رائحة البؤس والوجع !!! نعم إن لها روائح… إنسانية وضرورية، فاحتياجات كبار السن هي احتياجات كبيرة لاسيما وهم يحتاجوا للرعاية الإنسانية والاجتماعية ولكثير من الرعاية والأدوية
رائحة البؤس والوجع !!!
بقلم/ الدكتور ميثاق بيات ألضيفي
نعم إن لها روائح… إنسانية وضرورية، فاحتياجات كبار السن هي احتياجات كبيرة لاسيما وهم يحتاجوا للرعاية الإنسانية والاجتماعية ولكثير من الرعاية والأدوية ولأن لا شيء متوفر بالمجان ولا شيء يمنح لهم! لذا هم مجبرين على الاعتماد بعد الله على أنفسهم وعلى الذهاب إلى الصيدليات الخاصة والتجارية لشراء الأدوية مقابل مالهم الخاص إن كانوا يمتلكونه! وان العديد من المتقاعدين ليسوا فقراء فقط إنما هم مهانين ومهجرين وهم محبطين ومتروكين ومعزولين! وجميعنا يعلم إن كبار السن يتطلب الاهتمام بهم اهتماما حقيقيا وحتى أكثر من الاهتمام بالأطفال وهذا أمر نادر وغريب وحتى مخيف لبعض الناس في مجتمعاتنا! أننا لسنا أوفياء لهم !! وهم عاجزون عن التأقلم مع الظروف الجديدة ومع العالم الجديد المتغير والغير مألوف ومع تغير القوانين واللوائح والمنظمات والعادات وحتى التقاليد!! وان القانون الرئيس للحياة الجديدة يتلخص في إن عليك أن تدفع ثمن لكل شيء، فغالباً ما نسمع رجلا كبير السن وفقيرا وهو يردد ” لقد حان الوقت لكي أموت” والحال أسوأ عندما يكون ذلك الرجل المسن وحيدا في ذهنه وفي حياته وفي روحه، ومدركاً أنه يموت ببطء، ولا معين له، وفي حالة من النسيان.
وأنت… نعم أنت… ان لم تستطع مساعدتهم فعلى الأقل استمع لهم لأنك بهذا ستريحهم وتفرغ كبتهم وحزنهم إلى حد ما، واعدك… ستستمع منهم ببساطة وبعفوية إلى مونولوجات طويلة عن الإهانة والفظاظة وعن عجزهم عن الرد وسترى تساقط دموعهم بلا هوادة ومع كل عبارة ينطقونها وهم يتسألون: “لماذا هذا؟ أين العدالة؟ وستصمت متوجعا لأنك تعرف تلك ال لماذا وتفهمها !!!
يتم احتقار والسخرية من المسنين في الدول في كل مكان وفي كل شيء، واغلبنا يعتقد أن كبار السن لا يحتاجون إلى الكثير، وحتى تكلفة المعيشة لهم غالبا ما تكون أقل مما هي عليه من الفئات الاجتماعية الأخرى، لذلك يجب إن ندرك انه يحق لهم الحصول على قيمة ومميزات حياتية حقيقية لا كلامية، ويجدر بدولنا إن توفر لهم الأدوية المجانية، ولكن كيف يمكن تحقيق كل ذلك؟ يا سادتي نحن نغفل أو نتغافل أن كبار السن حساسين جدًا ومحتاجين للراحة البدنية فليس كل حذاء يناسب الساق المشوهة ولا كل شيء يتلاءم مع الجسد المتعب، ولا كل اسلوب يناسب التعامل معهم، ولا كل عبارة تقال لهم، ولا كل طعام يناسب جهازهم الهضمي !! والناس المسنين وبسبب سياسات الدول فهم محكوم عليهم بالانقراض إذ وبمفهوم حكوماتنا لم يعد بإمكان فئتهم تحقيق الربح، ولان أنظمة الحكم لا تستطيع دفع جميع الأشخاص المسنين إلى غرفة الغاز أو المواقد لحرقهم لذلك انتهجت قتلهم ببطء وبطرق مختلفة وأكثر تطوراً ومأساوية !!
هنا نتساءل كيف يتصرف الإنسان في ظروف يائسة وغير إنسانية؟ وهل وصلنا إلى الحالة التي وصل بها الساسة والقادة وحاشيتهم بالمشي على أرجلهم الخلفية فيرمون العظم على شكل راتب يرثى له بينما يحتفظون باللحوم لأنفسهم؟ وهل وصلنا إلى الحالة التي تقوم بها الحكومات على الإنفاق والوفاء بالمتطلبات الغبية وغير المنطقية وعدم الالتفات إلى كبوة المسنين؟! إن محاولات تغيير شيء قد تؤدي إلى لا شيء في الظروف اللا إنسانية والتي فيها لا يمكن لذلك الشخص البائس أن يكون إنسانًا !!! ولو هناك نموذج مدعيا للنجاح فسيقول ازاء الذي ذكرته: “إن كل الذي ذكرته مجرد خرافات”!! وقد يقول ذلك لأن لديه وظيفة رائعة، وراتب لائق، وعلاقات رائعة مع رؤسائه وزملاءه في العمل، حسنا كل يحط بطريقته الخاصة فمن يشرب وهو بصير ليس كمن يشرب وهو كفيف، فربما الكفيف يحس لكنه لن يلاحظ اشكال ومعاني وبؤس عمله ولأنه من الأسهل بالنسبة لمن يدعي السعادة ألا يلاحظ بؤس وعبثية هدف العمل المدعي سعادته الوهمية الزائلة!! فنرى هنا من هو الذي المتدهور حقا؟ شخصا أدعى النجاح وصنع لنفسه سعادة وهمية وغبية وسريعا ما ستزول، أم مدمن الكذب والعمى؟ مدمن الكذب والعمى أغرق ذاته في حالة غير إنسانية من أجل محو بقايا الضمير والروح والحساسية والرحمة من نفسه، بينما الشخص مدعي الناجح الزائف يجعل هذا الطريق اللا عقلاني سلوك مبرر بألف حجة واهمة !!!
ومن الغباء القول أن جميع مدمني الكذب هم أناس طيبين أو ضحايا أبرياء لمجتمع قاسي لان العديد منهم من الشخصيات المرضية والأوباش والساديين، لكن وصفنا هذا لا ينفي تأثير الظروف الاجتماعية والاقتصادية ففي هذه الدنيا يمر مدمن الكذب بالفقر وينقله لأطفاله، غير ان أطفال مدمني الكذب لديهم عيون طفولية خطيرة وتعاطف عميق وإحساس شديد بالظلم في هذا العالم.
التعب بعد العمل والاكتئاب بسبب انخفاض الأجور يستنفد القوة البدنية والعقلية للشخص يوما بعد يوم، سواء كان ذلك مرضًا أم نكسة أم خسارة، ولذا فأن الروح البشرية يثقلها كاهل الفقر واليأس، والتي هي اصلا تكون ضعيفة الإرادة في الجسد المنهك الضعيف، ويضعفها أكثر الفقر وعدم توفر نظامًا غذائيًا متوازنًا مما يعني أن الشخص يشعر بالتعب بشكل أسرع ويعاني من التعب المزمن واضطرابات الانتباه والتفكير المشوش، والأهم من ذلك أنه قد يواجه خطر الإصابة بمرض خطير وكيفية التعافي إذا لم يكن هناك مال للأدوية والأطباء والأغذية والملابس؟ ولان الإنسان هو المخلوق الحي الوحيد القادر على ابتكار شيء ما لم يكن يظهر له من قبل وبدونه في الطبيعة، أي إن الإنسان كائن إبداعي وكمبدع يمكن أن يدرك نفسه في أنشطته المهنية، فكم هو رائعا حين نقول لذلك الإنسان الفقير ما عليك إلا إن تتذكر الإبداع وأن تظهر التفاؤل وكل شيء في حياتك سيكون جيدًا! نعم سنقول له تلك النصائح الوردية وبطوننا مليئة بالطعام وجيوبنا مليئة بالنقود ومن دون إن نلاحظ إن ذلك الفقير مقيدا تماما بعقبتين رئيسيتين، الأولى هي الحالة الموضوعية في مجتمعنا والزاخرة بالفقر المتفشي والبطالة المتعددة الأقنعة والانخفاض الحاد في الأجور إضافة لظروف العمل المنهكة وغياب الأمن وانعدام العدل وتفشي الفساد، والعقبة الثانية هي أن الإبداع هو ملك حصري للإنسان فكيف نطلب من الفقراء والمساكين والمسنين إن يبدعوا ويتفاءلوا وهم أصلا محاطين ورازخين في ظروف معيشية لا إنسانية !!!
وان تساءلت عزيزي القارئ عن النظام الكامل للبرامج الحكومية والخدمات الاجتماعية التي أشغلتنا ودوختنا بها وسائل التواصل والإعلام الحكومية وبرامجها الخمسية والعشرية والمئوية ضد البؤس والفقر والعجز؟ وأردت إن تعرف هل حقا تهتم الدول بمواطنيها المسنين والفقراء والبؤساء؟ فأقولها لك وبملء الفم، بالطبع إنها تهتم لأنه لابد إن تهتم أسماك القرش، إن كانت ذكية، بشأن الأسماك الصغيرة حتى لا تموت في وقت مبكر لتنمو وتنضج وتأكلها!! وبعد كل شيء تحتاج الحكومات النخبوية لرأس المال لذلك ترمي ببعض المال على الأقل حتى لا ينهار ذلك النظام الأعوج، ومن المفيد لها عبر رميه أن تصنع لهم منه لفائف الحلوى المشرقة، ولكن الفارغة!! حتى لا يفكر الناس إلا بانتظار الخلاص من البؤس والفقر الذي يعيشون فيه عبر أماني مغرقة بدموع سراب الأمل والوجع !!!!!
الدكتور ميثاق بيات الضيفي
aldaifi@mail.com