُضَلِّلهم فهو معتزلي ،
ولهذا يجب على مَن طالع كتابه “الكشاف” في تفسير القرآن أن يحترز من كلامه في باب الصفات ،
لكنه من حيث البلاغة ، والدلالات البلاغية اللغوية جيد ، يُنْتَفع بكتابه كثيراً ، إلا أنه خَطَرٌ على الإنسان الذي لا يعرف في باب الأسماء والصفات شيئاً ،
لكن هناك علماء مشهودٌ لهم بالخير ، لا ينتسبون إلى طائفة معينة مِن أهل البدع ،
لكن في كلامهم شيءٌ من كلام أهل البدع ؛ مثل ابن حجر العسقلاني ، والنووي رحمهما الله ،
فإن بعض السفهاء من الناس قدحوا فيهما قدحاً تامّاً مطلقاً من كل وجه ، حتى قيل لي : إن بعض الناس يقول :
يجب أن يُحْرَقَ ” فتح الباري ” ؛ لأن ابن حجر أشعري ، وهذا غير صحيح ،
فهذان الرجلان بالذات ما أعلم اليوم أن أحداً قدَّم للإسلام في باب أحاديث الرسول مثلما قدَّماه ،
ويدلك على أن الله سبحانه وتعالى بحوله وقوته – ولا أَتَأَلَّى على الله – قد قبلها : ما كان لمؤلفاتهما من القبول لدى الناس ، لدى طلبة العلم ، بل حتى عند العامة ،
فالآن كتاب ” رياض الصالحين ” يُقرأ في كل مجلس , ويُقرأ في كل مسجد ، وينتفع الناس به انتفاعاً عظيماً ، وأتمنى أن يجعل الله لي كتاباً مثل هذا الكتاب ، كلٌّ ينتفع به في بيته ، وفي مسجده ،
فكيف يقال عن هذين : إنهما مبتِدعان ضالان ، لا يجوز الترحُّم عليهما ، ولا يجوز القراءة في كتبهما !
ويجب إحراق ” فتح الباري ” ، و ” شرح صحيح مسلم ” ؟! سبحان الله !
فإني أقول لهؤلاء بلسان الحال ، وبلسان المقال :
أَقِلُّوا عليهمُ لا أبا لأبيكمُ مِن اللومِ أو سدوا المكان الذي سدوا
من كان يستطيع أن يقدم للإسلام والمسلمين مثلما قدَّم هذان الرجلان ، إلا أن يشاء الله ،
فأنا أقول : غفر الله للنووي ، ولابن حجر العسقلاني ، ولمن كان على شاكلتهما ممن نفع الله بهم الإسلام والمسلمين ، وأمِّنوا على ذلك .لقاءات الباب المفتوح(٤٣/السؤال رقم ٩).
فتوى الشيخ صالح الفوزان في ماهية المبتدع
وسئل الشيخ صالح بن فوزان الفوزان حفظه الله :
لقد ظهر بين طلاب العلم اختلاف في تعريف المبتدع ، فقال بعضهم : هو من قال أو فعل البدعة ، ولو لم تقع عليه الحجة ، ومنهم من قال لابد من إقامة الحجة عليه ، ومنهم من فرَّق بين العالم المجتهد وغيره من الذين أصلوا أصولهم المخالفة لمنهج أهل السنة والجماعة ، وظهر من بعض هذه الأقوال تبديع ابن حجر والنووي ، وعدم الترحم عليهم ؟
فأجاب :
أولاً: لا ينبغي للطلبة المبتدئين وغيرهم من العامة أن يشتغلوا بالتبديع والتفسيق ؛ لأن ذلك أمر خطير وهم ليس عندهم علم ودراية في هذا الموضوع ، وأيضاً هذا يُحدث العداوة والبغضاء بينهم ، فالواجب عليهم الاشتغال بطلب العلم ، وكف ألسنتهم عما لا فائدة فيه ، بل فيه مضرة عليهم ، وعلى غيرهم .
ثانياً: البدعة : ما أحدث في الدين مما ليس منه ؛ لقوله صلى الله عليه وسلم : ( من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد ) – رواه البخاري – ، وإذا فعل الشيء المخالف جاهلاً : فإنه يعذر بجهله ، ولا يحكم عليه بأنه مبتدع ، لكن ما عمله يعتبر بدعة .
ثالثاً: من كان عنده أخطاء اجتهادية تأوَّل فيها غيره ، كابن حجر ، والنووي ، وما قد يقع منهما من تأويل بعض الصفات : لا يُحكم عليه بأنه مبتدع ، ولكن يُقال : هذا الذي حصل منهما خطأ ، ويرجى لهما المغفرة بما قدماه من خدمة عظيمة لسنَّة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فهما إمامان جليلان ، موثوقان عند أهل العلم.
المنتقى من فتاوى الفوزان” (٢١٢/٢).
الخاتمة:
من فهم هذه المقدمات المهمة،فقد عرف ضابط ومفهوم أهل السنة والجماعة وزالت عنه الإشكالات المتعلقة بهذه المسألة.
والله الموفق والمستعان وعليه التكلان، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
Be the first to comment on "تحرير مفهوم أهل السنة والجماعة"