Site icon حديقة المقالات

التناجي بلا حساب

التناجي بلا حساب

التناجي بلا حساب

التناجي بلا حساب مقال للكاتب فارس محمدعمر توفيق ، عن الاسم و الكنية و اللقب ، وأيهما أحب بالنداء وأولى بالتعريف ، مقال أدبي جميل

التناجي بلا حساب

فارس محمدعمر توفيق

إسمي هو لي، كان من قبل أن يعرفني بشر، أُنادى به يوم العرض أمام من اختاره أولا وأحياني مرات،

لا يعدِلُه ولا يُغني عنه حروفٌ وكلمات قبله ولا بعده ولا عوضا عنه.

إسمي هو شأني وذاتي، ولدتُ ونشأت وأموت به، لا أظل أبالي وأترقب وأنتظر حروفا وكلمات غيره لنفسي.

لا أشتط بالاهتمام وأتبرأ من إسمي وأتنزه عنه فأبث حسابا عسيرا في نفوس غيري من أجل أن يفكر أحدهم ويتردد عند مناداتي وعند الحديث معي وعني.

ترى أسبابا تجعلك تهتم أشد الاهتمام وتحرص أشد الحرص على أن تناديني بغير اسم وضعه لي خالقنا في اللوح المحفوظ من قبل أن توجد أنت وأنا.

تسرد حججا تجعلك تقف لحظة تستحضر فيها ما تناديني به إضافة إلى إسمي أو كنية غير اسمي، قبل أن تستطيع أن تبوح لي أو عني بما تريد.

مهما كانت الأسباب وتعددت الحجج، فليس لها بيننا مكان مادمنا صادقين في مودتنا وارتقاء عقولنا.

وإن أنت بقيت لا تناديني إلا بكنية أو بصفة، إن أنت فعلتَ ذلك كل مرة فاعلم أن هذا لا يزيدني -ولم يزدني قط- امتنانا وسرورا بل تعجباً وإنكارا.

علماءٌ وأفذاذ كانوا يُنادَوْن بأسمائهم مرات وبكنياتهم وبصفاتهم مرات أخرى وما عبأوا مرة ولا أوعزوا برفض ولا بإشارة.

إن أنت طلبتَ يا صاحبي ألا تُنادى وألا تُذكر إلا بلواصق قبل اسمك أو بعده أو بغير اسمك ولا تقبل بغير ذلك فسأفعل،

ولكني كل مرة أفعله أكون نافرا متعجبا لأني أُقحم حاجزا دون سهولة تخاطبنا وأمانة حديثنا.

أثقال وحواجز؟!

هل نطلب بالتكنّي الإحترام لأنفسنا من بعضنا؟

ولم نطلبه ونحن لسنا نتسابّ فيما بيننا؟!

أوليس ما بيننا إلا الاحترام في المعاملة؟

أوننسى أعواما ملؤها أدب ولطف فنختزلها بتفاصيلها وجمالها كلها في بضعة أحرف تضيفها لاسمي وأضيفها لاسمك

أو في صفة أجعلها لك وتجعلها لي، فنثقل بذلك على أنفسنا بأن نصر دائما وأبدا إصرارا لازما أن يقول أحدنا لصاحبه يا أبافلان أو يناديه بصفة أخرى من مهنة أو من عمل أو غيره،

ويتحاشى أعظم التحاشي ذكر اسمه المشهور المعروف، كما يتحاشى إتيان ذنب عظيم؟! يا للعجب!

أوَتراني أتركُ المودة وأتغاضى عن العشرة لأفكر وأراقبك كيف تناديني وتذكرني وأجعله وحده هو دليل الصلة بيننا؟!

محال محال.

أنقبل بسدود لا تكون معها أنفسنا شفافة لنا ولا لبعضنا فنعدُّ على بعضنا الكلمة ويتحرّج أحدنا بداية حديث وإكماله ومناداة صاحبه إلا بكنية وبصفة، وإلا صعب علينا الحديث؟

وهل تظنني أُصعّر خدي فلا أرد إن كلمتني أنت وغيرك باسمي مجردا؟ محال محال.

سجناء حواجز العادات لسنا بحاجة لإثبات ما بيننا أمامهم.

قصورهم عن إدراك الاحترام بيننا وغفلتهم عن معرفة تفقّد أحدنا وحبه للآخر هو شأنهم ولا يعنينا.

فليعبدوا الكنايات والصفات وليعيشوا حرجهم وترددهم مع بعضهم في نواديهم،

ولنبق نحن أخلاء لا وقفة بيننا في كلامنا وحدنا وأمام غيرنا.

أيها الحبيب..

أخي في الدين والقربى والرحم والإنسانية: فلنفهم أن إسمي واسمك ليس عاراً أن يُذكر وحده أحيانا.

إبتهجَت به ألسُن والدينا من قبل، هو فخر وشخصية وعزيمة نداء وتلبية، وهو ذات كريمة فوق القشور،

ثابت منذ برأ مولانا الأرض وبعد أن يرثها، وما سواه ذاهب.

وكيف أقدم لنفسي ولنفسك أحرفا وصفة واسما جاء من بعد الإسم الأول الثابت؟

كيف نجعل المؤقت الطاريء أولى من الأصل الباقي؟!

إن كان ثمة من يرى اسمه عيبا يخشى ذكره والنداء به، فانا أحب اسمي وأفضله على كل سابقة له ولاحقة وعلى كل صفة.

صحيح أني لا يضرني البتة مناداتك لي بمقدمة أو بكنية أو بصفة، لكني أيضا لا أقابل قلقك بمثله إن لم تفعل،

لا والله ولا حتى إن أنت وُلدتَ بعدي بسنوات، فأنا لستُ خيرا من قدوات أضاؤوا التاريخ ونودوا بأسمائهم المحضة.

أكره الظن أيها الحبيب أنك تهتم إن خاطبتك باسمك أحيانا.

ما أسعدنا في بساطة أحاديثنا وفي مناجاتنا بلا تردد ولا توجّس لا يلِذُّ ولا يطيبُ بين راشدين وأخلاء.

صعب؟ لا، ليس صعبا إلا بين غير الأحبة ولا القريبين من بعضهم.

هو صعب بين أدعياء الأخوة والتواضع والفكر وقلوبهم وعقولهم شتى.

إن ظننته أول الأمر صعبا، فعلاجه سهل وهو أن تدخل عالم مراجعة النفس وتقديم العقل على السفاسف.

تأمل ببصيرتك وتعرّف على مبالغات تغلفها أوهام براقة حولنا.

إن فعلتَ واكتشفتها وجدت طمأنينة لذيذة وحياة أوسع من الإدراك، وعلوت بذاتٍ تنزهت عن أثقال قاتمة إلى جو تتنفسه براحة ومتعة.

الكلام العفوي يصدر من القلب ومكانه القلب والحديث السلس يخرج بكل ما في النفس ويعبر عنها بلا عوائق ولا حسابات.

أرجوك تذكّر ألا أحد يُحرّم النداء بكنية وبمقدمة وبلقب وبصفة، لكن لا أحد يَقدِر أن يدّعي وجوب ذلك كل مرة ولا أن يجعله وسواسا عند نداء اسم أو عند ذكره.

المناداة إن تغيرت بيننا ساعة وساعة فليست نهاية حياة ولا مصيبة المصائب، بل تأكيداً لتراحمنا وتفاهمنا ورقي أحاديثنا وترفّع أنفسنا، رقي وترفع لا تعكرهما عقد طفولية ولا دنيوية.

كم تنادى أقوام بتكلّف وبحساب وقلوبهم شتى، وكم تصارح وتبسط أقوام في أحاديثهم وهم متفاهمون منسجمون سعداء.


فارس محمدعمر توفيق

equalandfree@hotmail.com

Exit mobile version