عموميات حول الإدارة المالية للمؤسسة
مكانة الإدارة المالية في الهيكل التنظيمي وعلاقته بالعلوم الأخرى.
تحتل الإدارة المالية مكانة هامة في الهيكل التنظيمي للمؤسسات ومن خلال هذا البحث سنحاول التطرق لمكانتها وعلاقتها بالعلوم الأخرى اعتمادا على ثلاثة مطالب هي:
– المطلب الأول: مكانة الإدارة المالية في الهيكل التنظيمي.
– المطلب الثاني: العوامل المؤثرة في الإدارة المالية
– المطلب الثالث: علاقة الإدارة المالية بالعلوم الأخرى.
المطلب الأول: مكانة الإدارة المالية في الهيكل التنظيمي.
عند تحديد موقع الإدارة المالية في الهيكل التنظيمي نجد اختلافا كبيرا في تنظيم الوظيفة المالية، وعلى رأس الأسباب وراء هذا الاختلاف نجد حجم المنظمة، فمثلا في المشروعات الفردية الصغيرة نجد أن صاحب المشروع يجمع بين الملكية والإدارة، فنجده يتولى المسؤولية عن الإنتاج والتسويق والتمويل، على عكس الحال في المشروعات متوسطة وكبيرة الحجم، حيث توجد إدارة مستقلة على مستوى الإدارات الرئيسية الأخرى (الإنتاج، التسويق…)، حيث تتولى المهام المالية باسم الإدارة المالية، أو إدارة الشؤون المالية والذي يرأسها المدير المالي، والذي عادة ما يكون مسؤول مباشر أمام المدير العام ورئيس مجلس الإدارة، ويحدث في المنظمات الكبيرة في بعض الدول تقسيم الشؤون والمهام المالية إلى جزأين: الأول إعداد التنبؤات المالية وإعداد الموازنات التخطيطية وتقويم كفاءة استخدام الأموال، ويتولى ذلك المراقب المالي إلى جوار عمله الأصلي ( الإشراف على الحسابات ) والثاني والمهام الأخرى توكل للمدير المالي الذي عادة ما يرأس المراقب المالي.
شكل رقم (01)
عنوان الشكل: موقع الإدارة المالية في الهيكل التنظيمي .
المطلب الثاني: العوامل المؤثرة في الإدارة المالية .
تتأثر الإدارة المالية بعدة عوامل نذكر منها:
1- الكيانات العملاقة وتأثيرها على الإدارة المالية:
إن التطور الاقتصادي الملموس خلال القرن الحالي وعلى الأخص في النصف الثاني منه، أدى إلى انتشار العديد من الشركات العابرة القارات، أو الشركات متعددة الجنسيات ذات الأعمال الضخمة، وأمام هذا التطور الكبير، كان لابد من وجود صدى مناسب في العلوم ذات العلاقة ومن أهمها الإدارة المالية، والمحاسبة المالية، لظهور العديد من المشاكل التي لم تكن معروفة من قبل، كان من الضروري علاجها، وكيفية التعامل معها لمسايرة التطور الاقتصادي.
إن تزايد نزعة الشركات والمستثمرين الأفراد وغيرهم إلى عبور الحدود نحو آفاق استثمارية جديدة لتحقيق العديد من الأهداف السياسية والمالية والتشريعية، أضاف أعباء جديدة إلى الوظيفة المالية ونقل بها من المستوى المحلي إلى المستوى العالمي، لتدخل في إطار جديد يعرف بالعولمة ( GLOBAL ).
وقد انعكس ذلك على التمويل العالمي، فمثلا نجد أن أسواق المال تفتح وتزداد، ويتزايد اتصالها وارتباطها ببعضها البعض عن طريق الاتصالات السريعة، والحاسبات الفائقة السرعة، وتكنولوجيا الاتصالات تمكن من إنتاج أكثر العمليات التمويل الأجنبي المتعدد الأطراف والعملات في أيام معدودات، سعيا وراء التمويل المناسب والذي يكون عادة أقل تكلفة، وكذلك إذا انعكس ذلك على أسعار السلع والمواد الخام والطاقة، وأصبحت هي الأخرى سريعة التقلب.
وخلاصة القول أن العولمة حملت معها العديد من المشاكل التي تحتاج إلى التطوير الدائم والمستمر للوظيفة المالية، ومن أهم هذه المشاكل نذكر:
– توحيد أسس إعداد القوائم المالية.
– ترجمة القوائم المالية للشركات الأجنبية.
– المعالجة المحاسبية للمعاملات الدولية.
– المعالجة الضريبية ( التحاسب الضريبي الدولي ).
2- التضخم وتأثيره على الإدارة المالية:
زاد التضخم بصورة ملحوظة وعلى الأخص في السبعينات وأوائل الثمانينات من هذا القرن، واجتاح الكثير من دول العالم، مع اختلاف نسبته من دولة إلى أخرى، ولا تزال بعض الدول تواجه تضخما ماليا بمعدلات مرتفعة، ويؤثر التضخم تأثيرا كبيرا على السياسات والبنوك ومؤسسات التمويل، ومن أهم جوانب التأثير:
– صعوبة التخطيط ( PLANING DIFFICULTIES).
– الطلب على رأس المال ( DEMAND OF CAPITAL ).
– معدلات الفائدة ( INTEREST RATES ).
– التقارير والمشاكل المحاسبية ( REPORTS – ACCOUNTING PROBLEMES ).
3- تأثير الضرائب على الإدارة المالية:
تتعرض الاستثمارات للعديد من الضرائب، منها الضرائب المباشرة والغير مباشرة، فمن المعروف أن لكل دولة نظامها الضريبي الخاص بها، وعادة ما يختلف هذا النظام من دولة لأخرى تحقيقا للعديد من الأهداف التي تسعى الدولة لتحقيقها من وضع هذا النظام.
والنظام الضريبي قد يتشدد مع الشركات بإخضاع كافة معاملات هذه الشركات للضرائب، سواء داخل الدولة أو خارجها، الأمر الذي يعد أحد أهم المعوقات المالية للاستثمار والتنمية، وقد يتساهل هذا النظام لتخفيف الأعباء الضريبية على المعاملات التي تمت داخل الدولة فقط، مع إعفاء كامل للمعاملات التي تمت خارج حدود الدولة، وذلك تشجيعا ودعما للاستثمار والتنمية، وأهم ما ننوه له في هذا الصدد هو الاهتمام بمبادئ ومعايير التحاسب الضريبي، لما لذلك من آثار كبيرة على الاستثمار وعلى إعداد القوائم المالية المختلفة.
4- دور البنك المركزي في السياسة المالية:
يتربع البنك المركزي على قمة الجهاز المصرفي في أية دولة، مع اختلاف هذا الاسم من دولة لأخرى، ويلعب هذا البنك دور محوري في التأثير على حجم النقود وتكاليفها في الأسواق المالية، وذلك من خلال تأثيره على عمليات الإقراض والاستثمار بمختلف الطرق مباشرة وغير مباشرة ومن أهم هذه الطرق:
– تغير معدل الخصم ( DISCOUNT RATE ).
– عمليات السوق المفتوحة ( OPEN MARCKET OPERATION ).
– تغير نسبة الاحتياطي القانوني ( REQUIRED RESERVE RATIO ).
5- السياسات المالية للدولة:
تلعب السياسة المالية التي تتبعها الحكومة من خلال موازنتها، بدور هام وحيوي في التأثير على معدلات الفائدة في الأسواق المالية، فخلال فترات الكساد تميل الدولة إلى زيادة نفقاتها وتخفيض معدلات الضرائب مما يؤدي إلى زيادة عرض النقود والازدهار الاقتصادي، رغم أن هذا الوضع قد يؤدي في الغالب إلى تحقيق عجز في الموازنة العامة للدولة، وخلال فترات الازدهار الاقتصادي وارتفاع الدخل القومي الحقيقي يزيد دخل الحكومة و تقل نفقاتها، وغالبا ما يحدث فائض في الموازنة العامة للدولة.
المطلب الثالث: علاقة الإدارة المالية بالعلوم الأخرى.
بسبب مكانتها المهمة في إدارة المؤسسات تتكون للإدارة المالية علاقات بعلوم أخرى منها:
1- المحاسبة والإدارة المالية:
يخلط الكثيرون بين المحاسبة والإدارة المالية، فهم يلاحظون أنه يتم استخدام نفس المصطلحات ونفس القوائم المالية حين التعرض للموضوعين، وبالتالي فهم لا يجدون فرقا بينهما، ولكن الصحيح هو أن المحاسبة تهتم أساسا بجمع البيانات، في حين تهتم الإدارة المالية بتحليل هذه البيانات بغرض اتخاذ القرارات، وعلى الرغم من ازدياد أهمية المحاسبة في الآونة الأخيرة كوسيلة لتزويد المعلومات الضرورية لاتخاذ القرارات الرشيدة، فان رجال الإدارة المالية تقع عليهم المسؤولية الكاملة في التحليل والتخطيط والرقابة .
2- العلاقة بين الاقتصاد التجميعي ( الكلي ) والإدارة المالية:
يهتم الاقتصاد التجميعي بالبيئة التي تمارس فيها وظائف التمويل، لذلك تفيد النظريات الاقتصادية في تفهم المتغيرات ذات العلاقة بهذه البيئة، فهو يهتم بالنظام المصرفي ككل، والوسائط الماليين، وكذلك السياسات المالية الحكومية، ومتابعة النشاط الاقتصادي داخل المجتمع، وكيفية السيطرة عليه، لكن هذه النظريات لا تعترف بالحدود الجغرافية لذلك فهي تتطرق إلى المنظمات والمؤسسات المالية للدولة حيث تتدفق الأموال فيما بينها.
وطالما أن المشروع جزء من هذه البيئة، فمن الضروري أن يلم المدير المالي بالإطار التنظيمي لهذه المنظمات، والآثار المترتبة على السياسة الاقتصادية، وأثرها على بيئة القرار، أي أنه يمكن القول أن بأن المدير المالي لا يستطيع القيام بوظائفه بطريقة مرضية إذا لم يكن متفهما لهذه العلاقات، وعليه أيضا تتبع أثر التغير في السياسة المالية على مقدرة الشركة في الحصول على الأموال، وتحقيق الأرباح وكذلك الإلمام بمختلف المنظمات المالية، وشروطها ونظام العمل بها، وتقدير مصادر الأموال المحتملة والمناسبة للشركة .
3- الاقتصاد الجزئي والإدارة المالية:
تهتم نظرية الاقتصاد الجزئي بالأداء الاقتصادي الفعال للمشروع، أي أنها تؤثر على الإجراءات والتصرفات التي تحقق الأداء المالي الجيد، لذلك فهي تهتم بالعلاقة بين الطلب والعرض وإستراتيجيات تعظيم الأرباح (PROFIT MAXIMIZATION )،
حيث تستند على هذه الأخيرة في رسمها لكل النظريات الاقتصادية الجزئية، خاصة القرارات المتعلقة بتحديد التشكيل الأمثل لعوامل الإنتاج والمنتجات والمستويات المثلى للمبيعات، واستراتيجيات التسعير للمنتجات، حيث تتأثر هذه الجوانب بالنظريات الاقتصادية الجزئية، فتوجد نظريات تساعد في قياس مستوى المنفعة والخطر ( RISK )،
ومحددات القيمة أو الثمن، وإذا لم يستطع المدير المالي تطبيق هذه النظريات فإنه على الأقل يعمل من خلال مجموعة المبادئ العامة في هذه النظريات،
وباختصار من الضروري المعرفة بالعلوم الاقتصادية لتفهم البيئة المالية ( FINANCING ENVIRONMENT )، ونظريات اتخاذ القرار ( THE DECISION THEORIES )، وهما يشكلان جوهر الإدارة المالية المعاصرة،
فالاقتصاد الكلي يزود المدير المالي برؤية واضحة عن السياسات الخاصة بالمنظمات الحكومية والمالية وغيرها، التي من خلالها تتدفق الأموال والائتمان،
وتعمل على ضبط النشاط الاقتصادي العام، وللعمل داخل هذه البيئة التي تشكلها هاته المؤسسات فلابد من الإلمام بالاقتصاد الجزئي كأساس لرسم تخطيط العمليات وتعظيم الأرباح،
فلا يواجه المدير المالي المنافسين فقط داخل الصناعة، وإنما عليه أن يتصدى للظروف الاقتصادية المرتقبة سواء كانت ملائمة أو غير ذلك .