ارحل بأناقة …! مقال للكاتبة د. نيرمين ماجد البورنو . اذا أردت الرحيل أرحل من حياة الناس بأناقة وأدب ولا تنزع حبك من قلوبهم ببشاعة لأن المواقف تعيش بالذاكرة أكثر من الأسماء
ارحل بأناقة …!
د. نيرمين ماجد البورنو
كثيرة هي الصعاب والمشاكل والظروف والضغوط التي نواجها في حياتنا والتي قد تضطرنا للرحيل بصمت دون عودة, فقد نتألم وننجرح ولكننا قد نوقن حق اليقين بأن ما نقوم به هو الصواب,
وأوقات نحن بحاجة الى الخلاف لنعرف من يصمد بجوارنا ومن يرحل, فلتكن النهايات أخلاق فأختر أنت أخلاقك,
وأعمل بالمثل “إذا كنت رايح لا تكثر الفضايح”,
فاذا أردت الرحيل أرحل من حياة الناس بأناقة وأدب ولا تنزع حبك من قلوبهم ببشاعة لأن المواقف تعيش بالذاكرة أكثر من الأسماء,
وحاول أن تترك أثرا طيبا كوردة فواح عبيرها وعطرها بدلا من الجرح والقسوة,
وأكرم قلبا كان يوما موطنك فهمها كرهت وظلمت من كنت تحب فانك لا تستطيع أن تراه يتأذى فليكن أذن فراقك جميلا كقربك !
فلقد صدق أبو نواس حينما قال : “إنما يفتضح العاشق في وقت الرحيل”.
عندما تقرر الرحيل
عندما تقرر الرحيل لا تضيع وقتك في البحث في أحشاء اللغة لانتقاء كلمات الاعتذار والوداع والحب,
فكل الكلمات والقواميس حينها مجرد محاولات فاشلة لتبرير وتفسير هروبك,
نرحل بصمت أحيانا ليس لضعف وسذاجة فينا بل لان كل شيء انتهي ولن يعود كما كان فما فائدة الحديث فيما مضي وكان ! فاذا احسست بان وجودك كعدمه وان كلامك لم يجد صدي أو أثر ودموعك اذرفت ولم تجد من يمسحها ويلملمها,
وان المكان ليس مكانك والاحساس ليس احساسك وان الأشياء حولك لم تعد تشبهك وان مدن احلامك لم تعد تتسع لك عندها لا تتردد فمن الافضل لك ان ترحل بصمت,
فالرحيل هو أجمل هدية لنفسك لأنك بها تختصر مسافات الألم والفشل والاكتئاب, وإياك أن تستغني عن شخصيتك الفريدة لتعجب أحد.
أصعب رحيل
أصعب رحيل نحياه هو رحيل من نحب من دنيانا خاصة لو كان أبا أو أما أو زوجا أو حتى جدة أو جد وحتى صديق
فينتابنا الألم والحزن والهم لأن مصيبتنا هنا كبيرة بمثابة الصدمة,
ربما لأنها مرتبطة بأيام جميله وذكريات أيام الصبا فنتذكر عطفهم وحبهم وأحضانهم الدافئة,
ما زلت اؤمن أن الانسان لا يموت دفعة واحدة,
وانما يموت بطريقة الأجزاء فكلما رحل صديق اعتبرته روح متأصلة فيك مات جزء,
وكلما غادرنا حبيب مات جزء وكلما قتل حلم من أحلامنا التي كنا نسعي لتحقيقها مات جزء
فيأتي الموت الأكبر ليجد كل الأجزاء ميته فيحملها ويرحل,
ما أصعب الرحيل
فلوعته مرة ينتشل السعادة معه فيغيب المرح والابتسامة والروح لحظتها نشعر بأن الحياة أبت واستكثرت أن تمنحنا لحظة فرح نحس بها,
هكذا هيا الحياة لا تصفو لأحد حزن وفرح ولقاء ووداع , عسر ويسر,
لا تدوم على حال فيها من التقلبات الكثير ونحن معها نتقلب بأحاسيسنا ومشاعرنا نفرح باللقاء ونحزن عند الوداع,
فوداع الأحبة غصةً تظل عالقة بالقلب طول العمر,
احبب ما شئت فانك مفارقة ربما تعد تلك العبارة التي تنسب لسيدنا على بن ابي طالب من أصدق العبارات التي تعبر عن الفراق
فهو المصير الحتمي الذي ينتظر الناس كلها و لا بد من المرور به وملاقاته يوما ما ,
فالفراق سواء كان بأمر القدر و الموت او بأمر ظروف الحياة التي تتقلب و تباعد بين مسافات الاهل و المحبين و الاصدقاء
و أكثر ما يؤلم في الفراق هو الاشتياق و الحنين الجارف الذى يملأ القلب.
أناس تأتي وأناس تعود
أناس تأتي وأناس تعود وأناس تنسي المكان وتذهب,
والغريب بالأمر أن هناك أشخاص نفرح عند رحيلهم وأشخاص على النقيض نحزن لرحيلهم ,
وهناك أناس نتمنى لقاءهم وناس نتمنى الابتعاد عنهم وأناس نتذكرهم كل يوم بل كل لحظة,
سؤال يرادوني هل عندما نفترق ويرحلون ستبقي ذكرياتنا؟ أم ستمحي من عقولنا وفكرنا ويبقي أسمائهم مجرد حروف اندثرت ؟
في بداية العلاقة تظهر المشاعر وفي نهايتها تظهر الأخلاق! قيل إن أحد النبلاء تزوج امرأةً فلم يتفقا، فقيل له ما السبب؟ فقال: لا أتكلم عن عرضي! فلم يلبث قليلاً حتى طلقها، فقيل له ما السبب؟
قال: لا أتكلم عن امرأةٍ خرجتْ من ذمتي! والشيء بالشيءِ يُذكر, فلا تحكم على أخلاق الناس وهم في وئام،
لان أخلاقنا الحقيقية تظهر عندما نتخاصم ونفترق،
فلا تحكم على أخلاقي إذا أحضرتُ هدية لزوجتي والأمور بيننا على ما يرام، احكم على أخلاقي إذا وقع بيننا خلاف، تصرفاتي وقتها هي أنا حقيقة!
وهكذا أنا لا أحكم على برك لوالديك وهما ثريان صحيحان ترجو منهما مالاً وعطاءً،
وإنما يظهر برك إذا كانا فقيرين مريضين، هما في حاجتك وأنت في غنى عنهما،
فقد يحدث ان تقع قطيعة بين صديقين وحبيبين وزوجين وهجران ونكران بين شريكين وخصام بين عائلتين
هذه الاشياء كلها تقع دوما فهذه هي الحياة وهذه هي الاشياء التي قد تحدث فيها لكن وقوع هذه الامور شيء والفجور في الخصومة شيء آخر !
ان مشاهر البدايات تكمل الى ان تصبح في طورها الأخير اخلاق النهايات فنهايات بأخلاق وتسريح بإحسان لا ردحا وفضحا بافتنان ,
إن النبل هو نُبل الاختلاف لا نبل الاتفاق!