بقلم هاجر
تعتبر هاته القصة من بين أكثر القصص التي أسرت تفكيري ،توقفت عند تفاصبلها كثيرا أبحث في مكنوناتها وعبرها ومغزاها أكرس خيالي لأرسم لهاته القصة مشاهدا تليق بها ،تجسدها ولو قليلا لكن فيما بعد بحثت في وجوه العديد من الناس الذين أعرفهم فوجدت في كل منهم بروتوس بدت الخيانة على ملامحهم وأفعالهم بشكل أوضح وأقذر للأسف …..
في حياتي التقيت بالكثير من أولئك الذين أحببتهم وتمنيت لو أنهم بادلوني نفس الشعور كنت دائما ما أرى الخير فيهم أنتظر منهم أن نعود كما كنا من قبل أن نجتمع دون مجاملات دون نفاق دون كذب دون أقنعة ،كان حبي لهم صادقا بكل معنى الكلمة آثرت وجودهم على وجودي سعيت لنجاحهم أكثر من سعيي لنجاحي حملت على عاتقي مسؤولية البحث عن سعادتهم …..
اعتبرتهم الماء والهواء والأرض .
اعتبرتهم كياني كله بلغ بي الهيام بهم مبلغا لا يمكن وصفه بالكلمات ولا بالأشعار ولا المعلقات ولا بأي شيئ ،تمنيت لو أنهم كانوا صادقين معي من البداية لما كنت تألمت بهذا القدر لكنت سامحتهم ومضيت ….
كانت حكايتنا عن الحب عن الصدق عن الأمل عن أن لا نكون خائنين ولا منافقين ،كنا نحلم معا بأن نكون صادقين أكثر كانت تلك الابتسامات خادعة وكاذبة وكانت تلك الوعود تخرج من أفواههم وهم يعلمون أنها أوهام أكثر منها وعود بروتوس ليس أكثر قذارة منهم..
بروتوس ذلك الولد الذي تبناه يوليوس قيصر الامبراطور الروماني لم يكن يعتقد يوليوس في يوم من الأيام أن ذلك الطفل الرضيع الذي حمله بين ذراعيه وقرر أن يتخذه ولدا وعونا له هو نفسه الذي سيقضي على حياته ..
لم يتبادر إلى ذهن يوليوس أبدا أن ذلك الفتى الذي يلعب في حديقة القصر هو من سيغتصب حقه في الحياة..
يوليوس يتجول في قصره يسأل في لهفة وشغف أين صغيري بروتوس …..
تبدأ ملامح الشباب تظهر على بروتوس يتفاخر يوليوس بوسامة ورجولة وشجاعة ابنه بروتوس …
تمضي الأيام بحلوها ومرها على امبراطورية روما العظيمة وذات يوم يتنامى إلى سمع يوليوس قيصر وهو جالس في مجلس الشيوخ جلبة وصراخ…
وإذا بمجموعة من الانقلابيين قد اقتحموا عليه القاعة بسيوفهم يريدون القضاء عليه ….
فحمل رجل الحرب يوليوس بكل بسالة وشجاعة معهودة سيفه وقاتل في مختلف الجبهات يمينا وشمالا تغلب عليهم جميعهم كانوا أمام ناظريه قاتلوه وجها لوجه.
لكن وهو في غمرة قتالهم ونشوة انتصاره عليهم وقرب نهايتهم على يديه شعر بخنجر غادر غرسه أحدهم في ظهره من الخلف …..
لقد تعرض القيصر إلى طعنة شديدة وعميقة وقاتلة في ظهره …
وقد ظن للوهلة الأولى أن من فعلها هو أحد الانقلابيين تحين الفرصة وطعنه في ظهره .
ولكنه حينما التفت ليرى قاتله كانت مرارة الصدمة آنذاك أشد من حرارة الطعنة.
فقد تفاجأ بأن صاحب الطعنة لم يكن سوى أعز الناس إلى قلبه وابنه الذي لم ينجبه وصديقه ونصيره بروتوس
فنظر إليه القيصر وهو في ذهول نظرة ألم وقلب محطم ينبض نبضاته الأخيرة قائلا كلمته الأخيرة” حتى انت يا بروتوس “
هاته القصة كلما قرأتها تألمت يمكن أن يكون ألمي أكثر من ألم يوليوس أو يمكن ان يكون مثله أو أقل منه لكن طعم القهر هو ذاته،
بروتوس موجود في كل مكان في كل زمان لن ينتهي لن يمضي لن يختفي في داخل كل واحد منا إما يوليوس والذي يمثل الإنسان الذي يضع ثقته وحبه وأمله في من يظنه أهلا لذلك فيبادله الحب بالعداء المستتر الخفي ويستبدل الحسنة بالسيئة وإما بروتوس الذي أصبح رمزا للخيانة يقترن اسمه في كل عصر بكل ماهو دنيئ ورخيص ولكل واحد منا الاختيار هل يكون رمزا للمروءة أو مرآة مشوهة للخيانة ،
كانت نفسي تواقة لكل ما هو حسن وجميل ونقي وطاهر هم كانوا عكسي تماما التمست لهم الأعذار كثيرا لكن أدركت مؤخرا انني كنت على خطأ حين أقدمت على فعل ذلك كان لي أعداء كثر بحكم كتاباتي ومقالاتي التي كنت أنشرها في الصحف والمجلات كنت أنتقد كل ما هو سيئ من حولي وصل قلمي لكل الفاسدين من القاع لأعلى الهرم ،
طبيعة نفسي تمقت كل ماهو باطل كل ما يتنافى والأخلاق والقيم ،
كتاباتي تلامس العديد من الفئات العمرية والثقافية آثار ذلك غضب وقلق البعض ممن يتحكمون في زمام الأمور ،
بلغ صبرهم أقصى حدوده معي أعترف بذلك لكنني كنت عنيدة غاضبة مفعمة بحماس الشباب الذي يريد أن يغير الواقع بأي طريقة وبأي شكل ،المهم الوصول إلى التغيير …
وجودي في محيط وبين أناس يقاسمونني نفس الحلم والنظرة والرغبة أجج كل ذلك في داخلي ،
علمت مؤخرا أن التغيير ينبع من بيئة ترغب جميع طبقاتها وأطيافها وتشكيلاتها في حياة حقيقية تحمل في تفاصيلها وتقاسيمها الكرامة والعيش الكريم والحرية والعدالة الاجتماعية ولا يتحقق التغيير من فرد واحد أو جماعة صغيرة في مجتمعنا هؤلاء الفئة سيسمون إذا تولدت لديهم الرغبة في التغيير بالشرذمة أو الخارجون عن القانون ،
أنا للأسف كنت من هؤلاء الحالمين الراغبين في الانتصار للمبادئ والقيم العادلة حاربت على مختلف الجبهات حاربت بكل بسالة كنت أرد على تهديداتهم لي بالقلم،
كانت كتاباتي غزيرة لا تنتهي كانت كلماتي أقوى من سهامهم العابثة..
من تهديداتهم المتكررة كانوا يغذون في داخلي يقيني بأنني على حق.
انتصرت وانتصرت كان العديد ممن تناولهم قلمي يدفعون بعض الثمن عما اقترفوه،
لم يدخلوا السجن طبعا لم نصل إلى هاته الدرجة من المدينة الفاضلة لكنهم كانوا يفقدون شعبيتهم شيئا فئيشا ،
يبتعد عنهم من كان قريبا منهم ومن كان في وقت ليس ببعيد يصفق لهم أضحى يبصق في وجوههم .
سقطت أقنعتهم إنه القلم هو فقط من يضمن وجود الوعي ..
الوعي إذا حضر في المجتمع ارتقى وتقدم وسقطت عنه آلامه وأخطائه واختفى عبثه وقل ضعفه وانكسرت عنه أصنامه هو فقط الوعي من يصنع الحياة .
ويضع لها قواعدها وقوانينها ويحفظ للناس كرامتهم وإنسانيتهم …..
كثر بذلك أعدائي لم أكترث لذلك كثيرا كنت أملك الجرؤة لفعل أي شيء، المهم أن أكون سببا في جعل غيري غير مغيبين ولا مخدوعين .
مرت الأيام سريعا زادت أسهمي في الساحة الصحفية وزادت معها ثروتي دخلت في مشاريع عديدة كان ذكائي سلاحا يذود عني خداع الأعداء لكن عجز أن يبعد عني كيد الأقرباء …
نجحت في أن أكون صوت المستضعفين لم تكن غايتي أن أكون من الأغنياء لكن تحقق ذلك وبلغت أرصدتي المالية في البنوك في الداخل والخارج الكثير مما لا أستطيع عده أو تذكره بلغت شركاتي ومؤسساتي الاستثمارية العشرة ….
سافرت إلى العديد من الدول اقترب مني العديد من الناس أولهم أقاربي استمريت في الكتابة فتحت قناة تلفزيونية معارضة كانت صوت الشعب بامتياز، حققت جماهيرية عالية بين أوساط المجتمع خلقت لي أعداء جدد في الداخل والخارج …
كانت بعض تلك التهديدات تصل إلى أمي وإخوتي شخصيا لم أكن على استعداد لخسارتهم قررت أن أخفف من وتيرة لهجتي الحادة في كل صراعاتي مع خصومي، لم تتوقف تلك التهديدات وزاد ضياعي بين سلامة عائلتي وبين صوت الحق الذي ينطق به قلمي ومختلف منابري الإعلامية وقع اختياري على الخيار الأول قررت أن أترك كل شيئ ورائي وأن أمضي في سبيلي، تاركة ورائي وطنا زاخرا بالأمنيات لم يكتب لها أن ترى النور بعد وذكريات طفولة رائعة وحياة فتاة شابة كانت تحلم بالتغيير.
في يوم ما وئدت تلك الأحلام عن آخرها لكن تلك الأحقاد التي سكنت قلوب من كنت ضدهم لم تخمد نيرانها بعد ،كانوا يريدون سلبي حياتي بعد أن سلبوا مني الكثير وأرغموني على أن لا أكون أنا.
أن أترك الكثير من الحالمين ورائي خذلتهم ألمني ذلك الشعور ، لكن عاطفتي ومشاعري كانت أقوى مني فاخترت عائلتي وتخليت عن نفسي وعن مبادئي وعن الكثيرين من الناس ممن رأو فيا ذلك الأمل الذي ولد من رحم اليأس والمعاناة …
كانت آخر رسائل خصومي لي ….
أتركي المكان في أقرب وقت وإلا ستتعرض عائلتك للحرق وهذا هو انذارنا الأخير ….
هنا جمعت شتات أمري واستسلمت للواقع بكل مرارة واحساس بالعجز …
كانت أمي تبكي في صمت كان أخي مشتت الفكر وأختي مستسلمة لا تعرف كيف تعبر عن حزنها نحن في هاته الأئناء نجمع حقائبنا وأمتعتنا مودعين بذلك بيتا جمعتنا به أجمل الذكريات وتاركين لبلد كان لنا أما قبل أن يكون وطنا ….
أقلعت الطائرة متوجهة إلى العاصمة الفرنسية باريس وصلت الطائرة في حدود الساعة العاشرة ليلا كانت كل الظروف متاحة للبدء من جديد شقة فخمة في ضواحي باريس مستوى مادي غاية في الرفاه لكن القلب كان في مكان أخر، كان في مدينة صغيرة في الجزائر كان مع أناس ضعفاء لهجتهم مميزة بعقليتهم المتمردة أحيانا وعصبيتهم المعهودة أحيانا أخرى لكن مع قلوب بيضاء طاهرة ….
لم يكن في باريس شيئ يجذبني لها بالرغم من جمالها..
الحب لا يعني مطلقا أننا نحب كل ماهو جميل الحب هو أن نرى الجمال في من نحب حتى لو لم يكن جميلا بالنسبة لغيرنا..
الجزئلر كانت كل شيئ بالنسبة لي …هي الجمال ..
هي الغرام والعشق هي أسظورة الزمان هي دم الشهداء هي تقوى الأولياء هي نبض القلب ولهيب الشوق والحب الأبدي …
في حيرتي ومحاولتي لإيجاد طريقة للعودة للحياة وجدت نفسي أقاوم عذاب الضمير الذي يسكنني ،تلك الأصوات التي كانت تنادي باسمي تلك الأحلام التي وعدتهم بتحقيقها سلبت مني ومنهم…
أولئك الناس الذين حملوني مسؤوليتهم يا ترى ماذا يقولون عني هل يعتبرونني مثل كل الناس السابقين الذين كنت أحذرهم من كذبهم وغيهم وضلالاتهم..
كرهت نفسي و شغلت تفكيري عن ذلك بالعمل وفقط ….
يصلني اتصال من خالتي في الجزائر تتوسل أن أعود هي في حاجة ماسة إلى من يقف بجانبها في محنتها تقول أن جميع أولادها تخلو عنها ….
لم تكن هاته إلا مصيدة للايقاع بي …هنا تعود قصة بروتوس لأعيشها واقعا في حياتي ….بقية القصة في الجزء الثاني
هاجر
had95jer@gmail.com