بين النقل والابداع مقال للكاتب فارس كمال محمد في موضوع المعرفة و الثقافة و الفلسفة ، الموضوع الثاني بعنوان كونفوشيوس عرف نفسه ، إتماماً لما جاء في الجزء الأول من المقال
بين النقل والابداع
فارس كمال محمد
كونفوشيوس عرف نفسه
من الذين عرفوا انفسهم فاعربوا عن رغبتهم بتولي منصب عالٍ في الحكم ،
ذاك الذي وصفه احد المارين عليه في بلدته ( دون ان يعرفه ) فقال انه رأى رجلا قبيحا ،
ذا وجه كئيب كوجه كلب ضال – كان قبيحا – له شفاه كشفاه الثور، وفم واسع كسعة البحر ،
انه (( كونفوشيوس )) ذاك الرجل العظيم والمربي الكبير الذي اخفى روحه السامية وعقله الكبير وحكمته البالغة خلف قناع الجسد ..
وكانّه يلقننا درساً بان لا يوهمنا المظهر يوما فنوقر السافل الدنيء الجبان ، ونهين ابيَّ النفس ، كريم الأصل عالي الاخلاق …
لقد اعلن على الملأ يوماً ، ان لو أولاه الامراء منصبا لقدم للناس والبلد من الأعمال الجليلة ما يرقى بهم الى مستوى متقدم
وبلغ بهم الكمال في فترة لن تتجاوز النيّف من السنين ..
وقد تحقق له الحلم ، وأُسند اليه منصب كبير قضاة احدى المدن ، فاصدق وعده واثبت للعالم جدارته
حتى شاع في وقته الشرف والامانة بين الناس وبلغ الحال ان لو سقط من احدهم شيء بقي في مكانه حتى يعاد اليه ..
وأصبح الوفاء والإخلاص شيمة الرجال .
وترك للصين تراثا ، وفكرا، ومدرسة للأخلاق ، تتناقلها الاسلاف جيلا بعد جيل،
ولم ينضب ماء النبع بل فاض وساح وتشعب في مساربه حتى غطى عموم الصين اجمع ،
واضحت الكنفوشية الدين الرسمي للدولة ، وبقيت أفكاره على تاثيرها الفي عام من بعده .
ورغم كل هذه الهمة العالية والنفس الابيّة المتشوّفة الى ذرى المجد ، فقد كان متواضعا في عظمته ،
ولم يدّع ان الذي جاء به أمر مستحدث وفكر مبتدع واخلاق صيغت من جديد ، بل هو النقل عن الاولين والاباطرة المعظمين ..
كان ينصح تلاميذه بالوضوح في الطرح والتفكير ، والصراحة في الإجابة عما يوجه اليهم من سؤال ،
فان كان يعلم فليتمسك بقوله انه عالم ، اما ان جهل فليقر بذلك دون خجل .
ناقل وليس بمنشئ
وصف نفسه بانه ناقل وليس بمنشئ ، وكل الذي عمله لا يعدو نقل ما تعلمه من الغير اليهم ..
والسؤال الذي يعنينا من كل هذا .. الم يكن كونفوشيوس مبدعا في الفكر الذي تركه من بعده .. ؟
وهل الصحيح انه لم يقم الا بجمع كل التراث الخلقي للأسلاف
وان الكتاب الذي جُمعت فيه أقواله ونصائحه ، لم يخرج عن الدعوة الى الالتزام بقوانين الاخلاق التي سادت والالتزام بقيمها .. ؟
لو كان الذي صاغه نقلا عن ما هو سائد قبله ، لخرج عمله صورة مطابقة للمنقول ،
ولسادت الافكار القديمة بأسماء حامليها ..
وليس من مبرر لأن تعيش المدرسة المسماة باسمه ( المدرسة الكونفوشية ) آلاف السنين ، وتندثر أسماء أصحابها الاولين ..
ان ما تميز به هذا الرجل هو حبه الشديد للتفرد ولا فرق عنده أن يتبوّأ مكانة اجتماعية بين الناس فيعرفونه او يظل نكرةً بينهم دون ان يلتفتوا اليه ،
بل الأهم هو ان يكون جديرا باحترام الناس له ، وخليقا بان يعرف بينهم .
خلق العالم
فما أروع هذا الخُلق وما احوجنا اليه ،
ونرى ان في شيوعه بيننا إشاعة للمحبة والتسامح ،
ولكُبح جماحُ العدوانية بيننا ولصار التنافس شريفا عندنا ،
ولصار الكل اصيلا في سلوكه وتفكيره ، متفردا بشخصيته .
وكان حريصا على ان يعلم تلاميذه الّا يهاجموا غيرهم من المفكرين ويهدروا اوقاتهم بنقض أفكارهم ..
ولعمري ان هذا ما يفتقده البعض من أصحاب القلم ، من الادباء والمفكرين الاعلام ، ومن كتاب المقالات على صفحات الانترنيت ،
وإن كنا نرى ان في شيوعه بين – بعض – الاعلام ، حدة في الطبع وتعصبا في التفكير واعتزازا بما عندهم من الفكر،
منهم على سبيل المثال ( العقاد ) و ( د . عبد الرحمن بدوي ) هم غير ملومين فيما ذهبوا فيه ، فما في عقولهم كم كبير وتفكير اصيل وابداع ونظر بعيد ..
وكان يحرص كل الحرص على ان يُعمل الطالب لديه عقله ويتجاوب مع أمور الفكر ومستجداته بذهن متفتح وعقل متفرد وشخصية لها كيان مستقل ..
وتلك من مقومات الابداع وصفات المبتكرين .