رحلة موت و حياة
SAMIR HAMANI
رحلة موت وحياة
الجزء الأول
الفصل الأول
في بلدة –بريست-التي تقع في أقصى غرب فرنسا ,والتي تطل على بحر المانش يعيش الشاب –آرثر الذي يبلغ من العمر عشرين
بشعره الطويل فاحم اللون وعينيه السوداوين كان مظهره يدل على الهيبة والغموض.
كان والده مستشارا لدوق – –موريس -قبل أن يتهم بالتجسس والخيانة لصالح اليهود ليزج به في السجن الذي لفظ فيه أخر أنفاسه يعمل آرثر الآن صيادا رفقة مجموعة من البحارة المحترفين لدى القبطان –اندريه-أو الشيخ المخمور كما ينادونه أصدقاؤه فقارورة النبيذ الأحمر لا تكاد تفارقه.
كان قد فر هو وزوجته من المكسيك بعد أن قامت عصابة الروجر بتصفية عائلته بالكامل فستقر في فرنسا له سفينة قديمة الصنع تعد تحفة فنية
كان قد ورثها عن والده’مما جعل العصابة تحاول انتزاعها منه عنوة لكن بحنكته وبمساعدة بعض اليهود الفرنسيين المقيمين بالمكسيك
تمكن من إخفائها عنهم ليخذها معه لاحقا إلى باريس.
الفصل الثاني
في صباح العاشر من تشرين سنة 1433 نادى القبطان –اندريه – الصيادين بان يستعدوا للانطلاق في رحلة صيد جديدة فتعالت أصوات وهتافات البحارة فرحا بالخبر ’ إذ أنهم لم يصطادوا منذ ثلاثة أشهر تقريبا .
وبدا القبطان بتفقد الصيادين لكنه تفاجأ واستغرب لغياب آرثر فسال عنه احد الصيادين فأجابه :
سيدي القبطان لقد أعلمنا بان والدته مريضة وانه ذاهب ليتفقد أمرها وقد اخذ الإذن من المساعد –لوبان-
كان آرثر يجلس بقرب والدته السيدة –اراني – وعيناه تدمعان وملامح وجهه تدل على الحزن والألم وهو يرى امه على هذه الحال ,
فنظرت اليه نظرة الام الحنون وقالت بصوت خافت : بني لاتبكي لاتحزن علي وامضي قدما ولا تلتفت خلفك , ولا تجعلني اكبر همك ونقطة ضعفك فأعيق دربك.
فعانقها بشدة وهو يقبل رأسها .
عناق الابن لامه جعل الآنسة ديانا خادمة السيدة والتي تكفلت برعايتها تنزف دموع الحزن…ا
وماهي إلا لحضات حتى وصل رسول القبطان –اندريه- واخبر آرثر بان اندريه يطلب حضوره بسرعة , فنهض آرثر بسرعة
وهو يمسح دموعه ثم طلب من ديانا أن تحرص كل الحرص على رعاية والدته واخبرها بأنه سيرسل المال قريبا وانطلق مغادرا .
كان الصيادون يشدون الحبال ويرفعون الأشرعة استعدادا للمغادرة وكان القبطان اندريه يقف على ظهر السفينة ينظر بحدة ويترقب وصول آرثر
فقد كان يبني عليه أمالا كبيرة لشجاعته ومروءته رغم انه لايزال شابا.
وفجأة يلمح شخصان يركضان من بعيد باتجاه السفينة وواحد منهما يضع قبعة سوداء ويلوح بيده .فعلم بان ذالك الشخص هو آرثر
وبعد أن ركبا على ظهر السفينة صفع اندريه آرثر وقال له معاتبا :
أتريد أن نغادر من دونك أيها الغبي ؟
ثم احتضنه بكل عطف وحب ورفعت المرساة وانطلقوا في رحلة جديدة لهم لكسب قوتهم .
الفصل الثالث
مر على رحلتهم هذه أربعة أشهر ولم يصطادوا شيئا . كاد البحارة يفقدون صوابهم
فالحظ لم يحالفهم هذه المرة فقرر القبطان العودة للوطن بعد أن نفذت مؤو نتهم
وبدأت أصوات البحارة ترتفع , هذا يقول : ماذا سأفعل ؟ ماذا سأقول لأولادي الذين ينتظرونني ؟
ويقول ذاك من اين سأطعم أطفالي الجائعين ؟
ويقول أخر : كانت هذه فرصتي لبناء منزل يقي زوجتي برد الشتاء ,والآن ماذا سأفعل ؟
وكل واحد منهم يطرح تساؤلاته ,
وأصيبوا بخيبة كبيرة ولم يجد القبطان حيلة لذلك .
أما آرثر فقد كان يقف لوحده يملؤه الأسى ينظر للبحر ويقول متمتما كيف سأرسل أمي للعلاج ؟
من أين سأتدبر تكاليف العلاج ؟
وغيرت السفينة مسارها عائدة إلى فرنسا وبعد ثلاثة أيام بدا البحارة يشعرون بالجوع والعطش
واشتكوا للقبطان حرارة الشمس فطلب من آرثر أن يدير السفينة نحو احدى الجزر القريبة لكي يرتاحوا بها بضعة أيام
وبينما كان الصيادون يرخون حبالهم ويلقون المرساة انتبه لهم شخص ذو لباس اسود اللون كان يراقبهم من على منارة الميناء هذا الشخص يدعى–البير-
وهو اخ الانسة ديانا وكان احد أعضاء عصابة الروجر فمامضى وما زاد اندهاشه هو وجود آرثر معهم , فنزل مرحبا بهم قائلا:
أهلا أهلا بكم أيها الشجعان ارجوا أن تكون رحلتكم رحلة ناجحة .
فقال احد البحارة- لاخير فيها , لم نصطد سمكة واحدة فبدرت لألبير في تلك اللحظة
فكرة خبيثة .
كان القبطان اندريه ينظر إليه نظرة شك فسأله- الم نلتق ؟ يبدوا أننا التقينا في زمن مضى
قال ألبير -لا اعتقد ذلك سيدي فانا لم أغادر هذه الجزيرة أبدا ثم قال :
اهلا بكم تفضلوا لي مطعم قريب كلوا ماشىتم وبالمجان.
ففرح البحارة وشكروه على كرمه .وفتح لهم بعد ذلك أبواب منزله لكي يناموا فيه تلك الليلة وحين جن الظلام وبينما كان الجميع نيام تسلل ألبير للغرفة التي كان ينام فيها آرثر والقبطان
فقام بإيقاظ آرثر وطلب منه الصمت وحينما خرجا وأصبحا لوحدهما
قال ألبير لآرثر -الم تعرفني ؟
آرثر: لا سيدي لم أعرفك
ألبير : أنا أخ ديانا الآنسة التي تتكفل برعاة أمك
فتعجب آرثر وقال :حقا وماذا تفعل هنا ؟
ألبير : لم استطع البقاء في فرنسا لفقري ولكن منذ أن أتيت إلى هذه الجزيرة أصبحت ثريا ولم تعد لي حاجة للصيد
آرثر : بما انك أصبحت ثريا لما لا تعود لفرنسا ؟
ألبير: لا يمكنني العودة فأنت تعرف القانون الفرنسي ينص على استعباد اليهود وأنا لا أريد أن أكون عبدا لأحد
آرثر : نعم معك حق
ألبير :لقد سمعت من أختي بان والدتك مريضة بمرض شديد ولا بد من علاجها
آرثر:وهو ينظر للأرض حزنا –نعم هو كذلك .ولا املك قطعة واحدة كنت اعلق أمالا كبيرة على هذه الرحلة لكن خاب أملي وإنا في حيرة من أمري
ألبير وهو ينظر إليه نظرة خبث : اسمع مارأيك أن تشاركني في صفقة ستجني من ورائها أموالا طائلة وبذلك تستطيع معالجة والدتك
آرثر : وهو مبتهج فرح : حقا ؟ وماهي قل؟
ألبير : اسمع أنا أريد الحصول على تلك السفينة .سفينة القبطان اندريه إنها سفينة قديمة وتساوي 100000/ مئة ألف قطعة ذهبية فان استطعت أخذها وبيعها
فسأجعلك غنيا بل أغنى شباب فرنسا كلها .
فتسلل الطمع إلى قلب آرثر وقال : وماذا سأفعل أنا ؟
ألبير: سأعطيك قارورة بها سائل منوم حين تقترب من ميناء فرنسا ضع منه القليل والقليل فقط في الطعام أو الشراب فمفعوله قوي جدا
آرثر : هذا سهل
ألبير : وحين تصل إلى الميناء ستلتقي برجل يدعى -جين-يأخذ هو السفينة وتأخذ أنت حصتك من المال
واتفق آرثر مع ألبير على تنفيذ هذه الخطة القذرة .
الفصل الرابع
في صباح اليوم التالي غادرت السفينة ميناء الجزيرة مودعين ألبير ومتجهين نحو فرنسا .
كان آرثر يخبئ قارورة السائل في جيبه وهو ينتظر الفرصة المناسبة لتنفيذ الخطة بعد مرور شهر نادى القبطان -أن احضروا لنا الطعام .
فاقتنص آرثر الفرصة وسارع لوضع السائل في الطعام على غفلة من الجميع وبعد أن اجتمع البحارة حول مائدة الطعام , اختلق آرثر عذرا وقال اشعر بألم في بطني لذا لن أكل معكم
وماهي إلا ساعات حتى كان كل البحارة والقبطان ومساعده لوبان ملقيين على سطح السفينة بلا حراك وبرزت منارة ميناء البلدة من بعيد بعد سويعات .
هاهي السفينة الآن ترسو بالميناء والتقى آرثر بمجموعة من الرجال ذوي المعاطف السوداء فسألهم قائلا من منكم يدعى جيم فتكلم احدهم : إنا وأضاف قائلا : هل أرسلك ألبير ؟
آرثر : نعم وهذه السفينة أصبحت ألان ملكا لكم .
ثم رمى احدهم حقيبة سوداء لآرثر حين تفقدها وجدها مملوءة بالمال فاتسعت عيناه فرحا ثم قال لهم : انتهت مهمتي وداعا.
قال المدعو جيم والصيادون أين هم ؟
آرثر : هم على متنها لكن لا تخف لن يستيقظوا حتى صباح الغد وانطلق راكضا مسرورا لأنه يملك المال الكافي لعالج والدته .وبعد وصوله استغرب وتفاجأ فقد وجد المنزل مغلقا ,فطرق الباب لكن لم يجد احد فذهب لبيت احد الجيران
وسأله فأجاب : آه أيها الشاب لقد توفيت السيدة –اراني- منذ شهرين وغادرت الآنسة ديانا لسويسرا فنزل الخبر على آرثر كالصاعقة .فلو أن نيزكا ضرب الأرض لكان أهون عليه من سماع هكذا خبر وخر على الأرض مغميا عله
الفصل الخامس
في صباح اليوم التالي فتح آرثر عيناه فإذا به يرى بعض رجال الشرطة عن يمينه وبعض جيرانه عن شماله
فسأله المحقق الذي كان قف عند رأسه وكان يدعى المحقق –قويندا :
كيف حالك أيها الشاب؟
بخر والحمد لله مالامر؟
المحقق :لقد وجدنا بعض الصيادين ميتين على شاطئ الميناء وحسب
إفادة بعض الشهود فهم اصدقاوك الذين تعمل معهم
فقام آرثر مذعورا مندهشا : ماذا ميتين ؟
المحقق مستهزئا :نعم ونحن نسال كيف ماتوا جميعا وأنت لاتزال على قيد الحياة رغم انك كنت معهم في
رحلتهم الأخيرة؟
فتذكر آرثر القصة كاملة وعلم أن ألبير قد خدعه فاستسلم ولم ينكر وقص علهم القصة كاملة.
قضى آرثر عشر سنوات من عمره في السجن الحكومي ثم أفرج عنه ليجد نفسه فى لمح البصر يبلغ الثلاثين .
كان كلما يتذكر شيئا من الماضي الذي عاشه بحارا تدمع عيناه ويضيق صدره ويحتويه صمته ولا يجد ملجأ يلجا اله حين يحين موعد النوم يأتيه الماضي فى صور مخيفة وأشكال مرعبة فتطرد عنه نومه فإذا به قائم يتعرق.
رغم أن غرفته كانت مضاءة إلا انه كان يراها مظلمة كأنها قطعة من عذاب اليم .كان بصره لا يستطيع حتى أن يحدد باب الخروج أو على الأقل أن يحدد أين هي الطريق التي تؤدي إليه
وفي صباح الواحد والعشرين من تموز 1445 وعلى الساعة الثالثة صباحا وجد بعض البحارة على شاطئ الميناء جثة الشاب آرثر مرمية في نفس المكان الذي وجد فيه أصدقاؤه البحارة وقارورة السم مرمية بجانبه
الفصل السادس
مرت على هذه الحادثة خمس سنوات وعادت الآنسة ديانا إلى بلدة بريست
بعد أن علمت بموت آرثر فقد اخبرها ألبير بالقصة كاملة وأقامت في نفس المنزل الذي كانت ترعى فيه السيدة اراني وهي تسترجع بخيالها لذكريات الماضي معها في كل زاوية من زوايا المنزل .
وفي ليلة من ليالي الخريف الباردة بينما كانت ديانا تخيط إحدى ملابسها سمعت صوتا غريبا خارج المنزل فتحت النافذة وألقت نظرة لكنها لم تجد شيئا فعادت لمكانها وماهي إلا لحظات حتى طرق الباب مجددا فنادت بصوت مرتفع : من هناك ؟ من الطارق ؟
لكن لا احد يجيب فقامت واتجهت نحو الباب
وحينما فتحته إذ بآرثر يقف بشحمه ولحمه أمامها ……….
-النهاية…
بقلم سمير حمانى