ظاهرة التخنث الاسباب والعلاج ، علينا الاعتراف بوجود المشكلة أو الحالة المرضيَّة، وعدم تجاهلها أو إنكارها، لأنَّ ذلك هو المدخل الأساس لمعالجتها، ولا يخفى أنّ ثمّة شريحةً من النّاس
ظاهرة التخنث الاسباب والعلاج
المشكلة – الاسباب – دليل الحرمة – فلسفة التحريم – المعالجات
بقلم: أسعد الجوراني
وردتني في أوقات مختلفة الكثير من الأسئلة حول موضوع الشذوذ الجنسي والتخنث ببعديه المعروفين،
أعني علاقة الرجل بالرجل ، وعلاقة المرأة بالمرأة ، فثمة من سأل ويسأل عن دليل التحريم،
باعتبار أنّ الميول للشذوذ والتخنث والتميع ليست اختيارية، وإنما هي مخلوقة مع صاحبها!!!
إلى غير ذلك من الأسئلة التي تطرح في هذا المجال، والتي تتزايد يوماً بعد يوم؟؟؟
الجواب
1- تفاقم المشكلة
بادئ ذي بدء، أجد أنّ من الضروري الإضاءة على أمر حساس،
ويشكّل مدخلاً منهجياً لا مفرّ منه في تناول المسألة المبحوث عنها وبيان أهميتها،
وهو يتصل بتوصيف هذه القضية، فهل نحن أمام حالة مرضيّة تحتاج إلى معالجة،
أو أنّنا أمام ظاهرة عادية وطبيعية، وعلينا تفهّم الأمر والتكيّف معه؟
لا يخفى أنَّ هناك اتجاهاً يصرّ على إخراج المسألة من دائرة التساؤل الإشكالي،
ويعتبر أنّ الميل المثلي هو ميل طبيعي واعتيادي، ولا يفترض التعامل معه باعتباره مرضاً أو مشكلة،
بل لا بدّ من الاعتراف به، وإظهاره، وعدم كبته.
ومن الواضح أنّ هذا الموقف ينطلق من خلفيّة ثقافيّة خاصة، تقوم على رؤية معينة فيما يتصل بالإنسان وحريّته في التعبير عن ذاته، وحقّه في إشباع غرائزه كما يحلو له،
وهي رؤية سادت مؤخّراً في بلاد الغرب، وتمّ حشد الكثير من مراكز القوى للدّفاع عنها، والانتصار لها.
ولكنَّنا نختلف اختلافاً جوهرياً مع هذه الرؤية الرامية إلى تسويغ ما هو واقع، ولا يسعنا الموافقة عليها،
ونرى أنّ ميزان الحق والباطل في مثل هذه الأمور، لا يتحدّد في ضوء ما هو كائن وواقع،
بل في ضوء ما ينبغي أن يكون، وما لا بدّ من أن يقع، وذلك بحسب ما يحكم به العقل السليم،
ويؤيّده المنطق، وتشهد له الفطرة المستقيمة والوجدان غير الملوّث،
فما أكثر الأمور الواقعة والمنتشرة بين الناس، وهي من أوضح مصاديق الباطل، وأجلى أفراد الرذيلة والانحراف!
في المقابل، فإنّ علينا الاعتراف بوجود المشكلة أو الحالة المرضيَّة، وعدم تجاهلها أو إنكارها،
لأنَّ ذلك هو المدخل الأساس لمعالجتها، ولا يخفى أنّ ثمّة شريحةً من النّاس،
قلّ أفرادها أم كثروا، مبتلية بهذا البلاء،
وبالتالي، فإنّ علينا أن لا ندفن رؤوسنا في الرّمال، ونتجاهل وجود هذه المشكلة الآخذة بالتفاقم يوماً بعد يوم.
ويُلاحظ أنّ هناك العديد من العوامل المساعدة على تفاقم المشكلة،
وأهمّها وجود جماعات عالميَّة منظَّمة، معظم أعضائها من الأفراد الشاذين جنسياً،
قد أخذت على عاتقها مهمَّة الدفاع عن حقوق الشواذ، وباتت هذه الجماعات تشكّل ما يعرف بـ “اللوبي”،
وهي تعمل عبر شتى الوسائل الإعلاميَّة، وكذا وسائل التواصل الاجتماعي، ليس على اجتذاب الأشخاص ذوي الميول المثليَّة، وتشجيعهم على الإعلان عن أنفسهم فحسب،
بل تسعى أيضاً للضغط على الأحزاب السياسية، ومراكز القرار والتَّشريع في العديد من الدول،
ولا سيما الغربية منها، للاعتراف بحقّهم في الزّواج، كغيرهم من النّاس.
وهكذا، تدفع هذه الجماعات ـ مستعينة بوسائل الإعلام والدعاية كافة ـ باتجاه الإقرار بواقع قانوني جديد،
تُلغي فيه تلك الدول المادة القانونية المعروفة لدى الشرائع السماوية والوضعية كافة،
والتي تنصّ على أنّ الزواج الشرعي هو الزواج القائم بين الجنسين (الرجل بالمرأة) فقط،
وتستبدل بفقرة جديدة تنصّ على قانونية الرجل من الرجل، والمرأة من المرأة، لتغدو أصناف الزواج ثلاثة:
زواج المختلفين في الجنس، أعني زواج الرجل من المرأة،
وزواج المتماثلين في الجنس، وهذا الأخير ينشطر إلى قسمين:
زواج المرأة من المرأة، وزواج الرجل من الرجل،
وهذا ما حصل فعلاً، حيث أقرّت بعض القوانين ذلك.
وقد استطاعت هذه الجماعات انتزاع الكثير من الاعترافات بها، حتى من قبل بعض رجال الدين المسيحيين أو اليهود،
ويعمل البعض على تسجيل اختراق في الفضاء الإسلامي، الذي لا يزال رافضاً لهذا الأمر رفضاً قاطعاً.
2- وقفة مع التسمية
بعد هذه الإضاءة على المشكلة، أجدني ملزماً بالتنبيه إلى أمر آخر، يتصل بتسمية هذه العلاقة وتوصيفها اللفظي،
حيث يسعى البعض إلى استبدال التسمية الشائعة لهذا النوع من العلاقة الجنسية القائمة بين شخصين من جنس واحد،
وهي تسمية “الشذوذ”، بتسمية جديدة، وهي “العلاقة المثليّة”،
على اعتبار أنّ كلمة “الشذوذ”، تحمل في ثناياها إدانة لهؤلاء، أو توحي بالتحقير لهم وانتقاصهم.
ونحن، وإن كنا لا نمانع من إطلاق التسميات الجديدة أو استخدامها،
ونعتقد أنّ تغيير المصطلحات لا يغيّر من الواقع شيئاً، ولا سيّما أنّ مصطلح “الشذوذ” ليس هو المصطلح المستخدم في النص الإسلامي، ولم يعتمد أيضاً في الفقه الإسلامي،
وإنّما المعروف في فقهنا مصطلحا اللواط والسحاق، كما أنّنا في العمق ليست لدينا مشكلة مع الذي يمارس هذا العمل كإنسان،
وإنّما المشكلة هي مع ممارسته للعمل نفسه،
لما نرى في هذه الممارسة من مخاطر شتى، ليس على هؤلاء الأشخاص فحسب، بل وعلى غيرهم من أفراد المجتمع أيضاً،
وهذا نظير ما نقوله في الكافر،
فإنّنا لا نعادي فيه شخصه، بل كفره. مع ذلك، فإني أعتقد أنّ تغيير المصطلحات عندما ينطلق من خلفيّة ثقافية معيَّنة،
لها رؤيتها الخاصَّة في موضوع القيم والممارسات، فلا بدّ حينها من التوقف عنده جيداً، لأنّه قد يشكّل مدخلاً يراد من خلاله التبشير بقيم جديدة مبنية على ثقافة أخرى لها رؤيتها للأمور،
وهي، وانطلاقاً من هذه الرؤية، تسعى ـ فيما نحن فيه ـ للتخفيف من وطأة العمل نفسه،
وتصوير أنّه عمل طبيعي وغير مستقبح ولا مدان، وهذا ما لا يمكننا الموافقة عليه، مع احترامنا للآخرين.
ولهذا، فلنسمِّ الأشياء بأسمائها، فالعلاقة المثليّة هي حالة شذوذ، لأنّ القاعدة الأساس،
والحالة السويّة في العلاقات الجنسيّة، هي العلاقة بين الذكور والأناث،
وهي الحالة التي فطر الله الإنسان عليها، وهداه إليها بشكل تلقائي،
كما فطرت سائر المخلوقات المتناسلة على ذلك أيضاً، أعني الميل إلى الجنس الآخر.
3- في الأسباب
أمّا في الحديث عن الأسباب الكامنة وراء هذه الظاهرة، فلا يزال الجدل قائماً حول ذلك، وهل إنّ المشكلة هي تعبير عن انحرافات نفسيَّة، أو أنّها تتَّصل بخلل عضويّ هرمونيّ معيّن؟
وفي حين يرى بعض الأشخاص ويؤكد أنّ التفسير العلمي لهذه الظاهرة، يعيد المسألة إلى خلل جيني أو غيره،
حصل مع الأبوين في فترة انعقاد النطفة، أو حصل مع الطفل في المرحلة الجنينية،
ما أدى إلى أن يخلق هذا الطفل ـ ذكراً كان أو أنثى ـ وهو يحمل الميل إلى جنسه، تماماً كما هو الحال في الكثير من الحالات الوراثية ـ مرضية كانت أو غيرها ـ ففي المقابل،
فإنّ بعض الآراء العلميّة الموثوقة، لا تزال تنفي كون المسألة في العمق، ذات صلة بالجانب التكويني والوراثي،
ولا تقبل هذه الآراء ربطها بخلل هرموني، وإنما تربطها بعوامل مردّها إلى اختيار الإنسان،
وميله الإرادي إلى هذا العمل.
علي الساعدي