الفراغ يولّد الفراغ مقال للكاتبة الأستاذة نعمة القحطاني تناولت فيه الكلام عن الفراغ وعدم استثماره بالمفيد مما أدى إلى ظهور موجة من التافهين يسممون فكر الشباب ويغتالون براءة الأطفال ويقتلون عادات الأجداد،
الفراغ يولّد الفراغ
نعمة القحطاني
ما الأسباب التي تدفع الشخص إلى أن يكون تافهًا طائشًا؟
ما الآثار الضارة التي تخلفها التفاهة؟
كيف لنا أن نحمي أنفسنا وأبناءنا من هذه الآفة الفتاكة؟
كيف لنا أن نعيد ترميم المجتمع ونصحح مساره؟
كيف لنا أن نُنشئ جيلًا يهتم بالعظائم وينبذ الصغائر؟
بامكان المرء أن يكون عظيمًا إذا أراد، ويمكنه أن يكون تافهًا وسخيفًا إذا أراد ذلك.
لا شيء يمكنه أن يحول بينك وبين ما تريده لبناء شخصيتك ولتحديد اهتماماتك وتوجهاتك، فكل إنسانٍ حرٌ فيما يريده.
لذا فأنني أجد أن الفراغ يولد الفرغ، كيف ذلك؟
عندما يكون الانسان متفرغًا لا يجد ما يسد فراغ وقته سوى المرور على سطح التفاهات وقد يغوص عميقًا إلى أعماقها هنا سيخلق من مشكلة الفراغ فراغًا آخر أكثر سوءً وأشد خطرًا من الفراغ نفسه؛
لأنه لم يوظف فراغه في أمور تستحق أمور ذات قيمة وفائدة كأن يتعلم أو يطالع أو يبحث عن ما يجعله مرتقيًا وراقيًا،
كما أن الشخص الذي لا تهمه حالته التي سيؤول إليها في المستقبل واهتمامه يرتكز على لحظته التي يعيشها فحسب تاركًا ركامًا من الواجبات والأمور التي يجب أن يلتفت لها ويمعن التفكير فيها،
كما أن انعدام الأنشطة المرحة والمفيدة في الوقت ذاته تخلق لنا أزمة الفراغ والفارغين،
عدم توظيف الطاقة الشبابية في بناء مجتمع مثقف وراقي ومتحضر فعندها لن نستطيع أن نحافظ على ما تبقى من قيمنا
يجب أن نقضي على المسببات لنخلق من الفراغ إمتلاءً ذو قيمة؛
لأننا إذا أمعنا النظر فيما يحدث في عصرنا الحالي وجدنا من التفاهات ما يحزن القلب ويؤلم الضمير،
أناسًا جعلوا من التفاهات خلقًا وسلوكًا ومنهاج حياة.
فتراهم يهتمون بالتوافه والسطحيات يبحثون عن الشهرة عن طريق أمورٍ يقومون بها تبدو برأيي مخزية،
يكونون شخصياتهم وشخصيات من اتبعهم بما لا ينفع ولا يغني،
خطورة الاهتمام بالتافهين
والأكثر إيلامًا من التفاهة ذاتها هو اهتمام البعض بهم فتسلط عليهم الأضواء وتقام لهم المحافل وينصبون أعلى المناصب والرتب،
ولهم أولوية بين عامة الناس وكأنهم يمثلون المجتمع بأكمله،
يسممون فكر الشباب ويغتالون براءة الأطفال ويقتلون عادات الأجداد،
وفي المقابل لكل هذا تجد من العظماء والمثقفين والمتعلمين وأصحاب الفكر الفذ من هو منبوذٌ ومنفي ومهمش.
والأمر في كل يوم يزداد اتقادًا فتراهم يتكاثرون كما لو أنهم أكسجين هذا الكوكب المضطهد،
ويولد مع كل تافهٍ تافهٌ آخر أو اثنين، تعزز قيمتهم وتنشر فكرتهم ويحتضنهم المسؤول والراعي.
أخشى ما أخشى أن يستمر الأمر فيغدو عاديًا لا أحد ينكره أو يرفضه، وتلك مصيبة تستوجب الخوف والوقوف ضد هؤلاء الحثالة الذين ينكتون في وجه المجتمع كل يوم نكتةً سوداء حتى نسقط أو نضل سبيل الرفعة والسمو.
ليس هناك مبرر لتقبل هذا الحال، ليس هناك مصلحة ترجى ولا منفعة ينتفع بها لذا فإن المسؤولية لا تقع على عاتق فردٍ دون آخر بل يجب علينا أن نهب وننقذ ما تبقى من صورة المجتمع،
الأب في بيته يجب أن لا يتساهل وأن يحدد ما هو مباح وما هو محظور،
الأخ الأكبر القدوة للأبناء يجب أن يحذو حذوًا ذو أمانة ومنفعة،
الأم كذلك يجب أن تكون على علم بما يميل له الأبناء فالأم مدرسة وعلى عاتقها تقع مسؤوليةٍ عظيمة.
ربوا أبناءكم على حب المعرفة والمطالعة علموهم أن التفاهة لا تبني مجتمعًا ولا ترتقي بالأمة بل هي دمارٌ وخراب،
اجعلوا لأنفسكم ولأبناءكم مكانًا بين العظماء فيومًا ما سنندم على تفريطنا وتساهلنا وتخاذلنا، سندفع ثمن ذلك باهظًا،
فالأمم ترتقي وتسقط ولذلك الرقي والسقوط أسباب لا يجهلها عاقل فلا تسقطوا أمتكم في وحل الطيش والتفاهات بل كونوا من صناع سموها وعلوها وكونوا قناديل حضارةٍ ونهضة.