الحياة الاجتماعية والاقتصادية عند النصارى في العصر النبوي من بحث مصادر ومؤسسات التربية لدى أهل الكتاب زمن العصر النبوي ، د. احمد حسن لبابنه ، د. عصام حمد عبابنه
كان تواجد النصارى في مكة أكثر من تواجدهم في المدينة المنورة، حيث كان قدومهم إلى المدينة وتواجدهم فيها بسبب التبشير وبسبب العمل كخدم (الموالي).
وكان قسم كبير منهم على اطلاع ببعض العلوم والصناعات والمهن. وكانوا يمارسون حياتهم الدينية والاجتماعية بكل سهولة ويسر.
وكانت لهم أسواق خاصة لممارسة أعمال التجارة فكان لهم سوق يدعى سوق النبط، وكانت لهم مجالس يحدثون بها الآخرين عن أمور دينهم.
ففي زمن الرسول كان هناك الراهب بحيرا، وكان هناك ورقة بن نوفل، وجبر أو بلعام الذي نسب إليه تعليم الرسول القرآن الكريم.
قال تعالى ” وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّمَا يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ لِّسَانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهَـذَا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُّبِينٌ {103} النحل(103) .
وكانت النصرانية تمتاز بتنظيمها الديني والسياسي والإداري والاجتماعي فكان لديهم “العاقب” وهو أمير القوم وصاحب الرأي والمشورة.
ثم “السيد” الذي يقوم بأمر القوم ثم “الأسقف” وهو الحبر والإمام الأعظم وصاحب مدراسهم، وبتعبير آخر هو الرئيس الديني.
وقد أتى القرآن الكريم على ذكر النصارى في العديد من السور القرآنية في أكثر من موضع متحدثا عن عقائدهم وعن نبيهم، كما تناول بعض خصالهم.
ومنها قول الله تعالى” وَقَالَتِ الْيَهُودُ لَيْسَتِ النَّصَارَى عَلَىَ شَيْءٍ وَقَالَتِ النَّصَارَى لَيْسَتِ الْيَهُودُ عَلَى شَيْءٍ وَهُمْ يَتْلُونَ الْكِتَابَ كَذَلِكَ قَالَ الَّذِينَ لاَ يَعْلَمُونَ مِثْلَ قَوْلِهِمْ فَاللّهُ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُواْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ {113} (سورة البقرة،113)
وقول الله تعالى” وَلَن تَرْضَى عَنكَ الْيَهُودُ وَلاَ النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ قُلْ إِنَّ هُدَى اللّهِ هُوَ الْهُدَى وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءهُم بَعْدَ الَّذِي جَاءكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللّهِ مِن وَلِيٍّ وَلاَ نَصِيرٍ {120} (سورة البقرة،120)
وقوله تعالى ” وَقَالَتِ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى نَحْنُ أَبْنَاء اللّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ قُلْ فَلِمَ يُعَذِّبُكُم بِذُنُوبِكُم بَلْ أَنتُم بَشَرٌ مِّمَّنْ خَلَقَ يَغْفِرُ لِمَن يَشَاء وَيُعَذِّبُ مَن يَشَاء وَلِلّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ {18} (سورة المائدة18)
وغيرها من الآيات،
إلا أن وضع النصارى في مكة المكرمة والمدينة لم يشكل خطرا على الدعوة الإسلامية يستوجب قيام العداء والكراهية.
لا بل أن القرآن الكريم قد أشار إلى قربهم من المسلمين.
قال تعالى:” لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِّلَّذِينَ آمَنُواْ الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُواْ وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَّوَدَّةً لِّلَّذِينَ آمَنُواْ الَّذِينَ قَالُوَاْ إِنَّا نَصَارَى ذَلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْبَانًا وَأَنَّهُمْ لاَ يَسْتَكْبِرُونَ {82}
وَإِذَا سَمِعُواْ مَا أُنزِلَ إِلَى الرَّسُولِ تَرَى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ مِمَّا عَرَفُواْ مِنَ الْحَقِّ يَقُولُونَ رَبَّنَا آمَنَّا فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ {83} (سورة،المائدة 82،83)
كما كان للنصارى أعيادهم وعاداتهم وتقاليدهم ولباسهم الخاص الذي يميزهم عن غيرهم من أهل الكتاب.
فكان من أعيادهم الفصح الذي يخرجون فيه الأعلام والرايات والصلبان والأجراس.
فكانوا يمارسون تلك الاحتفالات بكل حرية وأمان.
أما اللغة التي استخدمها النصارى، فكانت العربية الثقيلة، لذا كانوا يرطنون بها رطنا، لأن معظمهم كانوا رومانا وكانت اللغة الرومانية ما زالت عالقة في ألسنتهم.
ومارس النصارى العديد من الأعمال التي كان العرب في الجاهلية وفي صدر الإسلام يأنفون عن ممارستها،
أو ليس لهم بها دراية ومنها صناعة النسيج والحياكة والنجارة والحدادة والتجارة والملاحة وسك النقود (شيخو، 1989)
كما مارس النصارى عاداتهم الدينية كالصلاة والصوم والحج واستلام الحجر الأسود والنذور والخطابة وإلقاء المواعظ وإشعال المجامر في الصوامع والجنازات. (شيخو،1989)
كما كانت هناك عادات اجتماعية سائدة لدى النصارى ومنها الحَلَف حيث كثر في الشعر النصراني الجاهلي هذا الأسلوب ومنها قول بعض الشعراء:
وإني ورب الساجدين عشية وما صلَّ ناقوس النصارى ابيلها
كما مارس النصارى الختان، وكانت نساءهم يتحجبن.
كما شاع عندهم الردافة وهي كالوزارة، وكانت موجودة عند ملوك الحيرة وملوك غسان النصارى.
ومن العلوم التي برع بها النصارى علم الهندسة والطب وعلم النبات وعلم النجوم والفقه،
ومن أشهر علومهم على الإطلاق علم التصوير والنحت الذي تزينت به الكنائس، وبسبب هذا العلم اكتسبت شهرة واسعة بمجال تصاميمها وزخرفتها.
كما مارس النصارى العرب العديد من الفنون منها فن الموسيقى والغناء وخاصة في الاحتفالات الدينية،
ومن الآلات التي شاعت في ذلك الوقت (الأرغن) و(البريط) و(السنطور) و(القانون) و(القيثار). (شيخو 1989)