الميثولوجيا الأشورية وتأثيراتها على الأمم الأخرى.. مقال للكاتب فؤاد الكنجي، عيد رأس السنة الأشورية (اكيتو)، نموذجا الجزء 1 من 4
الميثولوجيا الأشورية وتأثيراتها على الأمم الأخرى..
عيد رأس السنة الأشورية (اكيتو)، نموذجا
فواد الكنجي
التراث والفكر الحضاري للأمة (الأشورية) في بلاد الرافدين – العراق الحالي – يشكل ديمومة لحركة تاريخها الإنساني؛ بما تحمله هذه (الأمة) من قيم ومعاني فكرية رصينة؛ تمتد بأصالتها الفكرية والفلسفية على مدى التاريخ تطورا وإبداعا؛ وهي تواجه تحديات بنضال مستمد سياسيا وفكريا وتربويا وأخلاقيا وتوعويا؛ لترتقي ببنية المجتمع (الأشوري) على مستوى تحمل مسؤولياته التاريخية للحفاظ على وجوده وليكون على مستوى التعبير الصادق عن طبيعة هذا الوجود على مستواه القومي والإنساني والحضاري .
فـ(الأشوريون) منذ سقوط إمبراطوريتهم في 612 ق .م والى يومنا هذا؛ واجهوا تحديات خطيرة مست صميم وجودهم؛ ولكن ثبات نضالهم ومسيرتهم الفكرية استطاعوا إن يتجاوزوا كل تلك المخاطر التي حاولت القضاء على وجودهم وتفكيك مؤوسساتهم التربوية والثقافية والاجتماعية والسياسية والاقتصادية، محاولة من الأعداء لانتزاع قيم حضارتهم من حياة الأمة.
فحافظوا على تراثهم ولغتهم وحضارتهم وعاداتهم وتقاليدهم، بعد إن استوعبوا قراءة الواقع قراءة واقعية مواجهين متغيرات العصر؛ ومواكبين تجديد صلتهم بحضارتهم وتراثهم الفكري والقومي والنضالي، ليثبتوا بأنهم امة تجاوزت ورفضت التبعية وقاومت الاغتراب وعززت أصالتها وشقت طريقها نحو الانبعاث وتجديد دورها بين الأمم والشعوب العالم، بعد طول انقطاع استمر لقرون طوال.
حيث تعرض تاريخ الأشوريين – تاريخ العراق القديم – إلى التزوير والى تحريف ممنهج؛ ليفرض خلال فترات الاحتلال الذي تعرضت له بلاد وادي الرافدين في عصر الاحتلال (الفارسي) و سيطرة ( كورش الفارسي) على بقاع واسعة من بلاد (آشور) بلاد وادي الرافدين (العراق الحالي)، وما أعقبها من غزوات وصولا إلى احتلال (الروماني) ومرورا باحتلال (العثماني) و(الفرنسي) و(البريطاني)، وهؤلاء المحتلين لأراضي (بلاد الرافدين) قاموا بمحو تاريخ (الحضارة الأشورية) من ارض (العراق) وكتابة تاريخ آخر محرف ومزور ووفق رؤية المحتل؛ ففرضوا واجبروا سكان البلاد (ما بين نهرين – العراق) معتقدات من اجل نسيان تاريخهم الحقيقي وهويتهم الأصلية، وقد لحق الأذى الأكبر بمصير الأمة (الأشورية) هو استهدافهم عبر اتجاهين:
الأول (الفكر القومي) للأقوام التي غزت أراضي بلاد الرافدين.
والثاني هو الاتجاه (الديني المتطرف).
وكلا الاتجاهين ساهما بشكل مباشر ومتعمد بمحو الهوية التاريخية الأشوري من ارض الرافدين، ليكب القائمون على إدارة شؤون الدولة في (بلاد الرافدين – العراق الحالي) إلى تزوير تاريخ الدولة وبكل مؤسساتها، ولولا الذاكرة الشعبية وتشبث الأجيال المتعاقبة في (العراق) بهذه الذاكرة والتي انتقلت من جيل إلى جيل لكان قد ضاع (تاريخ الأشوريين) من (العراق) وطوي صفحته، طي النسيان.
ولكن الأمة (الأشورية) حافظت على ارثها الحضاري واستطاعت إعادة تاريخها وتراثها اللامادي و إحياءه؛ لأنه بقى هذا الإرث و ما زال محمولا بالذاكرة الشعبية من حيث (التقاليد) و(العادات) و(اللغة)، وكانت هذه (اللغة) بمثابة الخزان الحقيقي التي حافظت على المعارف والثقافة والهوية الأمة (الأشورية) الأصيلة، ومن خلال ذلك وضعت مؤوسسات هذه الأمة مناهج التعليم والتربية وإعادة إحياء مناهج التاريخ والتراث بعد إن أصابه تحريف وتزوير وبشكل كبير، ليتم بوعي وأدراك الحفاظ على روح التاريخ الأمة بتجديد مستمر واستعداد للمشاركة لإثبات وجودها وذلك من خلال موقفها التاريخي الذي يثبت على أصالته بما يحمل في طياته من قوة فكر وفلسفة وتراث وحضارة شامخة معبرة عن وجودها بالانطلاقة شخصية الأمة الحضارية والتي أرست مسيرتها بين حضارات الأمم المختلفة من خلال وعيها بتجاربها التاريخية.
ولهذا على الدوام ارتقت الأمة (الأشورية) إلى مستوى التعبير الأمثل لوجودها القومي على مر التاريخ بين الأمم وشعوب العالم وبكل أبعادها ألأخلاقية والحضارية؛ لكي لا تبقى معزولة عن الواقع وحركة التاريخ؛ لأنها تحملت مسؤولياتها وفق متطلبات الوعي ونظرتها الإستراتيجية لكي يتم تواصلها مع روح العصر، بحجم ما كانت تحمله من فكر ثقافي وفني واسع ساعد على بناء الأسس العلمية والقيم الدينية لكافة الحضارات، باعتبار من بلاد (أشور) في وادي الرافدين؛ انطلقت أولى الحضارات في العالم والبشرية جمعاء، وهو الأمر الذي يقودنا في البحث عن مكامن قوة هذه الحضارة التي استطاعت أن تفرض وجودها بين الأمم الأخرى لتتأثر هذه الأمم بعلومها.. وثقافتها.. وفنونها.. وأخلاقها.. وقيمها الروحية، فمن الحضارة (الأشورية) استمدت الأمم الأخرى منظورها في توحيد (الإله الخالق) في رؤيتها، إلى (الإله) غير منظور، والذي يحمل اسم مختلف لدى كل امة، وقد اتخذ (الأشوريين) تسمية (إله) في الحضارة (الأشورية) القديمة بأسماء عدة نحو إله (إنليل) و(مردوخ) و(آشور) وهكذا… إلى إن ينتهي تسميته في منطقتنا الشرقية باسم (الله) بعد التاريخ الميلادي .فـ(الأشوريون) اتخذوا من (إله) بكونه شيء كبير ومخيف وفوق أي قوة بشرية معتبرين بان كل شؤون الطبيعة والحياة هي أداة بيد (إله) من الآلهة فقد نسبوا (إله) للماء.. والأرض.. والعواصف.. والمطار.. والشمس.. والقمر.. والليل.. وكل ما يدور حولهم نسبوه إلى (إله)،
فعند جفاف المواسم كان الشعب يصلي إلى (إله) الخصب و(إله) الإمطار، وعندما كان الملك يحتار ويمر بمحنة ما، كان يذهب ويصلي إلى (إله)، وكان في بلاد (أشور) الإله هو معروف باسم إله (أشور)، وكان لاكتشاف مكتبة (آشور بنيبال 626- 667 ق.م) على يد عالم الآثار (أوستن هنري لايرد) ومعاونه (العالم هرمز رسام) وما وجد فيها من ألواح طينية دونت فيها نصوص تتحاور في مفهوم (إله) ومعتقدات ذلك الزمان، و بعد إن توصل العالم (هنري رولنسون) والعالم ( جورج سميث) إلى قراءة الأحرف المسمارية في منتصف القرن التاسع عشر أحدثت اكتشافاتهم ثورة فكرية هائلة على حجم العلوم والمعرفة التي كانت سائدة في عصر الإمبراطورية (الأشورية) أي بحدود أكثر من سبعة ألاف سنة قبل الميلاد، وكان لاكتشافهم بما كتب على تلك الرقم الطينية التي وجدت في مكتبة الملك الأشوري (آشور بنيبال) والتي احتوت هذه المكتبة على (25000 ) لوح؛ بمثابة ثورة علمية حقيقة في الفكر الإنساني هزة أوساط العالم وخاصة بما يتعلق بما كتب على سبعة ألواح تتحدث عن سبعة أجيال وجلها تدور حول خلق الكون والبشر، ومن بينها قصة ( الطوفان الأولى) و(ملحمة كلكامش) وملحمة الآلهة (عشتار)، و ملحمة الخلق ( إينوما إيليش – عندما في العلى)،
ومما أثار ما تم اكتشافه في هذه القصص التي كتبت في العصر (الأشوري) الأول هو تطابق نصوصها تطابقا كليا على ما ورد في الأيام السبعة في (سفر التكوين- التوراة)، مما أذهل العلماء – وحتى (اليهود) منهم – لدى اكتشاف النصوص (الآشورية) المكتوبة بالحرف المسماري، فابتكر العلماء تسمية لها سموها بعبارة ( توراة ما بين النهرين)، ولذلك اعتبرت محتويات هذه المكتبة – والتي اليوم، أي في مطلع عام 2019 عرضت بعض محتويات هذه المكتبة في المتحف البريطاني إمام الجمهور لمشاهدة عظمة مكتبة (أشور بنيبال) – المفتاح الرئيسي لـ(علم الآشوريات) لتكشف المدونات المزيفة التي طغت على الفكر البشري لألفي عام .
كما وسع في البحث عن هذا الجانب العلامة العراقي الدكتور (فاضل عبد الواحد) في كتابه الموسوم (من ألواح سومر إلى التوراة 1989)، حيث أكد في بحوثه بان اغلب قصص (التوراة) منقولة من حضارة (الأشورية) في بلاد الرافدين وتحديدا قصة (الخلق) و(جنة عدن) و(الفردوس المفقود) و(قصة هابيل وقابيل) و (زقورة بابل) و(بين موسى وسرجون الاكدي)، كما إن كثير من الباحثين وعلماء الآثار العراقيين سلطوا الضوء على هذه الجوانب وقد ورد ذلك في مؤلفات وترجمات وبحوث الدكتور (طه باقر) و الدكتور (سامي سعيد الأحمد) والدكتور (بهنام ابو الصوف) وآخرين، وهي منشورة ومتواجدة في المكتبات.
فواد الكنجي