غراب كايزن !، مقال للأستاذ ناصر بن عبدالله الحميدي عن استرتيجية كايزن في الإدارة kaizen الاستراتيجية اليابانية لـ التغيير إلى الأفضل
غراب كايزن !
ناصر بن عبدالله الحميدي
لأجل “كايزن” ، تصور أن أمريكا تنفق أكثر من 150 مليار دولار على التدريب في العام، أي ما يقارب4 مليون دولار يومياً! ولحرص اليابان على “كايزن” فإنها قامت بعد الحرب العالمية الثانية بابتعاث ما يزيد عن 50,000 إداري في بعثات خارجية لا تزيد عن ستة أشهر! فأصبحت من الدول العصرية والصناعية الكبرى بفضل التدريب والتركيز عليه. و كيف إن أخبرتك بأن شركة تويوتا -مثلاً – في مطلع الخمسينات لم تكن إلا شركةً عاديةً في مجال صناعة السيارات النفعية والتجارية، ثم لم تلبث أن أصبحت في نهاية عام 2008 من أكبر مصنعي السيارات في العالم! هل تعلم لماذا؟ إنه بسبب اهتمامهم بـ “كايزن”!
وبحديثنا عن اليابان، إنّ مما أثار اهتمامي ولفت انتباهي.. تلك القصة عن الغراب الياباني! ذاك الغراب الذي استطاع في ظل التمدن أن يتكيَّف في بيئته الجديدة التي فاضت فيها التغيّرات المدنية الحديثة.. هذا الطائر الصغير قد جاع يوماً ، فقام وطفق بحثاً عن وجبة غداءه المفضلة، وهي اللوز. فلما وصل لشجرة اللوز، جعَل يُسقط اللوز منها ويرمي به على الشارع المعبد ليتكسّر، ولكن لم تُجدِ محاولاته نفعاً أبداً. مما جعل الغراب يبحث عن طريق آخر للكسر؛ فأخذ قطعة اللوز المستعصية ليلقيها في وسط زحام المركبات لتُحطمها عجلات السيارات؛ فتُصبح بالتالي وجبةَ غداءٍ جاهزة…ولكن! كان هذا الأمر يعرض حياته للخطر فمن المحتمل أن تدهسه تلك السيارات.. فأخذ الغراب يقلب تفكيره باحثاً عن مخرجٍ ما لهذه الأزمة.. ما الحل الذي قد يساعد هذا الطائر الأسود الصغير يا تُرى؟! بعد أن قلّب فِكرهُ وتردد بين الغصن على الشجر، وقطعة اللوز في الشارع، قاده تفكيره في نهاية المطاف إلى الحل! نعم، عليه استغلالُ الإشارة الحمراء لالتقاط تلك القطعة المستعصية من اللوز ، من دون ضرر ولا ضرار!. يا لهذا الغراب، لا يأبه للاستسلام! إن هذا الغُراب يا سادة لم يفعل شيئاً عدا أنَّهُ طبق استراتيجية “كايزن”!، وفي نهاية المطاف فاز بقطعة اللوز، وبغداء اليوم.
إنّ “كايزن” كلمة يابانية الأصل وتتركب من عنصرين، و تعني: «التغيير للأفضل»، فحواها هو الدعوة لتحقيق التحسين المستمر. وقد تم تطبيق النظرية في عدة ميادين خلال فترة إعادة إصلاح اليابان بعد الحرب العالمية الثانية. ومنذ ذلك الحين، انتشرت “كيازن” في ميادين الأعمال في كل أنحاء العالم. وإنه لمن من العجيب أن من سعى لتطبيقها في اليابان بعد إنتهاء الحرب هم الأمريكيون المحتلون! و مع ذلك تقبلها اليابانيون و احتضنوها و جعلوها فلسفة حياةٍ للشعب الياباني كُله دون غضاضة! ولتطبيق كايزن، هناك 4 خطوات : الأولى هي التخطيط، فنحن نحتاج هنا لتعريف المشكلة أو موضوع التغير. ومن ثم تأتي خطوة الأداء، ويعني: إيجاد حل للمشكلة. بعدها وفي الخطوة الثالثة يأتي التدقيق، ويعني اختبار جدوى الحل. وأخيرا: التطبيق، وهو تطبيق الحل بعد دراسة جدواه. ولو رجعت الى قصة صاحبنا الغراب لوجدته قد طبق هذه الخطوات الأربع على نفس الترتيب!
ودعني يا أخي القارئ أتطرق بك إلى مفهوم “كايزن” في الإسلام، نستطيع أن نصفها باختصار بأنها تعني: إتقان وإحسان. إتقانٌ للعمل، وإحسانٌ مستمر لا يتوقف، وهذه كلماتٌ ليست غريبة أبداً عن أدبيات ديننا الحنيف. أيها القارئ الكريم! إن الله – سبحانه وتعالى – أبدع الكون حولنا بدقةٍ وإحكام؛ كي نأخذ من ذلك العبرة في إتقان جميع أعمالنا. وقد عبّر النبي – صلى الله عليه وسلم – عن قيمة الإتقان بلفظ أرقى وأبلغ من مجرد الإتقان، ألا وهو الإحسان! والإحسان أن نتقن أعمالنا ونحن نستشعر مراقبة الله لنا، كما يُفهم من قوله – صلى الله عليه وسلم -: ((الإحسان أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك)).
لذا، فإنّ أي نشاط فيه عملٌ مفيد وعمل غير مفيد، وإنّ أيَّ عملٍ فيه قيمة مضافةٌ وفيه هدر. وفلسفة “كايزن” تأتي لتقول لنا: إنها عملية نشاط مفيدٍ بدون هدر.
ختاماً: إنّ التغيير والتطوير سنن كونية تُستمدُّ من الذات، كما أخبرنا ذو العزة والجلال : {إنَّ الله لا يغيّرُ ما بقومٍ حتى يغيروا ما بأنفسهم}.
ناصر بن عبدالله الحميدي