الحرائق والنواعق
واثق الجابري
ملفت للأنظار أن تتناول وسائل الإعلام ويتحدث ساسة بطريقة وكأنهم يشعروك أن العراق في معركة مستمرة لن تنطفئ دون أن تجعله رماد، لكن ما يثير التساؤل عدم معرفة إن كانت الأرقام حقيقية، وهل أن كل من يتحدث عنها يشعر بخطورة ما يتحدث، أم كالعادة يكون الهدف إحراق أكثر ما يمكن أجزاء العراق الحيوية؟!
حرائق إمتدت لمئات الحقول حسب تقارير إعلامية، وألتهمت مئات الدوانم الزراعية من محصول الحنطة، رغم حقيقة في أنها أقل من الأعوام السابقة.. في وقت إستطاع العراق تحقيق وفرة مائية تكفيه ربما لثلاث سنوات قادمة، وفق إدارة ناجحة في مواجهة السيول، بعد سنوات من الجفاف، وشبه توقف للقطاع الزراعي وغزو المستورد.
كل ما تحدثت عنه الأخبار لا يشكل إلا نسبة ضئيلة من الأراضي الزراعية.. فقد بلغت مساحة الأراضي المزروعة 12 مليون دونم، بينما كانت مساحة 272 حريق هي 40 ألف دونم كانت منها (74) نتيجة الكهرباء و(25) من شرارة الحاصدة و(32) من نار خارجية و(35) فقط من حادث متعمد فيما تم حصاد (992) ألف دونم من محصول ناضج كان معرض للحرق.
يقف خلف تلك الحوادث أسباب تنوعت بين تماس الكهربائي لرداءة الشبكات والتوصيلات وأعقاب السكائر والإهمال وصراعات عشائرية وقلة منها بفعل إرهابي، فلازال هناك من لا يريد إنعاش قطاع الزراعة، الذي طالما كان يعاني من الكساد وهجرة الفلاحين، وتحول جنس الأراضي الزراعية إلى سكنية.
الوفرة هذا العام، تجاوزت مشكلة قلة الإنتاج وتكبيل الفلاح بالديون، حيث تم تسديد أجور الفلاحين كاملة، فلحد الآن ومن محافظات جنوب بغداد تم إستلام 1765 ألف طن، ليصل المجموع الكلي الى ما يقارب 2.6 مليون طن حنطة، وهذا ما عزز عمل الفلاحين بعد تسديد الديون الماضية والحالية من الحكومة، وتوفير المياه بإدارة ناجحة نسبيا، حتى أن المخازن صارت محل تزاحم لعدم وجود مخازن كافية، ما دفع الحكومة لإستخدام الحواجز الكونكريتية التي رفعت من بغداد، فمن المنطقة الخضراء فقط 12 ألف حاجز، لتكون أسيجة ومخازن مؤقتة للمحاصيل الوفيرة هذا العام.
في جزئيات الحرائق المتعمدة، لا يمكن إستبعاد الفاعل الذي يخطط لإستهداف الدولة ونظامها السياسي، وهي جزء من سلسلة حرائق إرهابية لقتل وحرق الإنسان ذاته، فإمتدت لتشمل حرق الأسواق والأماكن العامة، سيما منها من تشكل عصب الإقتصاد المحلي, كأسواق الشورجة وجميلة والسنك والكرادة، وغرف العقود في مؤسسات رسمية إلتف عليها ثعبان الفساد.
التقدم الحاصل يبشر بخير قادم ويدعو للتفاؤل، فحين تخرج من المعركة قوياً قوتك مؤمن لسنوات، هذا دليل على أن العراق بدأ يسلك سكة الصواب، وتؤشر ربما عودة القطاع الزراعي للحياة، وهو شريان أساسي سيدفع بقية القطاعات ويحركها، وكل ما ذكر في الإعلام من تهويل، يأتي في سياق عرقلة شعور المواطن بأن العمل الجماعي حياة، والإشاعة جزء أكبر من الإستهداف.. رغم ان جزءا منه ناتج عن ترديد جهلة لا يفقهون, وينعقون مع كل ناعق.