مصادر ومؤسسات التربية لدى أهل الكتاب بحث مصادر ومؤسسات التربية لدى أهل الكتاب زمن العصر النبوي د. احمد حسن لبابنه ود. عصام حمد عبابنه
مصادر ومؤسسات التربية لدى أهل الكتاب
لقد كان للديانتين اليهودية والنصرانية فضل كبير على أهلهما في نشر الكتابة والعلوم بينهم، إذ صارت معابدهم مدارس يتعلم فيها الناس أصول ديانتهم، ومبادئ المعرفة والكتابة والقراءة لمن يرغب من الأطفال،
كما أدت حاجة الديانتين لوجود رجال دين يقومون بتثقيف الناس وتعليمهم أصول دينهم ونشر ديانتهم بين الوثنيين،
أو بين أصحاب الديانات الأخرى، إلى تكوين معاهد خاصة لتخريج هؤلاء الرجال، ألحقت بالمعابد، حيث درسوا فيها الكتب المقدسة وما وضع عليها من تفاسير وشروح،
ومما يتعلق بشرحها من دراسة للغات وفلسفة وجدل وأمور أخرى لها علاقة وصلة بالديانات.
وقد كان من بين هؤلاء الرجال أناس أذكياء ذوو نظر واسع، يكتفوا بحفظ ما ورد إليهم، وبالتعصب لكل ما تلقنوه، بل تتبعوا ثقافات غيرهم وعلومهم، ودرسوا اللغات والفلسفات الأخرى،
وكونوا لهم آراء خاصة اعتمدت على استعمال العقل والمنطق، فظهر النقد عندهم، والنقد يخلق الرأي.
وقد قامت المعابد بدور فعال ناشط في نشر القراءة والكتابة.
وإذا كنا نجهل اليوم موقف معابد الوثنيين من تعليم القراءة والكتابة بها، فإننا لا نستطيع أن ننكر موقف( الكنيس) و(المدراش) (المدراس) عند اليهود،
و(الكنائس) عند النصارى من تنشيط التعليم وتهيئة الأطفال لتعلم القراءة والكتابة، لخدمة الدين، أو للأغراض التثقيفية والشؤون الخاصة بالحياة.
وقد قام (المدراش) وقامت الكنيسة بدور فعال في تعليم الناس أمور دينهم وشرح ما ورد في التوراة وفي الإنجيل إلى المؤمنين بهما،
فقد كان أحبار يهود ( يثرب) وقرى ( وادي القرى) يجلسون في المعابد ليفسروا للناس أحكام شريعة يهود.
والمدراس، لفظة أطلقت على المكان الذي تدرس فيه التوراة.
فصار بمثابة المدرسة، يقصده اليهود للتفقه فيه والتعلم، وقد قصده الجاهليون أيضا ليسمعوا ما عند يهود، كما قصده المسلمون.
وقد كانت لليهود جملة بيوت عبادة يجلس فيها أحبارهم للإفتاء ولشرح الكتب المقدسة لتلامذتهم وللناس. فكانت بيوت عبادة ومدارس للتعليم.
وقد كان الجاهليون يسألون اليهود عن تواريخ الماضين وقصص الأولين والأنبياء والمرسلين.
وعن بعض المشكلات الدينية مثل الحياة بعد الموت وأمثال ذلك مما تعرضت له اليهودية.
وقد لجأ إليهم أهل مكة الوثنيون يسألونهم عن أشياء، ليمتحنوا بها صدق الرسول صلى الله عليه وسلم.
وفي خبر (وفد نجران) الذي قدم على الرسول، إفادة بوجود مواضع لتعليم أوامر الدين، وتثقيف الناس بما يلزم من ثقافة،
فقد ورد أن أسقف نجران كان حبرهم، وإمامه، وصاحب مدراسهم ( صاحب مدراسهم) ، أي الموضع الذي يتدارسون فيه،
والغالب أن يكون ذلك المكان في الكنيسة على الطريقة المتبعة في ذلك العهد، كما صار المسجد موضعا للتعليم.
وقد كان يهود الحجاز والمواضع الأخرى من جزيرة العرب يلحقون بكنيسهم كتابا يعلمون أطفالهم أصول القراءة والكتابة،
كما كان أحبارهم يتخذون به مجلسا لتعليم اليهود أمور دينهم وللإفتاء بينهم في أمور الشرع، وفض ما قد يقع بينهم من خلاف.
وكذلك كان شأن نصارى العرب اتخذوا من كنائسهم مواضع للتدريس ولتعليم القراءة والكتابة كالذي رأيناه بين نصارى العراق.
ولا استبعد احتمال اتخاذهم مدراس في قرى البحرين التي كانت بها جاليات نصرانية كبيرة وكذلك في اليمامة لتعليم الأطفال القراءة والكتابة وأصول الدين.
ومن الصنائع الشريفة التي دخلت بين العرب بفضل النصرانية صناعة التعليم.
وكان شيوع المدارس أولا بين الأمم المجاورة للعرب كالكلدان والسريان في العراق وما بين النهرين وكالروم في جهات الشام وفلسطين،
فلما تنصر العرب أخذ أحداثهم يترددون على المعلمين المنصوبين للتعليم في الجهات المجاورة لمساكن قبائلهم في مدارس كانوا يدعونها (بالاسكولات) وهي كلمة دخيلة استعارها السريان من اليونانية،
اشتهر منها مدارس الرها ونصيبين والمدائن والحيرة ودمشق.
ومع أن التعليم في هذه المدارس كان في السريانية أو اليونانية لم يعدم العرب فيها وسائل لدرس لغتهم.
هذا فضلا عمن كانوا يختلفون إلى الرهبان والكهنة النصارى في صوامعهم وأديرتهم ليتعلموا القراءة والكتابة.
كما ذكر عن أبي نصر البراق منه تلاوة الإنجيل.
وكما قال في الأغاني عن ورقة بن نوفل أنه (كان يكتب بالعبرانية) يريد السريانية) من الإنجيل ما شاء أن يكتب”.
ولعل الراهب الذي نسب القرشيون إليه تعليم الرسول( صلى الله عليه وسلم) القرآن كان أحد معلمي النصارى في مكة.
قال تعالى (وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّمَا يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ لِّسَانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهَـذَا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُّبِينٌ) (سورة النحل،103).
مصادر ومؤسسات التربية لدى أهل الكتاب زمن العصر النبوي
د. احمد حسن لبابنه
استاذ مساعد
جامعة البلقاء التطبيقية
كلية إربد الجامعية
د. عصام حمد عبابنه
وزارة التربية والتعليم
المجلس الأعلى للتعليم
أبو ظبي