عموميات حول الإدارة المالية للمؤسسة
مفاهيم الإدارة المالية وتطورها التاريخي.
تعددت تعاريف الإدارة المالية بتعدد الكتابات في هذا الموضوع، إلا أن هذه التعاريف ضلت مستمدة من مهام ومسؤوليات المدير المالي، ورغم وجود بعض الاختلافات في مهام ومسؤوليات رجال الإدارة المالية والتي تختلف من مشروع لآخر باختلاف قطاع النشاط وطبيعته وكذا حجمه.
لكن بعض المهام تبقى أساسية بغض النظر عن هذا الاختلاف، خاصة مهام البحث عن مصادر التمويل واستخدامها وإدارتها.
سيتم تقسيم هذا المبحث إلى ثلاثة مطالب هي:
– المطلب الأول: مفهوم الإدارة المالية.
– المطلب الثاني: تطور مفهوم الإدارة المالية.
– المطلب الثالث: أهمية الإدارة المالية وأهدافها.
المطلب الأول: مفهوم الإدارة المالية.
من بين التعاريف الخاصة بالإدارة المالية نجد:
– الإدارة المالية هي تلك الإدارة التي تقوم بنشاطات مالية متنوعة من خلال تنفيذها لوظائف فنية متخصصة كالتحليل المالي، تقييم المشروعات، إعداد وتفسير التقارير المالية، الميزانيات التقديرية، الاندماج، إعادة التنظيم المالي وغيرها، ومن خلال تنفيذها لوظائف إدارية كالتخطيط، التنظيم، التوجيه، الرقابة ولكن بصيغة مالية، وبانجاز الوظائف بكفاءة تستطيع تحقيق الأهداف المحددة لها، وبالتالي المساهمة في تحقيق أهداف المنشأة .
– تنطوي الإدارة المالية على كل ما يتعلق بالأموال في المنشأة من تخطيطها والحصول عليها والاستخدام الأمثل لها، وهذا النشاط المالي يبدأ في المنشأة من وقت التفكير في إنشائها إلى آخر لحظة من حياتها، كما أنه نشاط له نفس الأهمية للمنشأة سواء في حالة توسع أو انكماش أو ثبات، تبنى فوق جميع الحالات، وتوجد بصفة دائمة لاحتياجات مالية ينبغي إشباعها بطريقة مناسبة .
– حسب الدكتور سيد الهواري: << تعتبر كل وظيفة من وظائف الإدارة العليا مسؤولة عن عملية الحصول على الأموال اللازمة والتخطيط ومتابعة ذلك، فالإدارة المالية هي إدارة أي مشروع من منظور مالي>> .
المطلب الثاني: تطور مفهوم الإدارة المالية.
في مستهل القرن الماضي كانت عملية الإنتاج وإنشاء المؤسسات الجديدة وإجراءات تدبير الأموال اللازمة للمشروعات هي محور اهتمام المفكرين، وفي العشرينات أصبح الاهتمام مركزا تقريبا على طرق وإجراءات تدبير الموارد المالية لتمويل الاستثمارات.
وبحلول الكساد العظيم (THE GREAT DEPRESSION ) بين 1929-1933 أصبحت إجراءات الإفلاس التجاري وإدارة السيولة وتجنب المشكلات المالية من أهم الموضوعات التي حازت على الاهتمام، ولقد صاحب هذه الفترة ازدياد التدخل الحكومي في النشاط الاقتصادي. وصدرت التشريعات التي تقضي بضرورة نشر البيانات المالية، ولقد فتحت تلك التشريعات مجالات جديدة للاهتمام، تمثلت في التحليل المالي وتقييم كفاءة الأداء، غير أن هذه المجالات لم تتبلور إلى قبيل نهاية الخمسينات، وهكذا أدى الكساد العظيم إلى تراجع التوسع والنمو من مقدمة إلى ذيل قائمة الاهتمامات، بينما أصبح استمرار المنشأة في السوق هو المشكلة التي تتصدر هذه القائمة.
وفي الأربعينات والخمسينات تركز الاهتمام على معالجة آثار الكساد العظيم، حيث أصبحت موضوعات الإفلاس والاندماج، وإعادة تنظيم المنشآت، وتوفير الأموال اللازمة للتوسع، موضوعات ذات أهمية خاصة، وقبيل نهاية الخمسينات حدث تطور جوهري تمثل في البعد عن المسائل الوصفية التي صاحبت الإدارة المالية منذ نشأتها، وبدأ التركيز على المسائل الكمية كالتحليل المالي، والتخطيط لاستخدام الموارد المالية بما فيها عملية التخطيط للاستثمارات الرأسمالية (CAPITAL BUDGETING )، ومن الجدير بالذكر أن هذا التطور حمل في طياته أمرا ذا مغزى، وهو التحول عن معالجة الإدارة المالية من وجهة النظر الخارجية إلى معالجتها من وجهة نظر إدارة المشروع.
وشهدت الستينات اهتماما كبيرا بدراسة تكلفة رأس المال نتيجة للأعمال الرائدة لقطبي الإدارة المالية فرانكو مدكلياني و مارتن ميلر. كما شهدت تلك الحقبة أيضا اهتماما بالاستثمار، وذلك بفضل نظرية المحفظة التي وضع أساسها هاري ماركونز في بداية الخمسينات، والتي قام على صرحها في منتصف الستينات نموذج تسعير الأصول الرأسمالية ( CAPM 🙁 Capital Asset Pricing Model الذي ساهم فيه كل من شارب، لثنر، فاما ومورنس.
وفي السبعينات استمر الاهتمام بالاستثمار، وتعرض نموذج تسعير الأصول الرأسمالية لتحديات نتيجة لظهور نموذج منافس هو نموذج تسعير المراجعة (ARBITRAGE PRICING MODEL)، كما ظهر في السبعينات أيضا نموذج لتقييم الأصول المالية ولاقى قبولا من الأكاديميين والممارسين على السواء، وهو نموذج تسعير الاختيار( OPTION PRICING MODEL )، والذي كان له الفضل فيه فيشر بلاك، ومايرون شولز.
وفي الثمانينات ازداد الاهتمام بالتضخم وتأثيره على أسعار الفائدة وعلى قرارات الاستثمار بالتبعية، كما حظي بالاهتمام أيضا تأثير كل من الضرائب الشخصية على الدخل وتكلفة الوكالة والإفلاس على هيكل رأس المال. يضاف إلى ذلك الاهتمام بظاهرة تحول شركات المساهمة إلى شركات يملكها عدد محدود من الأفراد، من خلال قيام إدارة المنشأة باستهلاك الأسهم وإحلالها بسندات ( TAKEOVER OR LEVERAGED BUYOUT )، أو من خلال إجراء توزيعات نقدية على المساهمين في مقابل حصول أعضاء مجلس الإدارة ( من المساهمين ) على نصيبهم من التوزيعات على شكل أسهم ( LEVERAGED CASHOUT ) .
وفي مرحلة ما بعد الثمانينات، وبعد نجاح الجهود في بناء نماذج رياضية كمية، والتي ساعدت في إعطاء حلول صحيحة ودقيقة لكثير من المشاكل المالية المعقدة في ضوء نظرية اتخاذ القرارات، فقد وصلت إلى نظرية كاملة وشاملة رغم حدة التغيرات التي حدثت مثل:
– زيادة حدة التضخم وانعكاسات آثاره بشكل واسع على قرارات عموم الأعمال، ومنها قرارات الإدارة المالية.
– الزيادة الضخمة في استعمال الحاسبات الالكترونية في التحليل المالي والنقل الالكتروني للمعلومات.
– اتجاه الكثير من الدول إلى خصخصة مشروعاتها الاقتصادية، بحيث أصبحت الخصخصة منهج اقتصادي وإطار إصلاحي جديد.
– بروز عالمية المنشآت وعالمية الأسواق وفقا ما يعرف بالعولمة والتي تنظر إلى العالم من الناحية الاقتصادية ككوكب واحد.
– تقليل حدة التشريعات والقواعد المنظمة للمؤسسات المالية والتوجه نحو المؤسسات المالية الكبيرة ذات الخدمات والأنشطة المتنوعة .
يبدو من هذا العرض المختصر أن التطور الفكري في مجال الإدارة المالية قد سار بخطى واسعة تتماشى مع سرعة وطبيعة الأحداث المحيطة بمنشآت الأعمال، ووفقا لهذه الأحداث والتغيرات الجذرية فقد نشطت الإدارة المالية كتخصص لتستوعب في نشاطها كل هذه التغيرات.
المطلب الثالث: أهمية الإدارة المالية وأهدافها.
1- : أهمية الإدارة المالية.
تأتي أهمية الإدارة المالية أو الوظيفة المالية من كون أن القرارات المالية عظيمة التأثير على حياة المنظمة، وليس هذا فحسب، ولكن جميع القرارات الإستراتيجية بالمنظمة سواء كانت مالية أو غير مالية، يترتب عليها العديد من التكاليف أو الإيرادات المؤثرة على نتائج المنظمة.
ولذلك وجب على المدير المالي أن يحسن تقدير الأمور وعرض القضايا على مجلس الإدارة، مع إعداد تقارير وافية، تعطي رؤية واضحة مؤيدة بالدراسات والتقارير بمختلف الأمور ذات التأثير المالي، ويساعد المدير المالي على كل ما سبق إلمامه بالجوانب المحاسبية.
ويتطلب هذا الأمر العديد من العلاقات والمعارف بميادين المعرفة الأخرى بالمنظمة، كالجوانب الاقتصادية والمحاسبية والإحصائية والكمية، التي تساعد المدير المالي في فهم العلاقات والربط بين المتغيرات واستخراج المؤشرات والنتائج.
2- أهداف الإدارة المالية.
يمكن القول أن ما ترمي إليه الإدارة المالية من خلال قراراتها المالية هو تحقيق هدفين رئيسيين هما:
– هدف تعظيم الأرباح أو تحقيق أقصى العوائد الممكنة للمؤسسة.
– هدف تعظيم ثروة الملاك أو تعظيم القيمة السوقية للسهم الواحد.
إلى جانب تحقيق هدف آخر لا تقل أهميته عن الهدفين المذكورين سابقا وهو:
– هدف السيولة أو تجميع أكبر رصيد نقدي للمؤسسة.
2.1- هدف تعظيم الأرباح ( تحقيق أقصى العوائد الممكنة للمؤسسة):
يعتبر محور تحقيق الأهداف محور قرارات الإدارة المالية في المؤسسات الخاصة، وفي اقتصاديات السوق عموما، حيث تنشأ أهمية هذا الهدف من كون تحقيق الربح والرغبة في تعظيمه يمثل التبرير الاقتصادي لاستمرارية المؤسسة في الحياة الاقتصادية، كما أنه يمثل المؤشر المهم لتقييم الأداء الاقتصادي، بالإضافة إلى اعتباره مصدرا من مصادر التمويل الداخلة، أو ما يسمى التمويل الذاتي (SELF FINANCING )، كما يمثل هدف تعظيم الأرباح الهدف الأول للمؤسسات الاقتصادية، فهو من الأهداف الإستراتيجية لهذه المؤسسات، ولهذا فقد ارتبط هذا الهدف مع الملاك ارتباطا وثيقا مما يساعد في اعتباره محورا لجملة قراراتها سواء المتعلقة بالاستثمار أو قرارات التمويل، إذ تكون الغاية دائما في تكييف القرارات بما يتلاءم والرغبة في تعظيم الأرباح داخل المؤسسة، فقدرة الإدارة المالية في تعظيم الربح سوف تتعزز أكثر عندما يكون الربح واضح التحديد من ناحية المعنى والقياس، وأن جميع العوامل المساهمة فيه معروفة ويجب أخذها بالحسبان.
فالسياسات الاقتصادية الحديثة قد عززت مسعى هذه الشركات نحو ضرورة تحقيق الأرباح، ومحاسبتها عند عدم تحقيق ما هو مخطط له، وانطلاقا من أن الربح لا يؤول إلى الأفراد، وإنما يحول إلى الدولة كمصدر مهم من مصادر تمويل الخزينة العامة، لاستخدامه في مشروعات استثمارية جديدة، أو لأجل تعويض خسائر مشروعات مخطط لها، ولهذا يعتبر الربح تعويضا عن المخاطر التي يتعرض لها الاستثمار الحكومي الموجه داخل الاقتصاد بشكله العام.
2.2- هدف تعظيم ثروة الملاك أو تعظيم القيمة السوقية للسهم الواحد:
يعتبر هدف تعلية القيمة السوقية للسهم كأحد الأهداف الرئيسية التي يجب على الإدارة المالية تحقيقها، والذي برز في السنوات الأخيرة، والهدف منه إيجاد قيمة أعلى للمؤسسة، وتكوين هاته القيمة الإجمالية، كما يمكن الاستفادة منها لأغراض متعددة منها: حالة البيع والشراء، التصفية، الانفصال أو التأمين …الخ.
ومن الأمور التي تستلزم معرفة قيمة المؤسسة أمران أساسيان:
– مقدار العوائد ( EXPECTED RETURNS ) المتوقع الحصول عليها في المستقبل، وتتحدد هذه العوائد بالعائد السنوي الممكن تحقيقه.
– درجة المخاطرة: وتقاس من خلال الفائدة السائدة في السوق المالية، أو معدل عائد الاستثمار المرغوب أو المنسوب أي نسبة الرسملة.
وعليه فإن قيمة المؤسسة تتحدد من خلال العاملين السابقين والتي يمكن إيجادها عن طريق العلاقة التالية:
وعليه فكلما سعت الإدارة المالية إلى تعلية الفوائد السنوية المتوقعة، صاحب ذلك الارتفاع نسبة الرسملة التي تعبر عنها درجة المخاطرة، ومن ثم يؤدي إلى انخفاض قيمة المؤسسة التي تسعى الإدارة المالية إلى تعليتها.
2.3- تجميع أكبر رصيد نقدي للمؤسسة أو هدف السيولة:
يعتبر هذا الهدف من الأهداف التقليدية التي رفضت من غالبية علماء الإدارة المالية، وذلك لأن هدف تجميع أكبر رصيد نقدي للمؤسسة يمكن تحقيقه على حساب أهداف أخرى تسعى المؤسسة لتحقيقها، فالسؤال الذي يمكن طرحه هو: كيف يتم تجميع أكبر رصيد نقدي طالما تسعى الشركة أو المؤسسة للاستمرار في حياتها وتوزيع أرباح المساهمين فيها؟
يتحقق هذا الهدف بواحدة من الطريقتين هما:
أ- أن تتخلى المؤسسة عن بعض أصولها أو موجوداتها من خلال التصرف بها بالبيع حتى تتمكن من الحصول على الأموال.
ب- أن تحجز كامل الأرباح لديها دون توزيعها على المساهمين، وفي هذه الحالة يؤدي ذلك إلى الإضرار بمصالح المساهمين.
وفي كلتا الحالتين فان ذلك يؤدي إلى تجميع أموال لدى المؤسسة، ومن ثم إعادة استثمارها، لكنه يتعين على الوظيفة المالية كأداة من أدوات الإدارة العليا للمؤسسة أن تخلق حالة من التوازن بين التدفقات النقدية الداخلة إليها، والتدفقات النقدية الخارجة منها، وفي هذه الحالة يتعين عليها أن تجعل من الصندوق حالة موجبة أو تنشئ حالة توازن فيه.
ويقصد بحالة التوازن: جعل الصندوق موجبا في لحظة معينة من خلال تعامله مع الأطراف الأخرى، ولذلك فان خلق هذه الحالة عادة ما تنبع من العلاقة بين الدورات المالية الثلاث في المؤسسة وهي:
– دورة الاستثمار.
– دورة التشغيل.
– الدورة المالية.