مسرحيات ( برنارد شو ) توجهات لتوعية الإنسان مقال ثري للكاتب فؤاد الكنجي تناول الحديث عن هذا الموضوع مستحضراً نماذج من مواقفه وسخرياته وأقواله السياسية ومسرحياته
مسرحيات ( برنارد شو ) توجهات لتوعية الإنسان
فواد الكنجي
نماذج من مسرحيات برنارد شو 2-2
بيوت الأرامل
اقرأ أيضاً : مسرحيات ( برنارد شو ) توجهات لتوعية الإنسان 1-5
مسرحيات ( برنارد شو ) توجهات لتوعية الإنسان 2-5
مسرحيات ( برنارد شو ) توجهات لتوعية الإنسان 3-5
نماذج من مسرحيات برنارد شو 1-2
اما مسرحيته (بيوت الأرامل) والتي تعتبر من مسرحيات التي تتناول القضايا الاجتماعية فيها سكب (برنارد شو) كل مقومات والأسس التي أقام وبني عليها مسرح (برنارد شو) الاجتماعي فكريا وفنيا وضمن اتجاه الاشتراكي،
فالمسرحية كتبت وعرضت في بداية العقد الأخير من القرن التاسع عشر،
يدور موضوعها حول الطبيب الإنكليزي الشاب اسمه (ترنش) الذي يلتقي وهو في رحلة على ضفاف نهر (الرين) بصبية شابة إنكليزية تدعى (بلانش) فيقعان في قصة حب،
ولكن حين يلتقي (ترنش) بوالد حبيبته (بلانش) وكان يدعو (سانتوريوس) يكتشف بأنه شخص بخيل جشع حقق ثروة الهائلة من خلال استغلال الفقراء وتأجيرهم منازل متهالكة آيلة على السقوط ولا تتمتع بأي ميزات صحية،
ولا يقوم بصيانتها على الإطلاق،
لان كل هم (سانتوريوس) هو الحصول على الأموال،
ومن خلال تواصل الإحداث يكتشف (ترنش) من خلال موظف يعمل لدى (سانتوريوس) جشاعة هذا الأخير وإجرامه،
ولذلك حين استطلع على مجمل سيرة عائلة خطيبته؛
فانه يطلب من خطيبته أن تتزوجه من دون أن تقدم أية أموال،
فهو لن يقبل أي مال في حياته يأتي من مصدر غير نزيه و قذر إلى هذا الحد،
لكن خطيبته (بلانش) ترفض ويتوقف مشروع الزواج، ولكن الموظف الذي كان قد فضح الحكاية كلها والذي كان يعمل عند والد خطيبته يتدخل ويصلح الأمور فيما بينهم،
بكونه ذكر بأن والدها أقام مؤخرا بإنشاء مشروع سكني بمال نزيه؛
ليكون هذا المدخل حلا وسطي يسهل قبول كل طرف بالآخر وعودة الخطيبين بعضهما إلى بعض……!
الرجل والسوبرمان
إما مسرحية (برنارد شو) التي تربط بين وهم الأفكار وحتمية الواقع هي مسرحية (الرجل والسوبرمان) التي تعتبر من أطول مسرحياته كونها تتألف من أربعة فصول طويلة،
فالموضوع الأساس للمسرحية يأتي عبر تفسير يخضع السجال حوله من خلال (حلم)،
ليشكل هذا الحوار في المسرحية ما يمكننا أن نسميه (مسرحا داخل المسرح)،
حيث يتداخل في المسرحية الصراعات والشخصيات والسجال والأحداث والأفكار والمواقف المتنوعة والمتناقضة في بعض الأحيان،
إلى درجة إننا نشعر فيها بأننا أمام أمرين الأول (أمام الواقع) و الثاني (أمام الحلم) .
فـ(برنارد شو) أرد أن في هذا العمل أن يطرح الأفكار والهموم التي كانت تشغل أفكاره وهو يتطلع إلى القرن العشرين وهو يطل على تطورات مجتمعية تحمل في طياتها صراعات الأفكار والمبادئ وعلى كاف أصعدة الحياة، حيث (المرأة) تتطلع قدما لأخذ حقوقها،
وانتشار الأفكار التطورية (الدارونية) والوجودية والليبرالية والاشتراكية والى غيرها من الأفكار الاجتماعية،
لذلك جاءت المسرحية بكونها أشبه بدروس فكرية التي أراد (برنارد شو) طرحها.
الطابع الكوميدي
فالموضوع رغم كونه طرح للأفكار إلا أن المسرحية أخذت طابعا كوميديا،
فالمسرحية تسلط الضوء عن فتاة محاطة بوصيين من أساتذة بعد وفاة والدها، الأول يدعو (رامسدن) رجل كبير في السن وذو توجهات ليبرالية و صديق العائلة والثاني يدعو (جون تانر) وهو ذو نزعة ثورية ومؤلف ثوري،
ومن هنا تتضح حجم التنافس بين الشخصيتين، فالأول صاحب القيم يتبنى أفكار تقدمية و يعارض أفكار الثاني الذي يتبنى أفكار (داروين) الذي يتجه اتجاها لتامين ولادة (إنسان سوبرمان)،
ولهذا فانه يحمل أفكار غريبة، حيث يعتقد بان (المرأة) هي المسيطرة على الرجل، حتى حين يعتقد الرجل أنه هو المسيطر،
ومن هنا فان الفتاة الحسناء (آن وايتفيلد) تتطلع لزواج منه سرا،
ولكنه يتهرب من هذه الفكرة لأن في اعتقاده بأن الزواج والزوجة سيحولانه إلى كائن (بيولوجي)،
فالزواج في ضنه سيضع حدا لنشاطه الفكري؛ بكون حسب اعتقاده في نظرية التطور بان وظيفة (المرأة) هي العمل على إبقاء النوع البشري عبر الحمل والولادة،
و رغم أفكاره الغريبة هذه إلا أن (آن وايتفيلد) مغرمة بـ(جون تانر) الذي لا يتنبه إلى هذا،
معتقدا بأنها ستتزوج من (اوكتافيوس روبنسون)، بكون صديقه مغرم بها حد الجنون،
ولكن الأمور تتعقد حين يجتمع الحضور لمناقشة وصية والد (آن وايتفيلد)،
ليعلن إن (فيوليت) شقيقة (أوكتافيوس حامل)،
لكنها لن تبوح باسم رجلها، ولهذا فان (رامسدن) و(أوكتافيوس) يفاجئان بهذا الخبر،
لكن (جون تانر) يثني على شجاعة (فيوليت) حين تكشف هوية رجلها وهو (هكتور) أمريكي الجنسية،
فهم يتزوجان سرا في انتظار وصول (والد هكتور) من أميركا،
في هذه الأثناء اخبر سائق (جون تانر) بان (آن وايتفيلد) تحبه وحين علم بهذا الأمر قرر الهروب لكي يتجنب أية فكرة عن الزواج،
فيتوجه هو وسائقه إلى (سييرا نيفادا – الاسبانية)، ولكن أثناء فراره يتم القبض عليه وعلى سائقة من قبل زعيم قطاع الطرق المتمرد (مندوزا)،
ليتبين لنا انه كان في الأصل صبي فندق وكان مغرماً بـ(لويز) أخت السائق لكنها رفضته، في اختصار صار (جون تانر) وسائقه في الأسر،
و بعد حوار طويل ومتشعب مع زعيم قطاع الطرق المتمرد (مندوزا)،
يخلد إلى النوم ليحلم بأنه – وهنا تبدأ القصة المسرحية تتداخل لتشكل المسرح داخل المسرح – وفي (الحلم) يرى دون جوان (تينوريو) بملامح (جون تانر)،
و(الدونيا آنيا) رمز (المرأة) الكاملة في الأوبرا الشهيرة – ولها ملامح (آن وايتفيلد)،
كما نرى التمثال والشيطان تباعا،
أولهما له ملامح (رامسدن) والثاني ملامح (مندوزا) لتتعالى دراما المسرحية إلى مشاهد من الحوار والسجال والصخب بين الشخصيات الأربعة،
حيث جميعا معا في الجحيم ، لكن هذا (الجحيم) ليس هنا مكانا للعذاب بل هو مملكة من ملذات عابرة وخيالات حادة؛
وكلها هذه الأمور هي تناقض مع عقل (جون تانر) .
التناقضات في أفكاره
وهذه التناقضات التي تطرح هنا هي من صميم أفكار (برنارد شو) الذي حاول طرحها بعمق في هذه المسرحية،
ومما طرحه قوله بان (الشيطان) هو في ذات الرجل لم يخلق سوى الحروب والدمار، بينما خلقت (المرأة) النوع الإنساني،
وتتشعب الحوارات لتناول مفاهيم عن (الحب) و(الرومنطيقية) وما إلى ذلك،
لينتهي الحلم بـ(آن وايتفيلد) التي كانت تسعى إلى الزواج من (السوبرمان)،
وحين لم تجده ولم يتحقق لها هذا الحلم تقرر أن تصنعه بنفسها،
وهنا يصحو (جون تانر) ومعه (مندوزا ) من هذا الحلم، ليعلما بأن (آن وايتفيلد) تبحث عن (جون تانر)، وجردت حملة لذلك،
لتنتهي الأحداث على خير، وبالشكل الذي يرضي المتفرجين،
إذ يرضخ (جون تانر) في نهاية الأمر لقوة الحياة وبيولوجيتها مجسدة بـ(آن وايتفيلد) و متخليا عن أفكاره .
ويذكر هنا بان (برنارد شو) كتب مسرحية (الرجل والسوبرمان) في عام 1903 وهو في مقتبل العمر
كانت أفكاره في أوج النضج لذلك عمل على تفلسف في لغة فن المسرح،
ولهذا يقال لمسرحية (الرجل والسوبرمان) بأنها (ملهاة فلسفة) كونها من انضج مسرحياته على الإطلاق .
كلمة الختام
ولهذا سيبقى (برنارد شو) كاتبا (اشتراكيا) استطاع بلورة المفاهيم (الاشتراكية) بشكل سليم في مسرحياته التي تميزت بطابعها الاجتماعي العقلاني والتربوي والتثقيفي،
ليجل من شخصياته محاورا لمعالجة الكثير من مشاكل الفلسفية التي طرحت من خلالها
والتي واكبت عصر النهضة وما أفرزته من أفكار؛
ليتخذ لنفسه اتجاه لم يحد عنه لإرساء قيم (الاشتراكية) التي تزكي مصالح المجتمع على المصالحة الأفراد الذاتية الأنانية،
وهذا الموقف الذي تبناه (برنارد شو) عبر عنها بأسلوب جاد وصادق وهادف؛ ليعطي صورة واقعية لما يتناوله،
فهو لم يسعى للمبالغة في عملية تجديد للأشكال الفنية للمسرح؛
بقدر ما سعى إلى تجديد مضامين النص المسرحي وتحديدا في مساعيه في إيجاد أعلى درجات (السخرية) ولا سيما في المواضيع الجادة؛
لكي تصل الفكرة إلى المتلقي بشكل مؤثر ومقبول،
ولهذا اشتهر موضوعات مسرحياته بهذه (السخرية) الهادفة،
لتتحول النصوص عنده إلى نصوص فكاه.. وتعليق ساخر.. ونكتة خفيفة.. ولكن لها مغزى ودلاله عميقة في الفكر،
كونه حول كل ما تناول قلمه من موضوعات جادة إلى (سخرية) هادفة لها دلالات فكرية في غاية الأهمية في أسلوب النقد الغير المباشر؛
سواء ما كان يتعلق أمرها بالحرب أو الحب أو العنف أو القضايا الاجتماعية الأخرى لدرجة التي باتت (السخرية) الحسنة والهادفة نقطة متميزة في عالم (برنارد شو) المسرحي .