Site icon حديقة المقالات

المختصر المفيد في خلق المروءة

المروءة خُلق جبلة عليه النفوس الزكية واتصفت به الهمم العلية،وضعفت عنه الطباع الدنية، وهو كمال الإنسان والرجولة،وبين أيدينا كلمات مختصرة في المروءة وحقيقتها وخوارمها.

المروءة خُلق جبلة عليه النفوس الزكية واتصفت به الهمم العلية،وضعفت عنه الطباع الدنية، وهو كمال الإنسان والرجولة،وبين أيدينا كلمات مختصرة في المروءة وحقيقتها وخوارمها.

المختصر المفيد في خُلق المروءة

إعداد يزن الغانم أبو قتيبة

المقدمة: 

المروءة خُلق جبلة عليه النفوس الزكية واتصفت به الهمم العلية،وضعفت عنه الطباع الدنية، وهو كمال الإنسان والرجولة،وبين أيدينا كلمات مختصرة في المروءة وحقيقتها وخوارمها.

أولاً- ما هي حقيقة المروءة: 

أحسن ما قيل في المروءة ،

قال الدردير المالكي رحمه الله تعالى:

المروءة هي كمال النفس بصونها عما يوجب ذمها عرفاً ولو مباحاً في ظاهر الحال .الشرح الصغير(٢٨٤).

وقال المجد ابن تيمية:

المروءة: استعمال ما يجمله ويزينه وترك وتجنب ما يدنسه ويشينه.المحرر(٢٦٦/٢).

وقال البيضاوي: المروءة : أن يحترز مباحاً،يستهجن من أمثاله عرفاً.الشرح الصغير(٢٨/٤).

وقال الشيخ ابن عثيمين :

الضابط في المروءة : أن لا يفعل ما ينتقده الناس فيه ، لا من قول ولا من فعل.الشرح الممتع( ١٠٨/١١).

وهذا أسهل و أحسن ما قيل في تعريفها.

وقال ابن حبان: اختلفت ألفاظهم في كيفية المروءة ،ومعاني ما قالوا قريبة بعضها من بعض.روضة العقلاء ونزهةالفضلاء،(ص،٢٣٢،٢٣٠).

ثانياً- خوارم المروءة: 

هذه أمثلة مما ذكره العلماء يتضح بها معنى المروءة وما يخرمها.

– من ذلك،التجشأ بصوت مزعج ما وجد إلى خلافه سبيلا.

الجُشاء هو : خروج الهواء بصوت من المعدة عن طريق الفم عند حصول الشبع.‏ ‏

 في الحديث تجشأ رجل عند النبي صلى الله عليه وسلم فقال: ( كف عنا جشاءك فإن أكثرهم شبعا في الدنيا أطولهم جوعا يوم القيامة) سنن الترمذي (٢٤٧٨).وحسنه الألباني.

وعده ابن القيم من خوارم المروءة في مدارج السالكين،(٣٥٣،٢).

– ومن ذلك،التصريح بأقوال لم ينطق الشرع بها إلا كناية.

مثل ذكر ما يستحى ذكره صراحة.

قال ابن قدامة في عمدة الأحكام،في الحديث الرابع عشر.

الغائط :الموضع المطمئن من الأرض ،كانوا ينتابونه للحاجة ، فكنّوا به عن نفس الحدث كراهية لذكره بخاص اسمه.

– حضور الوليمة من غير دعوة،قال ابن قدامة في المغني (٤٩/١٢).

ولا تقبل شهادة الطفيلي،وهو الذي يأتي طعام الناس من غير دعوة،وبهذا قال الشافعي.

-إخراج الريح بصوت وهو يقدر على خلافه.

عده ابن القيم من خوارم المروءة في مدارج السالكين(٣٥٣،٢).

– استخدام الضيف، عن عمر بن عبد العزيز،قال: ليس من المروءة استخدام الضيف. أخرجه أبو نعيم ،كشف الخفاء (٢٢٣/٢).

وذلك مثل أن تطلب منه أن يضيئ المصباح أو يحمل الضيافة إلى غير ذلك.

-الأكل في غير جهته مما لا يليه.

قال صلى الله عليه وسلم،للغلام،كل مما يليك.كما في صحيح مسلم(٢٠٢٢).

-الربح من الصديق،عن عبد الله بن زيد،ليس من المروءة أن يربح الرجل على صديقه.روضة العقلاء (ص،٢٣٣).

– كثرة الالتفات في الطرقات وعلى الناس.

وكان النبي صلى الله عليه وسلم إذا مشى لم يلتفت.رواه الحاكم ،(٢٩٢/٢)وصححه الألباني.

– كثرة الضحك و المزاح،وينبغي أن تكون كالملح في الطعام.

قال صلى الله عليه وسلم،ناصحًا أبا هريرة:ولا تُكثرِ الضَّحِكَ، فإنَّ كثرةَ الضَّحِكِ تميتُ القلبَ.صحيح الترمذي،(٢٣٠٥).

-الأكل في الطريق والأسواق في أماكن غير مخصصة للأكل.

قال ابن الإمام سيرين ثلاثة ليست من المروءة،وذكر منها،الأكل بالأسواق.(روضة العقلاء، ٢٣٣).

– العلك للرجل ،قال الميداني : يكره العِلك للرجل.تحفة النساك( ص،٥٧).

– مد الرجلين في مجمع الناس من غير حاجة ولا ضرورة ولا عذر.

ابن قدامة في المغني(٣٣/١١).

وأنشد أبو بكر الإسماعيلي :

وإذا جلستَ وكان مثـلُكَ قائمًا

فمِن المروءَة أن تقـومَ وإن أبى

وإذا اتكـأتَ وكان مثلُكَ جالسًا

فمِن المروءَة أن تُزيـلَ المتَّكـا

وإذا ركبتَ وكان مثـلُكَ ماشيًا

فمن المروءَة أن مشيتَ كما مشى.

المروءة لابن المرزبان(ص،١٣٦).

– ومن المروءة أن يضبط نفسه عن هيجان الغضب ودهشة الفرح ويقف موقف الاعتدال في جميع أقواله وأحواله.

وقيل: المروءة استحياء المرء من نفسه، وألا يعمل في السر من الأحوال والحركات ما يستحي منه في العلانية، وهذا من عظم النفس.

– لذلك قال الإمام الشافعي رحمه الله :

والله لو علمت أن الماء البارد ينقص من مروءتي ما شربته. حلية الأولياء(١٣٢،٩).

ثالثاً: المروءة والعرف:

صلة المروءة بالعرف، أن هناك أقولا وأعمالا هي عند قوم من خورام المروءة وعند آخرين ليست كذلك،ويكون هذا النوع مما أصله مباح،فلا بد من مراعاة العرف في النظر إلى المروءة.

قال العلامة السخاوي:

وما أحسن قول الزنجاني في شرح الوجيز ،المروءة يرجع في معرفتها إلى العرف،فلا تتعلق بمجرد الشارع،وأنت تعلم أن الأمور العرفية قلما تضبط،بل هي تختلف باختلاف الأشخاص والبلدان،فكم من بلد جرت عادة أهله بمباشرة أمور لو باشرها غيرهم لعُدَّ خرماً للمروءة. فتح المغيث(٢٩١،٢).

ومن أمثلة ذلك كشف الرأس للرجل.

قال الإمام الشاطبي: مثل كشف الرأس  فإنه يختلف بحسب البقاع في الواقع ، فهو لذوي المروءات قبيح فى البلاد المشرقية ، وغير قبيح فى البلاد المغربية ، فالحكم الشرعي يختلف باختلاف ذلك ، فيكون عند أهل المشرق قادحاً فى العدالة،وعند أهل المغرب غير قادح.الموافقات( ٢٨٤،٢ ).

إلى غير ذلك من الأحوال التي تختلف باختلاف الاعراف.

تنبيه: ولا بد من التنبيه على أن المراد بالعرف هو الصحيح الذي لا يصادم النصوص الشرعية.

قال العلامة السخاوي بعد ذكر العرف في كلامه السابق آنفا : وفي الجملة رعاية مناهج الشرع وآدابه،والاهتداء بالسلف والاقتداء بهم أمر واجب الرعاية.فتح المغيث(٢٩١،٢).

رابعاً:فوائد وأهمية المروءة:

– الأدب في القول فتصون صاحبها عن الأقوال المخلة.

– وتصون صاحبها عن الأحوال والأفعال المخلة التي لا تليق.

-وتحفظ صاحبها عن البخل وأن يكون كريما.

– وعن الكذب وأن يكون صادقا.

– وعن الغش والخيانة فيكون أمينا.

– ويكون محترما مهابا من الناس لا يستخفون به ولايحتقرونه.

– وتحمله على العفة والنزاهة.

– ويسود مجلسه الجد والحكمة،وفيها راحة ولذة

وتحمله على كل فضيلة والبعد عن كل

 دنيئة ورذيلة.

خامساً:تفاوت الناس ودرجاتهم فيها،

كل حسب همته للفضائل وبعده عن الدنايا والرذائل.

قال علي ابن الهذيل: للمروءةوجوهاً وآداباً لا يحصرها عدد،ولا حساب،وقلما اجتمعت شروطها قط في إنسان ،ولا اكتملت وجوهها في بشر،فإن كان،ففي الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم دون سائرهم،وأما الناس فيها فعلى مراتب بقدر ما أحرز كل واحد منهم من خصالها واحتوى عليها من خلالها.عين الأدب والسياسة(ص،١٣٢).

 قال ابن حبان البستي:الواجب على العاقل أن يلزم إقامة المروءَة، بما قدر عليه من الخصال المحمودة وترك الخلال المذمومة.(ص،٢٣٠).

قال الشاعر :

وإذا الفتى جمع المروءة والتقى

وحوى من الأدب الحياء فقد كمل.

سادساً:المروءة تكون في الرجال وتكون في النساء. 

وما ذُكر آنفا يكون في المرأة والرجل.

وذكر الإمام النووي رحمه الله تعالى:أن خدمة المرأة زوجها بنحو الخبز والطبخ وغسل الثياب وغير ذلك من المعروف والمروءات التي أطبق الناس عليها…شرح صحيح مسلم(١٦٤/١٤).

سابعاً: مما يعين على المروءة: 

– مجالسة أهل المروءات ومجانبة إخوان السوء،قال ابن حبان:ومجالسة أهل المروءات تدل على مكارم الأخلاق.روضة العقلاء ونزهة الفضلاء(ص،٢٣٤).

-الزوجة الصالحة:

قال مسلمة ابن عبد الملك،ما أعان على مروءة المرء كالمرأة الصالحة.الإشارة في تدبر الإمارة(ص،١٤٣).

– المال: قال ابن حبان السبتي،

حاتم:من أحسن ما يستعين به المرء على إقامة مروءته المال الصالح.(ص،٢٣٣).

– وأعظم ما يعين تذكر فضائل المروءة وفي من عمل بضدها.

ثامناً:الفرق بين المروءة والعقل:

سئل بعض الحكماء عن الفرق فقال: العقل يأمرك بالأنفع والمروءة تأمرك بالأرفع.أدب الدين والدنيا(ص،٣٠٦).

تاسعاً: رد شهادة من يخرم المروءة 

قال العيني:وكل فعل فيه ترك المروءة يوجب سقوط شهادته بلا خلاف بين الأئمة الأربعة.البناية شرح الهداية(١٧٩/٧).

وقال الآمدي في سياق الكلام عن المروءة:ولا خلاف في اعتبار اجتناب هذه الأمور في العدالة المعتبرة في قبول الشهادةوالرواية عن النبي صلى الله عليه وسلم، لأن من لا يجتنب هذه الأمور أحرى ألا يجتنب الكذب، فلا يكون موثوق بقوله ولا خلاف في اشتراط هذه الأمور الأربعة في الشهادة.الإحكام في أصول الأحكام (١١٠/٢).

عاشراً: المروءة مثل بقية الأخلاق منها ما هو جبلي وطبع في الإنسان ومنه ما هو مكتسب بالمجاهدة حتى يصير ذلك عادة.

 وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم لأشج عبد القيس،رضي الله عنه: إن فيك لخلقين يحبهما الله : الحلم و الأناة، قال : يا رسول الله ، أهما خلقان تخلقت بهما أم جبلني الله عليهما ؟، قال :بل جبلك الله عليهما فقال :الحمد لله الذي جبلني على خلقين يحبهما الله ورسوله. أبو داود (٥٢٢٠).

قال الإمام ابن القيم:فدل على أن من الخلق ما هو طبيعة وجبلَّة وما هو مكتسب. مدارج السالكين.( ٣١٥/٣).

قال الشيخ ابن عثيمين: فهذا دليل على أن الأخلاق الحميدة الفاضلة تكون طبعا وتكون تطبُّعًا ، ولكن – بلا شك- الطبع أحسن من التطبع ، لأن الخلق الحسن إذا كان طبيعيا صار سجية للإنسان وطبيعة له ، لا يحتاج في ممارسته إلى تكلف، ولا يحتاج في استدعائه إلى عناء ومشقة ، ولكن هذا فضل الله يؤتيه من يشاء ، ومن حرم هذا – أي من حرم الخلق عن سبيل الطبع- فإنه يمكنه أن يناله عن السبيل التطبع. مكارم الأخلاق للشيخ ابن عثيمين ( ص١٣).

وكما قيل :

– ولو كان الخلق كله جبلي لتركت المجاهدة واستغني عن الوصايا و المواعظ !

ولذا قال ابن القيم:فإن قلت: هل يمكن أن يقع الخُلق كسبيا أو هو أمر خارج عن الكسب؟ قلت: يمكن أن يقع كسبيا بالتخلق والتكلُّف حتى يصير له سجيةً وملكة. مدارج السالكين( ٣١٥،٣).

نسألك اللهم حسن الخلق ونعوذ بك من سوء الخلق ،وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

وكتبه يزن الغانم أبو قتيبة 

Exit mobile version