من درجات الابداع

من درجات الابداع بقلم فارس كمال محمد

الابداع و الانفعال وتهيئة العقل والتركيز الذهني

قد لا يحتاج الشاعر الى اكثر من الانكفاء المؤقت على نفسه ، ثم اغلاق منافذ الوعي والانتباه المفتوحة الى الخارج ، واستحضار ذكرى الامر العظيم الذي مر به او الخطب الجلل الذي المّ به وآلمه او المناسبة السعيدة التي عاشها في سرور وفرح او مشاعر الحب والوجد التي غمرت قلبه فعاشها في هيام وشغف ، حتى تنثال على قلبه خطرات الالهام من ربات الشعر اللاتي حضرن وتواصلن معه ، وكأنها ومضات ابداع قدحت زناد ذهنه فتوهج واستعر ، ودفقات وجد فاضت على قلبه وغمرت روحه ، ورسائل وحي والهام بعثتها اليه ربات الشعر من فوق ، فالتمعت في راسه رؤى وافكار لم تكن لتمر عليه لو كان دائراً مع الاخرين في سورة التعامل والانشغال بمتطلبات الحياة في المجتمع ،

سمات وقدرات المبدع

وقد لا يحتاج الاديب المفكر اكثر من قلم وورقة ليسطر عليها بيراعة المتمرس رائعة من روائع الادب فتضحى خالدة يتناقلها القراء جيلا بعد جيل .. كل هذا جائز .. ولكن عند من ..؟ انها عند تلك الفئة المتميزة ، تلك التي حباها الله تعالى بقدرات فائقة وصفات كمال نادرة وعقول مبدعة خلاقة ونفوس سامية ليس لها مثيل عند غيرهم الا من صور باهتة .. انهم اصحاب عقول متفتحة ومستويات شعور واسعة وخزائن معارف كبيرة وارصدة معلومات مخزنة تسعها مساحات شاسعة ، اذهانهم متوقدة وسيّالات الفكر عندهم تمضي على عجل ولهم قلوب نابضة وعواطف جياشة … وذكريات حاضرة وافكار جاهزة وابداع كامن يكاد ان ينطلق عند اي خاطرة .

وفئة اخرى مبدعة منهم


ولنا ان نحسب مجموعة اخرى من المبدعين على انها منهم ايضا ، فيهم اعلام فكر وادب ولهم محبون ومتابعون ولهم ابداعات ونتاج يدور بين المثقفين .. لكنهم يقفون على كفة اخرى مقابلة ومختلفة ..

الخصال والاطباع والتركيب الفسلجي

والاختلاف بين المجموعتين ، اختلاف خصال وطباع وشمائل ، وتركيب جسمي فسلجي عصبي .. ذاك الاختلاف الذي يقربنا الى فهمه عالم النفس( هـ ج ايزنك )في كتبه – منها المترجم بعنوان الحقيقة والوهم في علم النفس – والدكتور المرحوم ( سامي الدروبي ) في مؤلفه علم الطباع المدرسة الفرنسية . للفئة الاولى صفات ومزايا كثيرة ، منها سرعة التيار العصبي المنطلق من الدماغ نحو الخارج ، وعبوره نقاط وعقد الاعصاب في سرعة تدهش الناظرين وتحير الدارسين حتى لينسبون للواحد منهم قرين من الجان يخدم وشيطان رجيم يعبث ،

الانفعال متاثر بشدة الانفعال

وكذلك تداعي الافكار والمعاني على ذهن صاحبها بسرعة مطردة ، كلما اشتد انفعال الشخص ازداد التدفق وتوالت الافكار وازدادت حدته وكثر وفاض ثرائه.. والعكس صحيح عند المجموعة الاخرى المقابلة ، نعني ان دفقات المعاني والافكار قد تتلكأ وتبطا وتعجز عن اسعاف صاحبها ، وتزداد اطرادا كلما اطرد الانفعال شدة وايلاما ، فيستجدي الكلمات والمعاني من قريحة تبخل عليه وتتمنع (( المطالعات قديمة ومن وحيها جاء الذي تقدم ذكره )). كلما اشتدّ حماس صاحب الفئة الاولى وفار تنوره وحمي الوطيس انفجرت قريحته وزادت الفاضه تدفقاً ومعانيه ثراءً وحدّة .. اما الآخر فسيزداد عجزاً وبطئاً وتشتتاً وانهيارا ولن يسعفه الا التريث والتامل واستجماع قواه وافكاره ففي الجعبة نصال كثيرة تكفل له اصابة اهدافة بنجاح باهر ..

استحضار المعاني وتدفق الكلمات وشدة الانفعال


قد تقدّم المجموعة الاولى اعمالا ابداعية تشهد لهم بالتفوق والتفرد دون التوقف طويلا عند مراحل الابداع التي اسهب في وصفها علماء النفس بما تميزوا به من السرعة في التفكير وفي استدعاء الذكريات والاحساس العميق بالمواقف المتازمة ، والسعة الكبيرة في ساحة الشعور ، لكن الامر غير ذلك عند المجموعة الثانية ، فهم بحاجة الى المكوث اطول عند محطات الانتاج الادبي او الفكري المبدع ، واحوج الى استجماع الموارد المفيدة في تقديم حلول ملهمة تشهد لهم بالاصالة في التفكير .. فلو طلب من احدهم كتابة مقال عن موضوع ما من المواضيع ، فسيسارع الى اقرب مكتبة او مركز انترنيت لتوفير المراجع التي تخدمه في كتابة المطلوب ، وهذا قد لا نجده عند المبدعين من الصنف الاول …

Be the first to comment on "من درجات الابداع"

تعليقك يثري الموضوع