التكنولوجيا … والمخادعات الناعمة مقال للكاتب الدكتور ميثاق الضيفي عن دور الإعلام والتلاعب في إيصال المعلومة لأهداف سياسية
التكنولوجيا … والمخادعات الناعمة
بقلم/ الدكتور ميثاق بيات الضيفي
أصبحت مشكلة التلاعب بالأشخاص باستخدام مختلف وسائل وأساليب وتكنولوجيات تأثير المعلومات ظاهرة جماعية في حياة المجتمع الحديث كما وانها أضحت تشكل تهديدًا خطيرًا لها,
وإن الأثر المعلوماتي لطبيعة التلاعب التي تتم في مصلحة شخص أو مجموعة من الأشخاص الآخرين هو شكل محدد من أشكال الإدارة,
وهذا النوع من الإدارة أمر خطير في الحالات التي تتم فيها سراً وتجلب منافع من جانب واحد لمنظميها
كما ويتمثل الهدف الرئيسي لتكنولوجيا المعلومات في استخدام أقل الموارد للحصول على أقصى تأثير على الناس
مما يوفر ما يسمى بالتبعية الاختيارية,
وإن أعلى جودة وأعظم كفاءة في الطاقة الحديثة يتم تقديمها من خلال المعرفة التي تسمح بتحقيق الأهداف المرجوة
وإقناع الناس باهتمامهم الشخصي في هذه الغايات عبر تحويل المعارضين إلى حلفاء,
ومن الواضح أن الإنسان الحالي يحتاج إلى تدفق مستمر للمعلومات لأجل تحقيق الذات
إذ إن التواصل المستمر للمعلومات مع العالم المحيط والبيئة الاجتماعية له يعد أحد أهم الشروط لنشاط الحياة الطبيعية المعاصرة.
وان إنهاء الاتصال المعلوماتي يمكن أن يسبب مشاكل مختلفة تصل إلى المرض العقلي
كما إن المضاعفات الديناميكية للعمليات الاجتماعية في المجتمع وتأثير التغيرات الاجتماعية المستمرة مباشرة على الحياة اليومية لشخص ما تجعله يعتمد بشكل متزايد على تدفق رسائل الوسائط
لذا لا يتلقى الشخص المعلومات الضرورية من الخبرة المباشرة والتواصل الشخصي
وكذلك من مصادر المعلومات المختلفة فيكون نمط التنمية الاجتماعية هو الغلبة والزيادة الحادة في حصة المعلومات التي يتم الحصول عليها من مصادر المعلومات
وليس من الخبرة المباشرة والتواصل الشخصي.
الاتصال الجماهيري
يعتمد الشخص في حياته اليومية بشكل متزايد على الاتصال الجماهيري
مما يصنع له نوعًا من “الواقع الثاني والواقع الذاتي” الذي لا يقل تأثيره عن تأثير الواقع الموضوعي،
وبذات الوقت فقد تم استخدام وسائل الإعلام بنشاط من قبل السلطات السياسية
كما واستخدمت لإدارة المجتمع وتطوير العلوم والثقافة لذلك تطلب الأمر كله توفر كتلة منتظمة وكافية لتبادل المعلومات في اغلب المجالات،
وقد ساهمت تلك الامور في تطوير وسائل الإعلام وتخصصاتهم وتطوير التقدم التقني وظهور الوسائل الحديثة لجمع ومعالجة ونشر المعلومات
والتي أحدثت ثورة في مجال الاتصال الجماهيري،
وأدى إلى مستوى ما يسمى السلطة الرابعة والتي لا تتطلب أي انتخابات عامة أو انتخابات حكومية أو حتى موافقة برلمانية أو دستورية.
وتهدف مواد تكنولوجيا المعلومات إلى التحكم في وعي وسلوك الناس وان التقنيات المستخدمة هي في الاصل موجهة في النهاية نحو البناء الاصطناعي
لكل من ردود الفعل السياسية ومطالب السكان
بمعنى إن أكثر الطرق النموذجية للإعلام وأساليب المقابلة هي لأهداف التلاعب والتضليل وتزوير البيانات
فضلا عن التلاعب في وعي الفرد,
ولذا فإن التكنولوجيا الأكثر تطورا في التضليل هي استخدام أجهزة الاستنشاق الجزئي للمعلومات لتقديم الحدث المحرف,
كما ويمكن أن تكون المعلومات المغلوطة جزءاً لا يتجزأ من تقنيات التلاعب كنوع خاص من تأثير المعلومات التي تهدف إلى إخفاء أهداف المتصل
ولكن في نفس الوقت إثارة نوايا المتلقي والتي لا تتوافق مع رغباته الخاصة،
وإن التلاعب هو نوع من الإخفاء والإخفاء الضمني وبرمجة نوايا المتلقي مبنية على تجاهل إرادته كوسيلة أداة لأداء مصالح غريبة عنه.
الاستخدام السئ للمعلومات المغلوطة
أساليب التلاعب تتسبب برد فعل مبرمج بشكل فريد والحد من المعلومات الهامة
وتميل إلى صورة بالأبيض والأسود من عالم السياسة لتستخدم للتحريض على الكراهية الاجتماعية والوطنية والدينية بين الناس,
وتكنولوجيا التلاعب هي أيضا سمة من سمات رفض الحجج المفصلة واستبدال أسلوبها في الاقتراح النفسي
فتشتمل ترسانة المعلومات هذه على إجراءات تؤثر على نقاط اجتماعية مؤلمة
وتبرير الاستنتاجات التي تتناقض بشكل مباشر مع الحقائق القائمة.
ويرتبط التلاعب التكنولوجي ارتباطا وثيقا بالاستفزاز عبر الفضائح السياسية والحروب النفسية التي تهدف إلى التسبب في ضرر لا يمكن إصلاحه
فضلا عن تعزيز تلك التدابير بالعقوبات التي تضر العلاقات الفردية والمجتمعية والحكومية والدولية بشكل عام.
وان الاتصال مع التحول إلى مجتمع المعلومات والزيادة في حجم وتعقيد المضمون والهيكل لتدفقات المعلومات وبيئة المعلومات
التي يتضاعف تأثيرها على النفس البشرية
ووتيرة هذا التأثير تتزايد بسرعة مما يحدد الحاجة إلى إيجاد آليات ووسائل بقاء الإنسان كفرد وكموضوع اجتماعي فعال في المجتمع الحديث،
وان المصدر المشترك للتهديدات الخارجية لأمن المعلومات للفرد هو أنه جزء من بيئة المعلومات المجتمعية التي تضلل الناس في عالم الأوهام
ولا تسمح بالأدراك بشكل مناسب،
ولذلك فأن الوصول إلى الاستخدام الواسع النطاق من التكنولوجيات الجديدة للمعلومات والسيطرة على وسائل الاتصال الجماهيري
يعزز كثيرا من إمكانية تأثير المعلومات على الشعب عن طريق تغيير بيئة المعلومات.
تصرفات النخبة الحاكمة
وكمصدر آخر للتهديدات لأمن المعلومات للأفراد
وفي ظل ظروف معينة فمن الممكن أن تحدد الدولة نفسها وسلطات الدولة والإدارة لما يرجع إلى تصرفات النخبة الحاكمة
ويكمن الخطر عندما يتم تنفيذ مصالحها الخاصة
وذلك باستخدام قوة جهاز الدولة لتقديم معلومات عن أثر اخفاء الأهداف والإجراءات التي لا تتوافق مع مصالح المجتمع,
لذا نرى انه يجب أن يتناول ويهتم التفكير الاستراتيجي بضرورة العامل النفسي
ويجب أن يعرف المخطط الإستراتيجي كيف يتصرف الناس في حالات التهديد والاستفزاز,
والعمليات النفسية في أي نوع من الحروب أو النزاعات تأخذ مكانا هاما والتي تُجرى ليس فقط ضد الدول المعادية
وإنما أيضاً ضد الدول المحايدة والصديقة فلذا يستوجب استخدام جميع الوسائط الحديثة وعلى نطاق واسع
ولذلك فمن الضروري العثور باستمرار على نوع الجماهير المستهدفة في البلدان المستهدفة وحمايتها من خطر التأثير فيها.
وإضافة لما تقدم فأن الهدف النهائي المتمثل في استخدام تكنولوجيا معلومات “القوة الناعمة”
هو تشريد للأنظمة غير المرغوب فيها وبذات الوقت هي تهديد حقيقي لأمن المعلومات للفرد والأمن المحلي والقومي بشكل عام,
وفي هذا الصدد يبدو من المهم أن يتم تطوير نشاط قضايا أمن المعلومات للفرد والمجتمع والدولة
كما ولابد إن يشترك في التطوير مجموعة محلية واسعة من المنظمات والخبراء والمهتمين.
الدكتور ميثاق بيات الضيفي