توقير الكبير ، كل فرد في المجتمع سيكون مسئولاً تجاه كبار السن عن تصرفاته إذا تنافت مع يفرضه الواجب من تصرفات .. د. طارق الغنام
توقير الكبير
د. طارق الغنام
أذكر أنني عندما سافرت إلى المملكة العربية السعودية ؛ ذهبت إلى إحدى الجهات الحكومية لإنهاء معاملة لي
واضطررت وقتها للوقوف في صف طويل من البشر
و بعد معاناة و طول انتظار و حينما حان دوري تهللت أساريري باقترابي من الموظف المسئول ،
وأخذت استعدادي للتحدث إليه ،
وفجأة إذا برجل كهل ذو لحية بيضاء كثيفة ، ينحيني جانبا ؛
و يقول لي عندما بدت علامات الدهشة على وجهي ، ” شيبة ” أي أنه رجل كبير،
فأفسحت له المكان بتسامح مني و تقدير ،
وما أن تحدث إليه الموظف حتى تلقف الموظف ما بيده من أوراق وبدأ في جدية بإنهاء معاملة هذا الرجل دون أن يلتفت إلى أو يعقب بكلمة واحدة ،
ونظرت خلفي ؛ فإذا بمن ينتظرون خلفي لا يبدو عليهم علامات الدهشة من اقتحام هذا الرجل للطابور دون استئذان
بل كان البعض منهم يبدو عليه علامات الاستحسان من تصرفي ،
عندها أدركت مدى تكريس المجتمع السعودي لمسألة توقير الكبير ..
ومع اعتيادي على التعامل مع السعوديين بصورة يومية أعتدت رؤية هذه الصورة المشرفة ،
إذا بدا الجميع في تألف و تناغم أنهم يولون مسألة توقير الكبير عناية خاصة ،
فكل فرد في المجتمع يعرف ما عليه للقيام به إذا ما جمعته الصدفة بأحد كبار السن الذين بدا أنهم يمارسون جملة من الحقوق دون حاجة إلى مراجعة الغير ..
حينها تذكرت في مصر اعتياد الشباب في وسائل المواصلات تخليهم عن مقاعدهم لكبار السن ،
وتقديمهم لكبار السن في الأماكن التي بها انتظار ..
و تسألت .. هل إفساح المجال لكبار السن نابع من تعاطفنا معهم أم أن المسألة تتعدى التعاطف إلى نطاق الحق و المسئولية ؟ ..
فإذا كانت الإجابة قائمة على التعاطف فإن توقير الكبير سوف تختلف من شخص إلى آخر ،
فقد يتعاطف معهم شخص في موقف ما و في ذات الموقف قد لا يهتم لشأنهم شخص آخر ،
حقوق كبار السن
أما إذا كانت المسألة تتعلق بحقوق كبار السن ،
فإن كل فرد في المجتمع سيكون مسئولاً تجاه كبار السن عن تصرفاته إذا تنافت مع يفرضه الواجب من تصرفات ..
لذا رأيت مراجعة المواثيق الدولية في هذه المسألة ،
فوجدت أن القرار 46/91الصادر من الجمعية العامة للأمم المتحدة في ديسمبر 1991 يؤكد على حق كبار السن في أن ينالوا معاملة خالية من أي استغلال و منصفة، بصرف النظر عن عمرهم … ،
وأن يكونوا موضع تقدير ، في حين أن المؤتمر الدولي الذي انعقد في مكسيكو ستي عام 1984 أوصى بضرورة قيام الدول بالاهتمام بالمسنين
لا باعتبارهم فئة تبعية تلقي بثقلها على المجتمع، بل باعتبارهم مجموعات قدمت معونات كبرى إلى الحياة الاقتصادية والتربوية والاجتماعية والثقافية وما زالت تستطيع أن تقدم ذلك..
أما في مصر فقد تبين أن البرلمان يعكف على دراسة مشروع قانون بشأن “رعاية وحقوق المسنين” ..
وأملنا أن يتضمن حقوقاً تكرس مسألة تقديرهم وتوقيرهم وألا يقتصر على التركيز على توفير الاحتياجات الأساسية لهم ..
فتوقير الكبير مسألة أخلاقية رفيعة حث الإسلام على التخلق بها ، فقد جاء في الحديث: (ليس منا مَنْ لَمْ يَرْحَمْ صغيرنا ويوَقِّرْ كبيرنا ) ..
و توقير الكبير لا يتوقف – كما يظن البعض -على أن نؤثرهم على أنفسنا في أماكن الانتظار ، أو إخلاء المقاعد لهم في المواصلات ،
بل يتعدى ذلك إلى الاستحياء منهم ، و تقديمهم في الأمور كلها ، وعدم التقليل من شأنهم أو الاستخفاف بهم،
و عدم التجاوز في وجودهم ، أو إحراجهم ،
و إطلاق مدونة للسلوك في القطاعات الخدمية الغرض منها تكريس احترام كبار السن و تقديرهم وتوقيرهم .
د. طارق الغنام