المقاومة الفكرية… هل هي ممكنة؟ مقال للكاتب الدكتور ميثاق بيات الضيفي عن المقاومة الفكرية للإرهاب ودور الفكر في مواجهة هذه الظاهرة
المقاومة الفكرية… هل هي ممكنة؟
بقلم/ الدكتور ميثاق بيات ألضيفي
مهمة المفكر هي الوقوف في مكان مناسب بمسرح المقاومة العامة لـلإرهاب الدولي والتأثير على وعي الأشخاص الذين هزمهم الخوف,
وكيف يعلمهم استثناء الفكرة التي وباعتبارها يعد الإرهابي مصدرا للخوف وليس موضوعا للعمل السياسي والأنثروبولوجي.
وهنا يجب إن نفهم إن الإرهاب الخاص والشخصي والديني والقومي هو دوما ما يكون الجواب على شكل آخر من أشكال الإرهاب الذي يتم تجاهله عن طيب خاطر والذي تمارسه الدول منذ قرون وعقود,
والحقيقة المؤسفة بأن الأنشطة الإرهابية لدول بأكملها غير معترف بها على هذا النحو ولا تبرر الادعائات الزائفة اسبابها،
والمفكر ليس مجبراً على الإطلاق لتبرير أي شكل من أشكال الإرهاب
لكنه يجب أن يكون مستعدًا للثبات على موقفه,
ومن الضروري أن يدرك الحقيقة الواضحة للإرهاب الذي تمارسه الدول الغربية القوية
والذي ينمو منه إرهاب المجموعات الخاصة,
ولا اعرف حقيقة كيف كان تاريخ العالم قد تطور لو كانت قد تمت مقاومة الأنظمة الإرهابية وإرهاب السلطات والإرهاب ضد المعارضة.
تعريف الإرهاب ودور المفكر
الإرهاب ليس سوى ترهيب الجميع من خلال الضغط غير المتناسب على البعض
وعندما يتم أخذ ممارسة مثل هذا التخويف من سياق الحديث فإن الفكر الصريح لا يستحق شيئًا,
والمفكر ليس شخصًا خاصًّا غير قادر على الوصول إلى السلطة العامة
إنما هو فرد لديه إمكانية الوصول المباشر إلى الكلام الحر
ولربما يكون هذا هو السبب في فهمه لكل الطبيعة الإشكالية لموقفه،
لذا فإن السؤال المؤلم للغاية:
هل أنت مستعد كمفكر على الأقل للتمييز بين الأنظمة الفاسدة ومناصرتها حينما تقاتل هي ضد الارهاب ؟
من غير السار للمفكر وهو في وسط تقييم القضايا بالأخلاقيات، إن يتم تذكيره بمهمته القبلية لعدم مقاومة الحقيقة,
لانه ربما يكون الخوف من الإرهاب المنظماتي ضروريًا ولكنه ليس أقل خوفا من إرهاب الدولة
لكن هذا الردع لا يأتي من مكان ما ولكن مباشرة من الخوف لان الإذلال والقتل من أجل لا شيء,
وهذا يعني فقط شيئًا واحدًا انه رفضا للفكر الذي يمكن أن يكون أداة تخويف حتى لمن كان أقوى من الخصم,
ولكي نكون قادرين على مواصلة التفكير عندما يكون الأمر مخيفاً فنحن سنشكو من مدى سهولة الاستسلام
مما سيسمح للسلطات ووسائل الإعلام بالتحكم في مشاعرنا وتشجيعنا على اتخاذ جانب من خيالنا على أنه لا يوجد مكان يمكننا أن نشعر فيه بأمان تام
وذلك بسبب الصراعات الدولية والتي وان امكن في نهاية المطاف تعديلها أو تخفيفها
لكنه لا يمكننا ضبط وفرة الطرق المنحرفة التي يحاول الأشخاص الذين يشعرون بالإهانة من الحياة إشباع عطشهم عبرها لفعل شيء ما,
ولذلك لا يمكن التنبؤ بالتهديدات الجديدة
كما أن النشاط التجاري العسكري المزدهر المتمثل في توفير الأمن والمؤسسات والتعليمات والمحظورات لا يؤدي إلا إلى تضاعفها كدوائر غير مجدية
ولذا فإن أملنا هو في قدرتنا على الرد على الضربات والعناية الناجحة بفكر المجتمع.
المعنى القديم للإرهاب
الإرهاب مسرح يصنع مشهداً من الحياة اللا سامية في حياة الإنسان مستوفياً مشهد الكوارث الطبيعية,
ويُنظر إلى مشهده حول الغزو التجاوزي للحياة اليومية على انه محسوبًا ومرتبًا لضمانة استمراره بحد ذاته.
ومن الواضح تماما أنه بالضبط المعنى القديم للإرهاب الذي يستأنفه الإرهابيين أنفسهم
لذلك من الواضح لماذا يحاول الناس الذين توحدهم تجربة التهديد المتسامي على الفور استعادة العزلة المطلقة لعالمهم المتألف من الحق الحصري لهذا العالم في الحكم على أنفسهم.
يبدو لي أن فخ الإرهاب يكمن أيضاً في حقيقة أن إرهابياً يجسد عدم شرعية قصوى مع ذلك يزعزع أساس شرعية العالم الذي يضربه،
وهو الاعتقاد الذي يميز أن السيطرة المطلقة ممكنة على هيكل عالمه
وأن نجاح هذه السيطرة هو الذي يضمن شرعية النظام العالمي نفسه,
ومع إن العالم يستسلم للإرهابيين حينما يوافق في الواقع على إدعاء الإرهابي بالتصرف كتهديد متعال استجابة لما يسمى بالغزو
ويعين الآخر بشكل مستقل شرعية الدعم الخارجي أكثر قوة ، والتي لا يمكن أن تقف.
وغير انه يمكن تفسير الإرهاب على أنه ثورة عدم النضج ضد النضج كمقاومة لتوازن الأفكار والمشاعر التي يعطيها النضج فقط,
ويبدو أنه يسعى إلى الظهور بمظهر عمله وتدمير الحضارة
فيريد الإرهابي ألا يرى الفعل نفسه بل بظهوره فإن ذلك “الانفجار” قد انفجر.
ومن ذلك يمكن للفكر مكافحة الإرهاب
وهذه ليست مساعدة نفسية للضحايا أو مفاوضات مع الإرهابيين أو إعادة تثقيف السياسيين أو تنظيم أعمال مدنية
إنما ذلك نقد وتحليل للظروف الاجتماعية والأنثروبولوجية والمعرفية والأخلاقية التي تجعل الإرهاب ممكنًا.
إعادة تقييم الإرهاب
يجدر بنا إعادة تقييم للإرهاب مما يؤدي إلى التقليل من شأنه والعكس بالعكس
لإن الاهتمام الشديد المستمر بالموضوع لا يؤدي فقط الرنين الذي يعتمد عليه الإرهابي في نهاية المطاف
بل يجعل أي رد فعل على الهجوم الإرهابي غير كاف بشكل واضح,
ففي حالة التواطؤ العالمي وفي حالة جنون الارتياب المناهض للإرهاب سيؤدي الأمر إلى تضييق الحقوق والحريات المدنية والى الخلط باستمرار بين قوة الإرهاب وضعفه
ونخطئ بأدراك قوة الإرهاب على أنها ضعف معتقدين أنه يمكن تحييد الإرهابي من خلال التدمير المادي،
وكل ذلك من دون إعطاء أهمية كبيرة للتأثير الأخلاقي للهجوم الإرهابي.
ولأن الإرهاب ظاهرة هدفها البراغماتي هو الإعلان عن رسالة سياسية أو قومية أو دينية معينة وتعبئة المؤيدين وتخويف المعارضين,
لذلك نرى إن المقاومة الفكرية للإرهاب بالغة الأهمية شخصياً واجتماعياً وعلمياً,
فكيف اذن نتعامل مع هذه التهديدات وكيف اذن نتعامل مع العنف والتعبير الأكثر تطرفا الإرهاب؟
ليس الأمر سهلاً إنه أمر صعب ويتطلب الانفصال عن الواقع،
وإذا كنا واقعيين وفعليين نتفهم التيار الرئيسي للخطاب الاجتماعي المعبر عنه في وسائل الإعلام والشبكات الاجتماعية والسلوك والتصريحات المعتمدة اجتماعياً,
فكيف نخرج من هذا؟
يمكننا المرور من خلال التنهد والنسيان,
ويمكننا الاهتمام من خلال إنفاق جزء من التعاطف,
ويمكننا القيام بمزيد من التوجه السياسي، غير انه من الافضل إعطاء بعض الفكر للرد.
وايضا يمكننا تغيير هذا العالم عبر تغيير بعض عناصره المهمة وتغيير موقفنا والإعداد الفكري للتعاطف الهادف والخوف المنظم والتضامن التام,
وإذا كان من الممكن مواصلة الحوار بين الأشخاص فإن المقاومة الفكرية للإرهاب ستنمو وتنمو ذاتيًا وتنضج.
ومما سبق يتبادر إلى ذهننا السؤال التالي:
هل سيخرج أي من ذلك إلى الضوء؟
وهل سوف ينجح شيء منه؟
هذه ليست خطة عمل أو استراتيجية تنمية ونحن لا نعرف بالضبط ما يخرج من مثل هذه المشاريع المعقدة
لكن يجب التوقف عن العيش في عالم يديره الإرهاب و مكافحة الإرهاب,
وهذه نراها فرصة بشرية وجذابة.
الإرهاب والإعلام
وهنا أود أن أطرح سؤالاً حول الهجوم الإرهابي الذي تغذيه اعلاميا وسائل ووسائط الإعلام
فليس من المنطقي ارتكاب عمل إرهابي يتم إسكاته وخنقه اعلاميا، بل سيتم اعلانه واكسابه الشهرة والاهتمام
مما يتسبب بالخوف
وبناءً على ذلك فإن العادة السائدة لنشر وإدراك المعلومات عن الفعل الإرهابي توجه انطباعاتنا على طول إلى القنوات المخصصة والمدعومة بشبكات التلفاز والتواصل الاجتماعي
وهكذا دواليك
يبدأ الناس المتابعين في التشاجر حرفيا مع بعضهم البعض حول هذا الأمر،
لذا يستوجب بنا أن نولي الاهتمام لمشكلة الإرهاب في هذه المرحلة بالاستمرار في التفكر
لإن المعلومات عن الإرهاب تخدم كطريقة أولية لرسم خط من الترسيم الخطير في المجتمعات التي لا تجمع حول الدولة,
وتنبع الدولة نفسها من داخل هذه المجتمعات،
ويفرز من ذلك ما كان مطلوبًا إثباته أن الخوف من الموت هو أمر وجودي للغاية
ومع الإرهابيين أننا نواجه طريقة حياة مختلفة لان الإرهاب ليس من عوامل الجذب بل من الهروب
وهذا أمر مخيف لأنه يتم إنشاؤه من خلال ما ينفد منه الناس والذي هو دائمًا ما يكون موجودًا بالفعل.
دور الفكر في تحييد الإرهاب
إذا كان الفكر يمكن له ويجب عليه مساعدتنا على تحييد موجة التأثير التي ولدها الإرهاب،
ألا يستطيع اذن أن يشجعنا على حلحلة اختلافاتنا التي تجعل خوفنا من الإرهاب خاصا وقويا وشاملا للغاية؟
وان الشيء الوحيد الذي لا يستطيع الناس السيطرة عليه حتى النهاية هو الإرادة الشريرة لشخص آخر أو مجموعة من الناس
ويبقى الشخص الآخر بالنسبة لنا دائما بعيد المنال ولا يمكن التنبؤ بأرادته الغير قابلة للسيطرة عليها,
ومن الامور الاخرى الثابتة أن الحقد غالباً ما يكون أقوى من أنظمة التحكم والأمن الأكثر تطوراً
وكلما كانت المساحة الشخصية مخفية عن عيون الآخرين فقد تنشأ فيها خطط أكثر غموضاً,
والخوف من الإرادة غير المتوقعة للآخر أمر خطير للغاية لأنه يدمر الثقة التي تصنع المجتمع الإنساني.
وبعد كل ما تقدم نرى إن مشكلة الإرهاب ليست نظرية فقط
إنما هي طويلة ومتجذرة بعمق في الواقع التاريخي
ولا يمكن حلها دون اتخاذ إجراءات تتجاوز حدود نظريات الفكر بتحويله لفكر منفذ ومطبق
لان العمل هو أفضل علاج للخوف
وإن لم يكن الفعل نفسه فعلى الأقل الوهم بإمكانياته.
-الدكتور ميثاق بيات الضيفي
Be the first to comment on "المقاومة الفكرية … هل هي ممكنة؟"