الديمقراطية والحرية !! مقال للأستاذ حافظ صالح في 1344 كلمة و33 فقرة
يستغرق مقال الديمقراطية والحرية 5 دقائق قراءة صامتة، و 7 دقائق ونصف إلقاءاً من القارئ الطلق
نترككم مع المقال متمنين لكم الفائدة والمتعة
الديمقراطية والحرية
( وأما من حيث الأصل الذي جعلته – الديمقراطية – أساساً لها، وهو قولها حكم الشعب بالشعب فهذه كذبة كبرى تحكم هي على ذاتها بالكذب.
فهذا قول بعيد عن الصحة تماماً، سواء من حيث الحاكم، أو من حيث قواعد الحكم ونظمه وقوانينه،
فهذه أمور تتناقض مع الواقع وتخالفه تماماً حتى لو بنيت على الحل الوسط، أو النزول على حكم الأكثرية.
أما من حيث حكم الشعب، فإن الشعب لا يحكم ، والذي يسن الدستور ويضع التشريعات والقوانين هم فئة قليلة لا تمثل إلا نسبة ضئيلة جداً من الناس،
وأما من حيث الحاكم أي بالشعب، أي أن الشعب هو الذي يختار حكامه، فإن هذا القول مبني على مغالطة فظيعة.
الحكم للأقلية
فالذي يحكم واحد أو هيئة تنفيذية لا تزيد في كل أحوالها عن مجموعة صغيرة تقوم بتنفيذ ما شرع لها من أحكام.
وأما الذين اختاروا هذه الفئة فهم أقلية في المجتمع، أما تفصيل هاتين النقطتين فهو كما يلي:
فالنقطة الأولى التي تقول حكم الشعب، أي أن الشعب هو الذي يضع دستوره وقوانينه وتشريعاته فما من أحد منا إلا عاصر نشوء دول أو كيانات سياسية،
أو عاش في بلد ديمقراطي تلمس بطلان هذا القول. ومع ذلك ونحن نحاكم هذه الفكرة فلا بد لنا من توضيح كيف يوضع الدستور أو تسن التشريعات.”
“حين نشوء دولة ما، أو وجود كيان سياسي جديد، أو إجراء تغيير أساسي في دولة من الدول بسبب انقلاب أو غيره،
يعمد القائمون على هذا النشوء أو هذا التغيير إلى إيجاد هيئة مؤسسة قد تكون من كبار المحامين والحقوقيين والمشرعين في البلد ،
تقوم على وضع دستور لذلك البلد، إما من بنات أفكارهم، وانطلاقاً من القواعد والأسس الموجودة في نفوسهم،
وإما أن ينقلوه عن دستور أو دساتير دول أخرى مع إجراء بعض التعديلات عليه،
ثم يطبق هذا الدستور على الناس، إما دون الرجوع إلى الناس، وإما بعرضه على المجلس التشريعي في ذلك البلد ليرى رأيه في تعديل بعض المواد أو إقرارها جميعها،
أو بعرضه على جميع الناس. وفي كلا الحالين فإن الأغلبية العظمى من أية أمة من الأمم لا تعرف التشريع، وليس لها أدنى إطلاع على سن القوانين، ووضع الأسس لتنظيم الحياة،
ولذلك فإن هذا القول –حكم الشعب– ليس له واقع إطلاقاً من حيث وضع الدستور، وهو تنظيم شكل الدولة، وأجهزتها، وصلاحيات المسؤلين فيها، وصلاحية كل جهاز،
فهذه أمور تتطلب الاختصاص ولذلك فإن الأمة بمجموعها تجهل مثل هذه الأمور تماماً كما يجهلها مجلس النواب نفسه.
التشريعات القانونية
وأما من حيث التشريعات القانونية، فهم يدعون أن الهيئة التشريعية أي مجلس النواب –الكونجرس- هو ممثل للأمة،
وأنه هو الذي يضع القوانين، وكما نقضنا موضوع الدستور الذي هو قوانين عامة، أو قوانين أساسية ننقض كذلك أي قانون يراد تشريعه،
ذلك أن أعضاء مجلس النواب أولاً لا يمثلون الأمة وإنما يمثلون الفئة الأقل بالنسبة للأمة.
فحين انتخبوا لتمثيل الأمة لم يكونوا وحدهم فقط هم المرشحون وفازوا بالتزكية، بل كان لهم منافسون وجرت الانتخابات الحرة لتقرير الفائز الممثل للناس.
فحين يتنافس ثلاثة أو أكثر على مقعد من المقاعد، وهذا هو الأصل، فإن الفائز يمثل الفئة الأقل في دائرته الانتخابية، وذلك بسببين :”
“السبب الأول : هو تخلف نسبة كبيرة من الناخبين قد تزيد على الأربعين في المئة،
ثم تتوزع البقية الباقية بين المتنافسين، فقد يفوز من يأخذ عشرين في المائة من الناخبين في دائرته، وبهذا يكون المجلس لا يمثل إلا الفئة الأقل.
هذا من جهة ، ومن جهة ثانية فإن هؤلاء الممثلون لم يختارهم الناس لأنهم قادرون على التشريع وسن القوانين.
ولذلك قد لا نجد فيهم من يفهم التشريع والقانون إلا القليل النادر، وهذه القلة النادرة تشكل منها لجنة قانونية تقوم بوضع مشاريع قوانين،
ثم تعرض على البقية من هؤلاء النواب الذين لا يعرفون ما هي التشريعات والقوانين لإقرارها،
وغالباً ما تقرها الهيئة التشريعية بكاملها، ومع ذلك يدعون أن هذا حكم الشعب !! فهل ينطبق هذا القول على الواقع ؟!.
هذا من حيث قولهم حكم الشعب، وقد تبين لنا فساد هذا القول، وعدم مطابقته للواقع،
الديمقراطية والحرية : الحكم بالشعب
وأما قولهم بالشعب، ويعنون بذلك أن الشعب هو الذي يختار حكامه، فإن هذا القول لا يقل مغالطة عن سابقه،
وينطبق عليه ما ذكرناه عن سن القوانين والتشريعات ووضع الدستور، وإليكم البيان:
قيل -وهو قول حق- إنه بالمثال يتضح المقال، فليكن المثال من الواقع الذي تعيشه الشعوب والأمم.
فلنفترض أن شعباً من الشعوب الديمقراطية، وليس فقط من الشعوب التي تدعي الديمقراطية،
انتهت مدة حاكمه وأراد هذا الشعب اختيار حاكم جديد له، بدلاً من الحاكم السابق.
فإن الديمقراطية تجيز لأي فرد من أفراد هذا الشعب أن يرشح نفسه للانتخاب،
فمن الطبيعي أن يتسابق من يرون في أنفسهم القدرة على القيام بأعباء الحكم للفوز بهذا المنصب،
وتعطى لهم الفرصة للقيام بحملاتهم الانتخابية، وصرف الأموال الطائلة عليها، هذا من جهة، ومن جهة أخرى تقوم الجهات المسؤولة بإعداد قوائم المرشحين، وتنظيم مراكز الاقتراع،
إلى غير ذلك من الأعمال التي تقتضيها عملية الترشيح والانتخاب.”
نسب الناخبين
“فلو افترضنا أن هذا الشعب مكون من عشرين مليون نسمة، فإن أعلى نسبة فيه لعدد الناخبين لا تتعدى 25% من عدد السكان،
أي أن قوائم المرشحين تحتوي على خمسة ملايين ناخب فقط. فما عدد الذين سيحضرون إلى مراكز الاقتراع ويدلون بأصواتهم ؟
ولنضع بعين الاعتبار ما في ذلك المجتمع من مسنين أو معاقين لا يستطيعون الحضور إلى مراكز الانتخاب.
ففي أحسن الحالات وفي أكثر الشعوب حيوية لا يزيد مطلقاً عدد الحضور عن 80% من مجموع الناخبين،
أي أن العدد سوف لن يزيد عن أربعة ملايين ناخب.
فإذا كان عدد المتنافسين على كرسي الرئاسة أربعة مثلاً أو أكثر، فإن هؤلاء الأربعة سيتقاسمون هذه الأصوات بنسب متفاوتة،
فيحظى بهذا المنصب من يأخذ أكبر عدد من الأصوات،
فلو أخذ أحدهم –بفوز ساحق- مليوني صوت، وتقاسم الثلاثة الآخرون الأصوات الأخرى.
فإن من حصل على مليوني صوت سيصبح هو الحاكم حتماً،
ثم يقوم باختيار الهيئة التنفيذية التي ستساعده في تنفيذ الأحكام وتطبيقها على المجتمع.
وبهذا يكون الحاكم ممثلاً فقط لمليوني فرد فقط ،ويعارضه مليونان آخران معارضة فعلية ،
وسكت عنه مليون ناخب لم يدلوا بأصواتهم، وفرض نفسه على خمسة عشر مليوناً !!
فهل هذا هو حكم الأكثرية؟! أم هو حكم الأقلية؟!
حكم الشعب كذبة كبرى
ولذلك فإن القول بأن الديمقراطية هي حكم الشعب كذبة كبرى، وأكبر منها أن يقال إن الحكم للأكثرية.
وكان الأولى بل الأصح أن يسمى هذا النوع من الحكم : حكم الأقلية للأكثرية ، وليس العكس. سواء من حيث اختيار الحكام، أم من حيث تنفيذها،
وحتى أيضاً من حيث تشريعها وسنها قوانين للتنفيذ.
ومن هنا نقطع يقيناً أن نظام الحكم الديمقراطي هو حكم الأقلية للأكثرية قولاً وعملاً.
ولا نجافي الحقيقة حين نؤكد أن الشعب لا يختار حكامه بشكل صحيح، ولا يضع دستوره أو قوانينه أو تشريعاته بنفسه،
وعليه فالديمقراطية فكرة خيالية لا يقرها العقل السليم، ولا تنطبق على الواقع ).
شبهة الديمقراطية والشورى
(“أما الشبهة التي تسلل الغرب منها واتخذها تكئة للوصول إلى أهدافه فهي تصويره لنظام الحكم في الإسلام أنه نظام شوري،
وأنه يقوم على الشورى، مكتفياً بهذا الدجل الرخيص ليدخل منه إلى قلوب الناس،
كما صور كذلك أن الديمقراطية هي الشورى، ونظام الحكم فيها هو الشورى.
مستغلاً بذلك جهل الناس بنظام الحكم في الديمقراطية،
ونظام الحكم في الإسلام، وجهلهم كذلك بمعنى الشورى، سواء في الإسلام أو في الديمقراطية،
ولذلك كان لابد من إلقاء الضوء على هذه الفرية السخيفة، وهذا الدجل الفاضح.
والغريب أن هذه الحيلة قد انطلت على بعض أبناء الأمة، إن لم تكن على غالبيتهم، من علماء ومفكرين ومثقفين.
فالشورى ليست نظام حكم، بل ولا نظام حياة، وليست معالجة لأي عمل من الأعمال،
وإنما هي وسيلة أو أسلوب أو كيفية تُتبع في التحري عن الرأي الصائب.
الشورى هي أخذ الرأي مطلقاً
حيث إن الشورى هي أخذ الرأي مطلقاً، فحين يريد الإنسان، أي إنسان، حاكماً أو محكوماً، مديراً أو موظفاً، عاملاً أو مزارعاً،
حين يريد التوصل إلى رأي في مسألة ما، أو التبس عليه معرفة رأي بمسألة ما.
فإنه يرجع إلى من يأنس فيهم حسن الرأي، والقدرة على معرفة الصواب في مثل مسألته، لأخذ رأيه فيها.
فالحاكم يرجع إلى مستشاريه وهم من لهم خبرة بشؤون الحكم إن أراد.
والقاضي يرجع إلى الفقهاء والمجتهدين لمعرفة رأيهم في مسألة قضائية، والمهندس يرجع إلى من لهم خبرة في الهندسة.
والطبيب يرجع إلى من لهم خبرة في الطب وهكذا،
ولا يصح من أحد أن يرجع إلى أناس ليس لهم خبرة أو اطلاع في مسألته ليسألهم عنها،
وهل يصح من قائد جيش أن يسأل طبيباً عن فعالية طائرة ما، أو صاروخ ما.
فإن فعلها كان سخيفاً ولا يجوز له أن يكون قائد جيش.
وهل يصح لمجتهد أن يسأل مهندساً في قضية شرعية التبس عليه فهمها دون أن يكون لهذا المهندس اطلاع على الفقه والتشريع.
فالمسألة إذن هي أخذ الرأي ممن هم مظنة أن يكون عندهم الرأي الصواب في المسألة ).
(“المرجع : ” الديمقراطية والحرية ” حافظ صالح ، ص 27-33، 67-69) .
نبذة عن المؤلف:حافظ صالح صاحب مقال الديمقراطية والحرية
هو الأستاذ حافظ صالح، من مواليد قرية “سيلة الظهر” في الضفة الغربية المحتلة سنة 1930م.
حائز على ماجستير في اللغة العربية والدراسات الإسلامية من الجامعة السلفية في لاهور ـ باكستان.
هل أعجبك مقال الديمقراطية والحرية لحافظ صالح ؟ اقرأ أكثر في قسم مقالات فكرية