منذ أكثر من سبع عقود ماضية أخذت في الانتشار الدراما الواقعية في مصر،
وبعد نكسة 1967 اتسعت وذاعت حتى تربعت على الساحة الفنية خلال السبعينات والثمانيات والتسعينات من القرن الماضي وإن كان قد اهتز عرشها نوعاً ما بعد فيلم “إسماعيلية رايح جاي” سنة 1997 ، وما أعقبه من انتشار أفلام التشويق والميلودراما والحركة ..
ولا شك بأن الأعمال الدرامية التي تنزع إلى الواقعية لها آثارها الإيجابية التي بها يتم تسليط الضوء على بعض المشكلات التي يعاني منها المجتمع لتكون موضع دراسة واهتمام ،
خاصة إذا طرحت موضوعاتها بشكل صادق ودون افتعال أو اتجار بمشكلات المجتمع سعياً لشباك التذاكر ..
والحقيقة أن غالبية النقاد والسينمائيين أجمعوا على أن المخرج الكبير صلاح أبو سيف بلا منازع يعد رائداً لهذا النوع من الدراما،
فإذا دققنا النظر في أفلام صلاح أبو سيف نجد أنفسنا مأخوذين من قدرته على تحقيق المعادلة الصعبة بإرضاء الجمهور وتقديم الفن الرفيع في ذات الوقت ،
وكيف لا ، وهو من يرى أن الواقعية هي أن ترى الواقع ببصرك وبصيرتك في أعماق هذا الواقع وأن تدرك وتعي جذور الظاهرة ، لا أن تكتفي برصد الظاهرة فقط ..
ولكن خلال تجربة الدراما المصرية للواقعية ومسيرتها الطويلة التي ألقت بظلالها على المجتمع المصري ، ومن خلال معالجتها لكثير من القضايا الهامة تسرب مؤخراً إلى المجتمع من خلال الحبكة الدرامية الكثير من التركيبات اللغوية العامية السطحية المتدنية التي أخذت في الانتشار بين طبقات المجتمع المختلفة
والتي تشجع على الاستهتار وتكرس العدوانية ،
فإذا كان البعض يرى أن نجاح العمل الدرامي الواقعي إنما ينشأ من تناظر دقيق لمحاكاة الواقع ، فيجب ألا يغيب عنه انعكاس عمله على سلوك المشاهد في ظل بيئة شديدة التعقيد نتيجة تنوع الثقافات الدخيلة على المجتمع وعدم وجود غطاء ثقافي قادر على التصدي لها ،
من ثم كان من الأولى عند تناول الأعمال الدرامية التركيز على أصل الموضوع وجذوره وليس ظاهره ،
فإذا كانت الأعمال الدرامية الغربية بها الكثير من أعمال العنف فإن تأثيرها على المجتمعات الغربية يعد ضعيفاً بالمقارنة بمجتمعات الدول النامية ؛
ويرجع ذلك إلى أن البيئة في الدول المتقدمة لا تشجع على العنف، أما في مجتمعاتنا ، فالأعمال الدرامية لدي الكثير هي طريقة لفهم الواقع الذي يعيش فيه وألفاظها هي وسيلة للتعامل مع هذا الواقع ،
لذا فالعمل الدرامي أصبح منهجاً نافذاً للتأثير على السلوك والأفكار في المجتمعات النامية ، ورسولاً لدى المجتمعات الأخرى يرصد واقع مجتمع ما ،
بل أنه كثيراً ما يكون مبعثاً رئيسياً في تشكيل الصورة الذهنية عن مجتمع ما ،
لذلك يجب أن نعي أهمية العمل الدرامي وتأثيره في الداخل والخارج ،
وندرك في ذات الوقت أن العمل الدرامي الواقعي الناجح ليس ذلك العمل الذي يحاكي الواقع بكل تفاصيله ولكنه ذلك الذي تنساب أحداثه بسلاسة شديدة لدرجة أننا ننسى أننا نشاهد عملاً درامياً ،
ومن ثم ، فلا حاجة للاستغراق في التراكيب اللغوية السطحية المتدنية في الوقت الذي تكرس فيه الدولة كل جهودها للعبور إلى واقع جديد … يتبع
Be the first to comment on "الدراما والواقع"