Site icon حديقة المقالات

مقاصد الإسلام في إصلاح العَالم للعَلاَّمة الشيخ محمد الخضر حسين

مقاصد الإسلام في إصلاح العَالم للعَلاَّمة الشيخ محمد الخضر حسين

مقاصد الإسلام في إصلاح العَالم للعَلاَّمة الشيخ محمد الخضر حسين، بيان مقاصد الشريعة في إصلاح العقائد و الأخلاق و العبادات

مقاصد الإسلام في إصلاح العَالم

للعَلاَّمة الشيخ محمد الخضر حسين

يدخل الفساد في العقائد والآراء والأخلاق، وفيما يُقْصَد به التقرب إلى الخالق _ جَلَّ شأنه _ فيما يتناوله الإنسان من نحو المطعوم والملبوس،

وفي المعاملات الجارية بين الأفراد والجماعات من الناس، بل يدخل الفساد في معاملة الإنسان للحيوان.

وقد دَلَّنا التاريخ أن كثيراً من عقائد الأمم كانت زائغة، وكثيراً من آرائهم كانت مزاعم ينبذها العقل، وأنَّ الأخلاق كانت منحطة.

والتقرب إلى مُبْدِع الخليقة لا يقع على وجهه الصحيح،

والتمتع بالمطعومات والملبوسات وما يُتَّخذ من المراكب لا يقف عند الطيبات والزينة وما يوافق الحكمة،

ومعاملات الأفراد والجماعات من الناس والحيوان _ لم تكن جارية على نظام الرحمة والعدل.

فكان من مقاصد الإسلام تقويم العقائد، وتطهير العقول من المزاعم السخيفة وإصلاح الأخلاق،

وشرع العبادات الصحيحة، وبيان الطيبات من الرزق،

وما لا يخرج عن حدود الحكمة من نحو الملابس والمراكب، وتنظيم المعاملات على وجه العدل والرفق.

أمَّا العقائد فقد أنكر الإسلام على أصحاب الملل الباطلة، وأقام الحجج على بطلان تلك الملل،

وقرر العقائد السليمة، وثبتها بالبراهين القاطعة.

حارب عقيدة الشرك بالله، ونهى عما يفضي إليها، كالمبالغة في تعظيم بعض المخلوقات،

وصرَّح ببطلان كل عبادة يُتَوجَّه بها إلى مخلوق من نحو صنم، أو كوكب، أو نار، أو حيوان، أو إنسان،

ونظر في الأديان السماوية السابقة كاليهودية، والنصرانية، فَدَلَّ على ما طَرَأَ عليها من تغيير،

وما دخلها من مبتدعات حتى بعدت عن هداية الله، وأصبحت تلك الأديان في واد، والسعادة في واد.

وأمَّا الآراء فقد قصد الإسلام لتقويمها بطريقة عامة هي نهيه عن التقليد، وحثه على الرجوع إلى العقل، وإقامة العلم على قاعدة الاستدلال،

ثم أتى إلى مزاعم كانت ذائعة بين الناس، فنبه على بطلانها، كزعم الشؤم في بعض الأشياء، وكزعم أن خسوف الشمس أو القمر يقع لموت رجل عظيم.

عنوان :

وأمَّا الأخلاق فقد وجَّه إليها الإسلام جانباً كبيراً من عنايته؛

فأنكر الجبن والبخل، والكذب، والخيانة، والرياء، والحسد، إلى غير ذلك من الأخلاق الذميمة،

وحثَّ على الشجاعة، والكرم، والصدق، والأمانة، والحلم، والإخلاص، إلى نحو هذا من الأخلاق الحميدة.

وأما العبادات التي هي صلة بين الخالق والمخلوق فقد قرر أوضاعها، ورسم حدودها، ونبه على شروط صحتها،

مثل الصلوات، والصيام، والحج، والزكاة، والذكر،

ونبه على فساد أعمال قد يحسبها الناس عبادات تقربهم إلى الله،

نبه على ذلك بوجه عام كما قال “: من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد.

وقصد لكثير من الأعمال الخاصة، فدل على أنها ليست من العبادات في شيء،

كشدِّ الرحال للصلاة في مسجد غير المساجد الثلاثة، وكوصل الليل بالنهار في الصيام.

وأمَّا المطعومات، فقد ذكر الطيبات، وأذن في التمتع بها، وذكر الخبائث ونهى عن تناولها.

وأمَّا الملبوسات فقد حرم بعضها، كما حَرَّم على الرجال لبس الحرير، والذهب، والفضة؛

لما في استعمالها من السرف والرفاهية؛

والرجالُ في حاجة إلى الكمال النفسي، وليسوا في حاجة إلى زخرف المظهر.

وإذا كان الحرير والذهب والفضة تزيد في ظاهر المرأة حسناً

فإن الرجل لا يباهي إلاَّ بسمو خلقه، واستنارة فكره، واستقامة سيرته، وصلاح أعماله.

وتطوّحُه في النعيم إلى حد بعيد يعود على الرجولة الكاملة بشيء من النقص كثير أو قليل.

وأما المراكب فقد أذن في ركوب بعض الحيوان، كالخيل، والبغال، والحمير، والإبل،

ونهى عن ركوب البقر، ويلحق بالبقر كل حيوان يحصل له ما يحصل للبقر من ضرر الركوب عليه.

وأما المعاملات بين الناس، فقد أخذت من شريعة الإسلام أوسع مكان،

ونريد من المعاملات ما يجري بين شخصين، أو أشخاص، من نحو عقود البيع والإجارة، والقرض، والهبة،

ويدخل في هذا القبيل مراعاة حقوق الزوجين والأقارب، والأرقاء، والأطفال،

فَيُعدُّ في قبيل المعاملات أحكام النكاح، والطلاق، والعتق، والحضانة، والنفقات، والإيصاء.

وأما معاملة الحيوان فقد أخذت جانباً من عناية الإسلام؛ إذ نهى عن تعذيب الحيوان، وحث على الرفق به.

عنوان :

ثم إنَّ الإسلام أرشد إلى أشياء قَصَدَ لها قَصْدَ الوسائل التي لا تتحقق المقاصد الأصلية إلاَّ بها،

كالجهاد، وعقوبات الجناة المشروعة للزجر عن الاعتداء على الدين، والنفس، والعرض، والمال، والعقل،

وكالشورى؛ فإنها طريق الوصول إلى الحكم العادل، وطريق تدبير الأمور على نهج السداد،

وكإطلاق العقل من أسر التقليد؛ لأنه طريق الإيمان الصادق، واستنباط الأحكام الصحيحة، وتوسيع دائرة العلوم على اختلاف موضوعاتها.

فالإسلام لم يقتصر على إصلاح العقائد، وتنظيم الصلة بين العبد وربه،

كما يقول بعض من يُظْهِر الإسلام ويُخْفِي الإنكار، بل الإسلام دين سماوي نظر إلى كل ناحية من نواحي الحياة الفردية، والاجتماعية،

وقرر لها نظماً مفصلة، أو وضع لها أصولاً عامة، وعدَّ الخروج على هذه النظم وهذه الأصول فسقاً وظلماً،

بل سماه في بعض الآيات كفراً كما قال _ تعالى _: [وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الْكَافِرُونَ]المائدة: 44.

وليس من شكٍّ في أنَّ من خرج على نظم الإسلام وأصوله معتقداً أنَّ ما خرج إليه أقرب إلى الحكمة، وأحفظ للمصلحة

فقد خلع طوق الدين الحنيف من عنقه.

الهامش

() مجلة الهداية الإسلامية الأجزاء الخامس، والثامن، والتاسع من المجلد التاسع، وانظر الدعوة إلى الإصلاح 104_106.

Exit mobile version