عام يمضي وآخر يأتي ، خواطر الكاتب فؤاد الكنجي في استقبال العام الميلادي ٢٠١٩ ، دعوة للنهوض ونسيان الماضي، واستثمار الفرصة الأخيرة ، وليكن يقينك بأنك لن تنزل النهر مرتين
عام يمضي وآخر يأتي .. وليكن يقينك بأنك لن تنزل النهر مرتين
فواد الكنجي
عام يمضي من حساب الزمن وعام أخر يأتي؛ وفي ذاكرة الروح تبقى تفاصيل الأيام والسنين الماضية محتفظة بإسرارها.. بأوجاعها وأفراحها.. بآلامها و آمالها.. بإحزانها ومسراتها.. بإخفاقاتها ونجاحاتها.. بدموعنا وأفراحنا.. وبأحلامنا.. وأمانينا.. وطموحاتنا،
نذهب.. نعود.. نمشي.. نهرول.. نركض.. نتعب.. نقف.. نصعد.. نزل.. نتعثر.. نسقط.. ننهض.. نعلو.. نهبط.. نفرح.. نبكي؛
تهزنا الانكسارات والخسائر.. وتسكننا الكوابيس والأحلام والانغلاق والانسداد؛
ويوقظنا الحب والأحلام الجميلة؛ ليحملنا الزمن إلى رقم جديد من أرقام الأعوام الميلادية ونحن في هذه اللحظات الفاصلة نودع عام 2018 لنستقبل عام جديد 2019
وكلنا أمل وأمنيات إن يحمل كل ما يسر في قادم الأيام؛
في وقت الذي نقف في مثل هكذا مناسبات نتأمل ما تم حصاده على بيادر العمر؛
فننظر إلى الخلف بحسرات ودموع على من رحل عنا ليبقى مقيمنا في أعماق أرواحنا؛
كمن وقف معنا أيام المحن والشدائد والضيق وشاركنا أفراحنا وإحزاننا؛
ونتوجه بالرؤية إلى الإمام على ما لسنا نعلم عن أي امتحان سيختبرنا الزمن القادم في العام الجديد الأتي….!
فواصل زمن العمر
إن وقوفنا في هذه اللحظات من فواصل زمن العمر الذي يمضي مهرولا دون توقف.. ودون إشارات مرور.. ودون تحذير عن وجود منحدرات ومنعطفات؛
هو وقوفا حذر في مهب أعاصير الرياح التي تأخذ أوراق الصفراء الذابلة من الشجر وهي تتساقط فتذريها الرياح في الطرقات،
لنتأمل من الموسم القادم بصفاء السماء والشمس؛
تبرعم الأشجار لتنمو أوراق جديدة خضراء لتزهو في ربيعها بكل ما تسر القلوب، لتمنحنا فرصة لنستهل بورودها مداخل أيامنا بعمر يكون مداده عطاء مثمر لأوطاننا وللبشرية جمعاء.
لا حرب ولا دمار.. لا تهجير ولا نزوح.. لا اغتراب ولا نفي.. لا نار ولا رماد.. لا تفجير ولا دمار.. لا خطف ولا تهديد.. لا قتل ولا إبادة.. لا اسر ولا اغتصاب..
لينتهي العويل والصرخات.. ولتنتهي الحرائق والمجاعات.. ولترفع المتاريس والأسلاك الشائكة والحواجز..
لا نريد مزيدا من خرائط التقسيم.. لا نريد أوطان بلا امن واستقرار.. لا نريد التخلف والطغيان الفساد.. لا نريد انكسارات.. ولا انهزام.. ولا تراجع.. ولا خذلان..
لا نريد إن يؤشر إلينا كأمة راعية للإرهاب.. لا نريد إن نبقى امة تأكل أكثر مما تزرع،
نريد إن تحل علينا سنة جديدة نحرر فيها ذواتنا من هذا اليأس الذي يأكل قلوبنا ويهزمنا في كل دقيقة ألف مرة ومرة..
لا نريد إن تكبر في ذواتنا المنافي فتؤنسها الوحشة والاغتراب؛
كفانا غربة وضياع في مسالك التخلف وللامبالاة…..!
لنمحى هذا التدمير من الذات بكل مآسيه.. وإحباطه.. وهزائمه؛
كفانا توغل في الكوارث والمصائب بما ندمر أمننا.. واستقرارنا.. وقيمنا.. وثقافتنا.. وحضارتنا.. وتاريخنا..
ونساهم مع من يريد تجزئتنا بما هو مجزأ أصلا أكثر وأكثر لسحق وتدمير وتغير معالم الحضارة والتاريخ و الجغرافية وجودنا…..!
ولنبدأ كما يبدأ العام الجديد بلحظات زمن جديد؛
لأنك لن تنزل النهر مرتين؛
وعلينا اليوم إن نتعلم هذه اللغة الفلسفية وإن نحاور ذواتنا في لحظات هذا الزمن،
كيف نجدد حياتنا بلغة العقل والمنطق، فنشرع لترسيخ قيم العلم والمعرفة والأخلاق على مستوى الفرد والأسرة والمجتمع؛
لأنهما من أهم مقومات البناء والنهضة والرقي الحضاري على مستوى الوطني والإنساني؛
والتمسك بقيمها يعتبر ركيزة من ركائز الأساسية والمهمة في تهذيب سلوك الفرد وتنظيم علاقاته مع الآخرين ابتداء بالتصالح والحوار والتفاهم وقبول الآخر من ألأديان ألأخرى بعقائدهم وأعرافهم ومذاهبهم،
ليتم في المجتمع الذي نحن جزء منه ونعيش فيه؛ شيوع الألفة و المحبة والتماسك بين جميع الإفراد والأسر كخلايا تغذي المجتمع بقيم إنسانية راقية؛
ليتم بناء أسس سليمة لتعايش السلمي ليس مع أبناء الوطن الواحد بل مع أبناء الأمم الأخرى عبر الحوار والتفاهم والمصالح المشتركة،
وهكذا يتم استنطاق المشاريع الحضارية للأمة من اجل نهضتها واستحداثها استحداثا حضاريا معاصرا مع تطور المجتمعات؛
وبهذه أساليب يتم تنمية قدرات امتنا واستنهاض وعيها وطاقاتها من أجل رفع شان أوطاننا ومجتمعاتنا؛
ليتم عبر هذه الأساليب الحضارية بناء نمط راقيا من أنماط الرقي الحضاري بموؤسساته التربوية والتعليمية والثقافية والاجتماعية والسياسية والاقتصادية.
مع إطلالة العام الجديد
ومن هنا علينا إن نبدأ كما نحن الآن نبدأ مع إطلالة العام الجديد؛ وفي دواخلنا أحلام وطموحات نسعى لتحقيقها؛
فعلينا إن نستوعب الركائز الأساسية للثقافة وللفلسفة العقلانية المبنية بقيم العلم والمعرفة
وبتقبلنا روح النقد من اجل البناء والتغير واستكشاف كل ما هو جديد يخدم نهضتنا وفق أجواء من الحرية والديمقراطية،
لأنه ما لم نفهم حقيقة الوجود المادي مع حقيقة الوجود الاجتماعي والأخلاقي وما يلعبه التاريخ الموضوعي في بناء المفاهيم الوطنية المعاصرة، يصعب فهم إدراكها إدراكا ذاتيا بما يلبي احتياجات التطور الديمقراطي السياسي والاجتماعي والاقتصادي لبلداننا،
لأنه لا يمكن تأسيس لمرحلة مقبلة تعيد صياغة البناء المعرفي والثقافي لمجتمعاتنا ما لم نفهم حقيقة هذه الأسس؛
ليتم توجه الأفراد بما يخدم أوطانهم وبما يعزز مفاهيم تقبل الأخر والاشتراك والمساهمة معا بروح المحبة والإخلاص لبناء والاستثمار في تنمية أوطاننا علميا ومعرفيا وزراعيا واقتصاديا؛ بما يخدم المجتمع والوطن وبما يلغي اللامبالاة والعجز والتكاسل والهروب من المواجهة،
لان (لا) نهضة بدون مساهمة كل أفراد المجتمع في بناء أوطانهم بناءا أفقيا وعموديا
ورغبتهم وحرصهم ومساهمتهم في صناعة التاريخ وإضاءته ليكون دورهم دورا فاعلا ومؤثرا في صياغة تاريخ وأحداث الزمن الآتي؛
ودائما مسافة الألف ميل تبدأ بالخطوة الأولى، وهذه الخطوة لا بد إن تبدأ ببصمة واضحة لذات تسعى إلى الإنتاج لا إلى الاستهلاك والتبذير؛
لنتمكن من تجاوز المراحل التي قصمت ظهر مجتمعاتنا بالتخلف واللامبالاة والخضوع والتبعية والعزلة،
وعلينا إن نتحدى ونقاوم لتغير واقعنا من كل مظاهر التخلف، ولن يكون ذلك متاحا إلا حينما نبدأ بمؤوسسات التربية والتعليم
التي تتحمل القسط الأكبر من المسؤولية التاريخية لبناء أجيال قادرة لفهم الواقع والتغيرات الحاصلة في العالم بوعي ثقافي وأخلاقي.
لان لا طريق لنا غير هذا المسلك لتغير واقعنا تغيرا ثوريا بما نجعل العدل والمساواة والحرية والديمقراطية أساسا لتوجهنا الثوري نحو التغير؛
بعد إن دبت حالة الفوضى وعدم الاستقرار في بنية الحياة الاجتماعية والثقافية والسياسية والاقتصادية
والتي أثرت سلبا في تركيبة الفرد الشخصية والسلوكية لعموم مجتمعاتنا الشرقية في الوطن العربي،
نتيجة تنامي الفكر الإرهابي الذي استغل الظروف الاجتماعية القاهرة التي كانت اغلب بلدان منطقتنا تقع تحت تأثيراتها
والتي أوقعت حالة شاذة في نفوس الشباب بعد إن دب اليأس والقهر والجوع والبطالة والعوز بين صفوفهم؛ فأصبحوا هدف لتجنيدهم من قبل عصابات الإرهاب،
هذا الإرهاب الذي لم يعرف الحوار إلا بلغة القتل والدمار والتهديد، ولم يفهم لغة المنطق والعقل؛
ليتوجه قولا وفعلا في مصادرة حق الإنسان في كل شي؛ في سلوكه و في أمنه الشخصي وفي معتقداته،
ليوسعوا أنشطتهم بتوسيع دائرة الصراعات الطائفة والمذهبية وزرع الفتن والتناحر المجتمعي في المجتمع؛
لتنتقل من جيل إلى جيل كآفة و وباء لتبتلي منطقتنا بشعاراتهم الإقصائية المتطرفة؛
لتقوض فرص الإنماء والتنمية والازدهار؛ لتخلف لنا هذه الانكسارات المروعة في القيم والأخلاق؛
نوع من العيش الغير المجدي يشعر بقسوتها الإنسان الشرقي؛ فيجاري ذاته في هذا الوضع الشاذ بعجز وهو يرى بأم عينه ويشعر ويحس كيف تنهار قيم المواطنة والوطن وعلى كل المستويات تنمويا وتربويا وسياسيا واقتصاديا؛
لتصيب مجتمعاتنا شلل تام في كل مفاصل الحياة بانهيار أوضاعنا الداخلية عبر استشراء الفساد والاستغلال والنفاق ونهب الأموال العامة، بما يكرس في المجتمع من التناحر والصراع والمحاصصه على السلطة بشكل غير أخلاقي،
مظاهر تثير فينا ألأسى والألم؛ وهو ما يستوجب استنفار الهمم والتحدي والمقاومة من اجل التغير،
وعلينا إن نعي مخاطر ما يحصل على ارض الواقع لننطلق منها لإصلاح واقعنا بالعمل الثوري الناضج؛
لننقذ مستقبل الأجيال القادمة من هذا الدمار الذي جرف مقدرات دولنا واحرقها بقيم التخلف واللامبالاة والتي أصبحت بمرور الأيام والسنيين عبئنا ثقيلا يرهق مسار النهضة والاستشراق.
فان كانت وطأة السنين الماضية اشد آلما بما أتت من منغصات الحياة؛ فعلينا بكل ما أتت من مآسي.. وأحداث مفجعة.. ومصائب.. وإحباط.. وانكسارات.. وأوجاع.. والآم؛ أن نودعها بقوة الإرادة والعقل والمعرفة؛
كما نودع في هذه الفواصل الزمنية من عمر الزمن من عام يمضي لنستقبل عام جديد؛
وليكن فعلنا فيه نحو التغير.. والعمل الجاد.. والكفاح.. ومقاومة كل بؤر الفساد والشر والطغيان،
ولنستقبل العام الجديد 2019 وكلنا عزم.. وإصرار.. وعمل.. وكفاح.. ومقاومة على محو ما أصاب الإنسان والوطن من انكسارات مروعة في تاريخنا المعاصر؛
لنأخذ من تلك المسببات منطلقا لتجاوزها بالعمل والبناء وبناء شخصية الإنسان قادرة ومتمكنة ومكافحة ومقاومة لكل إشكال الرذيلة والفساد والطغيان؛
بمنحنى نؤمن الحياة للإنسان بالكرامة.. والعز.. والشموخ.. وبإدامة أمنه.. واستقراره.. وازدهار اقتصاده وحياته الاجتماعية؛
بكل وسائل التربية والتعليم التي هي من تقوم مسار الحياة السليمة للإنسان الحر.
وعلينا ونحن في هذه الفواصل من زمن يمضي من عام.. وأخر يأتي
نحمل من تراكم تجاربنا عبرة ونضجا لتصحيح الأخطاء التي ارتكبناها في غفلة من الزمن ومن وعينا؛
وعلينا إن نتذكر كل ما مضى لكي لا نقترف الخطأ ذاته لا بحق أنفسنا ولا بحق الوطن،
هذا الوطن الذي يسكن أعماقنا..
هذا الوطن الذي نشعر فيه بالأمن.. والأمان.. وبالحب.. والحرية، \
هو اسمنا.. وهويتنا.. وشرفنا.. وفخرنا.. وسعدنا.. وشرفنا
بان يكون لكل واحد منا سجل حافل بخدمة العلم دفاعا عن أرضه وترابه الطاهر، لنتطلع بأوطاننا وبتاريخنا وحضارتنا لمستقبل مشرق.
عام جديد يطل علينا ولنا أمال وأمنيات؛ بان نتجاوز ما مر على فضائنا من بغض وحقد.. ومن دمار وخراب،
وليكن العام الجديد محطة نتجاوز بأفراحنا وأمالنا.. أوجاعنا السابقة،
فكلنا للوطن عشاق؛ ولان الحب في أعماقنا عمق تاريخ الوطن لا يموت.. ولا ينتهي.. ولا يعرف الحقد.. والبغض.. بقدر ما يحضن جميع أبناءه بحب وحنان ودفئ وصفاء دون تميز.
و علينا في هذه الفواصل بين عام يمضي.. وأخر يأتي، إن نسلط الضوء على جوانب المشرقة من حياتنا التي نسيناها وأهملناها بسبب الكوارث والحروب ومفاجآت القدر ومصائب الإرهاب وقسوة الزمن،
من الحب.. والوفاء.. والمودة.. والفضيلة.. والرحمة.. والمحبة.. والتسامح.. الإخاء.. والإحسان.. والصبر،
ولنسترجعها؛ لان جمال الروح لا تكتمل إلا بهذه القيم؛ لنديمهما ولنحصنها بعلاقاتنا النبيلة.. وبصداقاتنا المخلصة.. وجيرتنا الحميمة بالوفاء والأمانة.. والإخاء.. والتضحية.. والحب.. والعمل.. والبناء.. والصدق.. والإخلاص،
ولنديم هذا الجمال في نفوسنا بإبداعه شكلا ومضمونا بأضواء أحاسيسنا ومشاعرنا النبيلة،
ولنحجب الجانب المظلم منها بغياب العام الذي يمضي؛ و
لنتطلع بالحب على ما ستأتي الأيام الجديدة ونحن نستقبل عام جديد بحضور الحب والسلام .
فواد الكنجي