إخماد ذكر علماء المغرب ودفن مآثرهم مقال للكاتب الشيخ إلياس الرشيد اليوسفي تناول فيه عادة إهمال أهل العلم عن المغاربة خلافاً لـ أهل المشرق
إخماد ذكر علماء المغرب ودفن مآثرهم
إلياس الرشيد اليوسفي
من العقوق الضّارب في أطناب التاريخ وتبحبح في الآفاق وضرب بجرانه في الأعماق، ما عهد عند كثير من الناس قديما وحديثا من إخماد ذكر علماء المغرب ودفن مآثرهم وطمس معالمهم غفلة أو قصدا؛
ولئن استسغنا ذلك من المشارقة الأباعد لتنائي الديار وشحط المزار، فلا يقبل بحال أن يقع هذا الإغفال من أهل الدّار،
الذي انطبق على كثير منهم المثل السائر والفعل الجائر: { أزهد الناس في العالم أهله }،
وهذه الشكوى وردت على لسان كثير من أهل العلم بالغرب الإسلامي:
قال العلامة الفقيه المفتي أبو العرب التميمي القيرواني -رحمه الله- (ت 333ﻫ):
[وحدّثني جبلة بن حمود الصدفي أخبرنا سحنون قال:
كان من يعرف العلم يبقى في صدره لا يسألونه عنه -يعني أهل إفريقية- فيموت به،
مثل عبد الرحمن بن زياد بن أنعم،
بقي العلم في صدره لا ينتشر عنه ولا يُعرف…] (طبقات علماء إفريقية)
مفاخر البربر
وجاء في كتاب (مفاخر البربر):
سمعت الشيخ الفقيه العالم الراوية المحدث الباحث أبا عبد الله بن عبد الملك -رحمه الله-(ت 703ﻫ) يقول:
[ كان بفاسَ من الفقهاء الأعلام، الأجِلة أعيان الأنام، ما ليس في غيرها من بلدان الإسلام؛
إذ هي قاعدة المغرب، و دار العلم والأدب، لكنّ أهلها أهملوا ذِكرَ محاسن علمائهم، وأغفلوا تخليد مفاخر فقهائهم ]
وقال الفقيه المؤرّخ ابن مريم التلمساني (ت 1014ﻫ) نقلا عن السنوسي -وهو يعدد فوائد ترجمة علماء بلده المغمورين-:
[ وليكن اعتناؤك يا أخي بمن تأخر من الصالحين وخصوصا من أهل بلدك .. وذلك لأوجه: …
الرابع: أن فيه تخلصا مما عليه أهل الزمن من القدح بمن عاصرهم،
وهذا خلق ذميم جدا، وقد نال منه أهل المغرب خصوصا أهل بلدنا حظا أوفر مما نال غيرهم؛
ولهذا لا يجد أكثرنا اعتناءًا بمشايخنا، ولا يحسن الأدب معهم بل يستحي كثير منا أن ينتسب بالتلمذة لهم،
رغم أن جل انتفاعه به فيعدل عن الانتساب إليهم إلى من هو مشهور عند الظلمة،
وربما نسب بعض من لا خلاق له له ابعداوة والسب والأذية لمن سبقت له شيخوخته عليه ولا يبالي،
وذلك مذموم جدا، وإن لم يكن شيخه من الصالحين وهو الهلاك دنيا وأخرى،
ويرحم الله المشارقة ما أكثر اعتناءهم بمشايخهم وبالصالحين منهم خصوصا. ]
(مقدمة كتاب البستان في ذكر الأولياء والعلماء بتلمسان)
وقال الشيخ العالم أبو المحاسن الفاسي-رحمه الله- 1013ﻫ):
[ووسموا المغاربة بالإهمال، ودفن فضلاءهم في قبري تراب وإخمال،
فكم فيهم من فاضل نبيه طوى ذكره عدم التّنبيه، فصار اسمه مهجورا كأن لم يكم شيئا مذكورا.]
(مرآة المحاسن من أخبار الشيخ أبي المحاسن)
ولا يُلقِيَنّ أحد بشراره على ما سبق ويدّعي أن في هذا تجلدا وتعصبا لأهل الغرب الإسلامي،
فسرد بعض هذه النقولات لا تعدو أن تكون تعريفا واعترافا بأن في بلاد المغرب بأدناه وأوسطه وأقصاه وعدوته الأندلسية جِلّة من أهل الحديث والأثر وأهل الفقه والنظر
ممن سَهّل وعرَ العلم، ووطّأ شَأوَهُ، وأحكم قِيادَ الفنون، وروّضَ عَاصِيها.