بعد الحرب العالمية الأولى انتشر في أنحاء أوروبا مرض مرعب كان يؤدى كثيرا إلى موت ضحاياه، وهو مرض ناشئ عن التلوث بفيروس واسمه التهاب المخ الكسول الخامل ( Encephalistis Lethargica ).
وكانت أولى مراحل الإصابة به تتميز بالحمى والهياج و تعقبها بعد عدة أسابيع حالة خمول وكسل ومغالبة النعاس.
وفوق هذا كله نوع غير طبيعي من النوم الطويل. وبدأ السؤال يثار عن ذلك التكوين في المخ الذي يمكن أن يكون مسئولاَ عن هذه الحالة التى تؤدى إلى النوم ورؤية الاحلام.
وعندما أجرى فحص ميكروسكوبي لأنسجة المخ عند المرضى الذين ماتوا بسبب المرضJ اتضح بجلاء أن التلوث كان مرتبطا بتغيرات في الخلايا الموجودة في المخ البيني ( Interbrain ) المعروف باسم الديانسيفالون ( Dienchephalon ).
فهل كان هذا هو السبب في النوم المفرط؟ فيما بعد في العشرينيات من القرن تمكن العلماء بواسطة إجراء التجارب على الحيوانات من أن يبحثوا بصورة أكثر تفصيلا تكوينات المخ المسئولة عن تنظيم النوم.
مراكز المخ وتنظيم عملية النوم
وأدى إلى قيام خلافات حامية فيما بين المتخصصين: هل النوم عملية سلبية تنشأ فقط بسبب انتهاء حالة اليقظة أو توقفها، كما زعم من قبل الشاعر الروماني لوكريشيوس ( Lucretius )؟
أم أنه عملية نشطة إيجابية تبدأ في بعض مراكز المخ المعينة؟ كان فريدريك بر يمر( (Frederic Bremer عالم النيوروفسيولوجيا البلجيكي مناصراَ ومدافعا بارزا عن النظرية الأولى.
وقد حاول بالتجارب التي أجراها خلال الثلاثينيات أن يبين أن حالة اليقظة يمكن أن تستمر طالما كانت هناك مثيرات حسية ترد إلى مخ الحيوان من البيئة.
و لما فحص الممرات العصبية التي تربط أعضاء الحس بالمخ تبين له أن حيوانات المختبر تدخل في حالة متصلة مستمرة من النوم.
وكانت هذه النتيجة التي شاهدها نوعا من التأييد للفرض القائل بأن النوم بمثابة عملية سلبية تحدث عندما تغيب أو تختفي المؤثرات المنشطة.
وأما أهم العلماء المعارضين لهذه النظرية والترهس (alter Hess ) أستاذ الفسيولوجيا في جامعة زيورخ ووقدم دراسات في تفسير الاحلام (tafsir ahlam).
وقد كان هس من أوائل من توصلوا إلى إيجاد طريقة تمكن من دراسة تأثير التنبيهات الكهربية على السلوك وذلك عن طريق غرس أو تثبيت أقطاب كهربية دقيقة دائمة في مناطق معينة من المخ عند حيوانات المختبر.
وحديثا اتبع الأطباء هذا الإجراء لعلاج المرضى، وعلى الخصوص لتحديد واستبعاد بؤرة الصرع من المخ.
و لما كان المخ لا يستطيع الإحساس بالألم وجدنا أن غرس الأقطاب والتنبيه الكهربي لا يحدثان للمريض أي ألم.
ولاحظ هس أن تنبيه بعض المناطق المعينة في المخ يجعل الحيوان يلتمس مكان راحته، ليتخذ وضع النوم المعتاد لديه ثم يستسلم للنعاس.
وعلى الرغم من أنه كان بالإمكان إيقاظ الحيوان في أي وقت، إلا أن المثيرات المنبهة كان لا بد لها من أن تصل إلى مستوى معين من الشدة حتى تتمكن من تنبيه الحيوان بالضبط كما هو الأمر في حالة النوم الطبيعي.
وبعد التنبيه الكهربي عن طريق الأقطاب، كان الحيوان يظل نائما في أكثر الأحيان عدة ساعات.
محاولات العلماء لتحفيز النوم
وهناك مواضع خاصة في المخ البيني ( Interbrain ) لو أن الأقطاب غرست فيها، لكان من السهل كثيرا إحداث النوم والدخول في مرحلة نوم حركة العين السريعة والتي تحدث فيها الاحلام.
هذه النتائج التي توصل إليها هس تلقى ظلال الشك على نظرية النوم السلبي، مادام قد تبين من تجاربه أن النوم يحدث عن طريق تنبيه المخ، وبمجرد استبعاد مثير حي خارجي.
وقد كانت نظرة هس إلى وظائف المخ نظرة متكاملة جعلته لا ينظر إلى النوم على أنه عملية منعزلة يمكن دراستها منفصلة عن سائر العمليات الفسيولوجية الأخرى.
وفي سنة 1931 كتب يقول “إن محاولتنا لبحث مسألة طبيعة النوم مبنية على افتراض أن هذه المشكلة لا يمكن أن تحل منفردها، وإنما تحل في سياق تحليل التكوين الوظيفي الكلي للكائن الحي.
وقد ميز بين حالتين وظيفيتين أساسيتين: حالة اليقظة نحو العمل ( Ergotropic State ) التي تسود أثناء النهار وتجعل الكائن الحي قادرا على صور فعالة من السلوك مثل الهجوم أو المقاتلة;
وحالة الخمول والراحة والتعويض والتي تتيح للجسم الاحتفاظ بالطاقة واستعادة حيويته وتجنب الإجهاد المفرط. ورأى هس أن النوم عبارة عن “وظيفة متميزة ومهمة لاستعادة الطاقة
Be the first to comment on "النوم والاحلام عملية نشطة لاستعادة الطاقة والنشاط"