Site icon حديقة المقالات

بأي سلاح نحارب للدكتور مصطفى السباعي

بأي سلاح نحارب

بأي سلاح نحارب مقال للدكتور مصطفى السباعي تكلم فيه عن أسباب ضعف الأمة العربية بذكر حاجاتها من الاستعداد للنهوض، مقالة سياسية بارعة

بأي سلاح نحارب للدكتور مصطفى السباعي

الدنيا من حولنا تعج بالمؤامرات والمؤتمرات، وحصومنا يتألبون على أوطاننا ويودون القضاء علينا ولو بأيام معدودات،

ونحن قد تنفسنا الصعداء فلا أجنبي يذرع البلاد بجيوشه وآلاته، ولا مستشار يفرض إرادته فيمنعنا من أن نتحرر،

ويحول بيننا وبين أن نعمل لسعادتنا كما نريد؛ فنحن في الداخل أحرار؛

نستطيع أن نعمل كل شيء، ونحن في الخارج محاطون بشبكة من الدسائس يريد كل جماعة أن يلحقونا بركبهم ويجعلونا مطيتهم الذلول،

فما هو السلاح الذي تسلحنا به حكوماتنا للدفاع عن أنسفنا؟

وما هي الخطط التي وضعت لتقوية بنائنا الداخلي وقد استلمناه من عدونا ركاماً فوق ركام؟.

تباين بشع بين الأقوال والأعمال

إن أردت أن تقرأ الخطب والبيانات والتصريحات التي يصدرها المسؤولون في هذه البلاد، قلت: إننا نسير على نظام خير من نظام الأمم الراقية، ونعيش في سعادة تحسدنا عليها أوربا وأمريكا وبلاد العالم المتمدن..

وإن أردت أن تقرأ واقعنا في الأسواق والبيوت والمحلات العامة ودوائر الدولة، ارتد إليك طرفك خاسئاً وهو حسير!..

وهذا التباين البشع بين الأقوال والأعمال، وبين الوعود والواقع أهم ما تتميز به سياستنا الداخلية، وأبرز ما يتصف به زعماؤنا السلبيون!.

ألم يقل رئيس الوزراء في حديثه الصحفي الأخير: إن موجة الغلاء قد خفت، وإن الناس يعيشون بسلام؟..

بينما الجماهير البائسة تفتش بعيون حادة وتستعين ب”الجماهير” لترى شيئاً عن هذا فلا تجده ولا تعثر عليه!.

معركة بغير سلاح

الواقع أننا نخوض أشد المعارك هولاً وخطراً في تاريخنا ونحن بغير سلاح! والمسؤول عن هذا هم هؤلاء الذين يكونون خارج الحكم، فإذا هم أشد الناس رغبة في العمل، فإذا حكموا عملوا..

ولكن لأنفسهم ولجاههم ولنفوذهم، وأخيراً لنجاحهم في الانتخابات!..

أما تسليح الأمة بكل سلاح يعيدها للظفر في معركة الموت أو الحياة، فهذا أبعد من أن يعملوا له بل أبعد من أن يفكروا فيه،

وتعالوا أيها السادة نحاسبكم بلسان هذه الأمة التي وضعتكم فوق رؤوسها، ورفعتكم إلى ميادين الزعامة،

وانتطرت منكم أن تكونوا لها فكنتم – واأسفاه – عليها وإن أبت بياناتكم وألسنتكم أن تعترف بذلك!.

سلاح العقيدة

إن أول سلاح تحتاج إليه أمة كأمتنا هو سلاح العقيدة،

أي سلاح الإيمان الذي مكن لعشرات الألوف من أبناء الجزيرة العربية أن يتغلبوا على أكبر دول العالم، وأن يحكموا شعوباً تعد بعشرات الملايين!..

هذا الإيمان بل هذه العقيدة، ماذا عملتم لها وأنتم ترون بأعينكم كيف تتحلل في نفوس الأمة،

وكيف حاول المستعمرون خلال ربع قرن أن يقتلوها، ليقتلوا روح العزة والمقاومة في نفوسنا؟

لقد كنتم في الواقع حرباً عليها بتخليكم عن نصرتها ونصرة الداعين إليها، وبتشجيعكم من يحاربها من الدخلاء على هذه الأمة أو المنسلخين عن فضائلها،

وكنتم حين يطالبكم المصلحون بأن تعملوا لتقوية هذه العقيدة؛ أجبتم بأنكم تخشون أن تتهموا بالرجعية!..

فإذا تقدم للعمل لها فريق من شباب الأمة وقفتم في طريقهم كي لا يغلبوكم على هذه الجماهير فتضيع من أيديكم. ويفلت زمامها من نفوذكم.

سلاح الأخلاق

وتحتاج الأمة إلى سلاح الأخلاق القوية التي تعرف كيف تصمد للنكبات، وكيف تتغلب على الشهوات! فماذا عملتم في هذا السبيل؟

إنكم لا تطمعون منا أن نعتقد بسعيكم لتقويم الأخلاق! ولكن تعالوا نحاسبكم على سعيكم لانحدارها!..

أين رقابتكم على أندية القمار التي تنتشر يوماً بعد يوم؟

وأين رقابتكم على محلات اللهو التي كانت تخشى في بعض الأيام أن تسترسل في الخلاعة، فأبحتم لها اليوم كل شيء؟

وأين رقابتكم على أفلام السينما التي يعرض أكثرها على أبصار شبابنا وبناتنا وأطفالنا كل ما يهيج الغريزة ويقتل الفضيلة، وتركتم أصحابها يثرون على حساب الخلق القويم والشهامة التي عرفت بها أمتنا بين أمم العلم؟

أين عملكم للحد من انتشار الخمور التي ينص القانون على أن يكون لها في دمشق سبعون حانة فإذا هي اليوم مائة وخمسون؟!.

ستدافعون عن أنفسكم بأجوبة لا تقتنعون أنتم بها..

ولكننا نذكركم بحفلة ساهرة أقامها رجل مسؤول في ناد رسمي دارت فيها الكؤوس،

ولعبت فيها الخمرة برؤوس الرجال والنساء،

ومالت الخصور على الخصور،

وخرج المدعوون في الساعة الثالثة بعد منتصف الليل يرتمي بعضهم على أحضان بعض،

ومن أوصاف بعضهم في دواوين الدولة أنهم حماة الديار، وذادة الوطن؟.

سواعد قوية

والأمة في حاجة إلى سواعد قوية، وبطون ممتلئة، وأجسام مكسوة، وسعادة ترفرف فوق كل بيت..

فأين هي السواعد التي هيأتموها للنضال؟

وأين هي البطون التي درأتم عنها الجوع؟

وأين هي الأجسام التي أنقذتموها من العري؟

وأين هي السعادة التي أدخلتموها إلى كل بيت؟

ستذهلون من هذا الاتهام! ولكنا نطالبكم بأن تزوروا هذه الأحياء الفقيرة، وهذه الجموع العاملة، وهذه الكتائب “السائلة”،

وهذه الآلاف من العجزة الذين يهيمون في الطرقات، وهذه الهياكل البشرية التي يسكن بعضها في القبور وهم أحياء!..

ونسألكم أن تنظروا في سجلات دوائر الصحة والمستشفيات العامة،

بل نسألكم أن تسألوا بعض أنصاركم من عامة الشعب ليصدقوكم القول عما يعانيه الشعب من بؤس وشقاء،

وعما تتخبط به الأمة من فوضى اقتصادية لا يرتضيها خلق ولا شرع ولا حكم ديمقراطي!..

اسألوا أنصاركم عن هذا لعلهم يصدقونكم ساعة في حياتهم! فقد يئسنا من أن تزوروا العامل في بيته، والفلاح في كوخه؛ والفقير في قبره..

وكيف يفرغ لهذا من يسهر الليل، ويدأب النهار؛ لتتم “الطبخة” الشهية التي تتحلب لها أفواه الراغبين في النيابات والزعامات!..

 

أما بعد، فما نتجنى والله على زعمائنا حين نبلغهم آلام الأمة

وإنَّ لنا فيهم أصدقاء أعزاء نحترمهم ونقدر إخلاصهم. ولكنهم وقد ربطوا أنفسهم بـ”مركبة واحدة” وهم يريدون اليوم أن يشدوها من جديد بعد أن تخلخلت أجزاؤها،

نريد لهم أن يفكروا قليلاً بأمر هذه الأمة، ونحن لهم من الناصحين حين نبلغهم شكواهم، وندلهم على عللها وبلواها..

وليس أحب إلينا والله من صلاحهم لتستقيم الأمور، وتنجو “الغنم” من الهزال، و”الخط” من الاعوجاج.

#مصطفى_السباعي

Exit mobile version