Site icon حديقة المقالات

العلم بين الأساتذة والطلاب للعلامة الشيخ محمد الخضر حسين

العلم بين الأساتذة والطلاب

العلم بين الأساتذة والطلاب للعلامة الشيخ محمد الخضر حسين مقال تربوي يتناول أهمية رقي العلاقة بين التلميذ و أستاذه ، مع ذكر أمثلة من قصص السلف يتبين فيها مقام الأساتذة وعناية الطلاب بهم التي رفعت المعلم و الإمام  إلى منزلة الوالد زيادةً في الأدب ، المقال من 884 كلمة و 64 فقرة يستغرق 4 دقائق و 55 ثانية

العلم بين الأساتذة والطلاب للعلامة الشيخ محمد الخضر حسين

العلم بين الأساتذة والطلاب (1) للعلامة الشيخ محمد الخضر حسين (2)

في هذه الفترة بين عام دراسي أوشك أن ينقضي، وبين عام جديد يستقبله المدرسون والطلبة بعد أشهر الاستجمام

رأيت أن أتحدث إلى إخواني مدرسي المعاهد، وأبنائهم الطلبة بما ينبغي للفريقين أن يطيلوا التأمل فيه،

عندما يفرغون من فترة الاستجمام؛ استعداداً لاستئناف عهد جيد في الحياة الدراسية.

إن من أجمل ما فهمه المسلمون من معاني العلم قول أبي حامد الغزالي فيه:

إنه عبادة القلب، وصلاة السر، وقربة الباطن إلى الله،

وكما لا تصح الصلاة التي هي وظيفة الجوارح الظاهرة إلا بتطهير الظاهر من الأحداث والأخباث،

فكذلك لا تصح عبادة الباطن، وعمارة القلب بالعلم إلا بعد طهارته من خبائث الأخلاق.

وهذا الفهم الجميل لمعنى العلم في الإسلام إذا كان ينبغي لمدرسي المعاهد الأزهرية وطلبتها أن يجعلوه دستوراً لهم في حياتهم الدراسية في جميع المعاهد؛

فإن أولى ما ينبغي لهم أن يتخذوه دستوراً في هذا المعهد الذي أخذ يتجدد فيه نظرُ الأمة إلى جميع أوضاعها

استعداداً لاستئناف حياة سعيدة مباركة النتائج، ويانعة الثمرات إن شاء الله.

العلم بين الأساتذة والطلاب : المعلم والتلميذ كالوالد والولد

من المأثور عن رسول الرحمة “أنه كان يقول لأصحابه _ وهم الطبقة الأولى من طبقة العلم في تاريخ الإسلام _: إنما أنا لكم مثل الوالد لولده.

وإن المدرس في المعاهد الإسلامية ينبغي له أن يستقبل سنته الدراسية المقبلة بهذه الروح العالية، وبهذا الأدب الإسلامي الرحيم؛

فيكون لطلبته مثل الوالد مع الولد،

روى الذين دوَّنوا ترجمة الإمامِ الفاتحِ أسدِ بن الفرات، أنه لما كان يأخذ العلم عن الإمام محمد بن الحسن الشيباني، تلميذ الإمام أبي حنيفة

كان الإمام محمد بن الحسن إذا رأى تلميذه أسد ابن الفرات غلب عليه النوم وهو يسهر في تلقي العلم عنه نضح على وجهه رشاشاً من الماء؛ ليجدد له نشاطه؛

شفقة منه عليه، ورغبة منه في أن ينهض إلى مستوى الإمامة في العلم.

ولولا أن محمد بن الحسن تأدب بأدب الإسلام، وعمل بالمبدأ المحمدي في أن يكون لتلميذه كما يكون الوالد لولده

لانتهز فرصة غلبة النوم على تلميذه، وأرجأ الدرس على الليلة الثانية،

هذا ما نعلمه من مقام الإمام محمد بن الحسن في الدولة وكثرة أعماله العلمية،

لكنه لما كان يعلم أن من أدب الإسلام أن يكون التلميذ بمنزلة الولد من الوالد التزم مع أسد بن الفرات هذا الأدب الرحيم،

وكان من نتيجة ذلك نبوغ أسد بن الفرات، وقيامه للملة الإسلامية بما لا يقوم بمثله إلا أفذاذ النوابغ من صفوة البشر.

العلم بين الأساتذة والطلاب : إيثار المعلم تلاميذه على نفسه

وهذا الشيخ ابن التلمساني، أحد كبار علماء شمال أفريقيا سأله السلطان عن مسألة فقال:

إن تلميذي فلاناً يحسن الجواب عنها، فوجه السلطان السؤال إلى تلميذ ابن التلمساني، فأحسن الجواب، فأجازه وأحسن منزلته،

وكان ابن التلمساني أعلم من تلميذه فيما سأله عنه السلطان، لكنه؛ لاعتباره تلميذه بمنزلة ولده أراد أن يُنَوِّه به في حضرة السلطان كما لو كان ولده حقاً.

والطلبة في دستور الإسلام عرفوا كيف يقابلون هذا العطف الأبوي من أساتذتهم بما يكافئه من حرمة ومحبة وإجلال،

ومن أقدم الأمثلة على ذلك ما رواه الشعبي، أن زيد بن ثابت، صلّى على جنازة، ثم قربت إليه بغلته ليركبها،

فبادر إليه عبدالله بن عباس، فأخذ بزمام البغلة؛ ليساعده على الركوب،

فقال له زيد: خل عنه يابن عم رسول الله، فأجابه ابن عباس _ رضي الله عنهما _: هكذا أمرنا أن نفعل بالعلماء.

وقد حافظ ذرية ابن عباس على هذا الأدب من التلاميذ نحو أساتذتهم، بعد أن صار بنو العباس ملوك الدنيا،

فقد نقل برهان الإسلام الزرنوجي، في كتاب تعليم المتعلم،

وهذا الكتاب ترجمه رولاند إلى اللغة اللاتينية وطبعه في مدينة أوتراخت بألمانيا قبل نحو مائتين وخمسين سنة

أن أمير المؤمنين هارون الرشيد بعث ابنه إلى الأصمعي، ليعلمه العلم والأدب،

فرآه يوماً يتوضأ وابن الخليفة يصب الماء على رجله، فعتب الخليفة على الأصمعي؛ لأنه لم يأمره بأن يصب الماء بإحدى يديه، ويغسل رجل أستاذه باليد الأخرى،

ورأى أن تقصير ابنه في ذلك تقصير في أدب التلميذ مع أستاذه.

إجلال الثلاميذ لمعلميهم

وروى الزرنوجي في هذا الكتاب _ أيضاً _ عن شيخه برهان الدين، صاحب الهداية أن أحد كبار أئمة بخارى وهو في حلقة درسه في المسجد

رأى ابن أستاذه يمر أمام باب المسجد، فقام له؛ تعظيماً لحق أستاذه.

وقد علمنا من سيرة ابن خلدون، أنه لما رزئ بوفاة كبار شيوخه

وكان منهم قاضي القضاة محمد بن عبدالسلام، والرئيس أبو محمد الحضرمي، والعلامة محمد بن إبراهيم الأبلي

ضاق به وطنُه؛ فترك مقامه الوجيه الذي وصل إليه في قصر الإمارة،

ورحل عن تونس إلى الجزائر والمغرب الأقصى؛ لأن مقام أساتذته كان في نفسه فوق كل مقام.

وهذه المحبة الصحيحة التي يكنها التلميذ لأستاذه هي التي حملت العالم أحمد بن القاضي على أن يقول في شيخه المنجوري:

وصارت الدنيا تصغر بين عيني، كلما ذكرت أكل التراب للسانه، والدود لبنانه.

ومن ذلك قول ابن عرفة:

إذا لم يكن في مجلس الدرس نكتة

وإيضاح إشكال بأحسن صورة

الأبيات، فيجيبه تلميذه الأبي بقوله:

يميناً بمن أولاك في العلم رتبة

وزان بك الدنيا بأحسن زينة

لمجلسك الأعلى كفيل بكلها

على حينما عنه المجالس ولت

ووقعت خروج جنازة أستاذنا الشيخ عمر بن الشيخ من منزله ليصلى عليها في جامع الزيتونة،

ذكرت خروجه منه لدرس كتاب المواقف، والشيوخ ينتظرونه بموضع الدرس،

وذكرت قول أحد الأساتذة في قصيدة ألقاها عند ختم الكتاب:

إذا عمر بن الشيخ وافى لدرسه

تعالَ التَقِطْ دُرَّاً بملء جفان

ففاضت عيناي بالدموع.

إن هذا الأدب الإسلامي الذي جعل من الطلبة أبناء للأساتذة كفلذات أكبادهم،

وجعل من الأساتذة آباء لتلميذهم، يعطفون عليهم أكثر من عطف الآباء على أبناءهم

هو الأدب اللائق بنا أن نرجع إليه لنجدد في تاريخنا عهداً سعيداً، فننعم به ونسعد بنعمته،

والطلبة الذين يكتسبون من دراستهم مثل هذا الأدب ينالون به من السعادة أضعاف ما ينالون به من دراسة العلم مهما تقدموا فيه.

الهوامش

(1) من كتاب أحاديث في رحاب الأزهر، لفضيلة الشيخ محمد الخضر حسين، جمعها وحققها علي الرضا التونسي ص92_ 95. ومجلة =الأزهر+ الجزء العاشر _ المجلد الرابع والعشرون، غرة ذي القعدة 1372، وقد كتبها الشيخ لما كان شيخاً للأزهر.

(2) سبقت في المجموعة الأولى ترجمة له.

نهاية مقال العلم بين الأساتذة والطلاب

#مقالات_عربية_رائعة

#مقالات_في_التربية_والتعليم

#محمد_الخضر_حسين

مقالات عربية رائعة : المقالات المختارة لأبرز كتّاب المقالة العربية (٣)

 

اقرآ الكتاب على موقع المكتبة العربية الكبرى

 

Exit mobile version