هل تعاني أكثر ممن هم حولك . تيموثي.ش.أرثر ترجمة: أمل الرفاعي ، فيه عزاء لكل مصاب يتطرق إلى فلسفة النظر إلى الأحزان و المعاناة و المرارة ، عالم الحزن من حولك
هل تعاني أكثر ممن هم حولك
تيموثي.ش.أرثر . ترجمة : أمل عمر بسيم الرفاعي
“من لديه من الأحزان قدر ما لديّ؟…”
هذه هي لغة النفوس المُحطّمة…
هذا هو الانفجار العاطفي للنفوس عندما تعصف بها الأحزان وتنشر ظلمتها على إشراقة الأمل فيها…
سوف تصرخ روح المعاناة لديه بالصديق الطيّب الذي يحاول جاهدًا أن يغمره ببلسم المواساة والسلوى:
“رجاءً!… لا تحاول أن تُعزيني,
فلستُ أعتقد بأنك سبق وعانيتَ مثلي من مثل هذا الألم اللاذع ومن مثل هذه المرارة”
وسوف تكون الإجابة:
“لكنني أؤكد لك بأنني كنتُ قد مررتُ أيضًا بما هو أسوأ من ذلك.
أهذا صحيح؟…
هل سبق ومررتَ بما هو أسوأ! لا أبدًا… أبدًا… وعلى الإطلاق…!
فليس بإمكان أحد أن يُعاني أكثر مما أعانيه الآن أو أن يعيش ما أعيشه الآن…”
وعبثًا ما قد يحاول ذلك الصديق أن يُعزّيه, بما يورده من حُجج ومُبررات،
ذلك لأن الحزن والأسى لابدّ أن يكون مُمتزجًا دومًا بالأنانية؛
لذا فهو يمتص جميع المشاعر الأخرى ويجعل المرء يُكرّس نفسه للدموع وللنواح فقط؛
ما يجعل الشخص الذي يتحدث إليه يقتنع أيضًا بأنه بالفعل شخص وحيد تمامًا في العالم, وبأنه منبوذ من كل الجنس البشري.
لاشكّ بأن كلًّا منا على دِراية بما يعتلج قلبه من يأس ومرارة, وبأن هناك شيئًا من الألم المكبوت في كل قلب.
البعض منا أشبه بنبتة ذاوية على وشك السقوط من الساق التي تحملها, بينما يُزهر البعض الآخر ويتفتح رغم ما قد يُصيبه جذوره من تلف.
ما الذي يمنحك الحق بأن تقول بأن جارك أقلّ معاناة منك؟…
أهذا لأنك تشعر بالقنوط وبفتور الهمّة, أهذا لأن هذا ما يبدو عليه من شكله الخارجي ومن قامته المنتصبة؟…
وما هو الإثبات الذي لديك؟…
ألأنك تُعاني عليك أن تقول بأن لدى جارك من النعم أكثر مما لديك, وبأنه أكثر سعادة واطمئنانًا منك…!
لِمَ سيتولّد لديك شعور مُبهم, وأنت تسير في الشوارع الجميلة وتنظر إلى المباني الفخمة البهيجة, بأن السعادة الدائمة, وبأن الراحة والاطمئنان لابدّ أن يرتبطا بمثل هذا البهاء وبمثل هذه الفخامة؟…
كم أنت مخطئ بذلك! وكم أرثي لحالك…!
المرض المميت
فلتعلم إذن بأن المرض المميت يَكمُن خلف تلك الستائر الذهبية والقرمزية,
وبأن الحزن يُغلّف هنا كل شيء,
وبأن الأسى يَكمُن خلف مصاريع هذه النوافذ,
وبأن الحب يكافح دون جدوى للظهور من صدور تملأها المرارة…
يوجد هنا سلوك محزن لطفل مُتمرد…
هنا الإهمال البغيض من زوج سيء أو ربما من زوج غير مُحب…
توجد هنا أخطاء متكررة ومقصودة من زوجة غير مخلصة…
هنا يَكمُن الخوف من الإفلاس ومن تلوّث السمعة ومن العار… هنا يَكمُن الحقد المرير الذي يضغط على الأعصاب…
هنا ينشب الصمت والمرض المخفي مخالبه في القلوب…
هنا يَكمُن الندم في صدر شخص أساء إلى أرملة وإلى المحرومين من الأبوة…
هنا المُعاناة من أن يكون المرء عِرضة لتشويه السمعة وللافتراء…
هنا الحماقة والانتقام الخانق…
وهنا لدى كل من العروس ومن الصديقة الحسناء ما تحمله في قلبها من حزن و من مرارة…
فهل لديك من الأحزان أكثر مما لدى جارك؟
أنت تعتقد ذلك لأنك فقدت طفلك الوحيد الذي لا زال في عمر الزهور,
لكن جارك فَقد سبعة من أولاده, وهو بذلك قد جُرح سبع مرات.
لا زالت جراحه تنزف ولم يعُدْ لديه أي أمل يمنحه المقدرة على الصبر,
بينما أنت كشخص مؤمن تستمد قوتك من إيمانك برحمة الله ـ تعالى ـ.
هل لديك من المشكلات أكثر من جارك…؟
هل خسرت كل شيء…؟
لا… لا تقل هذا… فلتعلمْ بأن جارك كان قد خسر الكثير من المنازل ومن الأراضي كما أنه خسر أيضًا صحته,
ففي الوقت الذي أنت تتمتع فيه أنت بالصحة يرقد جارك على فراش المرض والمعاناة,
وعليه أن ينتظر أن يقوم أحد الخدم المخلصين بتحضير وجبته الضئيلة وأن ينتظر أن تقوم يدّ شخص موثوق بإطعامه…
هل تعاني أكثر من جارك…؟
قد لا يكون لديك من المال سوى بالقدر الذي يُغطي احتياجاتك الضرورية في الحياة.
ربما كانت ملابس أولادك رثّة.
ربما كان منزلك متواضعًا, وربما لم تكن تعلم فيما إذا كنت ستحافظ على عملك في الأسبوع المقبل,
بينما لا يعلم جارك شيئًا عن الحاجة التي أنت فيها فلديه المنزل والزوجة والأولاد والمال الوفير
وهو يعيش بترف بحيث يمكن أن تُعتبر حظيرته أشبه بالقصر بالمقارنة بمطبخك,
وربما لو أنك دخلتَ إلى ردهة منزله فسوف تدعوك المقاعد الفخمة المريحة للجلوس عليها,
وهذا ما يجعلك تُطلق من أعماق قلبك تنهيدة حسد,
ولكن ماذا لو سمعتَ فجأة جرس الباب يُقرع بشدّة ثم يندفع منه ابن ذلك الرجل,
شاب تبدو في نظرة عينيه الحمراويين شر وعنف,
شخص سيء مُسرف مُقامر يشرب الخمر, شخص دمّره الفسوق…
فهل ترغب بأن تكون والدًا لمثل هذا الابن…؟
عليك أن تعود إلى أولادك الشرفاء, عليك عندما تنظر إلى وجوههم المُشرقة الطاهرة أن تشكر الله ـ تعالى ـ.
وعليك أن تشكر الله أيضًا؛ لأنك لستَ تحمل ثِقل المال الذي قد يُفسد أولادك؛
لذا لا تقل من جديد بأنك تُعاني أكثر من جارك.
وأنت أيتها الفتاة الشابة هل تبذلين من الجهد ما يفوق طاقتك؟
هل تعملين من الصباح وحتى منتصف الليل لقاء القليل من المال الذي قد يُمنح لك على مَضض
رغم أن ما تحصلين عليه لا يكاد يكفيك حتى لتأمين احتياجاتك اليومية من طعام وكِساء,
وأنت بذات الوقت تشاهدين أمامك زوجة ربّ العمل التي تُمضي ساعات طِوال أمام طاولة زينة من الرخام,
أو أنها قد تُمضي اليوم بكامله بالتسكّع أمام نافذة منزلها…؟
هل تشعرين بالغيرة وتحسدين جارتك الأكثر ثراء منك
عندما تشاهدين ما في مَخدعها من ملابس حريرية باهظة الثمن ومن تماثيل ومن لوحات تملأ الجدران…؟
الأكثر سعادة
كل ما عليك هو أن تسأليها عمن تُعتبرها الأكثر سعادة بينكما,
وسوف تجدين بأنها سوف تشير إليك بإصبعها الذي تزينه المجوهرات دون أن تتكلم؛
لأنها لو تكلمتْ بصدق لقالت بأنها على استعداد للتخلي عن كل ما لديها من ثروة لقاء ما تنعمين به أنت من راحة نفسية,
وبأن دار الأوبرا التي تَصدح فيها الأصوات الجميلة الرائعة ليلة بعد ليلة ليست بالنسبة إليها بالترف؛
لأن متعة الإصغاء إلى ذات الألحان لابدّ أن تبهت مع التكرار؛
لذا حافظي على استقامتك ولا حاجة لأن تشعري بالغيرة منها أو من زوجة رئيسك في العمل.
وأنت أيتها الأم التي أرهقها التعب والعمل المتواصل والتضحيات,
هل تنظرين إلى جارتك التي تمتلك أكثر منك من الإمكانيات وتتمنين لو كان نصيبك في الحياة مثلها؟
هل يخطر ببالك في كثير من الأحيان بأنك تتحملين أكثر من طاقتك؟
فلتعلمي إذن بما قالته لي مؤخرًا إحدى الأمهات:
”قولي للأمهات اللواتي ينعمن بوجود أولادهن حولهن, بأنهم يعشن أسعد أيام حياتهن,
وسوف يأتي الوقت الذي سوف يُدركن فيه ذلك…
قولي لهن بأن عليهن أن يشكرن الله كل صباح على ما يبذلن من جهد متواصل في عملهن وأن يعتبرن ذلك من أسباب السعادة,
فلم يعُدْ بإمكاني بعد فقدت أولادي سوى أن أجثو لكي أحاول أن أشاهد ولو بمخيلتي فقط القبور البعيدة التي يرقد فيها أطفالي الذين فقدتهم…
لو كان بإمكاني أن أكون معهم من جديد فلن أتوانى عن بذل كل ما لدي من طاقة لأجلهم…
أنا على استعداد للعمل الآن كما لو كنت عبدة في خدمتهم دون أن أشعر بأنني أتحمّل الكثير من الأعباء،
وسوف يكفيني أن ألقى مكافأتي على ذلك بابتسامتهم وبمحبتهم.”
لذا عليك أيها القارئ, وفي أي وضع كنتَ عليه, أن تتذكر بأن هناك دومًا, وفي أي مسكن إلى جانب مسكنك, قَدرًا من المعاناة,
لو قُورنتْ بمعاناتك, فلن تكون سوى أشبه بهمسة بالمقارنة بهدير الرعد…
هناك من يعانون أكثر منا
دعونا نُعزّي أنفسنا دومًا بعبارة:(هناك دومًا في هذا العالم من يعانون أكثر منا)،
وبأن نشعر أيضًا من خلال كأس الحزن التي قد تكون قد وصلتْ بنا إلى حدّ الامتلاء, بأنه قد يمكن أن تُضاف إليها قطرة إضافية من المرارة,
وبأن علينا ألا نتفوّه أبدًا بعبارة:
“لا يوجد في هذا العالم من لديه قدر ما لديّ من المعاناة والأحزان…
مقالات مختارة
تيموثي.ش.أرثر
ترجمة : أمل عمر بسيم الرفاعي
التدقيق اللغوي: خيرية الألمعي
راجعها للنشر في حديقة المقالات : حسن بن علوان الزهراني
Be the first to comment on "هل تعاني أكثر ممن هم حولك"