Site icon حديقة المقالات

ظاهرة التخنث الاسباب والعلاج 2-4

ظاهرة التخنث الاسباب والعلاج ، حرمة اللواط في الشَّريعة الإسلاميَّة، غير قابلة للتشكيك، فهذا أمر بديهي نصّت عليه العديد من الآيات

ظاهرة التخنث الاسباب والعلاج 2-4

المشكلة – الاسباب – دليل الحرمة – فلسفة التحريم – المعالجات

بقلم: أسعد الجوراني

4- في الدليل على الحرمة

إنّ بيان الموقف الشرعي من هذه الظاهرة، مهم للغاية، لما له من دور فاعل في محاصرة الظاهرة،

أو التخفيف من آثارها ونتائجها، كما أنّ بيان الأدلة الشرعيَّة من الكتاب والسنَّة،

سوف يساهم في ردّ بعض الوساوس، ودفع بعض التشكيكات التي تثار إزاء هذا الحكم.

أولاً: دليل حرمة اللواط

لا أعتقد أنّ حرمة اللواط في الشَّريعة الإسلاميَّة، قابلة للتشكيك، فهذا أمر بديهي نصّت عليه العديد من الآيات القرآنيَّة،

ولا سيما ما يتصل بقضيّة قوم لوط، الذين عرف عنهم أنّهم كانوا يمارسون هذا الفعل،

وقد نهاهم نبي الله لوط(ع) عن ذلك، وحذرهم من أنّه في حال الاستمرار في هذا العمل، فسوف يصيبهم عذاب من الله تعالى على عدوانهم وتجاوزهم لكلّ الحدود الأخلاقيَّة والضَّوابط الشّرعيَّة.

قال تعالى مندّداً بهم، حاكياً عن لسان نبيهم لوط: { أَتَأْتُونَ الذُّكْرَانَ مِنَ الْعَالَمِينَ * وَتَذَرُونَ مَا خَلَقَ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ أَزْوَاجِكُمْبَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ عَادُونَ}[1].

والملاحظ، أنّ الآيات المباركة، إنّما ندَّدت بالعمل نفسه، واعتبرته عدواناً،

والظاهر منها، أنّ العقوبة الإلهية التي طالتهم، إنّما هي على الانحراف السلوكي نفسه، بصرف النظر عن عقيدتهم في هذا المجال،

وما إذا كانوا يرونه عملاً مشروعاً أو محرماً،

بل لا يبدو من الآيات القرآنية التي تحدثت عن قوم لوط، أنّهم كانوا يرون شرعيّة لهذا العمل،

ويسندون ذلك إلى الله تعالى، ليرد احتمال أنّ تكون العقوبة التي طالتهم هي على اعتقادهم وتشريعهم وتقوّلهم على الله تعالى،

كما توهَّم بعض الأشخاص من المبتلين بهذا العمل.

ثانياً: دليل حرمة المساحقة

وأمّا الشّذوذ الجنسيّ الحاصل بين النّساء أنفسهن ،

فما يمكن أن يستدلّ به على حرمته:

أوَّلاً: قوله تعالى {وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ * إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ * فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاء ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ}[2]، وذلك بتقريب أنّ الآية المباركة دلّت على أنّ العلاقة الجنسيّة المشروعة،

تنحصر بأحد طريقين: وهما الزواج وملك اليمين،

وأمّا ما عدا ذلك، ومنه العلاقة الجنسية داخل الجنس الواحد، فهو عدوان: {فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ}،

والعدوان هو تجاوز الحدود الشرعية، وهو محرم، وينبغي تحصين الفرج منه. وفي ضوء هذا البيان، لا يصحّ الاعتراض بأنّ الآية واردة في شأن الرجال،

وذلك لأنّ القاعدة المستفادة منها عامَّة.

ثانياً: ورد في الروايات الكثيرة المرويّة من طرق المسلمين، سنة وشيعة، ما يؤكد حرمة الممارسة المذكورة ، بشكل لا لبس فيه:

فمن طريق السنَّة، روي عن النبي(ص) أنّه قال: “السحاق بين النساء زنا بينهن”[3].

وأما من طرق الشيعة، فالروايات في هذا المجال كثيرة جد[4]:

1- فبعضها دلَّت على حرمة ذلك بشكل صريح، كما في الحديث المروي عن الإمام الصادق(ع)، وقد سئل عن اللواتي مع اللواتي، ما حدّه؟ فقال: “حد الزنا”[5].

2- وبعضها دلَّت على ذلك بطريق الأولويَّة، فقد حرّمت بعض الروايات[6]،

أن تنام امرأتان في لحاف واحد مجردتين من الثياب، فكيف هو الحال فيما لو تعدّت المسألة حالة النوم؟! كما أنّ روايات أخرى قد حرمت نظر المرأة إلى عورة نظيرتها، ففي حديث المناهي عن رسول الله(ص):

“ونهى أن تنظر المرأة إلى عورة المرأة”[7]،

فإذا كان نظر المرأة إلى عورة المرأة ـ ولا سيما إذا كان بشهوة وريبة ـ محرماً، فكيف تباح الممارسة المذكورة؟!

3- وبعضها دلّت على أنّ هذا العمل حرمّه الله في القرآن، ففي الرواية الصَّحيحة،

أنَّه دخل على الإمام الصّادق(ع) نسوة، فسألته امرأة منهن عن السحاق،

فقال: “حدّها حدّ الزنا”. فقالت المرأة: ما ذكر الله عزّ وجل ذلك في القرآن؟ فقال: “بلى، هنّ أصحاب الرس”[8].

ثالثاً: وقد تستفاد حرمة هذا العمل من حرمة اللواط نفسه،

إذ إنّ التشريع الإسلامي إنّما حرّم اللواط باعتباره خروجاً عن الطبيعة التي فطر الله الناس عليها، وانحرافاً عن السنَّة الإلهية في هذا المجال،

وهي سنَّة التزاوج بين الذكور والإناث، فكلّ انحراف عن هذه الفطرة، يكون مبغوضاً للمولى تعالى،

سواء كان بين الذكران أنفسهم، أو بين الإناث أنفسهن.

ومن هنا، كانت حرمة العمل المذكور (السحاق)، مورد تسالم عند علماء المسلمين وعامتهم، بحيث يمكن القول، إنّها من الضرورات الدينية.

5- فلسفة تحريم الشذوذ

ومع أنّ الدليل على الحرمة تام، ولا غبار عليه، بيد أنني أعتقد أنّه لا ينبغي أن نكتفي في مواجهة هذه الظاهرة بذكر دليل الحرمة، وإنّما علينا أن نبيّن فلسفة هذا الحكم الشرعي الرافض لهذه العلاقة، ليجتنّبها الإنسان عن وعي وقناعة، ولا سيما أنّه قد كثرت في زماننا الشبهات التي تثار في وجه هذا الحكم.

وغير خافٍ، أنّ الإسلام عندما اتخذ هذا الموقف المتشدّد والصّارم من هذه الممارسة الشاذة،

ببعديها (اللواط والسحاق)، كان حازماً في رفضها ومنعه من التساهل إزاءها، لاعتبارات منطقية وعقلائية،

ولم ينطلق المشرع الإسلامي في تشدده هذا من منطلق الانتقام من هذه الشريحة، ولا من منطلقات مزاجية أو عشوائية أو عبثية، فالمشرّع حكيم وعاقل، بل هو سيّد العقلاء،

وأحكامه التشريعية ـ كما هو معلوم ـ تابعة للمصالح والمفاسد الكامنة في متعلقات الأحكام، ولا تبنى على أساس الأهواء والأغراض الخاصة،

ولذا، فإننا على يقين بأنّه قد انطلق من هذا المبدأ ليحرّم هذا العمل ويمنع منه،

ويمكننا أن نشير إلى اعتبارين أساسيين في هذا المجال، في بيان فلسفة الحكم بالحرمة:

أولاً:

إنّ في هذا الفعل الشاذ ببعديه المعروفين، الكثير من المضار والمفاسد الاجتماعية والنفسية والأخلاقية والروحية، وربما الصحّية، وقد كُتب في هذا المجال العديد من الكتب،

ونشرت الكثير من الدراسات من قبل أهل التخصّص، ما كفانا مؤنة الإسهاب في الحديث عنه،

مع الإشارة هنا إلى ضرورة أن تطرح المضار المذكورة على نحو الحكمة لا العلة، ما يعني أنّ هذا وجه محتمل للتحريم، ولا يبتّ الأمر،

بل تبقى القضية موضع متابعة ورصد لكلّ جديد، لأنّ العلم في حالة تطوّر مستمر، ويأتينا كلّ يوم بجديد.

ثانياً:

لا يخفى أنّ ثمة قانوناً إلهياً (أو سنَّة إلهية)، يحكم جميع المخلوقات الحيّة المتناسلة،

وهو قانون الزوجيّة، فتزاوج الذكور من الإناث، هو الذي يضمن استمرار النسل البشري،

وهو المبدأ الذي ينسجم مع الفطرة الإنسانية التي تقوم على أنّ الذكر يميل إلى الأنثى، وبالعكس.

ومن أهم مزايا الإسلام، أنّ أحكامه التشريعية تنسجم وتتماهى مع السنن التكوينيّة، فهو ينسجم مع الفطرة، ولا يلغيها.

أجل، يبقى أنّ لكل قاعدة تكوينية استثناءات معينة، تجري على خلاف القاعدة، لأسباب معينة مردّها إلى خلل معين،

وهذه الاستثناءات قد لا يجد المشرِّع أنّ من المصلحة أن يسمح لها بالتمادي، حتى لا تنتهك القاعدة،

ويتحول الاستثناء إلى قاعدة، وإنّما يدعوها إلى أن تكيّف نفسها مع القانون العام،

وتتماشى مع الظاهرة العامة، وهذا أمر ـ رغم صعوبته ـ ميسور،

ومفاسد هذا التكيّف وضحاياه، أقل بكثير من مفاسد تشريع الشذوذ.

علي الساعدي

Exit mobile version