Site icon حديقة المقالات

الواجب لعبدالسلام الشربيني

الواجب

الواجب مقال للكاتب الأستاذ عبدالسلام الشربيني تناول فيه موضوع الواجب والإرادة يستحث فيه همم العاملين إلى إتقان عملهم والتمسك بالفضيلة عنواناً لتنهض الأمة بين مصاف الأمم المتقدمة منبهاً إلى أهمية التجرد والبعد عن الأنانية وحب النفس إلى حب العمل من أجل المصلحة العامة

الواجب عبدالسلام الشربيني

الواجب (1) عبدالسلام الشربيني

لا يعرف الواجب من لا إرادة له، ولا يعرف الإرادة من لا ضمير له، ولا يعرف الضمير من لا عقل له، ولا فائدة في عقل لم تعمل فيه يد المعرفة.

وليست الإرادة أن يستبد الإنسان بسلطته إن كان من ذوي السلطات، أو يتمسك بكل شيء من غير أن يقدر أو يفهم هذا الشيء،

فإن هذا يسمى جهلاً لا إرادة؛ لأنه إذا قيل: فلان له إرادة قوية كأنه قيل: فلان هذا له عقل مهذب، وضمير سليم؛ لأنه عرف كيف يستفيد منهما.

والضمير لا يكون إلا بوجود العقل المهذب، فإنَّ تركَ العقلِ بدون تربية وتهذيب يموت الضمير بموته،

وينقطع الصوت الذي يؤنبنا على فعل السيئ، والذي يمدحنا ويشجعنا على فعل الحسن،

أو بمعنى أصح تتنحى المحكمة المنظمة_التي تُنْشَأ لأنفسنا من أنفسنا _ عن إرشادنا.

والويل كل الويل لمن لا محكمة له من نفسه، فإن لم تكن هذا المحكمة الصالحة، أو إن لم يسع إلى وجودها فكأنه أقام الناس عليه حكاماً ينفذون عليه كل أحكامهم.

ومن هنا يموت ضميره، ويصدأ عقله، وتكون حياته بين الإنسانية والحيوانية.

إن الواجب هو الذي يلهمنا الثبات أمام ما هو مفروض علينا،

وهو الذي يجعلنا نزداد ثباتاً أمام هذا الشيء الواجب علينا عمله، لا متطلعين إلى مطامع، ولا هائبين أيَّ إنسان ما دمنا في طريق الحق.

والإخلاص للواجب من شيم الأحرار، وهم أحرار؛ لأنهم يفعلون ما وجب فعله بإيحاء من ضمائرهم وعقولهم، وليسوا بعبيد يفعلون ما يؤمرون.

فإن كنا لا ننتظر من عمل الواجب شيئاً إلا أن نصل بفعله إلى ما نبتغي من آمال ومطامع فكأننا نخدع أنفسنا بأنفسنا؛

لأن من يقوم بعمل الواجب مخلصاً في عمله لا ينتظر شيئاً بعد ذلك اللهم إلا تشجيع ضميره، وهذا هو الذي يسمى بالرجل الفاضل.

الفضيلة ليست قولاً خلاباً

وليست الفضيلة قولاً خلاَّباً مزركشاً، ولكنها عمل وثبات وتضحية، تصحبها المعرفة والنزاهة والشرف.

كثيراً ما أجد الناس يرمون الحياة بالفساد والخبث، والحقيقة أنهم جدُّ خاطئين.

ما فسدت الحياة إلا بفساد الإنسان، وما فسد الإنسان إلا لعدم قيامه بالواجب؛

فلو هذَّب عقله لعمل هذا العقل على تربية ضميره، ولو رقى ضميره لأجبره هذا الضمير على عمل الواجب،

ولو عمل كل إنسان ما عليه من واجبات لاتزنت الحياة، ولما رأينا فيها هذا الفساد ولا هذا الخبث،

ولا شيئاً من هذه العادات التي يمقتها الناس، مع العلم بأن الناس هم الذين أوجدوا هذه العادات.

ومن الناس من لا يعرف من الواجب إلا ما يقوم به نحو نفسه؛

فهو يقوم بكل ما تتطلبه شهواته، وما سيطرت عليه شهواته إلا لموت ضميره،

وأيضاً من يقوم بكل ما تطلبه نفسه من لذات هذه الحياة قد تسوقه هذه النفس إلى الخطايا،

وهذا الحب للنفس هو الذي يجعله يرتكب أكبر الآثام، ويعميه عن معرفة الصالح والطالح، ويجعله عاجزاً عن تقدير الأمور؛ ولذا تجد آخرته منقلبة؛

فبعد أن كان محبَّاً لنفسه يصير عدوَّاً لها، وقد لا يشعر بهذه العداوة.

وهل هذا إلا من ضعف الإرادة، وموت الضمير، وفساد العقل؟

إن خير ما يقوم به الإنسان نحو نفسه هو أن يروِّضها على العمل، ويدربها على الشجاعة،

وأن لا يجعلها ألعوبة تتقاذف بها الأهواء، وأن يضعها في المكان اللائق بها.

وقد يجد ذوو النفوس الضعيفة صعوبة في تدريب أنفسهم على هذه الفضائل؛

ولكن ليعلموا أنه لا سعادة لهم بغيرها، فإن كان ظاهرها العذاب فباطنها الرحمة.

وما السعادة إلا أن يعمل الإنسان ما عليه من واجبات، وأن يقوم بهذه الواجبات خير قيام.

الهامش

(1) مجلة الهداية الإسلامية، الجزء الثامن، المجلد التاسع ص505، صفر 1356هـ _ إبريل1937م.

 

#اسماء_مقالات_مميزة

# مقالات_في_الهمة

#عبدالسلام_الشربيني

اسماء مقالات مميزة : المقالات المختارة لأبرز كتّاب المقالة العربية المجموعة الثانية

Exit mobile version