Site icon حديقة المقالات

هالطو

عباس البخاتي

مهلا عزيزي القاريء .. فإني أعلم بإنك ستطالبني بتفسير مقبول لمفردة “هالطو”، وعليه لا بد من تقديم إعتذاري لجنابك كونها مفردة جاءت مما وراء الخيال ولم أجد أي تفسير لها بالرغم من تكراري لعدة محاولات _ بل حتى الإستعانة بالحاج “كوكل” لم تسعفني في ذلك كونه أيضاً عبر عن عدم مقدرته على ذلك.
نعم .. لا مانع لدي من تفسير كلمة “بالطو” وهذا لا يعني معرفتي الشاملة بغريب معاني اللغة، بل هو ما دأبت على سماعة من أبناء محلتنا حيث إعتادوا على تشبيه الأشياء القديمة ببالطو “حجي عودة” الذي كان مدمناً على إرتدائه صيفاً وشتاءً، وعليه فالبالطو: هو المعطف الذي يرتديه الشخص إتقاءً لبرد الشتاء ” بس مشكلة حجي عودة حتى بشهر تموز لابسه”.

قصد أحد البخلاء محل الخياطة بعد إلحاح شديد من قبل زوجته التي كانت تتمنى أن ترى زوجها بمظهر لائق وهو يجلس مع الرجال وطالما تخيلت شريك حياتها مميزاً وهو يرتدي” سترته” الجميلة، لكن بخل الرجل كان يحول دون تحقيق تلك الأُمنية التي إضطر لتلبيتها مؤخراً.

إتفق مع الخياط على نوع القماش ولونه والسعر وحتى موعد التسليم، ثم ودعه وإنصرف، كذلك الخياط عاد لأكمال عمله بعد ان دون المعلومات المتعلقة به من حيث المقاسات المطلوبة، برغم إستغرابه من مبادرة البخيل بحق نفسه.

الخياط كعادته يوكل بعض الأعمال إلى العامل الذي يعينه في عمله، فطلب منه خياطة سترة هذا البخيل، لكنه أعطاه مقاسات لرجل آخر دون أن يلتفت الى الأمر،

فبادر العامل لإنجاز المهمة، وفي الموعد المحدد حضر البخيل لكنه فوجيءَ بحجم السلعة التي سُلِمتْ له والتي لاتتناسب مع قصر قامته فكانت الأكمام طويلة جداً والسترة تصل الى حد ركبتيه،

فقال للعامل: “بعد عمك شني هذ زي جديد” فاندهش العامل من هول المنظر وبماذاسيجيب صاحب المحل الذي لا يطيق عتابه؟

فقال للبخيل “حجي هذا هالطو لاهو سترة ولا هو بالطو” فكانت تلك الكذبة وسيلة ناجحة لأقناع البخيل بجودة بضاعته.

المشهد الحالي للواقع السياسي العراقي يشبه الى حد ما ورد في قصة صاحب الهالطو،

فالحكومة تحاول إقناع الشعب بمنجزات خجولة لا تصل الى مستوى الطموح ولا تتناسب مع الهالة الإعلامية التي سلطت على كفاءة رىيس الوزراء وخبرته الإدارية والإقتصادية,

والشعب مجبر على القبول بهذا الاداء كونه ناتج عن خيار أغلبيته التي وضعت ثقتها بالكتل التي إتفقت على تسمية رئيس الوزراء.

رئيس الوزراء هو الآخر أجاد فن “التغليسة” حيث يعلم جيدا إن من جاء به اليوم هو نفسه من عمل على إبعاده عن المشهد التنفيذي بالامس، فكان حري به أن يستجيب لنداء العقل والمنطق ويصارح شعبه بالأسباب التي تعيق عمله من ناحية مكافحة الفساد او إكمال كابينته الوزارية وبنفس الوقت يخرج من مطرقة الفاتحين وسندان المصلحين، وهذا بدورة يعزز رصيده الشعبي إذ إن المبادرة لمثل تلك الخطوات الجريئة لابد لها من شجاعة، لكن المعطيات تشير الى إن دولته لا يمتلك منها الشيء الكثير.

Exit mobile version