ذلك الخنزير موران مقال للكاتب أحمد خالد توفيق . يتناول فيه الحديث عن موضوع صناعة الشخصية السيئة في المجتمع من أجل أن يرضى أفراده عن أنفسهم
ذلك الخنزير مورات
للكاتب : أحمد خالد توفيق
كان صديقي هذا نذلاً·· الكل يعرف هذا ويؤمن به·· لقد تخلى عن زوجته وسافر إلى الخارج بدعوى العمل، وهو يعيش حياة عابثة كما يعرف الجميع، ولا يرسل قرشاً إلى زوجته وأولاده المقيمين في مصر·· يكدس المال بينما أبناؤه جياع بالمعنى الحرفي للكلمة، وزوجته تزعم لنفسها أن زوجها مكافح نبيل وأنه لا يخدعها·· لابد أن تعتقد ذلك كي لا تجن·
هكذا صار من المعتاد في أي جلسة لأصدقائنا أن يصل أحدهم غارقاً في العرق من الخارج فيجلس ويشرب كوباً من الماء البارد ويقول:
- ”هل علمتم ما فعله النذل (مروان ) مع زوجته؟”
ويحكي قصة جديدة نسمعها في انتباه ونمصمص شفاهنا ويقول أحدنا: - ”يا له من نذل!”
ويقول آخر: - ”المرء يكتشف مع أمثال هذا الوغد أنه ملاك مجنح، وأنه طاهر الذيل كالأطفال”·
بعد أعوام وعشرات الجلسات المماثلة فطنت إلى أننا في كل مرة نحكي قصة تدل على نذالته ثم نندهش·· ألا يبدو هذا غريباً؟ من المفترض أننا أنهينا الدهشة منذ زمن وصار كل شيء قابلاً للتصديق، دعك من أن الموضوع صار مملاً فعلاً (يا له من نذل·· كم نحن رائعون)·· هكذا في كل مرة·
هنا فطنت للحقيقة: أمثال (مروان ) هؤلاء مهمون جداً جداً لنا، لأنهم يشعروننا بالرضا عن أنفسنا، يشعروننا بأننا رائعون طاهرون، هكذا، نشعر براحة ولذة كلما سمعنا عن شيء جديد فعله ولم نفعله نحن·· لا يمكن الاستغناء عنه في حياتنا·· إنه لنا كالماء والهواء·
عندما تشتم (مروان ) تشعر بالتفوق والتميز وأنك افضل، معنى هذا أن مروان أهم شيء في حياتنا ومن دونه لانتهينا تماماً، إنه نموذج البطل الذي (يحب الناس أن يكرهوه) كما يقول الغربيون·
تذكرت قصة قديمة اسمها (ذلك الخنزير موران) للأديب العبقري (جي دي موباسان) وتحكي عن غريب قصد قرية فرنسية فوجد أن الناس جميعاً يشتمون (ذلك الخنزير موران) يقولونها بعد كل وجبة وعند كل لقاء ويشعرون بعدها برضا شديد·
عندما تحرى الأمر عرف أن ذلك الخنزير موران مجرد قروي بائس قصد القرية منذ أعوام، فرأى فتاة جميلة من بناتها، فَقَدَ صوابه أمام الجمال وطبع قبلة مفاجئة على خدها، النتيجة أن الفتاة صفعته، وبعد هذا ضربته القرية كلها وطردته، ومنذ ذلك الحين صار رمزاً للأوغاد في هذا العالم، وصارت زيارة (الخنزير موران) للقرية تاريخاً يربطون به الأحداث·
يتعرف راوي القصة إلى الفتاة التي فَقَدَ (موران) صوابه معها، ويعجب بها كثيراً ثم يقيم علاقة معها فترحب به، لكنهما لا ينسيان أن يلعنا من وقت لآخر (ذلك الخنزير موران) الذي جلب العار للبلدة·· البلدة كلها تمارس الخطيئة وتنافق وتكذب، لكنهم جميعاً لا ينسون أن يشتموا موران لأن هذا يشعرهم بأنهم أفضل·
تذكرت هذه القصة ونحن نتحدث عن (مروان ) النذل وشعرنا بالتفوق وحمدنا الله على أننا لسنا هو، لكن أحدنا قال متأملاً وهو يبرم شاربه: - ”لا أدري ما الذي يعجب البنات الغربيات فيه، أنا أعتبر نفسي أوسم منه بمراحل”·
بينما تذكر آخر أنه لم يعط زوجته نقوداً منذ أسبوع لأنها (قليلة الأدب وغير مطيعة)، هكذا رحنا جميعاً نهنئه على حزمه وقوة شخصيته·
وقال أحدهم: - ”نعم·· نحن لسنا أزواجاً مخلصين ولا نعني ببيوتنا كما يجب، لكن مهما انحدر أحدنا فبوسعه أن يقول في فخر: أنا لم أصر نذلاً مثل·· مثل··”·
قلت أنا من بين أسناني: - ”ذلك الخنزير موران”·
هنا نظروا لي في حيرة وسألوا: - ”مَن؟”
أجبت مصححاً بسرعة: - ”أعني ذلك الخنزير مروان ”· مروان يشبه موران فعلاً·· كيف لم ألحظ هذا التشابه في حروف الاسمين إلا الآن؟”·
فليحفظ لنا الله (مروان) من كل سوء ويبقيه لنا، كي نظل معتقدين أننا على ما يرام وأنه لا بأس بنا·